كونراد فرديناند ماير Conrad Ferdinand Meyer  شاعر وروائي سويسري، يعدُّ مع كِلَّر [ر] G.Keller وغوتْهِلْف [ر] J.Gotthelf من أبرز أدباء سويسرا الألمانية في القرن التاسع عشر؛ ولاسيما كأحد رواد الواقعية
 
ولد ماير في مدينة زوريخ Zürich، وتُوفِّي في ضاحيتها كيلشبرغ Kilchberg، وهو يتحدر من عائلة أرستقراطية عريقة. كان والده مستشاراً حكومياً ومؤرخاً له بالغ التأثير في تنشئة  ابنه فكرياً وتوجيهه نحو التاريخ القديم، لكنه تُوفِّي والفتى مازال في الخامسة عشرة، فتعرضت علاقته بوالدته المريضة نفسياً إلى اضطرابات مستمرة؛ مما اضطره إلى دخول مصح للأمراض العصبية نتيجة إحباطات شديدة ولم يتجاوز بعد العشرين من عمره. بعد إنهاء مرحلة التعليم الثانوي بدأ ماير دراسة الحقوق، لكنه سرعان ما التفت إلى دراسات خاصة في التاريخ والأدب، وتوصل إلى قناعة بأن الشخصيات العظيمة هي وحدها المحرك الحقيقي للتاريخ الذي لم يرَ فيه دوراً ملحوظاً للشعوب. وهذا ما يفسر جهده لولوج العوامل الداخلية لشخصياته؛ كي يفهم بيئتها النفسية وميولها ودوافعها على الفعل؛ الأمر الذي تجلى لاحقاً في أعماله الشعرية والنثرية. أمضى ماير سنوات شبابه في مدينة لوزان Lausanne، فأتقن الفرنسية ودرس آدابها، وترجم بعض أعمالها على سبيل التدرُّب اللغوي، وعلى أثر انتحار والدته عام 1856 ورث ما يؤمِّن حياته في بحبوبة لا تحيجه إلى العمل من أجل العيش. وسافر في عام 1857 بصحبة أخته بتسي Betsy المقربة إليه إلى فرنسا، ثم إلى إيطاليا؛ كي يستكمل ثقافته، وكان لقاؤه منجزات العصر الكلاسيكي وعصر النهضة على صعيد الرسم والنحت والعمارة تجربة حاسمة في حياته؛ ولاسيما أعمال ميكلانجلو [ر] في روما، واحتار بين أن يصير رساماً أو كاتباً، وتأخر في اتخاذ قراره حتى شارف على الأربعين؛ حين صدر ديوانه الأول بعنوان «عشرون بالادَه» Zwanzig Balladen (1864) الذي تبدى فيه فناناً لغوياً بارعاً يبحث لنفسه عن موطئ قدم في هذا العالم الواسع، ويختبر علاقته بالفنون وبالطبيعة على نحو شخصي؛ متلمّساً تأثير قوى غامضة في محاولة للإحاطة بها شعرياً. وقد ظهر في هذا الديوان تأثير انطباعات الرحلة الإيطالية ولاسيما في القصيدة الشهيرة «الينبوع الروماني» Der römische Brunnen التي تنبض بزخم الحياة في تحولاتها المتوالية. وفي عام 1870 صدر ديوانه الثاني «رومنْسات وصور» Romanzen und Bilder، لكن اسمه لم يبرز في الأوساط الأدبية قبل عام 1871 حين أصدر ملحمته الشعرية اللافتة «آخر أيام هوتِّن» Huttens letzte Tage التي ينتقد فيها أفعال الكرسي البابوي من منظور كالڤيني [ر. كالڤان] باحثاً عن الوحدة  الوطنية بعيداً عن التمزق المذهبي. ولقد وجد ماير في المفكر والأديب الإصلاحي شبيهاً له سليلَ طبقةٍ آيلة إلى الزوال ومتلهفاً في الوقت نفسه إلى التجدد الاجتماعي الإيماني في إطار وطني.
 
تتالت أعمال ماير في السنوات اللاحقة - بمعدل عملٍ جديد سنوياً- بين رواية وقصة طويلة أو عمل شعري حتى عام 1892 حين غلبه الشعور بالإحباط مجدداً، فدخل المصحّ، وتوقّف عن الكتابة.
 
عاد ماير في رواية «يورغ يناتش» Jürg Jenatsch (1876) إلى مشكلة الوحدة الوطنية، وبمثال صارخ من الماضي حول احتمالات نجاحها أو إخفاقها بتدخل عنصر الفرد الفاعل، إذ كان «يناتش» ذات يوم بطلاً شعبياً وقائد الجماهير المطالبة بالوحدة الوطنية؛ إلا أن طموحه الفردي إلى الإمساك بزمام السلطة بيده حوَّله إلى طاغية رهيب حتى قضت عليه أفعاله، فقُتل. لم يكن همّ ماير استعادة أحداث وشخصيات تاريخية بعينها، بقدر ما كان فكره منشغلاً بمجريات الحاضر على صعيد الواقع السياسي في سويسرا، وفي أوربا من حولها. وهناك كثير من الشواهد في رسائله تبيِّن هذا الموقف من تعامله مع التاريخ؛ تمتد لتغطي معظم أعماله التي تُبرز شخصيات فردية، كما في قصصه الطويلة [ر] Novelle «القديس» Der Heilige (1879)، و«بلاوتوس في دير الراهبات» Plautus im Nonnenkloster (1882) أو في أقصوصة «آلام فتى» Die Leiden eines Knaben (1883) حيث استخدم الكاتب من التاريخ ما يعرض طبيعة الحياة الكنسية ومشكلة العلاقة بين السلطتين الدينية والدنيوية؛ وانعكاس ذلك في حياة المجتمع.
 
تزوّج ماير في عام 1875 ابنة رئيس مجلس مدينة زوريخ، فعزّز بذلك موقعه الاجتماعي؛ إلا أنه لم يهنأ طويلاً، فسرعان ما تفاقم الخلاف بين زوجته الشابة وبين أخته؛ مدبرة شؤون منزله ومديرة أعماله، فتراجعت قدرته على الإنتاج بحيث أنه لم يكتب في سنواته الأخيرة سوى ثلاث قصص طويلة، هي «القاضية» Die Richterin (1985)، و«إغواء بِسْكارا» Die Versuchung des Pescara (1887)، و«أنجلا بورجيا» Angela Borgia (1891).
 
صدرت أعماله الكاملة المحققة علمياً في خمسة عشر مجلداً في مدينة برن Bern عام 1996.

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث