فضلا عن أن الجماهيرية الليبية تعتبر أرض الحضارة والتاريخ المجيد، فإن التجدّد والنهوض يتلازمان في
وصفها مع ماضيها العريق وما تزخر به من مآثر الماضي والحاضر، بعطائه المزدهر والواعد بالغد الأبهى
والأجمل ، في أرض تسكن واثقة ركنا من الحوض الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، حوض الحضارات
القديمة والحديثة، مستريحة إلى قاعدتها وعمقها العربي شرقا وغربا ومجالها الحيوي الأفريقي جنوبا.
ليبيا شعبٌ تتجسّد فيه معاني الأصالة، وأرض ينعكس على صفحتها جمال الصحراء وصفاؤها ونقاء رمال
الشواطئ الذهبية في ساحل طويل على ضفة المتوسط، وحواضر وواحات ومناطق جبلية تثري أمام زائرها
الاختيارات بين شموخ جبل أو اتساع أفق صحراء أو رحابة سهل ساحلي أو ظلال أطلال آثار ماتزال
شواهدها تحكي قصة التاريخ الذي تفاعلت أحداثه على أرض المنطقة وواصل إنسانُها صنع حلقاته
المضيئة ومن أبرزها في العصر الحديث استقلال البلاد عام 1951 عن الاستعمار الإيطالي الذي بدأ عام
911 وقاومه الليبيون ببسالة وقدموا أرتال الشهداء وعلى رأسهم شيخ المجاهدين عمر المختار، وصولا
إلى عهد الجماهيرية الذي استهلته ليبيا بثورة الفاتح . من سبتمبر-أيلول 1969.
ثراء الجغرافيا وعمق التاريخ
تقع الجماهيرية عند تقاطع خط العرض 25 شمالا وخط الطول 17 شرقا من شمال أفريقيا. تضاريسها مكونة من سهول منبسطة ومنخفضات وهضاب ومساحات صحراوية تشكل القسم الأكبر من مساحتها، وفيها واحات كثيرة ويمتد سهلها الساحلي على طول البحرالمتوسط، ومن أهم جبالها الجبل الأخضر في الشمال الشرقي على الساحل. وتدل شواهد ورسوم نحتت في الصخور على آثار للإنسان في ليبيا موغلة في القدم تعود إلى ما قبل تدوين التاريخ، وذلك قرب مدينة غات الجبلية في أقصى الجنوب الغربي من ليبيا.
صحراء.. لكن خصيبة
قد توحي كلمة الصحراء بقساوة الطبيعة والجفاف والحرارة الشديدة غير أن الصحراء الليبية ذات خصائص
نادرة بين الصحارى، ففي باطنها الماء العذب وعلى أديمها الممتد تنتشر الواحات، وتتخللها إلى جانب
الكثبان الرملية سلاسل من الجبال والمرتفعات والهضاب وسهول ممتدة مكسوة بالأعشاب والنباتات الخضراء الطالعة من بين الرمل والحصى، كل ذلك في فضاء فسيح من السكون والهدوء الباعث على التأمل
والسكينة حيث سياحة أخرى تختلف عن سياحة الترحال والمغامرة والاستكشاف، إنها رياضة الفكر والتأمل
وسياحة الروح.
الصحراء الليبية، ليست مساحة خاوية من الأرض، إذ أن بها مدنا عريقة، وواحات حية، لطالما كانت ملتقى
للوافدين من كل العالم، للمشاركة في مهرجانات الفرح التي تقام فيها بشكل دائم. ومن أهم المدن الصحراوية
، مدينة سبها، وهي مدينة صحراوية داخلية تقع على الطريق الآتية من طرابلس باتجاه الجنوب وقد كانت عاصمة فزان القديمة ومحطة لطريق القوافل، وفيها مطار وجامعة وطنية وتشتهر بمصنوعاتها التقليدية وبإنتاج التمور، ولها تاريخ عريق، ومن آثارها قلاع وقنوات ونظم للري ترجع إلى ما يزيد على عشرة
قرون.
ومن المدن العريقة الأخرى، مدينة غدامس، وهي واحة ليبية تبعد عن طرابلس نحو 600 كم، وهي عبارة عن منطقة خضراء وسط الصحراء ، تنقسم إلى ثلاثة أقسام: المدينة العتيقة حيث السور وعدد من الجوامع
القديمة، وغابة النخيل، ثم المدينة الحديثة بمنشآتها وشوارعها ومبانيها العصرية. وفي غدامس طيف من
الثقافات والتراث الشعبي الأصيل، فهناك الطوارق بلباسهم المميز، وهناك طرازها العمراني الشعبي الجميل وفنونها الشعبية المكتنزة بتراث الصحراء وغابات نخيلها الظليلة.
في أقصى الجنوب، تقع مدينة غات، وهي تبعد عن غدامس 620 كم، فيها قلعة شيدها العثمانيون وهدمها
الإيطاليون ثم أعيد بناؤها وهي اليوم من المزارات الأثرية. ومن أبرز هذه المزارات ضريح القائد العربي
الإسلامي عبد الله بن سعد ابن أبي السرح الذي كان أول من قاد حملة بحرية في عهد الخليفة عثمان بن
عفان رضي الله عنه، وبجوار غات توجد نقوش ورسوم محفورة في الجبال يعود
تاريخها إلى ما قبل تدوين التاريخ.
المواقع الإسلامية في الجماهيرية
تزخر مناطق الجماهيرية بالآثار الإسلامية، إذ يمكن رؤية هذه الآثار في أكثر من بقعة واتجاه، ومن أهم
المدن الأثرية التي تحتوي على آثار اسلامية مميزة، مدينة زويلة، وهي مدينة صحراوية تقع في منطقة
فزان إلى الجنوب الشرقي من سبها في واحة من النخيل، وكانت تقع قديما على طريق القوافل التجارية، حيث شكلت أحد مراكز التجارة مع أفريقيا، فيها معالم وآثار إسلامية تعود إلى أيام الفاطميين، وعندما فتح
عمرو بن العاص برقة بعث عقبة بن نافع حتى بلغ زويلة، وفيها سُكّت الدنانير الذهبية أيام ازدهارها خلال
الحكم الفاطمي، وبعد زواله ارتبطت المدينة بحكم المرابطين والموحدين والحفصيين، وعثر فيها على دينار
ذهبي إسلامي سُكّ فيها أيام المعز لدين الله الفاطمي عام 412 ه، وماتزال فيها قلعتها التاريخية وجامعها
العتيق وبعض المقابر يقال إنها تضم رفات عدد من الصحابة أيام الفتح الإسلامي.
طرابلس حاضرة الشمال الإفريقي
عاصمة الجماهيرية، أسسها الفينيقيون في القرن السادس قبل الميلاد، وهي حاضرة متوسطية بمعنى الكلمة ، يتجاور البحر الأزرق فيها مع كروم الفاكهة وحدائق النخيل والزيتون والبرتقال، وتتجلى فيها معالم
الحداثة والمدنية المعاصرة في آن معا إلى جانب شواهد التاريخ القديم.
وتوفر مرافقها العمرانية من شوارع فسيحة وفنادق ومنتجعات وأسواق قديمة وحديثة كل المتع التي يرنو
إليها السائح وكل الخدمات التي تجعل من زيارته لها فرصة عمر مشحونة بالذكريات الجميلة يحملها معه
زاخرة بنفائس أسواقها ومنتجاتها وحرفها الشعبية التقليدية من منسوجات ومفارش وحلي ذهبية وفضية
ونحاسيات وجلديات وفخاريات مزخرفة.. كل ذلك إضافة إلى بحرها الصافي وشمسها المشرقة وما تمثله من
متنفس للترويح ورياضة الجسد والنفس من خلال الرياضات البحرية والألعاب المائية والسباحة.
ومن معالم طرابلس متاحف تحوي الكثير من الآثار ومفتوحة أمام الراغبين في إطلالة سياحية تاريخية على
طرابلس، وأهمها المتحف الجماهيري، وهي كمعظم المدن على حوض المتوسط شهدت تعاقب الحضارات
منذ الفينيقيين إلى الرومان وحتى الفتح العربي الإسلامي إلى أن امتد إليها نفوذ العثمانيين.
المراجع
موسوعة الجغرافيا دراسات وابحاث
التصانيف
تصنيف :الجغرافيا