مارك توين Mark Twain الاسم المستعار لصامويل لانغهورن كليمِنزSamuel Langhorne Clemens ، ولد في فلوريدا وهي قرية صغيرة في ولاية ميسوري، وتوفي في ريدنغ في ولاية كونيتكت، وهو كاتب أمريكي ساخر وصحفي ناجح ومحاضر عميق الثقافة. نال شهرة عالمية من خلال رواياته حول الطفولة: «مغامرات توم سوير» (1876) The Adventures of Tom Sawyer، و«مغامرات هكلبري فِن» (1885) The Adventures of Huckleberry Finn، و«الحياة على نهر الميسيسيبي» (1883) Life on the Mississippi، و«فتى في هانيبعل والرحلات الأولى» Youth in Hannibal and Early Travels.
عاش حياته متنقلاً يكتب للصحف عن أسفاره ومشاهداته بأسلوب يتسم بالفكاهة والظرف. وخلال الأعوام الستة التي قضاها في كاليفورنيا مارس أعمالاً مختلفة، وكان بينها العمل مع والده بحاراً على سفينة نهرية في الميسيسيبي. وقد انتهت مغامراته النهرية هذه مع اندلاع الحرب الأهلية التي أدت إلى إغلاق النهر، وبعدها توجه شرقاً مستجيباً لما سماه «نداء الأدب».
وقد اكتسب توين سمعة الكاتب الذي يستطيع تحويل أي رسالة صحفية إلى قطعة من الكوميديا الراقية. وحين قام برحلته إلى أوربة والشرق -القدس- بصفة مراسل صحفي لصحيفة في سان فرانسيسكو، برفقة مجموعة من المسافرين للسياحة والاطلاع، وصف تجربة الجوالين الأمريكيين وانطباعاتهم أمام المعابد والمعاقل الدينية والثقافية في كل من أوربة والشرق في كتابه «الأبرياء في الخارج» (1869) Innocents Abroad الذي أكسبه شهرة على مستوى الولايات المتحدة كلها.
كانت أول محاولة روائية له «العصر المذهَّب» The Gilded Age عام 1873، وقد تعاون في كتابتها مع صحفي آخر هو تشارلز ورنر Charles Warner، لكنها كانت محاولة فاشلة، مع أنها ركزت الاهتمام من خلال الهجاء المقذع، على الفردانية المسيطرة على المجتمع الأمريكي بعد الحرب الأهلية.
بعد زواجه عام 1870 استقر لمدة عشرين عاماً في هارتفورد (كونيتكت) حيث كتب أكثر أعماله شهرة وأهمية: «الأمير والفقير» (1881) The Prince and the Pauper، وروايتي المغامرات الصبيانية، «هكلبري فن» و«توم سوير»، اللتين استعاد فيهما بأسلوبه الرشيق ذكريات طفولته وعمله في الميسيسيبي. ففي «مغامرات هكلبري فِن»، يصور البيئة والناس على ضفتي النهر ويعطي فكرة عن المرحلة التاريخية التي تعيشها البلاد. وحين كتب هجائيته الغاضبة على الدين والملكية وقيم الفروسية في إنكلترة أيام الملك آرثر، «أمريكي من كونيتكت في بلاط الملك آرثر» (1889) A Connecticut Yankee in King Arthur‘s Court لم يستطع أن يكبح جماح غضبه، فخلا عمله من أسلوبه الساخر، وجاءت الكتابة جادة وحادة. ومع الأيام ازدادت هذه الحدة بتزايد نقمته على حماقات البشر والمظالم الاجتماعية.
هاجر إلى أوربة في عام 1891 نتيجة صعوبات مالية ناجمة عن مشروعات للنشر انتهت إلى الخيبة والإفلاس. وقد دفعه هذا الوضع المالي إلى التعاقد على مجموعة من المحاضرات في أوربة تعود عليه ببعض المال. وفي رحلته هذه كتب «ذكريات شخصية حول جان دارك» (1896) Personal Recollections of Joan of Arc.
عاد مع أسرته في عام 1900 إلى الولايات المتحدة. وتميزت هذه المرحلة بتزايد الحدة والنقمة في نفسه حتى صار ينقم على القراء أنفسهم. ونشر «الرجل الذي أفسد هادليبورغ» (1900) The Man That Corrupted Hadleyburg، و«إلى الجالس في العتمة» (1901) To the Person Sitting in Darkness، و«الغريب الغامض» (1906) The Mysterious Stranger.
وأكثر ما يلفت النظر في أدب توين هو هذا التحول من كاتب مرح إلى كاتب قاس متشائم وناقم على المجتمع. وقد فُسِّر هذا التحول بأنه نتيجة لمجموعة من المتاعب الشخصية التي واجهته. فموت زوجته وبناته جعله يحس بوحشة قاتلة. ومتاعبه المالية جعلته شديد الحساسية تجاه النظام الاقتصادي وتجاه الطبائع البشرية. ولكنه مع ذلك، ومع ازدياد نقده لسياسة الولايات المتحدة الاستعمارية، لاقى في سنواته الأخيرة نجاحاً كبيراً.
بدأ في عام 1906 يُملي سيرة حياته على الكاتب والمحرر ألبرت بين Albert Paine، وقد نشرت بعض الصحف مقتطفات منها إلا أنها لم تنشر كاملة إلا عام 1924، بعد وفاته بأربع عشرة سنة. وفي هذه السيرة يلخص رأيه حول استعداد ذلك «الجنس البشري اللعين» للكذب وللوقوع في الخطأ، ويُظهر نقمته كلها هنا دفعة واحدة، فلا يوفر منها أحداً حتى الفقراء الذين كان يهتم بمصالحهم ولكنه ينتقد فيهم خنوعهم: «هذه الحشرات الآدمية التي استكانت لعيش المزابل. وستظل مقيمة فيها إلى أن تنبذها المزابل ذاتها أو تجد من يزحزحها عنها». وبمقدار ما تسببت كتاباته في شهرته تسببت آراؤه هذه في إثارة الكثير من الامتعاض والدهشة. فهو يرى أن الإنسان مخلوق مسكين «يبدأ حياته وهو قذارة وينهيها وهو عفن».
إلا أنه من المعترف به نقدياً أن توين -وفي «هكلبري فن» و«توم سوير» و«الحياة على نهر الميسيسيبي» خاصة- قد أسهم إسهاماً كبيراً في تشكيل رؤية العالم لأمريكة. وكان له تأثيره العميق في تطور أساليب الكتابة الأمريكية. فتقديمه للمادة الأمريكية المحلية واستخدامه للمصطلحات العامية الشائعة وتخليه عن الكياسة الأسلوبية التي تميزت بها كتابات القرن التاسع عشر وإحساسه بالاغتراب، هذه الأمور كلها أثرت تأثيراً كبيراً في كتّاب القرن العشرين الأمريكيين.
ممدوح عدوان
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث