الأخطاء الشائعة في استخدامات حروف الجرّ" للدكتور محمود إسماعيل عمّار "بحث نصّيّ":
 
لا مراء في أنّ العربية تعيش في عصرنا هذا فوضى لغوية عارمة؛ وأبرز أسبابها الإقبال غير المسبوق على استخدام اللغة، فوسائل الإعلام بشتى أنواعها تنتشر انتشاراً لم تنتشره من قبل، يقابل هذا ضعف مستشرٍ في العربية، لدى من يُفترض أنّهم من المختصين فيها، قبل أن يكون لدى غيرهم، يضاف إلى ذلك أنّ المؤثرات في الحياة اللغوية خرجت من أيدي المعنيين على أنّ هذه الحقائق – على مرارتها- لا تعني أن يُترك الحبل على الغارب، بل يجب مناقشة التعبيرات والأساليب المُحدثة وتمحيصها، وإجازة ما كان منها لإجازته سبيل. وهذا يقتضي أن تُعالج تلك التعبيرات والأساليب معالجة بعيدة من الرفض المسبق، والاتهام بخرق القوانين اللغوية، لا سيما أن الكثير منها أصبح منتشراً، والتلويح بالمعجمات في وجه تلك الاستعمالات، وجعلها سيوفاً مصلتة على رقابها مرتقىً غير يسير ولا مأمون، لا من حيث الاستقراء المعجمي، ولا من حيث استخدامها عند القدماء، وينبغي ألاّ يغيب عن كلّ هذا معطياتُ الحضارة الحديثة وما أنتجته من تعبيرات، وأساليب، فضلاَ عن الألفاظ، والاحتكام في هذه التراكيب إلى المعجم، لن يفضي إلى شيء ذي بال في الكثير منها.
 
وقد قرأت في هذا الصدد كتاب الدكتور محمود إسماعيل عمار "الأخطاء الشائعة في استعمالات حروف الجرّ"، وهو كتاب طريف في موضوعه، بذل فيه مؤلفه جهداً يستحق الثناء. وقد قرأته منذ زمن، وسجّلت على حواشيه كثيراً من الملحوظات، والنصوص التراثية التي تدفع ما يقول به من تخطئة جملة من التعبيرات والأساليب، ثم وجدتني أعود إليه، فأقيد ملحوظات جديدة، وقد رأيت أن أخرج ذلك مخرجاً، يناقش بعض الآراء التي احتج لها المؤلّف في تخطئة بعض الاستخدامات اللغوية، وقد عنيت بآراء مجمع اللغة العربية في القاهرة- إن كانت ممّا يمت بصلة إلى القضايا المطروحة - تلك الآراء المغمورة لدى الكثيرين.
 
لقد دفع المؤلف إلى عمله هذا ما رآه من توسّع في استخدام حروف الجر، إذ يقول:"وجدت حروف الجر في لغتنا المعاصرة قد جرى التوسع فيها، عما عهدته العربية من استعمالات ومعان وتراكيب، ورأيت الموضوع –كما قال ابن جنّي- جديراً أن يوضع فيه كتاب ضخم"(). ويردف قائلاً:"وقد تتبعت الخَلَل في استعمال حروف الجرّ، في لغتنا المعاصرة، كما يظهر في الكتابة والخطابة والشعر… وفي ضوء تصنيف هذه الأخطاء، تمثل البحث في ستة فصول"(). وينبئ هذا القول بشيئين: أولهما أنّ ثمة خللاً في استخدام حروف الجر، وثانيهما أنّ هذا الخلل مما أحدثه المعاصرون، غير أنّ المسألة تحتاج إلى تمحيص كبير ورويّّة عميقة، فيما يجوز ولا يجوز في هذا الصدد، وهي مرقاة وعرة كما ذكرت قبلاً. وفي هذا البحث أنا مَعْنيّ بأمرين، أولهما وأهمهما استقراء النصوص عند القدماء والمتأخرين وبعض المعاصرين، في محاولة لرصد استخدام هؤلاء للأساليب والتعبيرات موضع التخطئة، فهذا البحث هو بحث نصّيٌّ بشكل رئيس، وثانيهما محاولة تقصّي سبب هذا الخروج عن المألوف في استخدام حروف الجر، إنْ كان ثَمة سبب يلوح وراء ذلك.
 
وقد تخيّرت ست عشرة مسألة، ممّا يتسع له هذا المقام، بدا لي أنها أكثر تداولاً بين الكتاب والمثقّفين؛ لذلك قدمتها على غيرها. وتحمل معالجة هذه المسائل فكرة معينة، ألا وهي التحرّي والتثبت في مسألة تخطئة وتصويب التعبيرات والأساليب اللغوية لدى المحدثين، فنحن نعاني اليوم من هُوّةِ هائلة بين اللغويين والمثقفين. فاللغويون يتحصّنون وراء المعجمات والشواهد اللغوية، والمثقفون - وعلى الأخصّ الكتاب بشتى أصنافهم- يرفعون راية شعراء عصر الاستشهاد" علينا أن نقول وعليكم أن تؤوّلوا"، على كثرة الدخلاء والمستكتبين في طرف المثقفين، وقد تنعدم القنطرة التي يلتقي فوقها الطرفان. ويزيد هذه الهوة اتساعاً غياب الهيئة اللغوية التي تعمل بمنزلة المصفاة اللغوية التي تمر من خلالها الاستخدامات المحدثة، ورأس الأمر الذيوع والتقاط الكتاب والمثقفين لهذه التعبيرات، ثم نشرها على ألسنتهم وأقلامهم.
 
ومصادر البحث كما أقرها المؤلف تصنف في أربع مجموعات، وهي:كتب المعجمات، والكتب المعنية بالأخطاء اللغوية، والقرآن الكريم والحديث الشريف والشعر الجاهلي، وأخيراً كتب النحو للوقوف على بعض القواعد، أو الاستشهاد بما ورد فيها. وقد توزعت الأخطاء بين تغيير حرف الجر، وإسقاطه، وزيادته، وإدخاله على غير مجروره الأصلي.
 
وأهم ما ينبغي أن أؤكد عليه مرةً أخرى في هذا البحث أنه بحث نصيّ بالدرجة الأولى، وعلى هذا فالإطالة في سرد مواضع وجود التركيب أو التعبير موضوع البحث، ليست بالإطالة المملة، ولا بالزيادة المخلّة، وإنما هي شيء مقصود لذاته، يهدف إلى تتبّع سيرورتها، وأوجه تطورها، ولئن تقاطع هذا مع البحث التاريخي في بعض جوانبه، فهو يفارقه في انصرافه عن الاستقصاء التام للظاهرة المدروسة. ولست بزاعم بما جمعت من نصوص، أثبَتُّ بها تلك الاستخدامات، أنّ سبب استخدام المحدثين لتلك التراكيب أو التعبيرات، إنما هو وقوع الكتّاب على تلك النصوص، فقد يكون ذلك، ولكن ليس بشرط، وإنما هي محاولة لتسجيل سبق القدماء في الخروج على تلك القواعد الذهبية التي صاغها اللغويون، وأصحاب المعجمات على رأسهم، وأنّ الكُتّابَ المُحدَثين ليسوا بِدْعاً من المستخدمين، وأن سبب خروج القدماء قد يكون سبباً يسلكه المحدثون، فيفضون إلى النتيجة نفسها. وقد اتخذت ميداناً للبحث طائفة كبيرة من الكتب، تضمّ عشرات المجلّدات، من كتب الأدب واللغة والفقه والتاريخ والمعجمات والسِيَر والرحلات، وما كان هذا البحث ليظهر لولا توفيق الله أولاً، ودور الحاسوب الكبير فيه ثانياً، ولكان استغرق السنوات الطوال قبل الوصول فيه إلى النتائج التي انتهى إليها.
 
 
 
 
 
• ينبغي عليك أنْ تفعل كذا:
 
يقول المؤلّف في ما غُيِّر فيه حرف الجرّ، من الاستعمالات الخاطئة قولهم:"ينبغي عليك الحضور، وينبغي عليك أن تستعدّ للاختبار..، وهذا الفعل تُستعمل معه (اللام)، ولا تستعمل معه على، قال تعالى:"لا الشمس ينبغي لها أن تُدرك القمر"(يس40) و "وما علّمناه الشعر وما ينبغي له"(يس69) و"وهبْ لي ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدي"(ص35).
 
وعلى ذلك تقول:"ينبغي لك الحضور" و"ينبغي له أن يستعدّ، ويجوز أن يستخدم بدون اللام، فيقال، ينبغي أنْ يحضر" "وينبغي أنْ يتابع أولياء أمور التلاميذ أبناءهم"، وفي النفي تقول:"ينبغي ألاّ تتأخّر عن الطائرة" ()، وقد خَطّأ زهدي الجارالله التركيب المذكور من قبل().
 
إنّ أول ما يمكن أن يسجّل في الكلام على هذا التعبير قلة استخدامه نسبياً، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الاجتزاء فيه بالمضارع من الماضي"انبغى"، الذي يستخدم نادراً()، وبعد تتبّع الفعل "ينبغي" في عشرات المجلدات، عند القدماء والمتأخرين وَجَدتُهُ يُستخدم على خمسة أوجه، أولها وأكثرها وأشيعها أن يلي "ينبغي" المصدرُ المؤوّل؛ "أنْ" والفعل المضارع()، وقد يُفصل بينها وبين المصدر المؤول بشبه جملة، مكوّنة من جار هو(اللام) ومجرور، نحو: "ينبغي له أن يفعل كذا"()، وهو كثير أيضاً، وأقل منه أنْ يكون الجارّ هو(على)، على سبيل الجملة المعترضة، نحو() " ينبغي "على هذا"، أو"على ما ذكره"، " أو"على قياسه" أن يكون كذا"، وأندر شيء أن يَلي "ينبغي" حرف الجرّ "الباء" داخلةً على ضمير المخاطب، ولم أقع عليه إلاّ مرة واحدة في تاريخ دمشق، في حديث ابن المقرئ، وهو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، إذ جاء فيه():"يا مقداد هذه بَرَكَة كان ينبغي بك أن تُعلمني حتى تُوقظَ صاحبينا"، وثانيها ذِكْر "ينبغي" دون أن يليها شيء، نحو () " الحمد لله الذي خلق كلّ شيء كما ينبغي"، وهو قليل، وثالثها أن يليها الفاعل صريحاً، وقد يليه اسمٌ مقترنٌ باللام نحو() " سُبْحَانَ الَّذِي لا يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ إِلاّ لَهُ"، و():لا ينبغي هذا للمتقين"، وقد يفصل بينها وبينه شبهُ جملة، نحو،"ولا ينبغي عندي التنازعُ"()، وهو قليل أيضاً، ورابعها الذي خطّأه المؤلّف، وقد وقعت عليه في نصوص نادرة عند المتأخرين، كالقرطبي(671هـ)() "هكذا ينبغي على أئمة الحاجّ فمن دونهم"، والمالقي(ت741هـ) في "مقتل الشهيد عثمان"() "فكان ينبغي عليهم أن يقاتلوا عنه وينصروه" والزرعي (ت751هـ)" في "مدارج السالكين"() "هذا لو قام بما ينبغي عليه أن يقوم به لسيده من حقوقه".
 
إنّ معالجة هذا التركيب بعيداً من المعنى، هو جهادٌ في غير ميدان، فـ "ينبغي " في كلّ أنماط تركيبها - المذكور آنفاً - عند القدماء والمتأخرين، باستثناء النمط الرابع الذي خطّأه المؤلّف، يختلف عن معنى "ينبغي عليه"؛ من قِبَلِ أنّ الأوّل محمله إمّا على معنى يَصلُح له، أو "يَحسُن به،" أو"يستحبّ له"()، ولا يخرج في الأنماط المذكورة عن أحد هذه المعاني، أمّا تركيب "ينبغي عليه" فيحمل معنى الوجوب والقَسْر، والقدماء لم يعرفوا هذا المعنى لـ"ينبغي"، إلاّ ما وجدناه عند بعض المتأخرين في النصوص المذكورة. وعلى هذا فإن من يستخدم تركيب "ينبغي عليه"، يُضمّن "ينبغي" معنى جديداً هو "يجب"، فهل يجوز هذا التضمين أم لا؟ تلك هي القضية.
 
لقد أجازَ مجمعُ اللغة في قرار لا يَعدم الجُرأة التضمينَ ()، وأصدر في ذلك قراراً، ولم يتنكّب جادّة الصواب، وهذا التعبير تتوافر فيه الشروط الثلاثة التي أقرّها المجمع لجواز التضمين، وهي المناسبة بين الفعلين، ووجود القرينة، وملاءمته للذوق العربي. أمّا سبب تضمين بعض المتأخرين، وجلّ المحدثين "ينبغي" هذا المعنى القسْري بشكل واسع، فلا يَبعد أن يكون قد وصل إليهم من الاستخدامات الكثيرة لـ"ينبغي" مقرونةً بحرف الجرّ "على" على سبيل الجملة المعترضة، المشار إليه، في النمط الأوّل، ثم نُظِر إلى هذا الحرف على أنه لصيقة لهذا الفعل، فساوى عندهم "يجب على"، وقد يكون وراء ذلك الفهم الخطأ لمعنى"ينبغي"؛ ذلك أنّ جلّ السياقات التي ترد فيها، يمكن حملها فيها على معنى الوجوب، خلاصة الأمر وُلد هذا التعبير الجديد؛ عند المتأخرين على استحياء، وعند المحدثين بشكل واسع، والأصوب أن يُقبل، وقد أصبح مستخدماً، ولا يضير ذلك التعبير الفصيح القديم، الذي لم يعد متداولاً، إلاّ في نطاق محدود.
 
 
يتابع العمل عن كثب:
 
وهذا التعبير أيضاً أدرجه المؤلف في باب تغيير حرف الجرّ، وذكر أنهم يقولون: المسؤول يتابع العمل عن كثب أو راقبه عن كثب، وقد أشرفت على تنفيذه عن كثب، فيستعملون "عن" موضع" من " ويستعرض مادة كثب في المعجمات، ويخلص إلى أنها تدل على تجمّع، وعلى قرب، والكُثبة القطعة المرتفعة المجتمعة،.. ويُقال رماه من كثب، وطلبه من كثب عن قرب، ولذا فالصواب أن تقول "يتابع العمل من كثب"، ويراقبه من كثب، وفي حديث بدر "فارموهم بالنبل من كَثَب"، جاء في اللسان: ويقال: هو يَرْمِي من كَثَبٍ، ومِنْ كَثَمٍ أَي من قُرْبٍ وَتَمَكُّنٍ؛ قال الشاعر:
 
فَهـــــذانِ يَذودانِ
   وذا مِنْ كَثَبٍ يرمــــي
 
 
وقال الآخر:
 
رَمَتْ من كَثب قلبي
   ولـــــم تَــرْمِ بكُثــــّاب()ِ
 
 
ويُردف قائلاً: ولا محلّ لقول المنجد "رماه من كثب أو عن كثب"().
 
وقد عرض العدناني لهذا التركيب "عن كثب" من قبل، وسجّل استخدام الحريري له في "المقامة الزَّبِيديّة"، كما ذكر إجازة "محيط المحيط"، و"أقرب الموارد" استعمال جملتي "رماه عن كثب"، و"رماه من كثب"، ويجيزه بناءً على رأي ابن جنّي، الذي يُجيز تناوبَ حروف الجرّ مادام المعنى لا يتغير، على أنه يرى أنّ استخدام من كثب أعلى؛ لأن المعجمات تنصّ عليها().
 
وإذا يمّمنا صوب النصوص لفت نظرنا استئثار الشعر بتركيب "عن كثب" بالدرجة الأولى. وأوّل ما نقع عليه من ذلك مجموعة من الأبيات نسبها عمرو بن معديْ كَرِب إلى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، ذكرها ابن عساكر، وابن كثير() ومستهلّها هذا البيت:
 
بالغدرِ نِلْتَ أخا الإسلام 
   ما إن سمعتَ كذا في سالفِ العرب
 
 
وجاء أيضاً عند بشار(ت167هـ) إذ قال():
 
من قرّ عيناً رماه الدهرُ عن كثبٍ 
   والدهرُ رامٍ بإصلاحٍ وإفسادِ
 
 
 
 
وابن المعتز() (ت296هـ):
 
ورثتُ الخلافةَ عن والدٍ فأحرزتُ ميراثَه عن كثبِ
 
كما جاء عند المتنبي (ت354هـ) ():
 
إنْ ترمِني نكباتُ الدهر عن كثب ترمي امرَأً غير رِعديدٍ ولا نَكِسِ
 
وقال في رثاء أخت سيف الدولة:
 
وهل سمعتَ سلاماً لي ألمّ بها فقد أطلتُ وما سلّمت عن كثب
 
وهذه الرواية ذكرها صاحب "قرى الضيف()". وفي رواية العكبري "من كثب"().
 
وأبو فراس الحمداني(ت357هـ) ():
 
فوافتك تعثــــر في مِرْطِهـــا وقد رأت الموت من عن كثب
 
 
 
والسَرِيّ الرَّفَّاء(ت366) ():
 
وجانبتك صروفُ الدهر فانصرفتْ وقابلتكَ سُعودُ العيشِ عن كثبِ
 
والصاحب بن عبّاد (ت385هـ) وهو من بُلغاء عصره():
 
فحاز خصَل الرهان عن كثبٍ وفرّجت عنده مضايقها
 
كما جاء عند الشريف الرضي() (ت406هـ)، إذ يقول:
 
نفسي تقيك فكم وقيتني بيدٍ وقد أَلظَّ بيَ الرامونَ عن كثبِ
 
وقال:
 
ولوعةٍ تحطم الضلوع إذا ذكرت قرب اللقاء عن كثب
 
وقد استخدم أيضاً من كثب():
 
ومعركٍ صافحت أيدي الحِمام به
   طُلى الرجال على الخرصان من كثب
 
وعرّجْ على الغـرّ من هاشــم
   فأهــدِ السـلام لهـم مــن كثـب
 
 
وابن زيدون(ت463هـ) في قصيدته المشهورة "أضحى التنائي"():
 
ولا اختباراً تجنّبناه عن كثب ولكن عَدتْنا على كُره عوادينا
 
وأبو الفتح البُستي(ت400هـ)()، فيما رواه ابن عساكر::
 
مهلاً فقد أُوجدتَ من عدم وتصير عن كثب إلى عدم
 
وابن حيّوس() (ت473هـ):
 
سأعود عن كثب وإنْ لم تُبقِ لي فَعَلاتُك الحُسنى إليها مرجعا
 
وأبو الصلت()(ت529هـ)، فيما ذكره ابن أبي أُصَيْبِعَة(668هـ) في "عيون الأنباء في طبقات الأطباء":
 
سَهْمٌ من اللحظِ رمتني به عن كثب قوسٌ من الحاجب
 
وأنشد أبوالعباس أيضاً لفخر القضاة():
 
العبد يذكر مولاه بما سبقتْ وعوده لعماد الدين عن كثب
 
وقد استخدمه سبط التعاويذي (ت583هـ) تسع مرات()، نحو قوله:
 
وقد حدّثتني معالي الأمور بأني سأدركها عن كثــــب
 
وقوله:
 
مُؤْذِنَة أن أتو لّــــ ـى بعـــدها عن كثـــب
 
وقوله:
 
كم شدّةٍ آيسَتْكَ من فـــرحٍ يَعْقُبُها والرخاء عن كــثب
 
وابن الرفّا (586هـ ) فيما رواه العَكري في "شذرات الذهب"():
 
قرأتُ خطَّ عِذاريْه فأطمعني بواوِ عطف ووصلٍ منه عن كثب
 
والعماد الأصفهاني(ت597هـ)():
 
فتحتَ مصر وأرجو أن تصير بها ميسّراً فتحَ بيت القدس عن كثب
 
وقال أيضاً:
 
قضى القضاء بما نرجوه عن كثب حتماً ووافقك التوفيق والقدر
 
 
 
وقال ابن سناء الملك(ت608هـ)() :
 
واستَعْطَفَتْهُ فوافتها عواطفُه وأَكْثَبَ الصلحُ إذ نادتْه عن كَثَبِ
 
 
 
وروى صاحب الروضتين لسَديد الدين بن زُقَيْقَة()(635هـ):
 
ويحملُ الفاضلُ الطبعَ الكريمَ على حسنِ الجزاءِ لمولى العرفِ عن كثب
 
كما جاء عند ابن نُباتة(ت768هـ) يمدح ابن أبي المواهب():
 
قالت أياديه للحساد عن كثب ما أقرب العز إلاّ أنها هِممُ
 
وله أيضاً():
 
بينا وفودِ العُلى والعلم ينزلهم إذ نازلتنا فيه الليالي عن كثب
 
وذكر صاحب "قِرى الضيف" لأحمد بن محمد الكحال():
 
فلا تُضيّع سرورا جاء عن كثب عجزا فتكتسِبَ التوبيخَ والفَنَدا
 
 
 
كما ذكر لمحمد بن أحمد العطار():
 
هَبّت به ريح نصرُ الله عن كثب للدين واستيقظت من نومها الهِمَمُ
 
وللخليل بن أحمد السجزيّ)):
 
أو سرّه أن يرى رضوان عن كثب بملء عينيه فلينظر إلى الباني
 
وجاء في"معجم البلدان"()، فيما روى أعشى همدان:
 
ثم اعدلوا شامة فالماء عن كثب عين وراء وماء يذهب الَّلغبا
 
أمّا المؤلفات، فأوّل ما وقعت على استخدام تركيب "عن كثب" كان في "دلائل الإعجاز"() للجرجاني(ت474هـ).." لأن الدليل عليه حاضرٌ معه، والشيء بحيث يقع العلم به عن كثب". وجاء في"جمهرة خطب العرب" في حديث "مصاد بن مذعور القيني":() "فماله غيرهن نشب وسيثوب عن كثب"، و"المواقف" لعضد الدين الإيجي (756هـ)() "ويحق الحق ويبطل الباطل، من ذينك الدليلين المتعارضين عن كثب؛ أي قرب". ونفح الطيب()"فاستحكم عن قرب واستغلظ عن كثب"، كما نجده في "الظلال" "وحين تطالع العين آثارهم ومساكنهم عن كثب"
 
وعلى هذا فاستخدام تركيب"عن كثب" وارد وليس بالقليل ولا بالمعزول، و"من" و"عن" تتبادلان، على الرغم من أن المرادي(ت749هـ) لم يورد ذلك في "الجَنَى الدّانِي() "، وأورده الهروي(ت415هـ) في"الأزهية"()، في صدر كلامه عليها، كما أورده ابن هشام (ت761هـ) في "المُغني"()،وقد رأينا أن من معاني "كثب" قُرب"، وقد استخدمت "عن قرب"في الشعر كما نجد عند العباس بن الأحنف():
 
يُوهمنيكَ الشوقُ حتى كأنما أناجيكَ عن قرب وإنْ لم تكن قُربي
 
والشريف الرضي():
 
وعن قرب سيشغلني زماني برعي الناس عن رعي القروم
 
وجاء في تعليق العكبري على بيت المتنبي ، آنف الذكر"إن ترمني نكبات الدهر عن كثب.."يقول إن رماني الدهر بنوائبه عن قرب"، كما جاء استخدام "عن قرب" في " الفهرست" لابن النَّديم(385هـ)() ، وثمار القلوب للثعالبي (ت429هـ) ()، وتاريخ بغداد للبغدادي(463هـ)()، و"معجم البلدان" لياقوت (ت626هـ)() ، و"الحلة السيراء" للقضاعي(ت658هـ)()، و"وفيات الأعيان" لابن خلكان(ت681هـ)()، و"مقدمة ابن خلدون"(ت808هـ)() ،و"الإصابة" للأصبهاني(ت852هـ):() و"شذرات الذهب"للعكري"(ت1089هـ)().
 
والمُحدَثون من المثقفين والكتّاب أهملوا استخدام "من كثب" إهمالاً بيّناً" واقتصروا على التركيب الذي خطأه المؤلف.
 
• وقَّعَ مديرُ المدرسةِ على الشَّهادة:
 
ذكر المؤلف هذا التعبير في مسائل تغيير حرف الجرّ، وذكر أنهم يقولون: "وَقّع مدير المدرسة على الشهادة، وعلى خطاب الشُّكر، وأبى أن يوقّع على الشكوى، وقد حاول الشيخ مصطفى الغلاييني(ت1944هـ) تسويغَ ذلك بأنّ المقصودَ وضع التوقيع على الخط، وأجاز بعض المعاصرين تعدية الفعل بنفسه.
 
لكن المعجمات القديمة على تعدية الفعل بـ"في"، وعند الزمخشري في"أساس البلاغة" قولهم "وقّع في الكتاب توقيعاً من المجاز"، وقال الراغب: التوقيع أثرُ الكتابة في الكتاب، ومنه استُعير التوقيع في القصص، وقال الأزهريّ :"توقيع الكاتب في الكتاب المكتوب أن يحمل بين تضاعيف سطوره مقاصد الحاجة"، وعلى ذلك نقول وقّّع المدرس في الشهادة ووقع في خطاب الشكر، والتعبير على كل حال تعبيرٌ إسلاميّ مُحدَث، نشأ مع تطور وتفرع الحضارة الإسلامية ووضع النُظُم، ويدخل عليه عدد من حروف الجر فيتغير معناه بتغير هذه الحروف(). وقد خَطّأ زهدي الجار الله هذا التركيب من قبل()، وأجاز العدناني "وقّعَ على الكتاب"، بناء على إجازة المعجم الوسيط، ولم يذكر ذلك أحد من قبل().
 
ينبغي قبل الخوض في هذا التركيب أن نعرض لتعريف التوقيع، فهو –فضلاً عما أورده المؤلف عن الأزهري والراغب- كما يذكر المُحكم" التوقيع في الكتاب إلحاقُ شيء فيه بعد الفراغِ منه"، وقال ابن فارس في "المُجمَل":"ما يلحقُ بالكتاب بعد الفراغ منه"() ، وجاء في صبح الأعشى() " قال جعفر بن يحيى"إن قدرتم على أن تجعلوا كتبكم توقيعاتٍ فافعلوا، ونستخلص من هذا أنّ مفهوم التوقيع عند القدماء إنما هو كتابة جملة أو جُمَلٍ مختصرة مكثّفة، تعبّر عن معنى معيّن، وهذا يسهم في إضاءة المسألة؛ ذلك أنّ التوقيع في الكتاب، كما رأينا آنفاً، إنما هو الكتابة فيه، وعلى هذا قالوا وقّع في الكتاب، أي كتب فيه، ولكنّ مفهوم التوقيع قد تغيّر عند المحدثين، فلم يَعد كتابة، وإنما هو رمزٌ، على نحو مخصوص، يشير إلى شخص ما يتولى إدارة المؤسسة المعنية بإصدار الوثيقة المذيّلة بالتوقيع، أو يشير إلى الشخص نفسه، عندما يكتب لأحدٍ ما، وغايته في كلّ الأحوال، تأكيد شخصية الموقّع دفعاً للَّبس، أو التزوير، إيذاناً بتحمّله تَبِعَات المكتوب في الوثيقة أو الورقة، أو غير ذلك.
 
والتوقيع لدى القدماء كان شائعاً في فئتين؛ الأولى الأمراء والساسة ، والثانية الأدباء والمثقفون؛ ويتضمّن آية أو حِكْمة، أو شيئاً من العبارات الأدبية المكثّفة، التي يُلمح من ورائها ثقافة الموقِّع، وهو بعدُ، وليد الحضارة، وما أنتجته من المكاتبات. وهنا ينبغي التمييز بين التوقيع على هذا المعنى، وبين الخاتَم، الذي قد يكون التوقيع مُذيّلاَ به، وهو نَقْشٌ يحمل اسم الشخص، ومنصبه إن كان ذا منصب، والخاتَم كان مقصوراً على فئة محدودة أيضاً من الناس دون سائرهم، تشبه الفئة التي يقتصر عليها التوقيع، ومفهوم التوقيع عند المحدثين يقابل هذا الخاتَم، وعلى الرغم من وجود هذا الخاتم- وإن اختلف قليلاً- في المؤسسات، والدوائر الحكومية، عند المحدثين، إلاّ أنه لا يغني عن التوقيع "الرمز"، المذكور آنفاً.
 
ومع ذلك فقد وَقعتُ على غير استخدام لتعبير "وقّع على"، ممّا أنكره المؤلف، وممّن استخدم ذلك الطبري(ت310هـ) في تاريخه():"وجدته قد وقعّ على كتابه إليك بالهندية". وجاء في "تاريخ بغداد" للبغدادي ت(463هـ) ، وذكر ذلك ابن عساكر في تاريخ دمشق(): "قال المرزباني وحدّثني العباس بن أحمد النحوي أن المأمون وقّع على ظهر هذه الأبيات…". وجاء في تاريخ دمشق() " فأعاد الرقعة وقد وقّع عليها"، وجاء في نفح الطيب () "ثم وقع على ظهر كتابه"، و"سِيَر أعلام النبلاء"()" ويقال أنه(عبد الله بن طاهر) وقّع بحضرة هارون الرشيد على ألف توقيع" "وقيل أنه وقّع مرة على رِقاع بصلات"، و"المُغرِب في حُلى المَغرب"() لابن سعيد المغربي685 هـ) "وذكر أنّ ابن زُهْر وقع له على ورقة" ، و"المنتظم حتى 257هـ" () "فإذا رَضوا به قاضيا وقع على العهد اسمه، فقُدم ففعل، فقال الناس ما نريد إلا الوابصيّ"، فوقع على الكتاب اسمه وحكم في وقته بالرصافة "، وعبد الله بن محمد بن قيس في "قِرَى الضيف() " " وحين استأذنه لمعاودة بلده… وقع على ظهر رقعته : كنّا نؤثر أطال الله تعالى بقاءك أن تقيم ولا تريم".
 
ومن الشعر قال بدر الدين الذهبي(ت680هـ) ():
 
ورياضٍ وقفــت أشجارهــا وتمشت نسمة الصـبح إليها
 
طالعتْ أوراقـها شمـسُ الضُّحا بعد أنْ وقّعتِ الوُرْقُ عليها
 
والفعل "وقّعت" في عَجُز البيت الثاني ليس المقصود به بناء ألحان الغناء على مواقعها؛ إذ إنّ الفعل من ذلك "أَوْقعَ"، ولم يرد الفعل "وَقّع" على هذا المعنى، لا عند القدماء ولا عند المحدثين.
 
ولست أسوق هذه الشواهد المتفرقة لأدلّل على أنّ المحدثين احتَذَوها في استخدامهم لهذا التعبير، ولكنها إشارات على وجود اختراق للقاعدة في هذا التعبير عند القدماء، مما يجوز لمثله أن يقع عند المحدثين، كما ذكرت من قبل،على اختلاف المعنى، فلا مانع من تسويغ" وقّع على ". وثمة ملمحٌ دلالي في هذا التعبير؛ ذلك أن "وقّع على" لا تختلف عن "وقّع في" في استبدال حرف جرّ بآخر، بل نجد في " وقع على " ملمحاً دلالياً جديداً، وهو الإجازة للموقَّع عليه، وعندما نستخدم لم يوقعّ على الشهادة، أو المعاملة؛ فذلك يعني أنها لم تُجَز.
 
• الزيارة في أثناء العمل تُحرج الموظف:
 
ناقش المؤلف هذا التعبير في باب " إسقاط حروف الجرّ"، إذ قال:"يُخطِئ بعض الناس حين يقول:"الزيارة أَثْناءَ العملِ تُعطّلُ الموظف"، أو قابلت فلاناً أثناءَ الرحلة. وأثناء الشيء أوساطه وتضاعيفه على وزن أفعال مفردها ثِني بالكسر، وأثناء ليست ظرفاً ولا مضافة إلى ما تكسب منه الظرفية، ولهذا يجب أن تقترن بحرف الجر، فيقال:"في أثناء العمل، وفي أثناء الرحلة".
 
وقد أجاز مَجمع اللغة العربية في القاهرة استخدام"أثناء" دون حرف الجر، قياساً على ما سُمع من قولهم " أََنْفَذْتُ كذا ثِنْْيَ كتابي "، بالإفراد والنصب على الظرفية، لكن الأرجح عندي استعمال حرف الجرّ معها().
 
وإذا نظرنا في إجازة مجمع اللغة هذا الأسلوب وجدناها على اعتبارين؛ الأول أن "أثناء" ليست مكاناً مختصاً، وإنما مبهم، و بالاستناد إلى ما ورد من قولهم: أنفذت كذا ثِنيَ كتابي" في نسخة من "الصِّحاح" واللسان وغيرهما بنصب "ثِنْي" على الظرفية المكانية سماعاً". وقد زاد الأستاذ عباس حسن أنّ "أثناء" مسموعة جمعاً بالنصب على الظرفية في قول الشاعر الجاهلي يهجو عمرو بن ماجد:
 
ينامُ عن التقوى ويوقظه الخَنا فيخبط أثناءَ الظلام فسول()
 
وتجدر الإشارة في البدء إلى الشاهد الذي زاده الأستاذ عباس حسن ولم يوضّحه، وقد ذكر أنّه لشاعر جاهلي يهجو فيه عمرو بن ماجد قد وقعت عليه في "الأغاني" لأبي الفرج (ت356هـ)، وهو فيه للحزين الديلي، والحزين لقبه، واسمه عمرو بن عبيد، ويهجو فيه عمرو بن عمرو بن الزبير، وهو شاعر حجازي، من شعراء الدولة الأموية، وتوفي سنة 91هـ(). والبيت كما ذكره الأستاذ عباس حسن، باختلاف القافية في الأغاني؛ إذ هي " يجول" مكان "فسول"وهو الصحيح.
 
وقد وقعت على هذا الاستخدام في بيتين لكعب بن زهير، ذكرهما الحُصري(ت453هـ) في "زهر الآداب"، إذ قال:"وأصدق بيت قالته العرب، وأمدحه قول كعب ابن زهير في رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم):
 
تَجـْري بـه الناقـةُ الأدمـاءُ مُعْتَجِرَا
   بالبُرْدِ كالبدْرِ جَلّى ليلـةَ الظُلـمِ
 
فَفـَي عِطافَيـْهِ أو أثنــاءَ بُرْدَتـِـهِ
   ما يعلمُ الُله مِن دينٍ ومِن كَـرَم
 
 
وأردف قائلاً:" وقال الأصمعي:والجهاّل يَروون هذا لأبي دَهْبَل، واسمه وهب بن ربيعة في عبد الله بن عبد الرحمن الأزرق والي اليمامة. والصواب ما ذكرناه، وهو بصفات النبي(عليه الصلاة والسلام) أعلق، وبمدحه أليق"(). وقد نسبهما أيضاً لكعب أبو العباس التادليّ (ت609هـ) في "الحماسة المغربية"() ، وقد ضبط "أثناء" بالفتح. كما نسبه المرزباني(ت384هـ) في "معجم الشعراء" لكعب أيضاً، غير أنه روى البيت الثاني " وفي عطافيه مع أثناء ريطته"(). ولعلّ تغيير الرواية جاء لتتماشى مع القاعدة الشائعة في استخدام "أثناء"، وقد نسب الجاحظ(ت255هـ) البيت الأول لأبي دهبل() وكذا ابن قتيبة(ت276هـ) في "الشعر والشعراء"().
 
وعلى الرغم مما جاء في اللسان(): "و الثِّنْـي:واحد أَثْناء الشيء أَي تضاعيفه؛ تقول: أَنفذت كذا ثِنْـيَ كتابـي أَي فـي طَيّه" فلم أقع-على كثرة البحث-على استخدام مماثل لـ"ثِنْي"، لا عند القدماء ولا عند المحدثين.
 
على أننا إذا ما نقّبنا في النصوص عن استخدام " أثناء" ظرفاً،دون حرف الجر،وقعنا على ذلك كثيراً عند المتأخرين، وممن أساغ هذا الاستخدام القُضاعي(ت658هـ) في"الحلّة السيراء" كثيرا():"وكتب به.. في أسره أثناء مخاطبة"،"وتسيير الكلم الغرّ أثناء المشارق"، "وصرفوا هشاماً المؤيّد، وسلمان المستعين أثناء ذلك يجوس خلال الأندلس".والقرطبي() (ت671هـ):".. اعتراضاً بليغاً أثناء القول"، "و يسبّح أثناء التكبير" ،"لم يعصِ الله تعالى فيه أثناء أدائه" والزُّرعي(751هـ) في"زاد المعاد"() "وإذا طُلّقتْ أثناء الطُّهر" .و"الصواعق المرسلة"():"استدراك مفسدة النهي أثناء ذلك".. و"البداية والنهاية"() لابن كثير(ت774هـ):"وتلقّى الناس أبا جعفر المنصور أثناء طريق مكة"، "وقد بلغ مؤنساً أثناء الطريق". وخبايا الزوايا للزركشي() (ت794هـ) "ذكرها في هذا الباب أثناء التعليل" ،"إذا مات المستأجر أثناء المدة". ومقدمة ابن خلدون() (ت808هـ):"ويدركه أثناء ذلك"، "وتسقى أثناء إمهائها".
 
وقد استخدمه المَقّريّ(ت758هـ) في "نفح الطيب"():" ما اندرجَ له أثناء مدحه" "وللنسيم أثناء ذلك المنظر" "ونفث به أثناء زفراته" " وسيأتي لهذا النمط مزيد أثناء الكتاب"، و استخدم القلقشندي(ت821هـ) "أثناء" عشرات المرات()، ولكنه أوردها مرة واحدة دون أن يسبقها حرف جرّ، إذ قال()" … المحلّ الثاني أثناء الولاية ". وفتح الباري للعسقلاني(ت852هـ): ():"ما لم يترجم له أثناء الكلام" و" ما فيه فائدة أثناء الحديث". والمبدع() للحنبلي (884هـ):"واستدبرهم أثناء الصلاة". والتاج والإكليل للعبدري(ت897هـ)():(ويكاد يقتصر عليه)"ثم قال أثناء كلامه"،"من شكّ أثناء صلاته" ،"أجاز الكلام أثناء الأذان" ،"ثم ذكر ذلك أثناء النافلة". و"الأشباه والنظائر في الفقه" للسيوطي(ت911هـ):"لو نوى أثناء النهار" و" فسافر أثناء النهار"(). والدارس() للدمشقي(ت978هـ):"ويتّجر أثناء ذلك". وكشف القناع() لمنصور بن يونس البُهوتي(ت1105هـ): "أيْ أثناء الطهارة" أيْ أثناء ما ذكر" ،" وإن ارتدّ أثناء عبادته" ،"أيْ أثناء الوقعة" وقد استخدم أيضاً الأسلوب الآخر في العبارة نفسها، إذ يقول():"أي في أثناء مدة الإجازة". والشرح الكبير() لسيدي أحمد الدردير(ت 1201هـ):" يد الماسح أثناء مسحه" ،"يعني أثناء الوقت" ،" أي أثناء الصلاة". وحاشية البجيرمي() (ت 1221هـ):" وإن طَرأ له أثناء فعله"،"فأنه بإقامته أثناء ما مرّ" "إذا عملا جنازة أثناء الصلاة" و"عَود المريض أثناء النهار". وصديق القنوجي(ت1307هـ) في "أبجد العلوم"():"أخذهم أثناء المدارسة"،"كثير من الملكة أثناء التعليم"، "مبثوثة أثناء ذلك". والاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى()، لأبي العباس الناصري(ت1315هـ) "وفي نفسه أثناء هذا "، "والسلطان يعقوب أثناء هذا كله يغادي شَريشَ و يراوحها"، "وهلك السلطان يوسف أثناء ذلك"، وفي أدب الرحلات جاء في "رحلة ابن جبير"()(ت614هـ) إذ استخدمها مرة واحدة كذلك:"ظهر الهلال أثناء فرج السحاب"، وسائر استخداماته على القاعدة()، و عند ابن بطوطة () (ت779هـ):" ويغنون أثناء ذلك"،"أصابتني أثناء ذلك حمّى". كما نجده في تفسير الجلالين () في سورة القصص" فبالجحفة نزلت أثناء الهجرة".
 
وقد استخدم سيد قطب (ت1966هـ) "أثناء" فيما أحصيته في"الظلال"، (63) مرة، وقد حاول جهده أن يلتزم التعبير الأفصح، ولكن ندّ منه استخدامان خالف فيهما ذلك():و" لا يخطرنّ بباله أثناء هذه الجهود البالغة …" ، و" والذي أمدّ فليب وقلب الأسد بالمرطبات والأدوية والأزواد أثناء مرضهما". كما استخدمه طه حسين(ت1973هـ) في عنوان أول فصل في كتابه "حديث الأربعاء، إذ وسمه بـ " أثناءَ قراءةِ الشعر الحديث"، وهو يستخدم التركيبين أيضاً، ففي كتابه "القدر" نجده يقول في أوائل فصل "الأنف"():عاهدت الآلهة أثناء حزنها ثم يقول في منتصفه():" وفي أثناء العشاء شكا كادور ألماً"، كما استخدمها أحمد أمين، في كتابه"حياتي"():"..كل ما يلقاه أثناء حياته"، ومحمود شاكر():"ولكني انصرفت عن ذلك أثناءَ الكتابة".
 
بقي أمران، أولهما أنه بالرغم من هذه النصوص كلها فمن المرجّح أن للترجمة دوراً مهماً في ترسيخ هذا التعبير، وبالتحديد كلمة "during"، وثانيهما أن ثمة كلمة أخرى مرادفة لـ"أثناء" وقد استخدمها القدماء مجرورة وغير مجرورة ألا وهي "خِلال" أو "خَلَل"، نحو قوله تعالى:()" فجاسوا خلال الديار" وقوله تعالى():" ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة"، وقول الشاعر الأموي نصر بن سيّار:" أرى خلَلَ الرمادِ وميضَ نارٍ"، وجاء في اللسان()"قال الِّلحياني:" جلسنا خلالَ الحيّ، وخلالَ دورِ القوم؛ أي جلسنا بينَ البيوت، ووسط الدور، قال:وكذلك يقال سرنا خَلَلَ العدو وخلالَهم؛ أي بينهم"، وهذا يقوّي هذا الاستخدام لإثناء دون حرف الجرّ. وعلى هذا فلئن سُجِّل خروجٌ حَيِيّ عند القدماء في استخدام "أثناء" دون أنْ يسبقها حرف جرّ، فمن الجليّ أنّ المتأخرين، وعلى الأخص بعد القرن السابع، قد خرجوا على هذا الاستخدام خروجاً واسعاً، ولا مجال لتخطئة المحدثين في استعمالها على هذا الوجه.
 
 
 
 
 
• شجعتُ الطلابَ خاصةً الممتازين:
 
ذكر المؤلف هذا الأسلوب في باب ما أُسقط منه حرف الجر، ومثله:قرأت الكتب خاصةً كتب الأدب، ويردف قائلاً:خاصة اسم على وزن فاعلة، يستعمل بمعنى المصدر، ويفيد ما تفيده "ولاسيما" في التعبير غالباً، والأرجح جرّه بالباء، فقد سُمع أبو العباس ثعلب وهو يقول:"إذا ذُكر الصالحون فبخاصةٍ أبو بكر، وإذا ذكر الأشراف فبخاصة علي"، والمؤلف يختاره لأن المعجم الوسيط اختاره، فقد جاء فيه:"يقال بخاصة فلان أي خصوصاً فلان". وهو بخلاف استعماله مفرداً بعد تمام الجملة، فإنه يكون منصوباً على الحالية أو المصدرية، أو مفعولاً لأجله، كما تقول فعلت ذلك بك خِصّية أو خاصة أو خصوصية().
 
وهو يردّ على العدناني إجازته ترك هذه الباء، ويعدّ دليله على ذلك متهافتاً؛ ذلك أن ما ذكره من نفي الصعوبة عند النطق بهذه الصيغة دون الباء يُوجب أن نَنْزل عن نصف اللغة، فما أكثر الكلمات المختصرة وهي خطأ؛ لذلك كله فالأَولى أن يُقال: شجعتُ الطلاب وبخاصةٍ الممتازون، وقرأت الكتبَ وبخاصة كتب الأدب().
 
بادئ ذي بَدء هذا الأسلوب من الأساليب التي ناقشها مجمع اللغة العربية باعتبارها من الأساليب المحدثة، وقد أجاز استخدام خاصة وخصوصاً، وجاء في قراره أن خاصة اسم مصدر، أو مصدر جاء على فاعله، كالعافية، وأن خصوصاً مصدر، ولها في الاستعمال صور، منها:
 
1- " أحب الفاكهة وخاصةً العنبَ" ، وفي مثل هذا تنصب خاصة على أنها مصدر، قام مقام الفعل، وما بعدها مفعول به.
 
2- " أحب الفاكهة خاصةً العنبَ " دون واو، ومثل هذا تنصب فيه خاصة على أنها حال وما بعدها مفعول به.
 
3- " أحب الفاكهة وخصوصاً العنبَ "، وفي مثل هذا تنصب خصوصاً على أنها مصدر قام مقام الفعل، وما بعدها مفعول به. وزاد الأستاذ محمد خلف الله أحمد(ت1983م) عضو المجمع استعمالين آخرين، لم تذكرهما اللجنة، وهما "أحبُّ التفاحَ واللبناني منه خاصة، والثاني يعجبني التفاحُ واللبناني خاصةً"، وخرّج الشيخ الصوالحي عضو المجمع "خاصة" هنا على الحال، ورده عباس حسن لوجود الواو().
 
ومن عجبٍ أن هذا الذي عدّه الدكتور عمار خطأً واستبدل به "بخاصة وبعامة"، عدّه الدكتور إحسان النّص غير فصيح على شيوعه بين الكتاب اليوم، ولا نجده في أساليب العرب القُدامى، وبعد أن ذكر الدكتور إحسان قول ثعلب آنف الذكر، قال معلقاً: "وهذا قول رُوي من طريق السماع، ولم نتحقق من صحة نسبته إلى اللغوي المشهور، ثعلب"، وأردف قائلاً:"ومهما يكن من أمر فإن الأفصح استعمال هذين اللفظين:"عامة وخاصة" مجردين عن الباء الجارة"().
 
وإذا عدنا إلى هذه المسألة كان علينا إن نقول إنّ ترجيح الدكتور عمار استخدام خاصة مسبوقة بحرف الجر "الباء" لا حُجة مقنعة تسنده، كما أنّ رد الدكتور إحسان له، وإثبات استخدم "خاصة" دون الباء لا يمثل رداً مقنعاً لغيره من الاستخدامات، ولا يقلّ ما ذهب إليه العدناني - في سهولة نطق هذه الصيغة دون الباء - بُعداً عن تمثل هذا الأسلوب.
 
وعلينا ههنا أن نذكر شيئين، الأول أن الأسلوب الذي تستخدم فيه خاصّة بأنماطه المختلفة هو مُحدَث على الأغلب، وقد دخل إلى العربية من الإنجليزية، ومن كلمة ""especially، على وجه التحديد، والاستخدام النادر الذي وقعتُ عليه عند القدماء - كما سيأتي – لا يعني بحال أن استخدام المحدثين صدى له، والشيء الثاني أن "خصوصاً" تختلف عن "خاصة"، فقد استخدمها المتأخرون استخداماً ظاهراً، كما يستخدمها المحدثون، إذ استخدموها منصوبة وجعلوا ما يليها منصوباً أو مرفوعاً، كما أدخلوا عليها حرف الجرّ.
 
أما عن استخدام "خاصة" فقد وجدتها في نصٍّ يتيم للأعشى وهو من المتأخرين: "أما البطيخ فينجب عندهم نجابة وخاصةً الأصفر"().
 
أمّا "خصوص" فقد استخدمها المتأخرون كثيراً على الأوجه المذكورة آنفاً وأول ما وقعت عليه من استخدامها كان عند العُكبَريّ (ت616هـ) في "المسائل الخلافية"، إذ يقول:"بل يستدل بالظاهر على الخفي خصوصاً في الاشتقاق"()، وفي "التبيان()": "..فجعلتْ قبل الشين كراهية الهمزتين بينهما ألف خصوصاً بعد الياء"، وفي "الُّلباب()":"فلو حُركَتْ لتوالت الحركات وثَقُلتْ خصوصا في الياء بعد الكسرة"،و" عوامل الأسماء أقوى من عوامل الأفعال خصوصا إذا كانت أفعالاً"، و الرضي في "شرح الكافية"(ت686هـ): فإذا قلت أحب زيداً ولا سيما راكباً أو على الفرس،فهو بمعنى خصوصاً راكباً"()، و القلقشندي(821هـ) في "صبح الأعشى"() "أفضى إلى الهَلَكَة خصوصاً أسرار الملوك"، "والجري على قواعد العربية خصوصاً عرب الحجاز، والمَقَّرِيّ (ت758هـ) في"نفح الطيب"() " قراءاته بعد كل صلاة خصوصاً صلاة الجمعة"، "من يدري كمن لا يعلم خصوصاً الحديث عن خير البشر"، وياقوت في"خزانة الأدب"() "في إرسال المثل على أنواعه خصوصاً أهل الإنشا".
 
وقد جاء هذا التركيب أيضاً في كتب الفقه والتفسير كما في "تفسير الطبري"(ت310هـ) ()"حدثنا بِشر.. ثم ربك للمتقين خصوصاً القول في تأويل قوله تعالى"، و"قواطع الأدلة في الأصول" للسمعاني()(ت489) "ذكرها أليق بهذا الموضع خصوصاً مسألة استصحاب الحال"، " من أصحاب أبي حنيفة خصوصاً العراقيون"، و"تفسير القرطبي" (671هـ) () "مذهب الحضر خصوصاً إذا كانت الحالة…" و"المجموع" للنووي() (676هـ)" "يخرج كل يوم إلى البقيع خصوصاً يوم الجمعة"، و"الفروع" للمقدسي (ت762هـ) () "كشهر رمضان خصوصاً الليالي" "لاسيما الجر خصوصاً صاحب العائلة"، و"فتح الباري" لابن حجر(ت852هـ) () "سقي الماء خصوصاً ماء زمزم" "التي رتب عليها الجواب خصوصاً المقاتلة" "في صدور الصحابة خصوصاً الفاتحة" "لم ينقل عنهم خلاف في الجواز خصوصاً أهل المدينة". و"المبدع" للحنبلي (ت884هـ) () "قد استفاضت به خصوصاً حديث عثمان" "ويُسَنّ التكبير في ليلتي العيدين خصوصاً في الفطر"، و"مغني المحتاج للخطيب الشِّرْبيني (ت977هـ) ()" وهو منتظر الصلاة وخصوصاً إذا قربت"،" ،و"فتح القدير للشوكاني(ت1250هـ) ()"والتأسيس خير من التأكيد خصوصاً في كلام الله" "حتى يعلم بحكمه خصوصاً في أمور الدين"،"ذكر سبحانه تعظيم القرآن خصوصاً هذه السورة".
 
كما جاء في كتب التاريخ والمعاجم، كما في "تاريخ دمشق"() لابن عساكر(ت571هـ) "كان عالماً بالقراءة خصوصاً بقراء أبي عمرو"،"وبنى بها الأمير المظفر.. خصوصاً لأهل الحديث"، و"وفيات الأعيان"()لابن خَلِّكان (ت681هـ)"كان ماهراً في فنون عديدة خصوصاً علم الحساب" "كان أحد أئمة الأدب خصوصاً اللغة". "وقد ذكرته الشعراء خصوصاً أبا عبادة البحتري"، و"سير أعلام النبلاء"() للذهبي(ت748هـ)" تكلموا فيه بالقبائح خصوصاً الزهاد"،"القراءة في المحراب خصوصاً ليالي رمضان"، حفظ أسماء الرجال خصوصاً من تأخر زمانه"، و"مقدمة ابن خلدون()(ت808هـ)"وكثر هؤلاء في الأقاليم المنحرفة.. خصوصاً بلاد الهند"،"وفيهم الكثير من المنتحلين للعلوم وخصوصاً علوم اللسان"، "الدرر الكامنة"() لابن حجر العسقلاني (852هـ)"من اعتقد عقيدة ابن تيمية حلّ دمه خصوصاً الحنابلة" "واشتغل بالعلم خصوصاً العربية" "وكان محبوباً للناس خصوصاً أهل الحديث"، و" كشف الظنون للحاج خليفة(1069هـ) () واعلم أن الإشراقيين من الحكماء كالصوفيين..خصوصاً المتأخرين"، "اشتغل بتتبع التواريخ خصوصاً الوفيات" و"شذرات الذهب"() الإمامة لبني هاشم خصوصاً بني العباس" "في علوم كثيرة خصوصاً الفقه" "كان إماماً في علوم شتى خصوصاً اللغة"، و"التحفة اللطيفة" للسَّخَاوي (ت902هـ) ()،وتأسف الناس وخصوصاً أهل المدينة"، "يستحضر من الأحاديث شيئاً كثيراً خصوصاً المتعلقة بالأوراد"، و"عجائب الآثار"() للجَبرتي (1822م)"كانوا بمنزلة أولاده خصوصاً الأولين" "صاروا يفتشون على من بقي منهم خصوصاً في الكرتلية" ، و"أبجد العلوم"()للقنوجي (ت1307هـ)"سبب حرمان الرزق خصوصاً الكذب"، "في المشرب والإصلاح خصوصاً المتأخرين منهم" "صاحب العلوم العقلية خصوصاً الأمام فخر الدين الرازي"، و"الاستقصا" للناصري(1315هـ) () "واستحرّ القتل في المسلمين وخصوصاً قُرّاء القرآن"، تقبض على قواد الفساد خصوصاً أحمد بن عبد الحق".
 
أما جرّ "خصوص" أو إضافتها فإننا نقع عليها في "معجم البلدان"() لياقوت الحموي (ت626هـ)"خرج من أصبهان من العلماء والأئمة في كل فن ..وعلى الخصوص علوّ الإسناد" "أندة كثيرة المياه والرساتيق والشجر.. وعلى الخصوص شجر التين"، و"المثَل السائر() لابن الأثير (ت637هـ)"وأن تحكم فيهم بحكم الله الذي قضاه على لسان سعد في بني قريظة والنضير وعلى الخصوص البيت المقدس"، و"الإيضاح في علوم البلاغة"() للقَزويني (ت756هـ)"لها من الهيئات والجوارح وعلى الخصوص ما يكون قوام اغتياله للنفوس"، و"مغني اللبيب() لابن هشام (761هـ)"وإذا تولوا الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا" و"صبح الأعشى() " والإقلاع وعلى الخصوص إذا كانت الخيانة.."، و"عجائب الآثار"()"تعطلت من المارّة وعلى الخصوص طريق بغداد" "على ما كانوا عليه وعلى الخصوص أنّ دين الإسلام..".
 
ومما لا شك فيه أن السياق الذي ترد فيه "خاصة" وأخواتها، ليس غريباً عن العربية، ومن الأساليب الفصيحة التي استبدلوها به" أسلوب "لاسيما"، وكان يمكن للمترجمين أن يستخدموها، غير أنهم اختاروا عليها خاصة وأخواتها، ولعل انصرافهم عن "لاسيما" كان لتركيبها، وكثرة ما يقع من الاختلاف في ضبط الاسم بعدها.
 
قصارى القول أن الأسلوب الذي ترد فيه خاصة قد شاع على ألسنة الكتاب والمثقفين، وليس من الحكمة تخطئته، والوقوف في وجهه، وقد سَبَقَ القدماءُ إليه، غير أن الإشكال الذي يؤخذ بعين الاعتبار هو إعراب هذه الصيغ، وقد رأينا المجمع يقسمها باعتبارات مختلفة، ولا أراه أصاب فيما ذهب إليه. فإذا أردنا أن نتمثل الدلالة الحقيقية لهذه الأساليب، علينا النظر إليها باعتبارين، حسب ما بين أيدينا من الاستخدامات، النمط الأول ويشمل الصيغ التي لا تُسْبَقُ بحرف جرّ، وهذه جميعاً فيما يظهر مصادر نائبة عن أفعالها، ودلالة ذلك أبْيَن، وقد تخرّج على الحال ، ويكون ما بعدها مفعولاً به، أمّا النمط الثاني فهو المسبوق بحرف الجر، نحو بخاصة وعلى الأخص وبالأخص، وهذه لا مفرّ من إعراب الذي يليها مبتدأ مؤخراً، وشبه الجملة خبرٌ مقدم.
 
ونزيد أن هذا الأسلوب يؤدى على الأوجه التي جاءت في قرار المجمع، وما زاده الأستاذ محمد خلف الله أحمد، ونضيف إليه كما نرى عند الكتاب والمثقفين: أَخُصّ، وعلى وجه الخصوص، وخصوصي، وعلى وجه التخصيص وعلى الأخص وفي الأخص وبشكل خاص وبالخصوص وخِصّيصاً، وكل هذا مستخدم ومتداول ومن اليسير الوقوع عليه.
 
• لم تعجبني السطور فشطبتها :
 
ذُكرهذا التعبير مما أسقط منه حرف الجرّ، يقول المؤلف:"يقول الناس شطبت السطور، ويشطب التلميذ الخطأ"، وهذا الفعل يستعمل متعدياً بمعنى شَقّه طولاً، ومنه شَطَبَت المرأةُ الجريد شقته طولاً، ولازماً بمعنى عَدَلَ وَتَرَكَ، يقال:شطب عن الشيء عَدَلَ عنه،وفي الحديث:فشطبَ الأمير عن مقتله، بمعنى عدل عنه، وعلى ذلك فالصواب أن يقال شطب عن السطور، ويشطب التلميذ عن الخطأ . وأجاز مجمع القاهرة شطب الكلمة طمسها عدولاً عنها اعتماداً على ما قاله الشِّهاب الخَفاجِي في شفاء الغليل "شَطَبَه وشَطَبَ فوقَه مَدّ عليه خَطّاً()، وقد خَطّأ الجار الله من قَبْلُ هذا الاستخدام ().
 
وقد أجاز مجمع اللغة العربية هذا الاستخدام، ووافق عليه في الدورة الرابعة والخمسين. (). وقدّم الدكتور شوقي ضيف بحثاً في ذلك، وعَرَض للاستخدامات الحديثة لكلمة(شَطَبَ)، وذكر أنّ كل هذه الاستعمالات وما يُطوى فيها من معنى الإلغاء، لا توجد في المعجمات، غير أنه يوجد فيها ما هو منها بسبب؛ إذ يوجد فيها الشُّطبة واحدة شُطَب السيف؛ أي الخطوط والطرائق في مَتْنه، ويوجد أرض مُشَطّبة إذا خطّ فيها السيل خطوطاً، واشتقوا منها الفعل الرباعي "شطّب". واستعمالهم الرباعي "شطّّب" بهذا المعنى يتيح إضافة شطَبَ يَشطُب الثلاثي بمعنى خطّ يخُطّ، ولمّا كان هذا الخطّ يستلزم إلغاءَها، سَمَّوا هذا الصنيع إلغاء، ثم اتسعوا في استعمالها، فجعلوها تدلّ على الإلغاء مطلقاً، من باب إطلاق الخاصّ على العام عن طريق المجاز المرسل(). وما ذكره الدكتور شوقي ضيف لم يتنكّب جادة الصواب.
 
وقد أيّد شَطَبَ بمعنى "طَمَسَ" محمد العدناني ()، فبعد أن استعرض معانيها في المعجمات، عَرّج على قول الخفاجي في "شفاء الغليل"، وهو ما استند إليه المجمع في إجازتها على هذا المعنى، وقد استشهد بقول ابن العيد الظاهر:
 
جئتُ شطبتُ فوقَه وقلتُ هذا غَلط
 
أمّا النصوص فتنبئ أنّ استخدام شَطَبَ بمعنى ألغى لم تستخدم –فيما اطلعت عليه-أمّا استخدام عبارة "شطب عنه" فلعله نادرٌ، وقد أعياني البحث، ولم أقع على استخدام لها. على أنّ في العربية مادّة صميمة تفيد معنى الشطب والإزالة ألا وهي الترميج، وهو –كما جاء في التهذيب والمجمل والمحكم واللسان() إفساد النصوص بعد تسويتها وكتابتها بالتراب ونحوه، يقال:رَمَجَ ما كتب بالتراب حتّى فسد، وهذه مادّة لا يكاد يستخدمها أحد من القدماء ولا من المحدثين، فيما اطلعت عليه. واستخدام "شطب" بمعنى ألغى مستخدمة استخداماً واسعاً في عصرنا وليس من الحكمة تخطئتها، والتمسّك بصيغة نَدَرَ استخدامها عند القدماء، فضلاً عن المحدثين.
 
• تخرّجت في قسم الجغرافيا - كلية الآداب:
 
وهذا ممّا أُسقط منه حرف الجر أيضاً، يقول المؤلف:" يكثر إسقاط حرف الجر من المرتبة الثانية في مثل هذه الحالة، فيقول أحدهم :تخرجت في قسم الجغرافيا – كلية الآداب، أو في قسم الكيمياء-كلية العلوم. وهذه المواضع تستحق دخول حرف الجر على الجزء الثاني من العبارة فيقال بكلية الآداب أوفي كلية الآداب().
 
إنّ سَلْك المؤلف هذا الأسلوب في الأخطاء، من الغرابة بمكان، فهذا أسلوب يكاد يكون عالمياً، وهو أسلوب لا شكّ من ابتداع المحدثين، ومن المؤكد أنه نتاج الحضارة الغربية. وهو لا يعارض العربية الفصيحة؛ إذْ غَدَتْ هذه الشَرْطَة الفاصلة مصطلحاً له دلالته، ليس في هذا النمط من التعبيرات فحسب، ولكن في كلّ متعلّقين، تعلّق الجزء بالكلّ؛ ولهذا نرى:السعودية-الرياض، ووزارة التربية – المدارس الخاصة، وما إلى ذلك من التعبيرات. ولا مجال مطلقاً لتخطئة هذه الأساليب، وهذه الشرطة –كما ذُكر- تُنبئ بانضواء الأصغر تحت الأكبر، والجزء تحت الكلّ، ولا يشترط أن يكون الأول هو الأكبر، فقد يقال قسم الجغرافيا – كلية الآداب ،أو العكس. أمّا حرف الجرّ "في" فيحدّ من هذه الإمكانية، إذ لا يمكن أن يكون العكس، هذا من باب، ومن باب آخر فإنّ الشرطة الفاصلة مصطلح مخصوص، على حين يدلّ حرف الجرّ "في" على الظرفية على نحوٍ غير مخصوص؛ فقسم الجغرافيا في كلية الآداب كما هو في الجامعة، كما هو المدينة.
 
قصارى القول أنّ هذا أسلوب يمكن أن يُدرج ضمن الأساليب التي أنتجتها الحضارة الحديثة، والتقسيمات الإدارية الحديثة في شتّى مناحي الحياة، ولا مجال لتخطئته وقد أصبح أسلوباً عالمياً.
 
• اليوم 15 مُحَرَّم:
 
وهذا ممّا أسقط منه حرف الجرّ، يقول المؤلف:" "يكتب كثير من الناس على خطاباتهم أو من الموظفين على معاملاتهم فيقولون: اليوم 15 محرم، واليوم 9 ربيع الأول، أو الأربعاء 30 كانون الأول أو السبت 13 شوّال.. ويجب أن تسبق الشهر كلمة "من"؛ لأن اسم الشهر ليس تمييزاً للعدد الذي يمثل ترتيب اليوم بين أيام الشهر. والمقصود أن يقال: هذا اليوم هو الخامس عشر مثلاً من الشهر أو من شهر كذا، وعلى ذلك فالصواب اليوم 15 من المحرم ، و30 من كانون الأول.()
 
بادئ ذي بَدء إن تدوين التاريخ بالطريقة التي ذكرها المؤلف هو من عمل المُحدثين، فالقدماء، والمتأخرون كانوا يكتبون التاريخ كتابة حرفية، لا رموزاً رياضية، والمحدثون يجنحون إلى الأسلوب المذكور اختصاراً للجهد، وهو أسلوب عالميّ في التأريخ، لا تستقلّ به العربية وحدها، غير أنّ الكتّاب إذا كتبوه كتابة حاكوا القدماء، فهم مثلاً لا يكتبون الخامس عشر محرم، بل من المحرم، إلاّ إذا وضعوا بينهما شَرطة، كذا: الخامس عشر/المحرم، وهذا أقل من ذلك. وقد اجتزأ المحدثون من طرق القدماء في تدوين التاريخ بذكر حرف الجر "من" قبل الشهر، على الرغم من أن القدماء أرّخوا على غير صورة، لما مضى، وما سيأتي من الشهر، نحو:خَلَتْ، وَخَلَوْنَ، وَبَقِيَتْ، وبَقِيْنَ، كما استخدموا لأوّلِ الشَهْرِ: لأوّلِ ليلةٍ منه، وَلِغُرّتِهِ،، ولمُستهَلّه، فإن بَقيَتْ ليلةٌ واحدةٌ منه قالوا لليلةٍ بقيتْ أولسَراره أوسَرَره، فإذا بقي نهارٌ قالوا لآخرِ يومٍ منه، أو لِسَلْخِهِ أو انْسِلاخِهِ. وكلّ هذا ما عاد يُسمع.
 
على أنّ المؤلف لو تتبّع استخدام المتأخرين للتاريخ، لما خطأ المحدثين في استخدامهم المذكور، فقد افتنّ هؤلاء في تأريخهم. فإذا كان المؤلف قد أنكر على المحدثين إضافة الرموز الرقمية إلى الأشهر، فقد أضافها القدماء كتابة، وعلى الرغم من أنّ النحويين أجازوا إضافة العدد المركب إلى معدوده، غير التمييز، واستثنوا اثنتي عشرة، واثني عشر، إلا أن المتأخرين خرقوا هذه القاعدة أيضاً، فأضافوا كل الأعداد إلى معدوداتها، مفردة ومركبة، ومعطوفة.
 
وأول ما يطالعنا من هذا الاستخدام في "أخبار النحويين" () لابن أبي هاشم ت(349هـ) "وأنا أسمع سابعَ عشرَ ربيعٍ الآخر"،"وأنا أسمع في شهر ربيع الأول""وصح ذلك عشر ربيعٍ الآخر". كما جاء في كتب الأدب كما في "الأغاني"() للأصفهاني(ت356هـ)، إذ جاء فيه" "ثم دخل إليه ثانيَ شوالٍ فأنشده.."، و "الأمثال في الحديث النبوي" لجعفر بن حيان() (ت 369هـ)"..وأنا أسمع في يوم الأربعاء سابعَ عشرَ جمادى الآخرة.." و"المستطرَف() " وذلك في تاسعَ عشرَ شهرِ رمضان المعظم". كما جاء في "نفح الطيب()" يوم الاثنين خَمس رجبٍ سنة اثنتين.." " توفي يوم الخميس حادي عشر شوال"،"وتوفي ..ثاني عشر رجب..". و "صبح الأعشى"() "ثم تولى الخلافة بعده أخوه المعتضد بالله أبو الفتح.. سابع عشر شعبان.. وتوفي عاشر جمادى الأولى … "، "مؤرخة بثاني عشر شهرِ صفر..".
 
وقد بدا ذلك واضحاً في كتب التاريخ كما في " المنتظم" لابن الجوزي()(ت597هـ) "توفي يوم الجمعة تاسع محرم.."، "توفي ثامن وعشرين محرم.."، "وفي ثاني عشر محرم جاء نظام الملك" و" الكامل " للشيباني(630 هـ) () "رابعَ عشرَ ربيعِ الأول وثب المختار بالكوفة"، "في هذه السنة ثاني عشر صفر". و" الروضتين " للمقدسي()(ت 665هـ)"ومات حادي عشر شوال"،"ونزل حماة ثاني عشرٍ شوال"، "البداية والنهاية" لابن كثير( ) (774هـ) "بويع له ..في رابع عشر ربيع الأول"،" "ثاني عشر صفر أحضر القضاة أبا عبدالله"، و "مآثر الأناقة " للقلقشندي()(ت821هـ) " توفي ثالث عشر شعبان"،"وتوفي في سابع عشر رجب"، و"النجوم الزاهرة " لابن تَغْري بِرْدي()(ت874هـ) ،"ليلة الخميس خامس شوال"،"وقعت في ثامن عشر شوال"،"في ثالث عشرين شوال" و" شذرات الذهب "() "توفي في ثاني عشر ربيع الأول" "إلى أن أسره يوم الأحد خامسَ عَشْرَيْ محرّم.."، "وتوفي ثامن عَشْرَيْ صفر.
 
وجاء في كتب الفقه والسِيَر والأعلام: كما في "سيرة ابن إسحاق" محمد ابن إسحاق()ت151هـ، "..في أول شوال". و "مسائل الأمام أحمد "() لأحمد ابن حنبل (ت266هـ)"ومات رابع ربيع الآخر.." "وجاءت زلزلتان في دمشق.. ثامن رجب"، و"عيون الأنباء في طبقات الأطباء"() لابن أبي أصيبعة (ت 668هـ)"" وكان تاريخه تاسع عشر شهر رمضان" "كان موت الحكيم ثامن عشر جمادى الأولى"، و "وفيات الأعيان "() لابن خلّكان (ت681هـ)"كانت ولادته في عاشر رمضان"،"توفي ثالث وقيل ثاني شهر ربيع الأول"" ،وجاء في "سير أعلام النبلاء " () للذهبي (ت748هـ) "ومات في عاشر رمضان"، "توفي في ثامن وعشرين رمضان"، و"زاد المعاد " للزُرعي()(ت751هـ) "فلما كان يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول.." "وكانت وقعة أحد يوم السبت في سابع شوال سنة.."، "و" مقدمة ابن خلدون() (808هـ)"وتحويل السنة الأولى في ثاني رجب.."، "الدرر الكامنة"() للعسقلاني ( ت852هـ) "مات في ثاني عشر شهر ربيع الآخر"،"ومات في رابع عَشريْ رمضان".
 
كما جاء أيضاً في "الإصابة للعسقلاني"() "انتهت كتابتي في ثالث ذي الحجة .." "وفرغت منه في تاسع عشر شوال.."، طبقات الحفاظ() للسيوطي 911هـ "مات أبو الزناد سابع عشر رمضان"، "مات في تاسع عَشْرَيْ رمضان". الدارس للدمشقي()(ت 978هـ) " توفي ثاني صفر"، "توفي ثاني عشرين شهر رمضان" و"رحلة ابن بطوطة"():"ولما كان رابع شوال وصل السلطان.."، "وفي تاسع جمادى الأولى خرج السلطان".
 
كما جاء في المعاجم المخصوصة، كما في "أبجد العلوم القنوجي"() (ت1307هـ) " ولد تاسع عشر من رمضان.."، " وُلِدَ حاديَ عشرَ جُمادى الأولى.."و" كشف الظنون() للحاج خليفة (ت1069هـ) "فرغ منه في خمس وعشرين رمضان.." "فرغ من تأليفه في إحدى وعَشْريْ محرم"، و"الفِهْرِست لابن النديم()(ت385هـ)، (سِنان بن ثابت بن قُرّة)"وتوفي حادي عشر ذي القعدة.."، و" معجم البلدان "() لياقوت الحموي (ت626هـ) "ومات في خامس رجب"، مات خمارتكين في رابعِ صفرٍ" ".. مات ثاني عشر ربيع الآخر".
 
على أنّ هناك من المؤرخين من التزم المنهج القديم في تأريخه،ولم يَحِدْ عنه، في كلّ استخداماته، كالطبري في تاريخه.
 
خلاصة المسألة أنه لا يجوز تخطئة من يؤرخ بإضافة الرموز الرقمية إلى الشهر، فهو كما مرّ، أسلوب عالمي لا تستقلّ به العربية، وكما رأينا فكثير من الكتّاب العرب القدماء والمتأخرين لم يلتزموا أسلوباً واحداً في التأريخ، بل أرّخوا على غير وجه، وفي هذا أيضاً سَعةٌ لمن يستخدم من المحدثين هذا النمط من التاريخ.
 
• نَتَجَ عن هذا الدَّعْمِ شُيُوعُ الثَّقافَةِ:
 
ذكر المؤلّف هذه المسألة ممّا زيد فيه حرف الجر، إذ يقول:" يقولون نتج عن هذا الدعم شيوع الثقافة، ولن يَنتُج عن التعصّب إلا العداءُ والكراهية". وهذا الأسلوب من الأساليب المجازية، وهو أسلوب حديث، لأن أصل الفعل نتج يدلّ على الولادة والوضع في عالم الحيوان، ثم استعير بعد ذلك إلى معانٍ عدّة، ويرى الأستاذ العدناني تبادل "من" و"عن" في هذه التعبيرات اعتماداً على أن يقال نتج الشيء من الشيء بمعنى خرج، ولم أجد ذلك فيما بين يدي من المعجمات، وقد وجدتها تورد هذا الفعل:
 
- مبنياً لما لم يُسَمَّ فاعله فيقال نُتِجَتْ الناقة.
 
- مجرداً مبنياً للمعلوم، فيقولون نَتَجَها صاحبُها.
 
وكلا التعبيرين يدلّ على أن الفعل في أصله متعدٍّ، ولا حاجة لوجود حرف الجر معه؛ ولهذا فإن الراجح عندي تعديته بنفسه وعدم الحاجة إلى حرف جر، وأنهم أدخلوا حرف الجر فيه على الفاعل، كما يدل على ذلك المعنى ولهذا صحّ أن نقول:" نَتَجَ هذا الدعمُ شيوعَ الثقافةِ، وَتُنْتِجُ المناقشةُ جَودةَ الفَهْم().
 
بادئاً إنّ ما أورده العدنانيّ من وجود"نتج منه" لم أقع عليه في المعجمات، واستخدام "نتج منه" قليل جداً، فالوقوع عليه من الصعوبة بمكان، على أنني وقعتُ عليه في بعض المصنّفات، منها المستقصى في أمثال العرب للزمخشري()ت538هـ"أَخٍْيَبُ من ناتجِ سَقْبٍ من حائل"، و"منهاج الطالبين" ليحيى بن شرف النووي()(ت676هـ)" ما نَتَجَ من نصاب"، و"شرح فتح القدير" للسيواسي()(ت681هـ)"يَنتجٌ من الشكل الثالث بعض القاذورات"" و"الإبهاج"() لعلي بن عبد الكافي السّبكي (ت756هـ) "ما نَتج من نكاح نور الشرع لصافي بنات الفكر"، و "التعريفات" للجرجاني()(ت816هـ)" وربي ليس بآفل يَنتج من الثاني الكوكب ليس بِرَبي"،" و" المستطرَف()(ت850هـ) "إذا نَتج من صلب الفحل عشرة أبطن"،"فتح الباري"() (852هـ) "لأنّ الدَّر يَنتج من العين، بخلاف ما إذا كان اللبن في إناء"، و"صبح الأعشى" وزان الولايات بما ينتج من مقدمة فعله وقوله"، "وما نتج من النِّصاب"،و"المنهج القويم" للهيتمي()(ت974هـ)"نتج من مائة شاة"،"ما نتج من نصاب"، و"فتح القدير" الشوكاني()(ت 1250هـ)"إذا نَتج من صلبه عشرة".
 
وبعد، فهذا التركيب الذي خطّأه المؤلّف محدث تماماً، وعلى الأغلب هو وليد الترجمة؛ ذلك أن ليس ثمة فعل يمكن أن يكون "نتج" قد تضمن معناه، يتعدّى بـ"عن"، وإن كان "يستخدم أحياناً في معنى "صَدَرَ" أو "أسفَرَ" إلاّ أنّ كثيراً من استخداماته على غير ذلك، وهو مستخدم عند المحدثين استخداماً واسعاً، وليس من الحكمة تخطئته، ويمكننا أنْ نقبل التناوب بين "مِنْ" و"عَنْ" ههنا، لا من قبيل ما ذكر العدناني، ولكن من قبيل الاستقراء لاستخدامات المحدثين .
 
• دخول حرف الجر على كافة:
 
ذُكِرَ ممّا زيد فيه حرف الجرّ، يقول المؤلف: يقولون عممّتُ الخبرَ على كافة الموظفين، وسلمت على كافّة الحاضرين، واحتفيت بكافة الزملاء. يُدخلون حرفَ الجرّ على كافة، والنحاة يوجبون نصبها على الحال فهي لا تنصرف عندهم عن الحالية، ويمنعون دخول " ال" عليها أو إضافتها، ويستظهر برأي الحريري في دُرّة الغَوّاص الذي بالغ في النكير على من أخرجها غير مخرج الحالية، ولكن الحَريريّ وقع فيما أنكره حين قال:"وتشهد الآية باتفاق كافة أهل الملل".
 
ويستعرض رأي بعض اللغويين والمفسرين مما يؤيد ما ذهب إليه، ويستخلص من ذلك ثلاثة أمور :
 
1- أن ما وَردَ من استعمال كافة على خلاف شرط النحاة عند الفقهاء والمصنّفين والعامة هو سهو أو تساهل في الاستعمال، لا يُعتَدّ به ولا يقاس عليه.
 
2- أن الرواية بقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - "قد جعلتُ لآل بنيْ كَاكِلَة على كافة المسلمين لكل عام مائتي مثقال ذهباً " متناقضة. وتروى مجرورة بالإضافة كما في نصّ الصَبّان ونصّ الآلُوسِيّ في رُوح المعاني ( قد جعلت لآل بني كاكِلَة على كافة بيت مال المسلمين…)، مما يضعف الاحتجاج بالنصّ.
 
3- أن كافة لم تَرَِدْ في القرآن الكريم إلا على شرط النحاة().
 
وهذا رأي زهدي الجار الله من قبل، إذ يقول:"كلمة كافّة لا تضاف ولا تدخل عليها اللام، بل تأتي دوماً في آخر الجملة منصوبة على الحال"().
 
وقد أجاز مجمع اللغة العربية استعمال " كافة " في الحال وفي غيرها، مُعرّفةً ومنكّرةً، ولغير العاقل استناداً إلى استعمالات فصيحة قديمة"(). وقَدَّمَ عبد السلام هارون(ت1988م) بحثاً في استعمال كافة ذكر اختلاف العلماء في استعمالها، تعقّبها في الاستعمال القرآني،والحديث الشريف، وفي كتب اللغويين والمفسّرين والنحاة. وَرَصَدَ استخداميْن لـ" كافة" مخالفيْن لما عليه جُلّ اللغويين والنحاة، الأول في كلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- المذكور آنفاً، والثاني للزمخشري في خطبته لكتاب المفصل، وينتهي إلى إجازة استخدام كافة؛ في الحال ومعرّفة ولغير العاقل، ومضافة ومسبوقة بحرف الجرّ().
 
بادئاً لا مراء في أن الاستخدام الأعلى والأفصح لـ"كافة" أن تأتي حالاً، ويظهر ذلك الاستخدامُ المبكّر لها، في القرآن الكريم()والحديث الشريف(). غير أنّ هذا لا يمنع أنّ ثمة استخداماً مُغايراً، وُجِد منذ القِدم، وشاع عند المتأخرين، وسادَ عند الُمحدَثين.
 
وسنتناول ههنا مذهبيْن في الخروج على القاعدة الأفصح لاستخدام "كافة"، الأول إضافتها، والثاني دخول حرف الجرّ عليها. أمّا الأول فلعلّ أول ما يصادفنا منه ما روي في "جَمهَرةُ خُطَبِ العربِ" عن الحسن البَصْريّ (ت110هـ)إذ قال():"وجعله رسولاً إلى كافة خلقه" والحسن من أفصحِ العرب، وهو بعدُ رَبيبُ أمّ سلمة (زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم)، قال الشافعي:"لو أشاء أقول:"إنّ القرآن نَزَلَ بلغةِ الحسنِ لَقُلْت"() ، كما جاء في "سر صناعة الإعراب" لابن جنّي() (394هـ)"كافة أصحابنا"، و"الخصائص"() "كافة اللغات" "كافة أصحابنا". و"دلائل الإعجاز" للجُرجاني (ت471هـ) ():"كافة الأوقات" "كافة العلماء"، و"نفح الطيب للمقّري"() "كافة أهل البلد" "كافة الخلق"، و" صبح الأعشى"() "كافة المستخدمين" "كافة سامعيه" "كافة البَرِيّة" "كافة الخَلق". و"المُستَطْرَف" للأبشيهي(ت850هـ) ()"كافة الخلق".
 
وقد ورد هذا الاستعمال في كتب التاريخ كما في "تاريخ بغداد" للبغدادي()ت463هـ "كافة أصحابه"،"كافة أصحابنا"،"كافة أهلها"، و"تاريخ دمشق"(571هـ) ()"كافة الأنام"،"وروى عنه كافة أهلها"،"ورأيت كافة شيوخه"، "تناوله كافة أصحابه"، و "الروضتيْن في أخبار الدولتين" للمقدسي()665هـ "كافة الأمراء"،"كافة التجار"، "كافة الناس"، و"وفيات الأعيان لابن خَلّكان (681هـ) (): "كافة المصريين"،"كافة عبيدِهِ"، و"تاريخ الخلفاء" للسيوطي()هـ"كافة العلماء"، و"شذرات الذهب"() "كافة شيوخنا"،"كافة الإسلاميين"،"كافة الخواصّ"، و"عجائب الآثار"(1822هـ) () "كافة علماء الإسلام"،"كافة الرعايا"،"كافة أهالي مصر".
 
أمّا كتب التفسير والفقه والتراجم والمعاجم المختصّة، فنجد ذلك في"تفسير الطبري"()": "كافة المسلمين"،"كافة عََبَدَة الأوثان". و"تفسير القرطبي" ()"كافة المشايخ" "كافة المسلمين"،" كافة العلماء"،وقِرَى الضيف"() كافة المسلمين""كافة حاضرته" "كافة الأشباه".و"طبقات الحفاظ"للسيوطي()(ت911هـ) "كافة شيوخنا"، و"فتح الباري" للعسقلاني ت852هـ()"كافة أصحابه"،"كافة الناس"،"كافة أهل التفسير" "كافة العلماء"، و"كشف الظنون"() "كافة الخلق" "كافة الخلايق" و"أبجد العلوم(): " كافة الخلق"،" كافة بيت أهل النبوة"،"كافة الأمم".
 
ونجد هذا الاستخدام يظهر عند الكتاب المحدثين، كما في "الاسْتِقْصَا لأخبار دُوَل المغرب الأقصى" () "كافة قبائل المغرب"، "كافة قبائل البربر"،"كافة أهل المغرب"، و"تاريخ الدولة العَلِيّة" لمحمد فريد()" وأقطعه كافة الأراضي"، "كافة منقولاته"، "كافة قبائل الصقالبة"، وفي "الظلال"() "كافة الشؤون" "كافة العلاقات" "كافة الروابط"، وجاء عند محمد الغزالي(ت1996م) ()"وأنّ كافّة ما اخْتَلَقَهُ الدجّالون من التفاضُل..".
 
أمّا المذهب الآخر فهو دخول حرف الجرّ على "كافة" وأول ما نرصده منها حرف الجرّ "على"، كما في "تاريخ الطبري"() "على كافة الأمة"، و"رحلة ابن جبير"(ت614هـ) ()"وأمين على كافة الُحَرم الباقيات" و"التدوين في أخبار قزوين" لعبد الكريم بن محمد القزويني(ت623هـ) ()"على كافة المؤمنين"، و"الكامل" للشيباني()"على كافة الناس"، "على كافة الحُرم"، و"الروضتين" 665هـ"() "على كافة المسلمين"،"على كافة الناس"،"على كافة أوليائنا"، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي()(748هـ) "على كافة أقرانه" و"مآثر الأناقة" للقلقشندي ()"على كافة الأمة"، و"نفح الطيب"() " ما فرض الله على كافّة أهل الإسلام من الجهاد" و"صبح الأعشى()"على كافة من قبلك من المسلمين" "على كافة خلقه وعباده" "بعد قراءة السجل على كافة الناس" و"شذرات الذهب"():"على كافة العباد".
 
كما جاء في "أحكام القرآن"() للجصّاص (ت370هـ) " ،"على كافة الأمة"، طبقات الشافعية الكبرى لابن قاضي شهبة() (ت851هـ) "على كافة الفلاسفة"، المستصفى للغزّالي()(ت505هـ) "على كافة هذه الأمة"،"على كافة أصحابه"، و"طبقات الحنابلة" لابن أبي يَعْلَى()(ت521هـ)"على كافة الخلق"،"على كافة أهل العلم" تفسير القرطبي()(ت 671هـ"على كافة المسلمين"،". المواقف لعضد الدين الإيجي() (ت756هـ) "على كافة الأمة".
 
ونقع عليه عند المحدثين مبكراً في "الاستقصا" للناصري(1315هـ) ()"على كافة أهل مصره"، "تاريخ الدولة العلية"() "على كافة البلاد""على كافة سفراء الدول"،"على كافة حدود الدولة".
 
أمّا اقترانها بحرف الجرّ "من" فنقع عليه في "تاريخ بغداد"() "من كافة شيوخه". و"الروضتين " 665هـ"() "من كافة ولاة الأمر"، و"تفسير القرطبي" ()"من كافة العلماء"، عجائب الآثار():"من كافة علماء الإسلام". و"مقدمة ابن خُلدون()" من كافة الناس"، قِرَى الضيْف()"وأنا أحوج من كافة حاضرته"،" و"صُبح الأعشى()" "من كافة المؤمنين" "من كافة مُتَوَلِي الدواوين"، وعند المحدَثين نراه يظهر في "تاريخ الدولة العلية()"من كافة الشروط"، وفي "الظلال" ()"من كافة العلاقات".
 
كما نجد اقتران "إلى" بـ"كافة" كما مرّ في قول الحسن البصري":"وجعله رسولاً إلى كافة خلقه"، وكذا في " أحكام القرآن" للجصاص()"إلى كافة الناس" و"الروضتين()"إلى كافة البشر"."و" تفسير القرطبي ()(ت671هـ)"إلى كافة الخلق" و"المواقف" لعضُد الدين الإيجي(ت756هـ) () "إلى كافة الورى" و"عجائب الآثار"() "إلى كافة أهالي مصر""إلى كافة المشايخ""إلى كافة العلماء".. مآثر الأناقة للقلقشندي()(ت821هـ) "إلى كافة الأنام"، و"تاريخ الدولة العلية"() "إلى كافة الولاة"،"إلى كافة الممالك"إلى كافة البلاد"، و"طبقات الشافعية الكبرى" لابن قاضي شهبة()(ت851هـ) " إلى كافة العرب"،"و نفح الطيب()"إلى كافة الخلق".
 
كما نجدها مقترنة بـ" عن " كما في "المستصفى" للغزّالي()(ت505هـ) "عن كافة أصحابه"، و"تفسير القرطبي"() (ت671هـ) "عن كافة المشايخ"، "و"صبح الأعشى()"عن كافة خدمه" "عن كافة جند المسلمين"، و"مآثر الأناقة" للقلقشندي()"عن كافة الناس"، و عند المحدثين في "تاريخ الدولة العلية"() "عن كافة الأقاليم".
 
وجُرَّتْ بـ"في " كما في "أحكام القرآن"() "في كافة أصحابه"، و"النجوم الزاهرة"()"في كافة الأجناد". و" الحُلّة السِيَراء()"في كافة محاولاته"، و"نفح الطيب()" وبرز إليه المهدي في كافة أهل البلد"،" و"الكامل" للشيباني() 630هـ " في كافة الناس"، صبح الأعشى()(ت821هـ):في كافة رعيته، "في كافة أموره" "في كافة جنوده " و"دلائل الإعجاز"() في كافة الأوقاف". وعند المحدثين نجده في "تاريخ الدولة العلية"() في كافة الجهات"،"في كافة متعلقاتهم"،"في كافة بلاد آسيا، وفي "الظلال"() "في كافة الشؤون"، "في كافة الروابط" "في كافة أنحاء الجسم".
 
وبعد، فإن خروج الكتاب على القاعدة الأصيلة لـ"كافة"، لا يمكن أن يكون "سهواً أو تساهلاً في الاستعمال لا يعتد به ولا يقاس عليه، كما يقول المؤلف، بل هو توسع في مذهب أَسّس له القدماء، وأساغه المحدثون.
 
• دخول من على أسماء الزمان (لقيته من أول وهلة)(*):
 
وهذا ممّا زيد فيه حرف الجرّ ، والمؤلف يتابع العدناني فيما يقول من تخطئته قول القائل ظننته من أول وَهْلَةٍ طبيبا(ً()، والصواب "أوّلَ وَهْلَة"، ويقاس على ذلك "أول مرّة" و"أولَ لحظة" و"أول سفرة" و"أول لقاء"، وقد جاءت هذه التعبيرات في الأمثال العربية من غير أن تقترن باللام أو بمن أو بغيرهما من حروف الجر().
 
بادئ ذي بَدء، قضية دخول "مِنْ" على أسماء الزمان معدودةٌ في قضايا الخلاف بين نحويي البصرة والكوفة، وإذا عدنا إلى مسائل الخلاف وجدنا الكوفيين - كما يذكر الأنباري – يجيزون استعمال "مِن" في الزمان والمكان، وردّ ذلك البصريون، واحتج الكوفيون بآية كريمة، وبيت من الشعر، أمّا الآية فقوله تعالى:"لمَسْجدٌ أُسِّس على التقوى من أول يوم…"، أمّا البيت فلزهير، وهو:
 
لِمَن الدِّيار بِقُنّةِ الحِجْرِ أَقْوَيْنَ من حِجَجٍ ومَِن دَهْر
 
واحتج البصريون على أنّ "مِن" في المكان نظير "مُذْ" في الزمان، وكما لا يجوز أن تقول "ما سرت مذ بغداد" ، فكذلك لا يجوز أن تقول "ما رأيته من يوم الجمعة". وأيّد الأنباري مذهب البصريين، ورد ما ذهب إليه الكوفيون، وخرّج "مِن" في الآية المذكورة على أنها على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مكانه، والتقدير" من تأسيس أول يوم"، كما رَدّ رواية بيت زهير، وقال الراويةُ الصحيحةُ "مذ حُجَجٍ ومذ دهر "، ولو سُلّم به على رواية الكوفيين لأوّل على أنه " من مَرِّ حججٍ ومن دَهْرِ"() ، وهذا تشدّد ينقضه الواقع اللغوي، كما جاء في الآية الكريمة وبيت زهير، وغير ذلك من الشواهد.
 
وقال إميل يعقوب:"والحق أنني لم أجد هذا التعبير "لأول وهلة" إلاّ في المعجم الوسيط؛ لذلك أرى أنّ الأفصحَ القولُ "لَقِيتُه أولَ وهلة"().
 
والمعاجم تؤيّد ما جاء به الدكتور عمّار، جاء في اللسان، " ولَقِـيته أَوَّل وَهْلةٍ ووَهَلة ووَاهِلةٍ؛ أَيّ أَوَّل شيء، وقـيل: هو أَوّل ما تراه. وفـي الـحديث: فلَقـيته أَوَّل وَهْلةٍ أَي أَوَّل شيء، و الوَهْلة الـمَّرة من الفزَع، أَي لقـيته أَوَّل فَزْعَة فَزِعتها بلقاء إِنسان"، والمعاجم المشهورة تنهج هذا النهج().
 
وإذا أعرضنا عن المعجمات ونقّبنا في النصوص، كان أول ما يسجّل أنّ "وَهْلَة" لم تَرِدْ لا في القرآن الكريم، ولا في كتب الصِّحاح، ووجدناها بعد ذلك تستخدم على أنماط مختلفة، في طائفة شتّى من الكتب، أمّا "من أول وهلة" فقد رويت في " الأغاني" على لسان نُصيب الشاعر الأموي(ت108هـ) " فاستحيوا أن يجيبوهن من أول وهلة"(). وجاء في " لسان العرب" نفسه؛ إذْ نَقَلَ قولَ ابن برّي" جاء إليّ من أول وهلة" ()، كما ينقل اللسان عن سيبويه" من أول وهلة"، إذ يقول:" قال سيبويه دَالُهُ مُلْـحِقةٌ له بجعفر ولـيس كَمَعدّ؛ لأَن ذلك مبنـيٌّ علـى فَعَلّ من أَول وهلة()، وينقل عن ابن سيده نصّاً منسوباً إلى سيبويه أيضاً " وإنما بني من أول وهْلة على السكون"() ، ولم أقع على ذلك عند سيبويه، كما ينقل عن ابن سِيده "وهذا هو السابق إلينا من أول وهلة"().
 
وجاء هذا الاستخدام في "المنتظم" لابن الجوزي() (ت597)" بلغتم الأمر الى أمير المؤمنين من أول وهلة"، و"نفح الطيب"للمقَّري758 () "ما هذا الوثوب على المدح من أول وهلة"، و"طبقات الشافعية الكبرى" للسُّبكي() (ت771)"ما يعرف على البديهة من أول وهلة" "التفضيل بين البلدين من أول وهلة" و"تفسير ابن كثير "(ت774هـ) () "لتدلّ على التأنيث من أول وهلة" " أي لم يمكنوا أن يمنعوا في الهرب، بل الشاة من أول وهلة " "لمّا رجعوا ما عرفوا من أول وهلة"، و"خزانة الأدب" لابن حجّة الحموي(ت837)() "فلا يفهم من أوّل وهلة حتى يوضّحَه" و"فتح الباري"() لابن حَجَر(ت 852) "تستلزم الدخول من أول وهلة" "القيام بذلك من أول وهلة" "الطمع في تملكها من أوّل وهلة"، و"النجوم الزاهرة"()لابن تغري بردي(ت874) "فانكسروا من أول وهلة" "أراد النزول إليه بعساكره من أول وهلة" و"المزهر"() ولا تُفهم من أوّل وهلة"، وعجائب الآثار() (1822هـ)، واستعملهم من أول وهلة في الفروسية".
 
أما استخدام"وَهْلَة" مع حرف جرّ غير "مِن"، فنجد " لأول وهلة " تُروى عن أبي عمرو بن العلاء في الأغاني":" وما كانت عشيرته لِتُسلَمَه لأول وهلة"() ، كما نجدها عند القضاعي في "الحلة السِيَراء"() (ت658)،"حتى حالت لأول وهلة حالُه". ونجدها في كتابات المتأخرين كالمقّري()، "فدخلت لأول وهلة" كما استخدم أيضاً() "لأول مرة"، إذ قال "فغزا عبد الرحمن لأول مرة ولايته"، وابن خلدون() "فيجرّبها لأوّل وهلة" "ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة" "فيهلك لأول وهلة". كما نجدها عند العقاد من المحدثين()"وإن ظهر لأول وهلة"، كما استخدمها مجرورة باللام، إذ يقول():"… لا يتكرّر بهذه النسبة في أَيّةِ جماعةٍ يقعُ عليها النظرُ للوهلةِ الأولى"، وسيد قطب () "الذي يتبادر إلى الذهن لأول وهلة" "يطالع الفكرة كأنما لأول وهلة" "الذي تنكره الفطرة لأول وهلة"، واستخدم محمود شاكر"لأول مرة"، إذ يقول():".. مطعمه ومشربه لأول مرة بين الغرباء"، على الرغم من أنه استخدم "أول مرّة"،() "هذه أول مرة أستبيح لنفسي..".
 
أمّا "في أول وهلة" فنجدها في "البيان والتبيين" للجاحظ"() "ولم تسمح لك الطباع في أول وهلة"، و"تاريخ الطبري"() 310هـ"صَدقَه عن الخبر في أول وهلة"، و"المثل السائر"، لابن الأثير (ت637) () "وأعطاك سماعه في أول وهلة"، وتفسير القرطبي () 671هـ"بل حكم بإيمانهم في أول وهلة" "كما تقول لرجل غنّي وقع في أول وهلة"، كما نجد عنده أيضاً "بأوّل وهلة"() "وبأول وهلة من الاعتذار"، و"وفيات الأعيان" لابن خلّكان() 681هـ"حتى أدهش ذلك الصولي في أول وهلة" "أعطيتموه هذا المال في أول وهلة"، و"تفسير ابن كثير" (774هـ) () "أي أصعبه في أول وهلة"، والتعريفات() 816 هـ للجرجاني "يفهم منه معنى محصّل في أول وهلة"، و"صبح الأعشى"() للقلقشندي"ولم تسمح لك الطبيعة في أول وهلة"، و"خزانة الأدب"() 837هـ"ما يتخيل في أول وهلة" "إلى قبولها في أول وهلة"، و"فتح الباري()" لا يدرك في أول وهلة" "وتقلق في أول وهلة" "فمنهم من أدركه في أول وهلة"، و"شذرات الذهب"() 1089هـ"حتى أدهش ذلك الصولي في أول وهلة" "وكان من أطاعه في أول وهلة".
 
كما استخدمت "عند أول وهلة في" البيان والتبيين"() " وقالوا تمام الضيافة الطلاقةُ عند أول وهلة"، و"الأغاني"() (من كلام المُغيَرة بن شُعْبَة)"فيأخذه عند أول وهلة فيقتله"، وتاريخ الطبري() "فيأخذه عند أول وهلة" "أعطيتموه عند أول وهلة"، كما استخدمت "أول ذي وهلة" في مجمع الأمثال() "لقيته أوّل ذي وهلة؛ أي أول من ذهب وهمي إليه".
 
وقد تصرّف سيد قطب في "وهلة" تصرفاً بيّناً() ؛ فذكر "منذ أول وهلة"، "وإلى وهلة الحشر"، و"هذا أول تنبيه بعد وهلة النداء"، و"تنبئ عن وهلة المفاجأة"،و "كما ترتفع عن وهلة الخوف والفزع".
 
وهذا كلُّه يُظهِرُ تَصرُّفَ القدماء منذ عصر أبي العلاء في "وَهْلَة"، ولا مجال لتخطئة المحدثين في استخدامهم "من أول وهلة" وأنماطها التي مرّ ذكرها، وكون المعجمات لم تنصّ صراحة على هذه الاستخدامات، لا يعني خطأها، وقد رأيناها في لسان العرب مستخدمة، ولم ينصّ عليها المصنّف.
 
• أنا كطالب أقدّر أساتذتي:
 
وهذا ممّا زِيدَ فيها حرف الجر ، يقول المؤلف:"يقولون أنا كطالب أقدّر أساتذتي، وهو كشخصية متميزة جديرة بالتفوق". والأصل في الكاف هذه أن تفيد التشبيه، وهو الأكثر في استعمالها، ولا تحمل في التعبيرات السابقة على معنى من معانيها، إلا على هذا الأصل، والتشبيه يقتضي المغايرة؛ لأنه اشتراك شيئين في صفة أو أكثر، ولكنه لا يستوعب سائر الصفات.
 
وهو يستشهد بقول قُدَامة بن جعفر: "إنه من الأمور المعلومة أنّ الشيء لا يُشبّه بنفسه ولا بغيره من كل الجهات" (). ومتأمل الأمثلة السابقة يَجِدُ المشبّه هو عَيْن المشبّه به، ولا يختلف ما قبل كاف التشبيه عما بعدها، فالمتحدث هو الطالب، والغائب المتحدَّث عنه هو الشخصية المتميزة، وأحمد هو المتفوق، وكذا في بقية الأمثلة، فليس هناك مغايرة بل اتحاد من كل وجه، وهذا لا يتأتى في التشبيه، وكل ما في الأمر أن التشبيه في الأمثلة المذكورة كَشَفَ صفةً من صفات المشبّه كان يمكن أن تعرب حالاً أو خبرا أو تسبق بلفظ " لكونه" أو "بصفته"، فيستقيم التركيب، ولا حاجة إلى كاف التشبيه، لأنها زائدة، ولا تتفق مع الذوق العربي، واستعمالات الكاف بعامّة، فيقال أنا طالباً أحترم أساتذتي (على الحالية)، وأنا طالبٌ أحترم أساتذتي (على الخبرية)، أو لكوني طالباً، أو بصفتي طالباً أحترم أساتذتي().
 
بادئاً لقد كان هذا الأسلوب من الأساليب التي ناقشها مجمع اللغة العربية في القاهرة. وقد قدم فيه الأستاذ عبدالله كَنّون(ت1988م)، عضو المجمع بحثاً إلى مؤتمر الدورة (38) 1973 بعنوان "الكاف التمثيلية"(). وبعد استعراضه لمعاني الكاف، أجاز الكاف في الأسلوب المذكور على أربعة أوجه؛ الأول أن تدلّ على التعليل، كقولهم "الوالي كأحد رجال السلطة يجب أن يحتفظ بهيبته"، والتقدير لأنه من رجال السلطة، والثاني زائدة كقوله تعالى "ليس كمثله شيء"، والثالث أن تكون تشبيهاً، كقول أبي حَيّان في البحر المحيط "مِثلُك لا يفعل كذا"، وهو من باب المبالغة، والرابع أن تكون هذه الكاف اسماً بمعنى "مثل"، فتصبح الكاف في قولنا "أنا كباحث" منصوبة على الحال.
 
وقد ردّ مجلس المجمع البحث، غير أنه أُعيد النظر في هذا الأسلوب من جديد بعد أربع سنوات في الدورة (42)، إذ قدّم محمد رفعت(ت1984م) بحثاً أثنى فيه على ما جاء في بحث "عبد الله كنون" الآنف الذكر، وانتهى إلى إجازة هذا الأسلوب من وجهين()؛ أولهما أن تكون الكاف للتشبيه، وأن تكون زائدة، كقول بعض العرب:"كيف تصنعون الأقِِط، قال: كهيّن"، أما التشبيه عنده فللمبالغة.
 
وقد عارضه محمد بهجة الأثري قائلاً:" لسنا مكلفين تخريج كلام عامي يشيع على ألسنة الناس"، وأيّده علي النجدي ناصف(ت1982م)، وسعيد الأفغاني، إذ قال الأفغاني إننا منذ ثلاثين عاما أو يزيد نسمي هذه الكاف الكاف الفرنسية، والتعبير الصحيح أن يقال باعتباري باحثاً أو بصفتي باحثاً().
 
وقد أيّد عباس حسن هذا الأسلوب، وقال هذا التعبير منصوص على صحته عند القدماء، كما جاء في باب التجريد عند ابن الأثير () ، وانتهت المناقشات إلى قَبول المجمع هذا الأسلوب، وجاء في قراره:" يجيز المجمع قول الكُتّاب : "أنا كباحث أقرر كذا على أحدِ وجهين، أن تكون الكاف للتشبيه، وأن تكون زائدة"().
 
وقد أحسن المجمع إذ أجاز هذا الأسلوب، على ما في قراره - كما سنرى - ،على الرغم من أنّ القدماء لم يستخدموه كما استخدمه المحدثون. وقد تتبعت ما أشار إليه الأستاذ عباس حسن مما جاء في باب التجريد، وهو تعليق لابن الأثير على قولٍ لأبي علي الفارسي نصه() " أن في الإنسان معنى كامناً فيه، كأنه حقيقته ومحصوله، فيخرج ذلك المعنى إلى ألفاظها مجرداً من الإنسان كأنه غيره، وهو هو بعينه،نحو قولهم:" لئن لقيت فلانا لتلقين به الأسد، ولئن سألته لتسألن منه البحر، وهو عينه الأسد والبحر". وقد ردّ ابن الأثير كلام الفارسي في عده هذا من التجريد، وقال "هذا تشبيه مفرد الأداة، إذ يحسن تقدير التشبيه فيه، وبيان ذلك أنك تقول: لئن لقيت فلانا لَتَلْقَيَنّ به كالأسد، ولئن سألته لتسألن منه كالبحر"، ولئن كان هذا الذي قصده عباس حسن، فهو مختلف جداً عن طبيعة هذا الأسلوب؛ ذلك أن ما ذكره ابن الأثير تشبيهٌ خالص، وقد عَرَضَ له النحاة حينما تكلموا على الكاف الاسمية، كقول الشاعر"… ولن يَنْهَى ذوي شطط كالطعن.." وقول آخَرَ" وإنك لم يفخر عليك كفاخر" و " ورحنا بكابن الماء". وحال هذا الأسلوب على غير ذلك كما سنرى.
 
أما قول الأثري إن هذا الأسلوب عاميّ فقد تنكّب جادة الصواب؛ لأن العامة لا تعرفه وإنما يستخدمه المثقفون، وقد شاع على ألسنتهم وأقلامهم.
 
إنّ هذا الأسلوب دخيل إلى العربية بلا شك، وقد دخل من الإنجليزية، وعلى وجه الخصوص كلمة "as"، كالتي في عنوان كتاب" آرون وايلد فسكي"،الذي صدر سنة 1984م، " MOSES AS A POLITICAL LEADER" "موسى كزعيم سياسي." وليس ثمة طائل من البحث عن استخدام القدماء له. غير أن ما يجدر التوقف عنده في قرار المجمع إنما هو تخريجه له على وجهين، وقد جانب جادّة الصواب في تخريجه هذه الكاف على الزيادة، فيما أرى؛ فلا محلّ للزيادة ههنا، والشواهد التي تحمل هذا المعنى نادرة، واضطراب النحويين فيها بادٍ في مصنفاتهم، ولم يحتذها أحد، فضلاً عمّا تفضي إليه من الَّلبس.
 
أما التشبيه فلعل الناظر فيه أول وهلة ينفر منه ويردّه؛ ذلك أنّ القول أنا كوزير، يعني أنني لست وزيراً، وقد قال ذلك الدكتور أحمد عمار في أثناء مناقشة أسلوب" أكرم الضيف بوصفي عربياً"() ، غير أننا إذا أنعمنا النظر، وجدنا فيه ملمحاً للتشبيه، على غير ما ذهب إليه الدكتور عمار وغيره، فالقول " أنا كوزير أصنع كذا " يدل على أنّ هذا الشخص بما يُسند إلى نفسه من الفعل يشبه أيّ شخص مثله يتبوّأ هذا المنصب، والتشبيه على هذا ليس خالصاً؛ أي أن المسألة ليست تشبيهاً وحسب، كما رأينا في قرار المجمع، بل نجد أنّ "الكاف" ههنا شُحنت بمعنى مستحدث، هو الحديث عن الوظيفة أو المهنة أو الصفة أو المقام الذي يتحدث منه القائل، وهذا ملمحٌ قرينٌ لهذا الأسلوب، وقد تسرّب إلى كتابات أكابر الكتّاب المحدثين، يقول العقّاد في كتابه عن غاندي():"اضطرتْ إلى تقييد حرّيته، وكفّه عن الاسترسال، في دعوة تَحول بين الحكومة كحكومة وبين القيام بعملٍ من الأعمال". كما جاء عند سيّد قطب في "الظلال"، إذ جاء فيه():"سواء أدعوها كأفراد أو كتشكيلات تشريعية" "وتننهي إلى اندثارها كأمة، وإن بقيت كأفراد" "فلن يمكن أن يعاملوهم كبشر عاديين" "فإذا حُجِبَ عن هذا المصدر فقد خصائصه كإنسان خبير".
 
وبعد، فهذا أسلوب مترجم كما ذُكر، ولعل أوّلَ من ترجمه لم تسعفه عربيته أن يقول "أنا باحثاً أو وزيراً، أو بوصفي باحثاً أو وزيراً أصنع كذا" فاستخدم هذه الكاف، على هذا المعنى، فشاع هذا الأسلوب، وعلينا ألاّ نقرّ استخدامه وحسب، بل وحداثته أيضاً، ولا غضاضة في ذلك.
 
 
• ولد الرسول صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول:
 
وهذا من إدخال حرف الجرّ على غير مجروره الأصلي يقول المؤلف: "يقولون ولد الرسول في ربيع الأول، وكانت الدراسة في ربيع الآخر، وفي ربيع الآخر زرت القاهرة، والخطأ في هذه التعبيرات عدم ذكر كلمة شهر قبل أحد الربيعين؛ إذ لا بد من أن يقال شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر، وذلك لأن الربيع ربيعان، ربيع الشهور وربيع الأزمنة (الفصول)، ولكي لا يلتبس أحد هذين الربيعين بالآخر يجب أن تذكر كلمة شهر قبل ربيع الشهور، ومما يستشهد به في هذا الصدد، قول الراعي النُّمَيْريّ (ت90هـ):
 
أَرَبّتْ بها شَهْرَيْ ربيعٍ عليهمُ جنائبُ يُنتجْنَ الغمام المتاليا()
 
وهو يتبع في هذه التخطئة عباس أبو السعود في "أزاهير الفصحى"().
 
بادئاً لقد أثبتّ هذه المسألة والمسائل التي تليها لبيان ما يمكن أن يبلغه التشدّد اللغوي، ولعلّ الكثير يعجب من تخطئتها، وإلاّ لما كنت تطرّقت إليها.
 
يَجنح المؤلف للاستشهاد ببيت للراعي النميري، وهذه كتب التاريخ عند القدماء ميداناً رحباً لإثبات غير ما ذهب إليه؛ ذلك أن السياق يظهر بشكل لا يحتمل الّلبس المقصود بالربيع؛ ولعل القدماء ذكروا كثيراً "شهر" قبل ربيعي الشهور لاستخدامهم ربيعي الأزمنة. ولكن هذا لا يعني أنهم التزموا ذلك، ومن ثم كان عدم ذكر " شهر" قبل أحد الربيعين خطأ. فالكتّاب كما النسّاخ لم يكونوا يؤرخون بالفصول بل بالشهور.
 
ومؤلفات التاريخ معنية بذكر التواريخ وتقصّيها، وهي في ذلك أدنى إلى تجنّب الَّلبس، إن كان الأمر كما ذكر المؤلف، فإذا تصفحناها وجدنا الطبري في تاريخه(ت310)، - وهو أكثر المؤرخين ممن اطلعت على مؤلفاتهم التزاماً بذكر "شهر" قبل ربيعيْ الشهور- يذكر ربيعيْ الشهور كثيراً من دون أن يذكر قبلهما "شهر".() ، إذ جاء فيه"غزا رسول الله في قول جميع أهل السير فيها في ربيع الأول بنفسه غزوة الأبواء" "وزعم الواقدي أن في ربيع الأول من هذه السنة تزوج عثمان بن عفان أم كلثوم بنت رسول الله … وأنه في ربيع الأول من هذه السنة غزا رسول الله غزوة أنمار"، ويكاد ابن الجوزي(ت597) لا يذكر "شهر" قبل ربيعيْ الشهور في "المنتظم"() ،" وجلس يوم الخميس مستهل ربيع الآخر فخلع عليه" " وعقد المعتمد يوم الاثنين لعشر بقين من ربيع الأول لأبي أحمد أخيه على ديار مضر " " توفي محمد في ربيع الأول من هذه السنة"، وكذا الشيباني(ت630) في "الكامل"() " قال ابن إسحاق ولد رسول الله يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول" " فقدما المدينة في ربيع الأول بغرته" "فقتل أشرس في ربيع الآخرة سنة ثمان وثلاثين" ، وابن كثير(ت774) في "البداية والنهاية) () " لسبع عشرة خلت من ربيع الأول نقله الحافظ ابن دحية" "فخرج إليهم.. لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول" " ومات لعشر خلون من ربيع الأوّل" ، والعَكري(ت1089هـ) في "شذرات الذهب"() " قدم النبي المدينة ضحى يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول " " وفي ربيع الأول منها غزوة بني النضير " " فيها توفي النبي في وسط نهار الاثنين في ربيع الأول" ، والجَبَرتي(ت1822م) في "عجائب الآثار() " فنسأ المحرّم وجعله كبيسا وآخره إلى صفر وصفر الى ربيع الأول وهكذا" " وقد كان سافر في أواخر ربيع الأول لقلعة كريد" " وفي ثالث عشر ربيع الأول سنة ثمان ومائة ألف ورد أمر بتزيين أسواق مصر" ، وقد أرّخ القلقشندي كثيرا في "صبح الأعشى ولم يلتزم ذكر "شهر" قبل ربيع الشهور، وأغفل ذلك كثيراً() "كانوا ينزلون دومة الجندل أول يوم من ربيع الأول" " وسلم الأمر لمعاوية لخمس بقين من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وقيل في ربيع الآخر" " وتوفي بالرصافة لستٍ خلونَ من ربيع الأول سنة خمس وعشرين ومائة".
 
وقد نقّبت في كلام النسّاخ ، فرأيت محقق كتاب "الجُمَل" المنسوب إلى الخليل يُثبت في مستهلّ الكتاب نسخة مصورة لختام إحدى المخطوطات التي اعتمد عليها في التحقيق، وكان فيها " الثامنَ عشرَ من ربيع الآخر سنة اثنين وعشرين وسبعمائة"(). وجاء في خاتمة إعراب لاميّة الشنفرى تمت القصيدة بشرحها، وكان ذلك يوم الخميس خامسَ عشرَ من ربيع الآخر().
 
بعد ذلك ليس ثمة متسعٌ لقبول ما جاء به المؤلف ولا غيره في هذا الصدد، وهذا الَّلبس متوهم، وفضلاً عمّا ذُكر فليس ثمة ربيع أول وآخِر للشهور.
 
• هذه القضية مطروحة على بساط البحث:
 
وهذا ممّا أدخل حرف الجر على غير مجروره الأصلي، يقولون هذه القضية مطروحة على بساط البحث، ووضع القضية على بساط الدراسة، وعرض الأمر على بساط التداول، وكلها من الأساليب المترجمة؛ ولذا فالأولى طرح الموضوع للبحث ووضع القضية للدراسة().
 
وهذا المذهب من الغرابة بمكان أيضاً، وهو يمثّل تشدّداً لغوياً رأيناه في مناقشة مسألة "الجانب الأمني"، فهذا تعبير لا يعيبه شيء، وهو على الأغلب مترجم كما ذكر المؤلف، ولكن هذا لا يزري به، ولا ينتقص من إساغته. فالتعبير بلاغي استعاري في لغته الأصلية، وقد ترجم على هذا المعنى، والَحْجر عليه تشدّد لا موجب له، ولو اتّبعنا هذا المنحى لنقضنا الكثير من التعبيرات. وعلى الرغم من كونه مترجماً فإن مثله ممكن الوقوع في اللغة.
 
وقد وقعت على هذا التعبير في كتاب "الأمثال من الكتاب والسنة" للترمذي() (ت315هـ) بساط الرّبوبية، "بساط العبودية" وقد روى صاحب الأغاني قول عبد الله بن نُمَيْر الثقفي():
 
إذا ما بساط اللهو مُدّ وقُرّبتْ للذاتِهِ أنماطُهُ ونمارِقُه
 
وقال الشريف الرضي():
 
يا من رأى البرق على الأنعَم يطوي بساط الغَسَق المظلمِ
 
وجاء في خطبة سعيد بن أحمد المقّري "… وأوقع الرحمن واقعة الصبح على بساط النور() " وقد روى ابن عساكر في "تاريخ دمشق" عن المرزباني عن العباس بن أحمد النحوي أنه وَقّع على ظهر هذه الأبيات():
 
إنما مجلس الندامى بســاطٌ 
   للمودات بينهم وضعـوه
 
فإذا ما انتهوا إلى مـا أرادوا 
   من حديث ولذة رفعـوه
 
 
وجاء في "المدهش" لأبي الفرج الجوزي ت597هـ ()"بساط الحزن" و"بساط الانبساط"، كما جاء في "تلبيس إبليس" لأبي الفرج ت597هـ() "بساط التكليف" ، "بساط الفقر"، "بساط البِطالة". و"النهاية في غريب الأثر" للجزري ت606هـ "بساط القرب"() ، وفي "الفوائد" للزرعي() " "بساط العز ، و"بساط الرضا"، و"بساط الجهل". و في "صبح الأعشى"():بساط الوحي، و"العدل"، و"الملك"، وجاء في "نفح الطيب"() "بساط الانبساط"، "السعد"، "العتاب"، "الرفق"، "الوفاء" ، "التذلل"، "السرور"، "الجلال"، "النور". وجاء في "شفاء العليل"() للزُرعي "بساط الخلق"، "الأمر" "الإحاطة"، "الأمر" و"النهي"، "التكليف".
 
وهذا كلّه يؤكد أنّ التعبير عربي لا يقدح فيه كونه مترجماً، ومن الممكن وقوعه في التعبيرات العربية على سبيل الاستعارة البلاغية أيضاً كما رأينا في التعبير السابق، وردّه غاية في التشدّد، الذي يضرّ باللغة أكثر ممّا يخدمها.
 
• حصل على حقّ اللجوء السياسي:
 
وهذا من دخول حرف الجرّ على كلمة زائدة، يقول المؤلّف:"يقولون حصل على حقّ اللجوء السياسي، ووافقوا على حقّ الإقامة في الدولة، ويتمتع بحقّ القراءة في المكتبة من لديه بطاقة عضوية". فكلمة (حقّ) فيما يبدو مترجمة عن اللغات الأجنبية، ولا يحتاج إليها التعبير العربي، ولذا يمكن حذفها ودخول حرف الجرّ على ما بعدها، فيقال:" حصل على اللجوء السياسي، ووافقوا على الإقامة في الدولة"().
 
وهذا الذي يقوله المؤلّف ينمّ عن وضع هذا التعبير في غير موضعه، فالمسألة ليست لغوية ههنا فحسب، وثمة اختلاف كبير بين حقّ اللجوء السياسي، واللجوء السياسي، وثمة من يحصل على اللجوء السياسي، لأنّه موالٍ للدولة التي لجأ إليها، أو لأيّ سبب آخر، ولا حقّ له فيه، وثمة من يُحرَم هذا الحقّ لسبب أو لآخر، فالمسألة مناطها قانون ينصّ على هذه الحقّ. وهذا لا يرتبط باللجوء وحده، بل نجد حقّ التعليم والتعبير عن الرأي، وحقّ أخذ جنسية ما، أو التنازل عنها، وتعبيرات كثيرة نحو هذا تتعلّق في مجالات شتّى. وعلى ذلك فكلمة حقّ مصطلح قانوني أنتجته الحضارة الحديثة، قبل أنْ يكون معجمياً، ومن الخطأ بمكان أن نزجّ بالمعنى المعجمي في هذا التعبير؛ ومن ثم نحكم عليه بالزيادة المخلّة، لأنّ ذلك لا يراعي السياق الذي ترد فيه هذه التعبيرات.
 
• عودة الأطراف إلى طاولة المفاوضات :
 
وهذا من دخول حرف الجرّ على كلمة زائدة أيضاً، يقول المؤلّف:"يقولون عودة الأطراف إلى طاولة المفاوضات، وطرح القضية على طاولة البحث، ودعاه إلى طاولة الاجتماع. وهذه تعبيرات حديثة في اللغة العربية، دخلت إليها بالترجمة عن اللغات الأوروبية، وكلمة طاولة إيطالية الأصل، وهي هنا لا لزوم لها في التعبير، والأولى أن يقال، عودة الأطراف إلى المفاوضات، وطرح القضية للبحث" . ()
 
والقضية ههنا أيضاً لم توضع في إطارها، فكلمة"طاولة" لم يعرفها العرب إلاّ حديثاً، ولم يكونوا يجتمعون ولا يبحثون أمورهم على الطاولات، وتعبير طاولة البحث، والمفاوضات..، مصطلحات لها معنى مخصوص عند المحدثين، بل نجد تعبيرات في هذا المجال أكثر تحديداً، نحو بحثوا أمورهم على الطاولة المستديرة، فكلّها مصطلحات ذات معنى محدّد، ومن ثَمّ تخطئتها ليست من الصواب في شيء، فهي تعبيرات أنتجتها الحضارة الحديثة، ولا مسوّغ لردّها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
أبرز المصادر والمراجع
 
 
 
- الأبشيهي، محمد بن أحمد، المستطْرَف في كلّ فنّ مستظرَف، تحقيق د.مفيد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1986(مكتبة الأدب cd).
 
- ابن الأثير، نصر الله بن محمد، المثل السائر، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت، 1995(مكتبة الأدب cd).
 
- الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، الدار المصرية للتأليف.
 
- الأصفهاني، أبو الفرج، الأغاني، تحقيق سمير جابر، دار الفكر، بيروت، ط2، 1989(مكتبة الأدب cd).
 
- ابن أبي أصيبعة، موفق الدين أبو العباس، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، تحقيق د. نزار رضا، دار مكتبة الحياة، بيروت(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- البغدادي، أحمد بن علي، تاريخ بغداد، دار الكتب العلمية،بيروت. (مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية .
 
- الترمذي، محمد بن علي،الأمثال من الكتاب والسنة، تحقيق د. السيد الجميلي، دار ابن زيدون، بيروت، ط1، 1985(مكتبة الأدب cd).
 
- ابن تغري، بردي، جمال الدين، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، المؤسسة المصرية للتأليف،مصر. (مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- الجاحظ، عمرو بن بحر، البيان والتبيين، تحقيق فوزي عطوي، دار صعب، بيروت،ط1، 1968(مكتبة الأدب cd).
 
- جار الله، زهدي، الكتابة الصحيحة، الأهلية للنشر، بيروت، 1977.
 
- ابن جبير، محمد بن أحمد، رحلة ابن جبير، دار الكتاب اللبناني، بيروت(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- الجبرتي، عبد الرحمن بن حسن، تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، دار الجيل، بيروت(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- الجرجاني، علي بن محمد، التعريفات، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405هـ.
 
- الجرجاني، عبد القاهر، دلائل الإعجاز، تحقيق محمود شاكر، دار المدني، جدّة، ط3، 1992.
 
- الجزري، المبارك بن محمد، النهاية في غريب الأثر، تحقيق د. محمود الطناحي، المكتبة العلمية، بيروت، ط2، 1979.
 
- الجمحي، محمد بن سلام، طبقات فحول الشعراء، تحقيق محمود شاكر، دار المدني، جدة.
 
- ابن جني، أبو الفتح، أسرار العربية
 
- الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، دار الكتاب العربي، بيروت.
 
- ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، دار صادر، بيروت، ط1، 1358هـ(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- حاج خليفة، مصطفى بن عبدالله، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، دار الكتب العلمية، بيروت، 1992م(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- ابن حجر العسقلاني،أحمد بن علي، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق علي بن محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، ط1، 1992(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تحقيق د.محمد خان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد- الهند، ط2، 1972.
 
- فتح الباري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ. (مكتبة الفقه وأصوله cd)
 
- الحموي، ياقوت بن عبدالله، معجم البلدان، دار الفكر، بيروت(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدمة ابن خلدون، دار القلم، بيروت،ط5، 1984(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- الحنبلي، إبراهيم بن محمد، المبدع، المكتب الإسلامي، بيروت، 1400،(مكتبة الفقه وأصوله cd)
 
- الحموي، عبد الله بن محمد، خِزانة الأدب، تحقيق عصام شعيتو، دار ومكتبة الهلال، بيروت، ط1، 1987(مكتبة الأدب cd).
 
- ابن خَلِّكان، أحمد بن محمد، وفيات الأعيان وأنباء الزمان، تحقيق د.إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، ط1، 1968(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- الدردير،سيدي أحمد، الشرح الكبير، تحقيق محمد عليش، دار الفكر، بيروت. (مكتبة الفقه وأصوله cd)
 
- الدمشقي، عبد القادر بن محمد، الدارس في تاريخ المدارس، تحقيق إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ.
 
- الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب أرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 1413هـ(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- الزمخشري، محمود بن عمر، المستقصى في أمثال العرب، دار الكتب العلمية، بيروت،ط2، 1987(مكتبة الأدب cd).
 
- السّبكي، أبو نصر عبد الوهاب، طبقات الشافعية الكبرى، د.محمود الطناحي، هجر للطباعة والنشر، الجيزة، ط2، 1992م(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، المزهر في علوم اللغة، تحقيق فؤاد علي منصور، دار الكتب العلمية، بيروت ط1، 1998(مكتبة الأدب cd).
 
- الأشباه والنظائر في الفقه، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1403هـ.(مكتبة الفقه وأصوله cd)
 
- شاكر، محمود، أباطيل وأسمار، مطبعة المدني، المؤسسة السعودية، مصر,
 
- الشيباني، محمد بن محمد، الكامل في التاريخ، تحقيق أبو الفداء عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1995(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- صفوت، محمد زكي،جمهرة خطب العرب، محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العلمية، بيروت(مكتبة الأدب cd).
 
- الطبري، محمد بن جرير، تفسير الطبري، دار الفكر، بيروت، 1405هـ. (مكتبة الفقه وأصوله cd).
 
- ابن عساكر، تاريخ دمشق، دار الفكر، تحقيق محب الدين العمروي، 1995، ومركز التراث cd).
 
العدناني، محمد،معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة، مكتبة لبنان، بيروت، ط1 1989.
 
- معجم الأخطاء الشائعة، مكتبة لبنان، ط2، 1985.
 
- العقّاد، عباس محمود، خلاصة اليومية والشذور، دار الكتاب العربي، بيروت، 1970.
 
- العكبري، أبو البقاء، مسائل خلافية في النحو، تحقيق محمد خير حلواني، دار الشرق العربي، بيروت، ط1، 1992(مكتبة النحو والصرف cd).
 
- التبيان في إعراب القرآن، تحقيق علي البجّاوي، إحياء الكتب العربية.
 
- العَكري،عبد الحي بن أحمد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب،دار الكتب العلمية، بيروت(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- عمار، محود إسماعيل، الأخطاء الشائعة في استعمالات حروف الجرّ، دار عالم الكتب، الرياض، ط1، 1998.
 
- الفراهيدي، الخليل بن أحمد، الجمل في النحو ، تحقيق فخر الدين قباوة، دار الجيل بيروت، ط5، 1995.
 
- القرطبي، محمد بن أحمد، تفسير القرطبي، أحمد البردوني، دار الشعب، بيروت، ط2، 1372هـ. (مكتبة الفقه وأصوله cd)
 
- القزويني، محمد بن سعد، الإيضاح في علوم البلاغة، دار إحياء العلوم، بيروت، ط4، 1998(مكتبة الأدب cd).
 
- القضاعي، أبو عبد الله محمد، كتاب الحلةّ السِيراء، تحقيق د. حسين مؤنس، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1985م(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- القلقشندي، أحمد بن علي، صبح الأعشى في صناعة الإنشا، د.يوسف الطويل، دار الفكر، دمشق، ط1، 1987(مكتبة الأدب cd).
 
- القنوجي، صديق بن حسن، أبجد العلوم الوشيّ المرقوم، تحقيق عبد الجبار زكار، دار الكتب العلمية،بيروت ط2، 1978(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- ابن قيس، عبدالله بن محمد، قِرَى الضيف، تحقيق، عبد الله بن حمد المنصور، أضواء السلف، الرياض، ط1، 1997(مكتبة الأدب cd).
 
- ابن كثير، إسماعيل بن عمر،البداية والنهاية، مكتبة المعارف، بيروت1992(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- تفسير ابن كثير، دار الفكر، بيروت، 1401هـ (مكتبة الفقه وأصوله cd).
 
- المتنبي ،أحمد بن الحسين، ديوانه، شرح العكبري، تحقيق مصطفى السقا وزملاؤه،دار المعرفة، بيروت.
 
- المحامي، محمد فريد، تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق، د.إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، ط2،1403هـ(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- المقدسي، عبد الرحمن ابن إسماعيل، الروضتين في أخبار الدولتين، تحقيق إبراهيم الزيبق، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1997(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- المَقَّري، أحمد بن محمد، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق د.إحسان عباس، دار صادر، بيروت، ط1، 1968(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- المناوي، محمد عبد الرؤوف، التعاريف، تحقيق د.محمد رضوان الداية، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط1، 1410هـ (مكتبة الفقه وأصوله cd).
 
- الميداني، أبو الفضل، مجمع الأمثال، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الجيل، بيروت،ط2، 1987.
 
- الناصري، أبو العباس أحمد، كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصا، تحقيق جعفر الناصري، دار الكتاب، الدار البيضاء، ط1، 1997(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- ابن النديم، محمد ابن إسحاق، الفهرست، دار المعرفة، بيروت، 1978(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- النووي، محيي الدين بن شرف، المجموع، تحقيق محمود مطرحي، دار الفكر، بيروت، ط1، 1996(مكتبة الفقه وأصوله cd).
 
- الهروي، علي بن محمد، الأزهية في علم الحروف، تحقيق عبد المنعم الملّوحي، 1981.
 
- الهروي، محمد بن أحمد، الزاهر، تحقيق د.محمد الألفي، وزارة الأوقاف، الكويت، ط1، 1399هـ. (مكتبة الفقه وأصوله cd)
 
- ابن هشام ،جمال الدين بن يوسف، أوضح المسالك إلى ألفية بن مالك، دار الجيل، بيروت، ط5، 1979
 
- مغني اللبيب، تحقيق مازن المبارك وزميله، دار الفكر، بيروت، 1985.
 
- الهمداني، محمد بن عبد الملك، تكملة تاريخ الطبري، ألبرت يوسف كنعان، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، ط1، 1958(مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية cd ).
 
- يعقوب، إميل، معجم الخطأ والصواب في اللغة، دار العلم للملايين، ط1، 1983.
 
الموسوعات:
 
- موسوعة الحديث الشريف، الإصدار الأوّل، شركة صخر، لبرامج الحاسوب.
 
• كتب مجمع اللغة العربية في للقاهرة:
 
- القرارات المجمعية في الألفاظ والأساليب،محمد شوقي أمين، وإبراهيم الترزي، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية،1989.
 
- كتاب الألفاظ والأساليب، محمد شوقي أمين، مصطفى حجازي.
 
- في أصول اللغة الجزء الثالث، مصطفى حجازي، وضاحي عبد الباقي، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، ط1،القاهرة.
 
• المجلات:
 
- مجلة محمع اللغة العربية بدمشق، الجزء الثالث، المجلد الحادي والسبعون. 1996،الصفحة: 487.
 
- مجلة الكاتب المصرية، المجموعة الكاملة لمجلة الكاتب 1945-1948، الهيئة المصرية العامة للكتاب، المجلد السادس، 1999.
 
 
 
 
 
 

المراجع

موسوعة الأبحاث العلمية

التصانيف

الأبحاث