ألبرتو موراڤيا Alberto Moravia هو اسم الشهرة المستعار للأديب الإيطالي ألبرتو بِنكرْليه Alberto Pincherle الذي يُعدّ من أشهر الروائيين في القرن العشرين. كما له مقالات عديدة نُشرت في الصحف والمجلات الأدبية زادته شهرة.
ولد موراڤيا في روما وتوفي فيها، وكان للعاصمة الإيطالية مكانة كبيرة في مؤلفاته. أمضى طفولته سقيماً، مصاباً بسلّ في عظامه ألزمه الفراش وهو في الثامنة من العمر وترك أثراً واضحاً في نفسه؛ إذ فقد ابتسامة الطفولة والصبا واستقبل الحياة بنظرة تشاؤمية، يتقصى جوانبها السلبية والبائسة. ومع ذلك برزت موهبته الأدبية وهو راقد، فقرأ كثيراً للكلاسيكيين ولأدباء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ومنهم شكسبير[ر] وموليير[ر] وغولدوني[ر] وليوباردي[ر] ومالارميِه[ر] وجويس[ر]، ونظم أبيات شعر باللغتين الإيطالية والفرنسية وتعلّم اللغتين الإنكليزية والألمانية. وبعد خروجه من المصح بدأ كتابة روايته الأولى «اللا مبالون» Gli indifferenti فتألّق نجمه مع صدورها عام 1929. وجد القرّاء فيها واقعاً مؤلماً ملموساً في الوسط الاجتماعي؛ إذ أصاب فساد الأخلاق أرملة من الطبقة الوسطى مع ولديها. ففي دار فسيحة يعيش ميكيليه وكارلا مع والدتهم وعشيقها الذي يهدف إلى تملّك الدار والفتاة الشابة مع والدتها التي ألبسها موراڤيا لباس الغباء والأنانية والغرور والغيرة إلى درجة الجنون والهلع إزاء فكرة هجران صديقها الذي يصغرها سناً. أما موضوع اللامبالاة فيبرز عند الجيل الصاعد، الفتى والفتاة، جيل ضعيف وجبان، فاقد الإرادة وعاجز، خلت قلوبه من المشاعر والانفعالات، تستهويه فقط أمور الجنس. يتأزم الوضع في الرواية عشية احتفال كارلا بميلادها الرابع والعشرين واستسلامها وثورة شقيقها ومسعاه المخفق إلى الانتقام.
يقول موراڤيا إنه خرج معافى جسدياً من المصحّ ليقع ضحية داء من نوع آخر أخلاقي. فقد بدأت معركته مع النظام الفاشي الذي حاصره وأرغمه على الرحيل مانعاً صدور مؤلفاته. وكان قد كتب في هذه المرحلة أقصوصة «خليلة مُتعَبَة» Cortigiana stanca ت(1927) ورواية «الطموحات الخاطئة» Le ambizioni sbagliate ت(1935). وسافر إلى فرنسا وإنكلترا وحاضر في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية حول الرواية الإيطالية، ووصل إلى المكسيك. ثم عاد إلى إيطاليا ليقدم «البلبلة» L’imbroglio ت(1937).
على الصعيد العاطفي بدأ موراڤيا حياته عام 1941 بزواج لم يدم من الأديبة إيلزا مورانتيه Elsa Morante، وأنهاها بعلاقة مع فتاة إسبانية تصغره بسبعة وأربعين عاماً غير آبه بالضجة التي أحدثها في الأوساط الاجتماعية.
وكان موراڤيا قد شهد بين عامي 1933- 1943 أسوأ ملاحقة من رجال موسوليني والمحافظين الذين وجدوا في كتاباته مادة ضارة مثيرة للجنس. ولكن في هذه المؤلفات أيضاً وجد بعض المخرجين السينمائيين مادة مشوقة للإثارة، يُذكر من هذه الأفلام روايته «الازدراء» Il Disprezzo ت(1954) التي قدمها للسينما جان لوك غودار J.L.Godard ت(1963) وتناول فيها العلاقات الزوجية وما يحيطها من كذب ورياء. كذلك قدم المخرج ڤيتوريو دي سيكا Vittorio de Sica عام 1960 رواية «لاتشوتشارا» La Ciociara الصادرة عام 1957، حول قصة امرأتين، أم وابنتها، تعرضتا لاغتصاب في أثناء الحرب العالمية الثانية وعاشتا واقع الحرب ودواعيها من قسوة القلب وفقدان الحس وانعدام الشفقة والرحمة، لتصير الفتاة في النهاية مومساً. كذلك قُدِّمت روايته الصادرة عام 1960 «السأم» La Noia للشاشة وحازت جائزة. وقدَّم بِرْتُلوتشي B.Bertolucci عام 1970 أشهر رواياته نقداً للفاشية «الامتثالي» Il Conformista. وقد مثلت الشخصيات الرئيسية في رواياته أشهر الممثلات وقتئذ من مثل بريجيت باردو وصوفيا لورين.
يقول موراڤيا: «يمكن أن يُقال إنني كاتب مملّ لأنني أكرر الموضوعات ذاتها مثلما تكرر الطيور زقزقتها، إلا أنني كلما تقدمت سناً أتناول هذه الموضوعات بنظرة مختلفة» . عندما سئم الأديب من التحليل والوصف تحرر من القواعد الاجتماعية والأخلاقية ورأى في الإنسان دوراً يقتصر على «الحب فقط».
لم يقتصر نتاج موراڤيا الأدبي على الرواية والأقصوصة بل تجاوزها إلى الصحافة وكتب مقالات عن اكتشافاته ورحلاته إلى الاتحاد السوڤييتي والهند وإفريقيا. وعندما سافر إلى اليابان عام 1982 توقف عند هيروشيما وأجرى تحقيقات ثلاثة لمصلحة صحيفة إسبرسو Espresso طرح فيها مشكلة القنبلة النووية وانفصال الثقافة العلمية عن الإنسانية. كما فكّر في المسرح وقدّم له «العالم كما هو» Il mondo è quello che è ت(1966) و«الإله كورت» Il dio Kurt ت(1968).
كان موراڤيا يهودي المولد، ولم يكن الإله يعني له شيئاً؛ فعندما تفاءل قليلاً عام 1944 كتب مقالة بعنوان «الأمل أو بالأحرى المسيحية والشيوعية» La Speranza ovvero Cristianesimo e Comunismo. ومن مؤلفاته أيضاً «أنا وهو» Io e Lui ت(1972) التي أسماها النقاد «ملحمة الجنس». كما صدرت عام 1978 روايته «الحياة الداخلية» La vita interiore التي استغرقت كتابتها سبع سنوات. وفي سنواته الأخيرة انتُخب نائباً مستقلاً في البرلمان الأوربي (1984- 1989).
قدّم موراڤيا صورة عن المجتمع الإيطالي في القرن العشرين. وإن كان يُعدّ وريث عصر التنوير، إلا أنه كان واقعياً سريالياً وجودياً في أسلوبه، رواقياً في سجيته واثقاً من رجاحة العقل الحر والمفكر
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث