ميكانيك الكم quantum mechanics هو النظرية الرياضية التي بنيت في الربع الأول من القرن العشرين؛ لكي تفسِّر الظواهر الفيزيائية الذرية.
كانت قد تجمعت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حقائق تجريبية كثيرة بدا أنها ظواهر لا يمكن تفسيرها استناداً إلى التصورات الكلاسيكية، ودلت على أن التأثير المتبادل بين الإشعاع الكهرمغنطيسي والمادة لم يكن يتفق اتفاقاً جيداً مع قوانين النظرية الكهرمغنطيسية. وفي الوقت نفسه بدأت تتطور نظرية البنية الذرية للمادة نتيجة لاكتشاف الإلكترون[ر] وللتأكد من نموذج الذرة ذي النواة، إضافة إلى تجارب أخرى اضطرت الفيزيائيين إلى إعادة النظر في مفاهيمهم حول حركة الجسيمات المجهرية، لأنه تبين أن هذه الجسيمات لا تتحرك وفق ما تقتضيه قوانين ميكانيك نيوتن. واضطر الفيزيائيون بالتدريج إلى إدخال أفكار جديدة تطورت، وتكاملت بفضل جهود العديد من الفيزيائيين اللامعين أمثال نيلز بور[ر] N.Bohr وإرفين شرودنغر[ر] E. Schrodinger وفرنر كول هيزنبرغ[ر]W.K.Heisenberg. وفولفغانغ باولي[ر]W.E.Pauli. وبول ديراك[ر] P.Dirac وغيرهم، حتى أصبحت ما يعرف اليوم بالنظرية الكمومية quantum theory؛ وهي النظرية التي تُعد في الوقت الحاضر جوهر الفيزياء (والكيمياء) الحديثة. فمن دونها لا يمكن فهم وجود الذرات نفسه ولا وجود الأجسام الصلبة بحد ذاتها ولا متانة المواد وخواصها الفيزيائية ولا طبيعة الكيمياء ولا تعليل ألوان الأشياء ولا تفسير حتى ظواهر بسيطة كالتجمد والغليان تفسيراً عميقاً. على الرغم من مضي قرن كامل على نشوء النظرية الكمومية لم تصبح بعد «مألوفة» لدى القطاع الواسع من العلميين، مع أن ما نجم عنها من تطبيقات تقنية أصبح منتشراً على نطاق واسع (مثل الليزر والأجهزة الإلكترونية على اختلاف تنوعها)، وذلك لعدة أسباب، منها أنه يصعب تكوين صورة ذهنية لما تصفه، ولأنها تتعامل مع أحداث ممكنة وليس مع نتائج محددة، ولأن العديد من استنتاجاتها يتعارض مع «الحس السليم»، مثال ذلك أن الجسيم - مثل الإلكترون - هو في الوقت نفسه جسيم وموجة.
تسمى هذه النظرية ميكانيك الكم، والتسمية «ميكانيك» تذكّر بالميكانيك التحليلي[ر] الذي طُور في القرن الثامن عشر لتفسير حركات الأجسام المادية، والذي حلت هذه النظريةُ محله في وصف حركات الجسيمات الذرية. ولكن هذه النظرية توصف بالموجية (فيقال الميكانيك الموجي)؛ لأنها تستخدم كثيراً من الشكلية الرياضية المستخدمة في نظرية الأمواج، كما توصف بالكمومية quantum (فيقال ميكانيك الكم)؛ لأنها تفسر الظواهر الكمومية التي لا يمكن تفسيرها على أساس الميكانيك التحليلي.
يستخدم المصطلح «كمومي» أو «مكمّى» quantified للدلالة على المقادير الفيزيائية التي لا يمكن رصد تغيرها المستمر، والتي لا يقاس منها إذن سوى قيم متقطعة discrete، أي كمّات quanta محدودة.
تدل التجارب على أن كلاً من المادة والإشعاع يتصف بازدواجية (أو ثنوية duality) في السلوك، فيُظهران أحياناً خواص الأمواج، وأحياناًً أخرى خواص الجسيمات. لكن من المسلّم به أن الشيء لا يمكن أن يكون حركة موجية، وأن يكون في الوقت ذاته جسيمات، فكلا المفهومين مختلفان تماماً أحدهما عن الآخر. لكن من المؤكد تجريبياً أن الضوء - الذي هو إشعاع كهرمغنطيسي - يسلك أحياناً كما لو أن له بعض صفات الجسيم؛ إلا أنه لا توجد تجربة تبرهن على أن له خواص الجسيم جميعها. وينطبق القولُ نفسه على المادة والحركة الموجية، فما يعدّ جسيمات يسلك أحياناً سلوك الأمواج. وتفسير هذه المعضلة - بحسب النظرية الكمومية - هو أن الصورتين الذهنيتين اللتين تقود التجارب إلى تشكيلهما - إحداهما للجسيمات والأخرى للأمواج - كلتاهما ناقصتان، ولا تصلحان إلا بمنزلة «تشبيه» لا يكون صحيحاً إلا في حالات محددة. ومع ذلك يُستخدم هذا «التشبيه» لوصف أشياء ليس في اللغة كلمات للدلالة عليها. فالضوء والمادة كلاهما كائنان مفردان، أما الثنوية فتنشأ من كون اللغة محدودة.
وليس من المستغرب أن تكون اللغات غير قادرة على وصف عمليات تحدث داخل الذرات، أو داخل النوى الذرية[ر: نواة الذرة]، فاللغة ابتُكرت لوصف خبرات الحياة اليومية أي عالَم الأجسام الكبيرة، وهذه الخبرات تتألف فقط من العمليات التي تتضمن أعداداً هائلة من الذرات. لكن الرياضيات ليست مقيدة بمثل هذه القيود، وقد أمكن ابتكار شكلية رياضية، هي ميكانيك الكم مناسبة تماماً لمعالجة العمليات الذرية، أما لتصورها ذهنياً فلا بد من الاكتفاء بالتشبيهين الناقصين - الصورة الموجية والصورة الجسيمية. فبعض التجارب يمكن أن تفسَّر بصورة أفضل (أو فقط) على أساس التصور الموجي (مثل تجارب تداخل الضوء وانعراجه وتداخل الإلكترونات والنترونات وانعراجها)، في حين تفسَّر ظواهر أخرى بصورة أفضل (أو فقط) على أساس التصور الجسيمي (مثل المفعول الكهرضوئي ومفعول كومبتون Compton effect).
ظهر الدليل الأول على ظاهرة كمومية في بداية القرن العشرين لدى دراسة العالم الألماني ماكس بلانك[ر] M.Planck الإشعاعَ الذي يصدره جسم حار، والتي أدت فيما بعد إلى مفهوم الفوتون[ر]. وقد أكد تفسير بور للطيوف الذرية عام 1913، كما أكدت تجارب إثارة الإلكترونات التي أجراها في العامِ نفسِه كل من فرانك J.Franck وهرتز G.Hertz تكمية (أو تكميم) الطاقة هذه، وأدت إلى مفهوم سويات الطاقة المكماة للذرة. كما أن التجربة التي أجراها شتيرن O.Stern وغيرلاخ W.Gerlach بإرسالهما حزمة ذرية من خلال الحيز بين قطبي مغنطيس بيّنت بصورة قاطعة تكمية quantization مقدار فيزيائي آخر هو الاندفاع الزاوي angular momentum.
تستخدم الشكلية الرياضية للميكانيك التحليلي معادلات تفاضلية تتعلق بدوال (توابع) مستمرة، ولذلك فمن غير الممكن أن تأخذ بالحسبان التغيرات المتقطعة للمقادير الفيزيائية المكماة. وقد كان العالم الفرنسي لوي دوبروي[ر] Louis de Broglie أول من اقترح في العام 1922 استبدال النظرية الموجية بشكلية الميكانيك الكلاسيكي. وقد وجهته إلى هذا المنحى الظواهر المتعلقة بالأمواج المستقرة stationary waves حيث يحدث تداخل بين الأمواج الواردة وتلك المنعكسة (كما في الأوتار المهتزة أو الأنابيب الصوتية أو تجاويف التجاوب للأمواج الكهرمغنطيسية). ومن المعلوم أن سعة الموجة المستقرة الحاصلة تكون كبيرة عند قيم معينة خاصة من طول الموجة تبعاً للأبعاد الهندسية للأداة المهتزة؛ ولذلك فإن المعادلات التفاضلية الجزئية للنظرية الموجية قادرة على تفسير تكمية بعض المقادير. وبهذا استطاع دوبروي إرفاق موجة طولها λ بحركة الجسيم الذي كتلته m، ويتحرك بالسرعة v بحيث يكون طول الموجة متناسباً عكساً مع اندفاع الجسيم p = mv؛ أي بحيث يكون حيث h ثابتة تدعى ثابتة بلانك.
كان يحكم إنشاء النظرية الجديدة أمران: أولهما تفسير النتائج التجريبية؛ وثانيهما احترام مبدأ التقابل correspondence principle الذي مفاده أنه على الرغم من أن الميكانيك الجديد يختلف جذرياً عن الميكانيك الكلاسيكي عند تطبيقه على ظواهر في المقياس الذري، فإنه ينبغي أن يؤدي إلى نتائج مطابقة لدى تطبيقه على ظواهر في المقياس العادي. أي إن النتائج التي تُحسب وفق ميكانيك الكم لوصف عمليات فيزيائية معينة ينبغي أن تنتهي إلى النتائج المقابلة المحسوبة وفق الميكانيك الكلاسيكي عندما يصبح مقياس الظواهر كبيراً، أي عندما تصبح القيم الفعلية للمقادير الفيزيائية ذات العلاقة كبيرة جداً بالنسبة إلى الفروق بين القيم المكماة المتتالية.
بلغ بناء النظرية الكمومية طوره الحاسم بين العامين 1925 و1926 حين أنجز شرودنغر طريقته في حساب الدوال الموجية wave functions، وأنجز هيزنبرغ طريقته في الحساب المصفوفي الذي يستخدم المصفوفات عوضاً عن المؤثرات. وسرعان ما بيّن شرودنغر بعد ذلك أن طريقتي الحساب اللتين تبدوان مختلفتين تماماً هما في الواقع متكافئتان. ثم تسارع تطور النظرية إن في الناحية الرياضية بفضل أعمال ماكس بورن M.Born وباسكوال جوردان P.Jordan أو في مجال ربطها بالتجربة حيث أوجد بورن في العام 1927 التفسير الاحتمالي، وأوجد تلميذه هيزنبرغ مبدأ الارتياب uncertainty principle. ويمكن القول إن الميكانيك الجديد اكتمل تماماً حين قام ديراك في العام 1928 بالجمع بين ميكانيك الكم والنظرية النسبية الخاصة
الدالة الموجية والاحتمال: إن هدف الميكانيك الكلاسيكي هو وصف حركات الأجسام المادية بوساطة حساب مواضعها المعينة بإحداثياتها x وy وz في الفضاء في كل لحظة. أما الميكانيك الموجي فيتخلى عن حساب الإحداثيات مباشرة؛ لكنه يرفق بكل جسيم دالة (عقَدية complex) للإحداثيات والزمن ψ (x, y, z, t) تدعى الدالة الموجية، أو دالة الحالة، تتعين حالة الجسيم بوساطتها، ويمكن أن تُستخلص منها معلومات حول موضع الجسيم وفق القاعدة الآتية: يساوي احتمال وجود الجسيم في حجم عنصري dV مركزه النقطة x, y, z جداء هذا الحجم العنصري في مربع طويلة الدالة الموجية لهذا الجسيم:
ψ (x, y, z, t)| 2 dV ≡ ψ (x, y, z, t) ψ* (x. y. z, t) dV|
حيث *ψ الدالة المرافقة عقدياً للدالة ψ. وبما أن احتمال إيجاد الجسيم في الفضاء كله يساوي - بالتعريف - الواحد؛ وجب أن تكون الدالة ψ مستنظمة normalized بحيث يكون تكامل مربع طويلتها على كامل الفضاء V مساوياً الواحد:
أما في حالة جملة مؤلفة من عدد من الجسيمات، ولتكن 1، 2، 3، ...، تتآثر فيما بينها بشدة فلا يمكن - بصورة عامة - تعريف دالة موجية منفصلة لكل جسيم من هذه الجسيمات وإنما تستخدم دالة موجية كلية لكامل الجملة تتعلق بإحداثيات الجسيمات المؤلفة لها كلها:
ψ (x1 , y1 , z1 , x2 , y2 , z2 , x3 , y3 , z3 , … t)
ومن ثم يُحسب احتمال وجود الجسيم 1 في الحجم dV1 حول النقطة x1 , y1 , z1 والجسيم 2 في الحجم dV2 حول النقطة x2 , y2 , z2 ...إلخ بوساطة العبارة . ψ.ψ*.dV1 dV2 dV3…؛ أي إن احتمال إيجاد الجسيم 1 في النقطة x1 , y1 , z1 يتعلق بمواضع الجسيمات الأخرى 2 و3 و... إلخ وبالعكس.
المقادير القابلة للقياس والمؤثرات
لا تُرصد لدى إجراء التجارب مواضع الجسيمات فحسب، وإنما تقاس في معظم الأحيان مقادير أخرى انفرادية أو جماعية: مثل الاندفاع والاندفاع الزاوي والطاقة…. .إلخ. وفي كثير من الأحيان تتغير هذه المقادير تبعاً لإحداثيات الجسيمات، وبما أن هذه الأخيرة لا يمكن حسابها بصورة دقيقة فلا يمكن إذن تعيين سوى القيمة الوسطية لمقدار ما، مثل المقدار A، وهي قيمة وسطية مأخوذة بالنسبة إلى مواضع الجسيم المختلفة مع الأخذ بالحسبان احتمال كل منها. وللقيام بقياس المقدار ينبغي إجراء عملية معينة على الجملة الفيزيائية المدروسة. وبالإمكان تمثيل هذه العملية في النظرية الكمومية بمؤثر operator رياضي يُرمز له عادة بالحرف نفسه A كما للمقدار . ويرمز هذا المؤثر إلى طريقة معينة لتحويل دوال المكان والزمانψ (x, y, z, t ) إلى دوال أخرى، أي إنه يحـدد طريقة تتيح اسـتعاضة كل دالـة ψ (x, y, z, t) بدالة أخرى تُحسب منها. وكمثال على ذلك: إن اندفاع جسيم هو المتجه...... ، ....حيث m كتلة الجسيم و... .... سرعته، ومركباته على المحاور الإحداثية هي px و py و pz وهي ثلاثة مقادير قابلة للقياس تجريبياً. يمثَّل المقدار القابل للقياس بالمؤثر:
حيث i العدد التخيلي و h ثابتة بلانك h مقسومة على 2π. ومعنى تطبيق هذا المؤثر على الدالة ψ هو الاستبدال بها الدالة التي يُحصل عليها بضرب مشتقها بالنسبة إلى x بالعدد -ih:
ويمكن - بعد معرفة المؤثر الممثل للمقدار A - تطبيق القاعدة الآتية التي تتيح حساب القيمة الوسطية <A>: يُحسب تكامل جداء الدالة الموجية المرافق العقدي ψ* والدالة على الفضاء كله:
ويمكن أن تكون نتيجة التحويل الذي تخضع له الدالة ψ تحت تأثير المؤثر بسيطة جداً إذا كانت للدالة ψ أشكال معينة خاصة. فيمكن مثلاً إيجاد دالة ψ (x, y, z, t)كون تأثير المؤثر فيها هو تحويلها إلى نفسها مضروبة بمعامل عددي a:
فيقال عندئذ إن هذه الدالة هي دالة ذاتية eigenfunction للمؤثر ، وإن المعامل a هو القيمة الذاتية eigenvalue المقابلة. فإذا كانت الجملة المدروسة في حالة ممثَّلة بالدالة ψ قيل إنها في حالة ذاتية للمؤثر، وكثيراً ما يُستخدم المصطلحان «حالة ذاتية، ودالة ذاتية» للدلالة على الشيء نفسه. وبتطبيق التعريف المذكور سابقاً للقيمة الوسطية *يصبح من السهل رؤية أن القيمة الوسطية في الحالة الذاتية ψ تساوي القيمة الذاتية a المقابلة، وتكون نتيجة قياس المقدار الفيزيائي Aفي هذه الحالة مؤكدة وليست احتمالية.
حساب الدوال الذاتية - معادلة شرودنغر
كان شرودنغر هو الذي أوجد طريقة حساب الدالة الموجية لجملة فيزيائية، وأوجد كيفية تطورها مع الزمن. فقد استرشد بمبدأ التقابل، ووسع الميكانيك الكلاسيكي الذي يستخدم في معادلاته العامة دالة هاملتون H التابعة لإحداثيات جملة الجسيمات x و y و z ومركبات اندفاعها px و py و pz. ويُبرهَن على أن قيمة هذه الدالة تبقى ثابتة في تطور الجملة مع مرور الزمن، وهي تساوي طاقة الجملة الكلية. وفي الحالة البسيطة جداً التي تكون الجملة فيها مؤلفة من جسيم واحد كتلته m خاضع للقوة التي تُشتق من طاقة كامنة V (x, y, z)
تُحسب دالة هاملتون من العلاقة:
واستناداً إلى دالة هاملتون الكلاسيكية هذه يُشَكل مؤثر هاملتون..... ...
بمجرد استعاضة المقادير pxو py و pz بالمؤثرات
ففي حالة جسيم وحيد يكون المؤثر الهاملتوني على الشكل:
ويعتمد تطور الجملة الفيزيائية مع الزمن على المؤثر الهاملتوني؛ وهذا ما تعنيه معادلة شرودنغر:
وفي معظم الأحيان لا يعتمد المؤثر نفسه على الزمن، وهذا يعني أن أية دالة لا تعتمد على الزمن هي تابع ذاتي للمؤثر. وهذا يؤدي إلى أن من بين الحلول الممكنة لهذه المعادلة ذات المشتقات الجزئية هناك فئة ذات أهمية خاصة هي الحلول المستقرة. وبالتشابه مع الأمواج المستقرة التي تتغير بصورة جيبية مع الزمن، وتكون سعتها ثابتة مستقلة عن الزمن، وإنما متغيرة من نقطة إلى أخرى. تعطى التوابع الموجية المستقرة بالعلاقة:
ψ (x, y, z, t) = ψ (x, y, z)e-i ω t
التي فيها الدالة مستقلة عن الزمن، وتدعى الدالة الموجية المستقلة عن الزمن أو سعة الاحتمال بالتشابه مع سعة موجة جيبية كلاسيكية. ويُبرهَن على أنه يمكن التعبير عن أي حل Ψلهذه المعادلة على شكل مجموع حلول مستقرة. ولهذا توضع ψ (x, y, z, t)e-i ω t مكان الدالة ψ (x, y, z, t) في معادلة شرودنغر التابعة للزمن، وباختصار الدالة e-i ω t ووضع h ω = E يُحصل على معادلة شرودنغر المستقلة عن الزمن:
وهذه المعادلة تعني أن الدالة ψ يجب أن تكون دالة ذاتية للمؤثر..؛ وأن الحالات المستقرة للجملة المدروسة هي الحالات الذاتية للمؤثر الهاملتوني. أما القيم الذاتية E المقابلة فهي تمثل قيم طاقة الجملة في كل من هذه الحالات، وليست المعادلة السابقة سوى معادلة القيم الذاتية للمؤثر الهاملتوني.
تفسير ميكانيك الكم
ليس هناك أي خلاف حول ما حققته النظرية الكمومية من نجاح منقطع النظير في وصف الظواهر في كل مجال الفيزياء الذرية والنووية وأهم إنجازات الفيزياء منذ عصر نيوتن قبل ما ينوف على 250 عاماً في الطيوف الذرية والكيمياء الجزيئية وأنصاف النواقل وانعراج الإلكترونات.... التي أكدت فيها جميعاً كل الاختبارات صحة تنبؤات ميكانيك الكم.
ومع ذلك يبقى حتى اليوم جدل واسع، بل شيء من الارتباك، يتعلق بتفسير العديد من الجوانب الأساسية لميكانيك الكم. وتنشأ الصعوبات من حقيقة أن المعادلات تتضمن مقادير ومفاهيم لا تتضمنها الخبرة الإنسانية اليومية، ولا يمكن قياسها، إن أمكن ذلك أصلاً، إلا بطريقة غير مباشرة. ومما لاشك فيه أنه يمكن اختبار تنبؤات النظرية وتطبيق نتائجها من دون السعي إلى فهم أسسها فهماً عميقاً، وعدّ أن مثل هذا المسعى يخص الفلسفة أكثر مما يتعلق بالفيزياء. ومن المفاهيم التي يواجِه تفسيرُها صعوبةً: ما يتعلق بالثنوية موجة/جسيم، وبماهية التابع الموجي، وهل هو موضوعي؟ وهل يصف فعلاً الواقع الفيزيائي؟ وباللامحلية nonlocality، بمعنى هل هناك معنى موضوعي لوجود الجسيم بين لحظتي إجراء قياسين؟ وهل يمكن أن يوجد الجسيم في مكانين في آن واحد؟ وهل هناك تأثيرات تنتقل أسرع من الضوء؟ وبمبدأ الارتياب، وهل الارتياب ناتج من عملية القياس؟ أم هو بسبب أن الواقع الفيزيائي غير محدد قبل القياس؟ وبالحدود بين المجهري والجهري (العياني) macroscopic.
ولعل أكثر تفسيرات ميكانيك الكم قبولاً لدى الفيزيائيين هو التفسير الذي يسمى تفسير «مدرسة كوبنهاغن»، الذي نشأ بتأثير بور وهيزنبرغ وباولي وغيرهم، لأنه يشكل إطاراً متسقاً، ويوفر شرحاً مقبولاً لنتائج القياس. ويرى هذا التفسير أنه لا يمكن الفصل بين الجملة الفيزيائية موضع الرصد وأداة القياس، وهذا ما يعبر عنه بمبدأ التتامية[ر]. وينتج من هذا استحالة أن يعيّن الراصد تجريبياً كل خواص الجملة المدروسة في الآن نفسه. ويعدّ أن وصف جملة ذرية بحد ذاتها، أو وصف الواقع الفيزيائي بحد ذاته بصورة مستقلة عن الراصد هو أمر خال من أيّ معنى. لكن هذا التفسير يواجه انتقادات كثيرة، منها أنه يناقض مبدأ الحتمية determinism والسببية causality وهو ما عُدّ الأساس للتطور العلمي على مر العصور.
وقد جرت محاولات عديدة على مر العقود الماضية لإيجاد تفسيرات أخرى تستعاد بوساطتها الحتمية والسببية، وأمكن التوصل إلى عدد منها، لكن كلاً منها يعاني صعوبات مختلفة.
وإذا كانت النظرية الكمومية قد حققت كل هذا النجاح على الصعيد العملي، وكانت شكليتها الرياضية متسقة وواضحة، فهي تعاني صعوبات عديدة إن على الصعيد الفلسفي أوالمفاهيمي conceptual. ومما لاشك فيه أن هذه النظرية سوف تُعدّل في المستقبل، أو تستبدل بها نظريةٌ أخرى تتخلص من هذه الصعوبات وتكون قادرة على استيعاب النظرية النسبية العامة التي لم يمكن حتى اليوم دمجها بمكيكانيك الكم.
بسام المعصراني
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث