في التنظيرات السياسية الحديثة تبدو الأديان جميعاً وهي لا تستقيم مع المفهوم الحديث للدولة بشكلٍ عام (نعني بذلك قضية الفصل بين المؤسسات)، ولكن الإسلام يضيف إلى العامل السابق، تقاطعه مع فكرة البعد الجغرافي للدولة، فالمنظور الإسلامي يتعامل مع مفهوم (الأمة) الذي لا تحدده الجغرافيا، فأمة المسلمين يمتد وجودها وانتشارها بانتشار المسلمين على وجه البسيطة، بدون اعتبار لمسألة الحدود السياسية للدول. بينما تنشأ الدول الحديثة وفقاً لقواعد القانون الدولي باكتمال العناصر المكونة لها من: إقليم جغرافي ذي حدود واضحة، وأفراد وجماعات يسكنون هذا الإقليم، ونظام سياسي متبلور في حكومة تحكم معترف بها من قبل السكان، وأخيراً اعتراف بقية المجتمع الدولي بهذه الدولة الجديدة . وإذا ما كانت دول الغرب المسيحي قد تخلصت من الوصاية السياسية للكنيسة، فقد بقي الشرق المسلم (بمجتمعاته التي لم تستطع إنضاج فكرة الدولة) تحت وصاية رجال الدين المسلمين. وعلى الرغم من أن التراث الإسلامي لا يذهب مثلما تفعل المسيحية، إلى تعيين طبقة اللاهوت أو رجال الدين، فإن هذه الفئة من الأفراد أسهمت بشكل فاعل في صياغة الإشكالية (السياسية/الدينية) التي يعيشها المشهد السياسي في مجتمعات الشرق المسلمة. فقد شكلت (هذه الفئة) مصدر الإحراج الأول في هذه المجتمعات، وذلك في التأثير على عدد من أفراد المجتمع، قلوا أم كثروا، مؤيدين لاعتبار الدين مصدراً للسلطة السياسية. ولو تتبعنا كتاب الشيخ علي عبد الرازق الذائع (الإسلام وأصول الحكم) نجد أن عجز الممارسة الإسلامية بمختلف مشاربها وتوجهاتها عن حل مسألة الحكم يبدو واضحاً ! وإذا ما كان المسلمون الشيعة لوحدهم يشعرون بعقدة الذنب تجاه مسألة شخص الحاكم، فإنهم في الحقيقة يشتركون مع باقي الفرق الإسلامية في عدم الإشارة إلى مسألة شكل الحكم !! وإذا ما حاولنا العودة إلى النظام السياسي في الإسلام فلسوف نجد أن الأمة الإسلامية التي أسسها وأرسى قواعدها ووضح اتجاهاتها، وأشرف على بنائها الرسول الكريم محمد (ص)، كانت تقوم على مباديء واضحة تكون فيها السيادة العليا لله سبحانه وتعالى، فهو الأول والآخر والظاهر والباطن، مالك كل شيء، وإليه تُرجع الأمور. وتوضح آيات القرآن الكريم القواعد العامة التي يسير عليها المجتمع بهديٍ من الله تعالى. فالقرآن دستور هذه الأمة الذي تتمثل فيه المصالح العامة للمسلمين، فالأموال العامة المرصودة لمصالح المسلمين هي مال الله، والقتال من أجل الأمة هو قتال في سبيل الله. أما (المجتمع) الإسلامي، أو بصورةٍ أكثر دقة الأمة الإسلامية فكانت تتكون من الأفراد الذين يؤمنون بمبادئ الدولة الجديدة ويعملون من اجل بقائها وديمومتها، وكان أفراد هذه الأمة يتماسكون بالعقيدة المشتركة والمثل الأخلاقية الموحدة والعمل من اجل هدف مشترك يقوم على الحرص على ما فيه خير الجميع، فمصلحة الأمة وخيرها هما الغاية العظمى، وأفراد الأمة متساوون في الحقوق والواجبات. وكل فرد فيها مسئول عن أعماله، وله الحرية التامة في العمل والتنقل والتفكير ضمن نطاق المصلحة العامة من دون الإضرار بالآخرين أو بما يضعف الأمة
المراجع
موسوعة الجغرافيا دراسات وابحاث
التصانيف
الجغرافيا