الطفيليات (علم ـ)
علم الطفيلياتparasitology هو أحد فروع علم الحياة، يعالج بشكل أساسي اعتماد الكائنات الحية، من أجل تأمين متطلباتها كافة، بشكل مؤقت أو دائم، على كائنات حية أخرى تقوم بدور المضيف (الثوي أو العائل) host للأولى. وهكذا يدرس علم الطفيليات العلاقات بين الطفيليات ومضيفيها مع مختلف تكيفاتها. كما يقوم بدراسة الصفات الشكلية والحيوية والمرضية للطفيليات سواءاً كانت حيوانية المنشأ أم نباتية: مثل مفصليات الأرجل والديدان ووحيدات الخلية والفطور والجراثيم والفيروسات. وقد تطور علم الطفيليات فأصبح علماً متعدد الجوانب يشمل حقول الكيمياء الحيوية والأدوية والمناعة والتشريح المرضي وغيرها.
أنماط التطفُّل
الطفيليات parasites كائنات حية صغيرة وضعيفة، تتطلب، خلال مراحل من حياتها، بعض العوامل الحيوية التي لا تستطيع الحصول عليها إلاّ من كائن حي آخر كالغذاء والحماية.
وتبعاً لطبيعة العلاقات الموجودة بين الكائنات الحية، يُميّز:
1ـ التعايش symbiosis وهو يُمثَّل بالعلاقة الدائمة والمستمرة بين كائنين حيين ولايمكن فصل أحدهما عن الآخر، مثل العلاقة بين حشرات الأرضة[ر] الآكلة للأخشاب ومفرطات السياط Hyperflagellata التي تعيش في أمعائها، حيث تعتمد الحشرات على هذه السوطيات كلّياً لتأمين متطلباتها الغذائية من السكريات بتحويل السليلوز. وإذا قُتِلَت هذه السوطيات (ًبتعريض الحشرة لدرجة عالية من الحرارة)، تفقد الحشرة قدرتها على هضم السليلوز. وإذا لم تُطْعَم مجدداً بهذه السوطيات فإنها تموت. ومقابل ذلك تتغذى السوطيات بالبروتينات التي توجد في أمعاء الحشرة.
2ـ المصاحبة commensalism وفيها يستفيد الكائنان الواحد من الآخر دون ضرورة استمرارية بقائهما معاً، أي هناك إمكانية العيش إفرادياً، مثل العلاقة بين طيور oxepicker وبعض أنواع الثدييات التي تعيش في إفريقيا كالكركدن. فالطيور تتغذى بالقرَّاد والقمَّل المتطفل على هذه الثدييات، وهي تسهم بالوقت نفسه في تحذير هذه الحيوانات من اقتراب أعدائها منها وذلك برفرفة أجنحتها وردود أفعالها الفجائية لأقل منبِّه يدنو منها.
3ـ التقايض بالمنفعة mutualism وهي علاقة قريبة من المصاحبة، أي يستفيد الكائنان الواحد من الآخر، لكن مع إمكانية العيش إفرادياً، مثل علاقة السرطان الناسك وشقار البحر الذي يعيش على قوقعة السرطان مستفيداً من فائض الطعام الذي اقتنصه السرطان، بينما يستفيد السرطان [ر] من عملية التمويه التي يزوده بها شقار البحر للحماية من أعدائه.
4ـ التطفل parasitism حيث يعيش أحد الكائنين على حساب الآخر (غالباً الطفيلي) لتأمين غذائه وحماية نفسه دون أن يسبب ضرراً للمضيف أحياناً. ولكن هذا لا يعني أن الطفيلي لا يقضي بعد فترة على مضيفه، إلا أن موت المضيف يؤدي إلى موت الطفيلي. ومثال ذلك المتحول الحال للنسج Entamoeba histolytica الذي يعيش سلمياً داخل المضيف الإنسان عندما تكون الظروف المحيطة مناسبة، إلا أنه يتحول إلى شكل ممرض عندما تصبح الظروف غير مناسبة، ومن ثم يسبب تقرحات وأعراضاً مرضية لدى المضيف.
ويختلف ارتباط الطفيلي بمضيفه بحسب الاحتياجات الأساسية لهذه الكائنات الضعيفة وتكيُّفها مع الحياة. فهناك طفيليات قادرة على العيش حرة أو متطفلة، فهي طفيليات مُخيّرة fucultative parasites، وهناك أنواع أخرى لايمكنها أن تستمر في الحياة إلاّ داخل المضيف، فهي طفيليات مجبرة obligatory parasites.
كما تختلف الطفيليات بحسب مكان وجودها عند المضيف، فهناك طفيليات خارجية ectoparasites تعيش على السطح الخارجي للمضيف، وطفيليات داخلية endoparasites تستطيع العيش في مختلف أجواف الجسم والنسج وضمن الخلايا، التي تشكل وسطاً ملائماً لحياتها.
انتشار الطفيليات
يعتمد الانتشار الوبائي للأمراض الطفيلية على توافر عوامل عديدة منها: المضيف الملائم، وخروج الطفيلي (تحرره) من المضيف، وطرائق الانتقال والدخول، وأخيراً توافر العوامل البيئية المناسبة لاستمرار عيش الطفيلي في الوسط الخارجي. وتؤدي الظروف الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى الظروف المناخية، دوراً مهما ً في انتشار الطفيليات والأمراض التي تسببها. ففي المناطق الاستوائية حيث تكون نسبة الرطوبة ودرجة الحرارة مناسبتين لعيش أكثر الأنواع الطفيلية وتطورها وانتقالها، تُلاحظ نسبة مرتفعة من الإصابات الطفيلية بالموازنة مع المناطق المدارية حيث تكون درجة الحرارة معتدلة. وكذلك فإن التعرض للحرارة الجافة أو لدرجة حرارة منخفضة يؤدي أيضاً إلى القضاء على بعض أنواع الطفيليات التي تحتاج إلى نسبة رطوبة ودرجة حرارة مرتفعتين لاستمرار حياتها.
تحديد العوامل الطفيلية
لكي تتم معرفة سبب حدوث الإصابة الطفيلية وشدتها، لابد من تحديد نوع العامل المُمْرِض وحيويته وتأقلمه ومصدره، سواءاً كان هواء أم تربة أم ماء أم حيواناً أم نباتاً أم بشراً، وطرائق دخوله عن طريق جهاز الهضم أو التنفس أو عبر الجلد أو المواد المخاطية، ودوره وأثره في المضيف. كما يتوَجّبُ تحديد العوامل الناقلة والعوامل الخازنة والمضيف المتوسط اللازم لتطور هذا الطفيلي ونموِّه.
يمكن لبعض الأنواع الطفيلية أن تصل إلى المضيف المناسب بالتَّماس المباشر، بينما تنتقل الأنواع الأخرى، التي تحتاج إلى فترة زمنية تمر فيها بعدة مراحل تطورية مختلفة قبل أن تصبح معدية، عن طريق غير مباشر كالغذاء والماء والشراب والتربة، والحشرات الناقلة وغيرها. كما توجد أسباب أخرى تسهل حدوث الإصابة الطفيلية، منها العوامل البشرية التي يعود إليها التباين والاختلاف في مدى حدوث الإصابة وشدتها بين الأفراد، وكذلك طبيعة العمل والعمر والجنس والعادات، إضافة إلى افتقار العديد من الدول، التي تعاني سوءاً في الأوضاع الاقتصادية وتكون فيها نسبة الإصابات الطفيلية مرتفعة، إلى الدعم المالي، والمخبريين المهيئين لتحديد العامل المسبب لهذه الإصابات وكذلك إلى الأطباء الممارسين.
تشخيص إصابة الإنسان بالطفيليات ومعالجتها
يعتمد تشخيص الإصابة بالطفيليات، بالدرجة الأولى، على معرفة على الأعراض السريرية من قبل الطبيب الممارس، وبالتالي تحديد نوع العينة التي يجب أن تُطلب من المريض من أجل التشخيص المخبري. ويكون التشخيص المخبري إما مباشراً، تتم فيه مشاهدة الطفيلي في الدم أو البراز أو البول أو القشع أو الجلد أو السائل الدماغي الشوكي أو الخزعات و نواتج البزل، أو غير مباشر تطبق فيه طرائق مناعية ومصلية تعتمد على تحديد الأجسام الضدية antibodies النوعية باستخدام تقانات وتفاعلات مختلفة. وتساعد طرائق التشخيص الجيدة والمحددة للنوع الطفيلي المسبب للإصابة أحياناً على تحديد طرائق المعالجة اللازمة، والتي تعتمد أساساً على استخدام المواد الكيميائية مثل الكينين quinine (في البرداء)، والإميتين emetine (في داء الأميبات) والأنتموان antimoine (في داء الليشمانيات).
وحتى تكون المعالجة ناجحة، يجب أن يكون الأطباء قريبين من المرضى لمناقشة الظروف الصحية والوبائية للإصابة الطفيلية، وذلك من أجل الوصول معهم إلى أفضل الطرائق للحد من انتشار الطفيليات والأمراض الطفيلية. وفي الدول الفقيرة، يؤدي خلط بعض الأطباء بين المتحولات الممرضة والمتحولات الرمِّية إلى ظهور مشكلة كبيرة في عملية المعالجة التي قد تكون طويلة ومكلفة، بل خطيرة أحياناً. لذلك غالباً ما يتم في هذه الدول اختيار العقاقير بالاعتماد على درجة سمِّيتها (الأقل سمية) وكلفتها (الأقل كلفة) ومدة استخدامها (استخدام لمرة واحدة فقط) دون النظر إلى مدى فاعلية هذه الأدوية في القضاء على الإصابة الطفيلية، الأمر الذي يساعد على استمرار وتفاقم الإصابة ومن ثمّ في انتشار الطفيليات.
الوقاية والسيطرة على الإصابات الطفيلية
تعتمد المحاولات الناجحة للسيطرة على الإصابات الطفيلية على فهم كافٍ للداء، ومعرفة العوامل المساعدة على انتشار العامل الممرض المسبب له، وعلى تأمين أفراد مدربين يتمتعون بفهم وخبرة عالية في تطبيق مختلف طرائق السيطرة على الأمراض الطفيلية. ويٌعد نشر الوعي والتثقيف الصحيين من أهم المسائل المؤثرة في مقاومة الأمراض الطفيلية والوقاية منها، حيث تكون طرائق انتشار هذه الأمراض والإجراءات اللازمة للتخلص منها معروفة على مستوى السكان عامة. و لكن لسوء الحظ، نجد في البلدان التي تنتشر فيها هذه الأمراض انتشاراً واسعاً، أن التعليم المحدود وسوء مستوى المعيشة، إضافة إلى انخفاض مستوى الصحة البيئية، تقف عائقاً دون السيطرة على انتشار هذه الأوبئة.
وكما هو معروف فإن انتشار الأمراض في بلد ما، هو إشارة إلى مستوى صحة البيئة، ومن ثم فإن وجود نسبة عالية من الطفيليات المعوية مثلاً يشير إلى نقص في مستوى صحة البيئة وانخفاض مستوى المعيشة وعدم الإلمام بقواعد النظافة العامة. وتتمثل أهمية صحة البيئة في تطور المجارير العامة، والتخلص من الفضلات الآدمية والجافة، وفي صحة الغذاء، وفي المسكن الصحي. ولا بد من التوجيه إلى ضرورة غسل المواد الغذائية وطهوها جيداً قبل تناولها، والمحافظة على نظافة المياه وصحتها؛ فقد وجد أن مصدر المياه غير الصالح للاستهلاك البشري في العديد من البلدان سببه طرائق التخلص من الفضلات التي حولت هذه المياه إلى وسط مناسب لتكاثر العوامل الممرضة ونواقلها.
إن التخلص من المضيف المتوسط أو الناقل المسؤول عن انتشار الأمراض الطفيلية بتخريب مواطن عيشها وتكاثرها باستخدام مبيدات الحشرات، أو عن طريق تطبيق برامج مكافحة مُحكَمَة للقضاء على مستودعات (العوامل الخازنة) الطفيليات، فإنه يعد أساسياً في الحد من انتشار الطفيليات والأمراض الطفيلية.
أخيراً فإن زيادة المعرفة حول علاقة الطفيلي ببيئته الخارجية ومضيفه المتوسط وسلوكه ووجوده، يمكن أن تعد طريقة حيوية لمنع انتشار الطفيليات عن طريق قطع الروابط الضعيفة في دورة حياتها.
المراجع
موسوعة الأبحاث العلمية
التصانيف
الأبحاث