ودلفتُ إلى مقهى الأدباءِ.. وحيداً، مرتبكاً، أتحاشى نظراتِ الشعراءِ الملتفين على بعضهمُ، وحواراتِ النقاد… وجدتُ لنفسي كرسياً مهترئاً.. أتردّدُ بعضَ الوقتِ، وأجلسُ منحشراً قربَ دمي المتوجّسِ، أرنو لوجوههمُ ملتذاً.. أتذكرُ أني أبصرتُ ملامحَ بعضهمُ تتصدرُ أعم
حاولتُ بأن أتلهى بتصفحِ ما بين يدي من صحفِ المقهى…
كانتْ نفسُ الأوجهِ تبرزُ من خللِ الأسطرِ، تحدجني ببرودٍ لمْ أفهمْهُ!…
جاءَ النادلُ… لمْ "يتواضعْ" أحدٌ أنْ يطلبَ لي شاياً!
فطلبتُ من النادلِ… أن يأتيني بالبحرِ، وزقزقةِ الغاباتِ المنسيةِ في كراساتِ طفولتنا، ورسائلِ حبي الأولى تحت وسادةِ بنتِ الجيرانِ، ونوحِ نواعيرِ أغانينا فوق ضفافِ الكوفةِ، والقمرِ الحالمِ، والدفلى، وأراجيحِ العيدِ، وركضِ الصبيةِ تحت رذاذِ المطرِ العذبِ، وأش
هزَّ النادلُ كتفيهِ ذهولاً، ومضى يضحكُ من أحلامي المجنونةِ..
– لا بأسَ!… سأطلبُ شاياً!
كان المقهى يغرقُ في ثرثرةِ الروّادِ، وغيمِ سجائرهم،..
وأنا وحدي أغرقُ في غيمِ دمي الماطرِ فوق الأوراقِ، وأرصفةِ العالمِ،.. منشغلاً بقصيدةِ حبٍّ بائسةٍ بدأتْ تنقرُ نافذةَ القلبِ – بكلِّ هدوءٍ – وأحسُّ خطاها تتسلّلُ عبرَ دمي والأدغالِ المصفرّةِ..
قلتُ لعلَّ الفاتنةَ الدلِّ تشاركني طاولتي، والغربةَ!..
في خجلٍ.. أخرجتُ – من المعطفِ – أوراقي البيضاءَ كقلبي…
حدجتني الأعينُ!.. وابتدأتْ همساتُ النقادِ، الشعراء، تحاصرني…
لمْ أتمالكْ نفسي..! لملمتُ بقايا أوراقي، وخرجتُ إلى الشارعِ – مندفعاً – تحت نثيثِ الأمطارِ وريحِ الغربةِ والكلماتِ المجنونةِ.. أبحثُ عن طاولةٍ هادئةٍ في هذا العالمِ…
تكفي لقصيدةِ حبٍّ بائسةٍ،
وأغاني رجلٍ جائعْ
عنوان القصيدة: في المقهى...
بقلم عدنان الصائغ
المراجع
poetsgate.com
التصانيف
شعراء الآداب