أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية الأزدي البصري ، من نسل عمرو بن مالك بن فهم الزهراني ، هو عالِم وشاعر وأديب عربي، كان يقال عنه: «ابن دريد أشعر العلماء وأعلم الشعراء» ولد في البصرة عام 223هـ/837م، وكان أبوه وجيهاً من وجهاء البصرة، وقرأ ابن دريد على علمائها وعلى عمه الحسين بن دريد، وعند ظهور الزنج في البصرة أنتقل مع عمه إلى عُمان وذلك في شهر شوال عام 257هـ، وأقام فيها اثنتي عشرة عاماً، ثم رجع إلى البصرة وأقام فيها زمناً، ثم خرج إلى الأحواز بعد أن لبى طلب عبدالله بن محمد بن ميكال الذي ولاه الخليفة المقتدر -أبو الفضل جعفر- أعمال الأحواز، فلحق به لتأديب ابنه أبا العباس إسماعيل وهناك قدم له كتابه جمهرة اللغة وتقلد ابن دريد آنذاك، ديوان فارس فكانت كتب فارس لا تصدر إلا عن رأيه، ولا ينفذ أمر إلا بعد توقيعه وقد أقام هناك نحواً من ست سنوات
مدح ابن دريد آل ميكال بقصيدته المقصورة التي حظيت بشهرة واسعة بين الأدباء والمثقفين، واقترنت شهرتُها بابن دريد، كما اقترنت شهرتُه بها، حتى صار لا يُذكَر أحدُهما إلا ورد الآخرُ على الخاطر.
وهو صاحب الأرجوزة التي قال فيها:
ومن شعره يهجو نفطويه النحوي قائلاً:
قال أبو الطيب اللغوي: ابن دريد انتهى إليه لغة البصريين وكان أحفظ الناس، وأوسعهم علماً، وأقدرهم على الشعر.
وكان ابن دريد سخياً لا يمسك درهماً ولا يرد محتاجاً، عاد من الأحواز إلى البصرة ومنها إلى بغداد، عام 308هـ، وأنزله علي بن محمد الجواري بجواره في محلة باب الطاق وأكرمه، وعرف الخليفة المقتدر العباسي فضله وعلمه، وأمر أن يجري عليه في كل شهر خمسون ديناراً، فأقام في بغداد إلى أن توفي.
كان ممن أخذ عنه: أبو الفرج الأصبهاني وأبو عبيد الله المرزباني وأبو علي القالي. وقد أخذ هو عن أبي حاتم السجستاني
نسبته وأسرته
هو محمد بن الحَسنِ بنِ دُريد بنِ عتاهيةَ بنِ حَنْتَمِ بن حماميِّ بن وَهْب ابنِ سَلَمةَ بنِ حنْتَم بنِ حاضر بنِ جُشَم بن ظالمِ بنِ أسد بنِ عَديِّ بن مالك بنِ فَهْم بنِ غَنْمٍ بنِ دَوْسٍ بنِ عَدْنانَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ زُهَيْر، ويُقالُ زَهْرانُ بنِ كَعْبٍ بنِ الحَارثِ بنِ عبْد الله بنِ مالكِ بنِ نضرِ بنِ الأَزْدِ بنِ الغَوْثِ بنِ نَبْتِ بنِ مالكِ بنِ زيدِ بنِ كَهْلانَ بنِ سَبَا بنِ يَشجُبَ بنِ يَعْرُبَ بنِ قَحْطَان.
نشأته
ولد ابنُ دريد في البَصرة في سكة صالح في خلافة المعتصم سنة ثلاثٍ وعشرين ومائتين( ) في عصر العلم الذهبي، فقد كانت بغداد والبصرة في ذلك الوقت منار الدنيا تشع حضارتهما ومدنيتهما على العالم كله، وبالبصرة تأدب وعلَّم اللغة وأشعار العرب، وكان أبوه من الرؤساء وذوي اليسار]، وقد بدأ تعلمه على يد عمه الحسن الذي كان يهتم بابن أخيه، وقد تكفل بتربيته وتهذيبه ثم أخذ العلم عن علماء البصرة.
رحلاته
تنقل ابن دريد كثيراً، وقد أفادته هذه الرحلات فائدة كبيرة، فقد نشأ ابن دريد بعُمان وتنقل في جزائر البحر والبصرة وفارس يطلب الآداب ولسان العرب( )، ويذكر ابن خلكان أنه أقام في البصرة زماناً، ثم انتقل عنها إلى عُمَان مع عمه الحسين عند ظهور الزنج وسكن عُمَان وأقام بها اثنتي عشرة سنة( )، وقد أقام في البصرة مدة طويلة وهناك لمع اسمه وذاع صيته وكَثُرَ طلابُه ومريدوه، ثم سافر إلى الجزيرة، ومنها إلى الأهواز، حيث استدعاه الشاه الميكالي ليؤدب ويعلم ابنه، ثم عاد إلى البصرة ثانية بعد عزل الميكالي، ثم انتهى به المطاف إلى بغداد عاصمة الدنيا في ذلك الوقت، واستقر فيها إلى وفاته عام ثلاث وعشرين ومائتين( ). يقول ابن خلكان: "ثم عاد إلى البصرة وسكنها زماناً، ثم خرج إلى نواحي فارس وصحب ابنَي ميكال، وكانا يومئذ على عمالة فارس، وعمل لهما كتاب الجمهرة وقلداه ديوان فارس، ومدحهما بقصيدته المقصورة فوصلاه بعشرة آلاف درهم، ثم انتقل من فارس إلى بغداد، ودخلها سنة ثمان وثلاثمائة بعد عزل ابني ميكال وانتقالهما إلى خراسان، ولما وصل إلى بغداد أنزله علي بن محمد الحواري في جواره وأفضل عليه، وعرف الإمام المقتدر خبره ومكانه من العلم، فأمر أن يجرى عليه خمسون دينارا في كل شهر، ولم تزل جارية عليه إلى حين وفاته"( ).
علمه
كان ابن دريد عالماً جليلاً، وشاعراً كبيراً، وكان رأس أهل العلم والمقدَّم في حفظ اللغة والأنساب( )، ويبدو أن العلماء غالباً كانوا لا يحسنون قرض الشعر، وإن فعلوا ذلك تراهم لا يصلون بشعرهم إلى سوية الشعراء المبرّزين، أما ابن دريد فقد استطاع أن يجمع بين سعة العلم وقوة الشعر، ولعل هذا ما جعل أهل زمانه يطلقون عليه لقب: " أعلمَ الشعراءِ وأشعرَ العلماء "( )، ويقول المسعودي: "وكان من قد برع في زماننا هذا في الشعر وانتهى في اللغة، وقام مقام الخليل بن أحمد فيها، وأورد أشياء في اللغة لم توجد في كتب المتقدمين، وكان يذهب في الشعر كل مذهب، فطوراً يجزل وطوراً يرق، وشعره أكثر من أن نحصيه، فمن جيد شعره قصيدته المقصورة التي مدح بها الشاه ابن ميكال، ويقال: إنه قد أحاط فيها بأكثر المقصور"( )، ويقول فيه أبو الطيب اللغوي: " هو الذي انتهى إليه علم البصريين، وكان أحفظ الناس وأوسعهم علماً، وأقدرهم على الشعر، وما ازدحم العلم والشعر في صدر أحد ازدحامهما في صدر خلف الأحمر وأبي بكر بن دريد"( ) وتذكر الكتب أخباراً كثيرة عن سعة علمه وقوة حافظته وجودة شعره، منها ما ذكره ياقوت الحموي في معجم الأدباء عن ابن دريد أنه قال: كان أبو عثمان الأشْنانْدانيُّ معلمي، وكان عمي الحسين بن دريد يتولى تربيتي، فكان إذا أراد الأكل استدعى أبا عثمان ليأكل معه، فدخل يوماً عمي وأبو عثمان يُرَوِّيني قصيدة الحارث بن حلِّزة أولها: " آذنَتْنا ببَيْنِها أسْماءُ"
فقال لي عمي: إذا حفظت هذه القصيدة وهبتُ لك كذا وكذا، ثم دعا المعلم ليأكل معه فدخل إليه فأكلا، وتحدثا بعد الأكل ساعة، فإلى أن رجع المعلم حفظتُ ديوان الحارث بن حلِّزة بأسره، فخرج المعلم فعرّفْتُه ذلك فاستعظمه وأخذ يعتبره عليَّ فوجدني قد حفظتُه، فدخل إلى عمي فأخبره فأخبره فأعطاني ما كان وعدني به.( )
وإن كان في هذا الخبر بعض المبالغة فقد ورد على لسان العلماء كثير من الإشادة بعلمه مما لا يدع مجالاً للشك في غزارة علمه وقوة حافظته، فهذا الخطيب البغدادي يقول عمن رأى ابن دريد: وكان أبو بكر واسع الحفظ جداً، ما رأيت أحفظ منه، كان يُقرَأُ عليه دواوين العرب كلها أو أكثرها فيسابق إلى إتمامها ويحفظها، وما رأيته قطُّ قرئ عليه ديوان شاعر إلا وهو يسابق إلى روايته لحفظه له( )، ويقول أبو الطيب اللغوي في مراتب النحويين: "ابن دريد هو الذي انتهت إليه لغة البصريين، وكان أحفظ الناس وأوسعهم علماً وأقدرهم على الشعر، وما ازدحم العلم والشعر في صدر أحد ازدحامهما في صدر خلف الأحمر وابن دريد"( )، وكان يذهب في شعره كل مذهب، فطوراً يجزل، وطوراً يرق، وشعره أكثر من أن يحصى، ومن جيد شعره قصيدته المشهورة بالمقصورة الدريدية التي يمدح فيها ابني ميكال التي أحاط فيها بأكثر المقصور، وسيأتي الحديث عنها بالتفصيل، ومن كتبه: السرج واللجام، الأمالي، المقصور والممدود، الاشتقاق، الوشاح، الخيل الكبير، الخيل الصغير، المقتبس، الأنواء، المجتبى، المقتنى، الملاحن، رواد العرب، ما سئل عنه لفظاً فأجاب حفظاً، اللغات، السلاح، غريب القرآن لم يتمه، أدب الكاتب على مثال ابن قتيبة( )، السرج واللجام( )، وله ديوان شعر مطبوع جمعه محمد بدر الدين العلوي وطبع في القاهرة عام 1946 في مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر.
شيوخه وتلامذته
أخذ ابن دريد عن أكابر علماء اللغة في عصره، فقد أخذ عن عمه الحسن بن دريد( )، وعن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، أبي حاتم السجستاني( ) وأبي الفضل الرياشي( ) ، وأبي عثمان الأشناداني صاحب كتاب المعاني( )، وأخذ عنه خلق كثير، وكان أكثرهم من العلماء المبرّزين في اللغة منهم : أبو سعيد السيرافي، وأبو بكر بن شاذان( )، وأبو عبيد الله المرزباني، وأبو الفرج علي بن الحسن الأصبهاني( ) ، وإسماعيل الميكالي، وأبو علي القالي، وأبو علي الفارسي، وأبو الحسن الرماني ( )، والآمدي صاحب الموازنة، وابن خالويه، وابن شقير، وأبو القاسم الزجاجي، والمسعودي وغيرهم( ).
ما أُخِذَ عليه
يقول الأزهري في مقدمة كتابه تهذيب اللغة عند ترجمته لابن دريد: "وممن ألف في عصرنا الكتب، فوُسم بافتعال العربية وتوليد الألفاظ التي ليس لها أصول، وإدخال ما ليس في كلام العرب في كلامهم: أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي صاحب كتاب الجمهرة، وكتاب الاشتقاق وكتاب الملاحن، وحضرته في داره ببغداد غير مرة، فرأيته يروي عن أبي حاتم، والريَّاشي، وعبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، فسألت إبراهيم بن محمد بن عرفة اللقب بنفطويه عنه فاستخفَّ به، ولم يوثِّقه في روايته.... وتصفحتُ كتاب الجمهرة فلم أره دالاً على معرفة ثاقبة وعثرت منه على حروف كثيرة أزالها عن وجودها، وأوقع في تضاعيف الكتاب حروفاً كثيرة أنكرتها ولم أعرف مخارجها، فأثبتُّها في كتابي في مواقعها منه، لأبحث عنها أنا وغيري ممن ينظر فيه"( ).
نرى في هذا الخبر أن الأزهري لم يكن يميل إلى ابن دريد، وكذلك النحوي المشهور نفطويه، حيث نراهما يقدحان في علمه ويعيبان عليه إدخاله في العربية ما ليس من كلام العرب، ولا شك أنهما يقصدان بذلك كتابه الجمهرة الذي اشتهر به، ومما يدلُّ على ذلك الشعرُ الذي قاله نفطويه فيه وهو( ):
وإلى جانب هذا القدح في علمه نرى الأزهريَّ يقدح في أخلاقه وشخصه، فيقول: "ودخلت عليه يوماً فوجدته سكران لا يكاد يستمرُّ لسانه على الكلام، من غلبة السُّكر عليه"( )، وورد في معجم الأدباء أن سائلاً جاء إلى ابن دريد فلم يكن عنده غير دنِّ نبيذ فوهبه له، فجاءه غلامه وأنكر عليه ذلك، فقال: أيُّ شيء أعمل؟ لم يكن عندي غيره، ثم تلا قوله تعالى : ﴿لن تنالوا البرَّ حتى تنفقوا مما تحبون﴾( )، فما تمَّ اليوم حتى أُهدي له عشرة دنان، فقال الغلام: تصدقنا بواحد وأخذنا عشْرة( )، وقد جاء في الخزانة :"وقد كان مواظباً على شرب الخمر"( )، وقال مسلمة بن القاسم: كان كثير الرواية للأخبار وأيام الناس والأنساب غير أنه لم يكن ثقة عند جميعهم وكان خليعاً( ).
وقد تصدّى شارح المقصورة عبد الله إسماعيل الصاوي لهذه الأخبار وأمثالها فقال في مقدمة شرحه للمقصورة( ): " وأما دعوى افتعاله الألفاظ فابن دريد أعلم ممن اتهمه بالعربية وهو الحجة فيها، فالقول قوله لا قولهم، وإنما ادّعوا الافتعال جهلاً، والقاعدة أنَّ من حفظ فهو حجة عل من لم يحفظ، وأما التسامح في الرواية فدعوى تحتاج إلى دليل، ولعل للسند عنده طرقاً متعددة ... أما ادِّعاؤهم أنه ما كان يفيق من سكره فإنهم المخطئون، لأنهم قصّروا في حق من حقوق الله تعالى، وارتكبوا إثماً عظيماً، فكان عليهم أن يقيموا عليه الحد، ولم ينقل أحد أنهم قاموا بهذا الواجب عليهم من حقوق الله، فلم يكن الرجل سكِّيراً، وإنما تقوّل الناس عليه واتهموه بهذا... ومما يسقط دعواهم ما رواه ياقوت في معجمه قال أبو نصر بن أحمد الميكالي: تذاكرنا المنتزهات يوماً، وابن دريد حاضر، فقال بعضهم: أنْزهُ الأماكن غوطة دمشق، وذكروا نهرَ الأُبُلَّة وسُغْدَ سمرقند ونهروانَ بغداد وشِعْبَ بَوَّان بأرض فارس، فقال أبو بكر: هذه منتزهات العيون فأين أنتم من منتزهات القلوب؟ قلنا: وما هي يا أبا بكر؟ قال: عيون الأخبار للقُتَيْبيّ، والزَّهَرةُ لابن داود، وقلقُ المشتاقِ لابن أبي طاهر، ثم أنشأ يقول:
ويؤيد ما ذهب إليه الصاوي ما قاله المرزباني في معجمه، حيث نراه يقول في ترجمته له : "شيخنا رضي الله عنه"، ويقول: " وكان رأس أهل العلم والمتقدم في الحفظ للغة والأنساب وأشعار العرب، وهو غزير الشعر كثير الرواية سمح الأخلاق، وكان له نجدة في شبابه وشجاعة وسماحة وسخاء"( ) والمرزباني -كما سلف- من تلامذة ابن دريد، والتلميذ يرى من أخلاق أستاذه ما لا يراه غيره، وأياً كانت الأخبار التي تقدح في شخص ابن دريد وعلمه، وبغضِّ النظر عن صحتها وعدمها، يبقى ابن دريد عالماً كبيراً من علماء العربية، ويبقى كتابه الجمهرة ركناً أساسياً في المعجمات العربية التي تركت أثراً كبيراً إلى وقتنا الحاضر وأفاد منها خلق كثير.
وفاته
توفي يوم الأربعاءمقبرة الخيزران، ليلة السبت 23 رجب سنة 321هـ/933م، وكان يومها مطر شديد ولم يخرج بجنازته إلا نفر قليل من محبيه وعارفي فضله ودفن معه قبل ساعة أبو هاشم الجبائي شيخ المعتزلة، فقيل: مات علما اللغة والكلام ودفنا في مقبرة الخَيْزُران( )، يقول الخطيب البغدادي في هذا الخبر: أن ابن دريد لما توفي حُمِلَتْ جنازته إلى مقبرة الخيزُران ليدفن بها، وكان قد جاء في ذلك اليوم طَشٌّ من مطر، وإذا بجنازة أخرى مع نفر قد أقبلوا بها من ناحية باب الطاق، فنظروا إذا هي جنازة أبي هاشم الجُبَّائي، فقال الناس: مات عِلم اللغة والكلام بموت ابن دريد والجبَّائي، فدفنا جميعاً في الخيزرانية( )، وقد رثاه جحظة البرمكي بقوله( ):
من مصنفاته
لقد وضع ابن دريد أكثر من خمسين كتاباً في اللغة والأدب ومنها:
الأشربة.
الأمالي.
الجمهرة في علم اللغة
السرج واللجام
كتاب الخيل الكبير
كتاب الخيل الصغير
كتاب السلاح
كتاب الأنواء
كتاب الملاحن
الاشتقاق كتاب ضد الشعوبية وفيه يفسر اشتقاق الأسماء العربية.
المقصور والممدود
ذخائر الحكمة
المجتنى
السحاب والغيث
تقويم اللسان
أدب الكاتب
الوشاح
زوار العرب
اللغات
المراجع
موسوعة المعرفة
التصانيف
الأبحاث