الوسيط (أو الحفّاز) catalyst في الكيمياء مادة تغيِّر من سرعة التفاعل الكيمياوي زيادة أو نقصاناً، ولكنها تبقى من دون تغير كيمياوي في نهاية التفاعل، ويتضمن هذا التعريف في معناه أن مقدار الحفاز يبقى ذاته قبل التفاعل وبعده. ويستخدم الحفّاز المرة تلو الأخرى، لأن مفعوله سريع فلا يحتاج إلا إلى كميات ضئيلة منه لتسريع التفاعل.
كيفية تأثير الحفّاز في سرعة التفاعل
حتى يحدث التفاعل بين المتفاعلات لا يكفي اصطدامها بعضها ببعض فحسب، بل ينبغي إلى جانب ذلك أن تصطدم بحد أدنى من الطاقة يساوي أو يزيد على مقدار محدد يأخذ اسماً خاصاً هو طاقة تنشيط التفاعل Ea.
ويمكن تعيين طاقة التنشيط على مخطط توزع ماكسويل بولتزمان
وهكذا فإن تلك الجسيمات الممثلة بالمساحة إلى يمين طاقة التنشيط هي فقط التي تتفاعل في الاصطدام. أما القسم الأعظم من الجسيمات فإنها لا تمتلك ما يكفي من الطاقة وسترتد بعد الاصطدام من دون تفاعل.
فلكي تزداد سرعة التفاعل يلزم العمل على زيادة عدد الاصطدامات الناجحة. وإحدى طرائق تحقيق ذلك تقوم على توفير طريقة (آلية) بديلة لحدوث التفاعل ذات طاقة تنشيط أدنى ويمثل ذلك بإزاحة طاقة التنشيط كما هو موضح في المخطط ).
تؤدي إضافة الحفّاز إلى توفير مسار بديل للتفاعل، تكون طاقة التنشيط فيه أدنى، كما هو مبين في المخطط البياني
فليس عمل الحفّاز خفض طاقة التنشيط بل توفير مسار بديل للتفاعل بطاقة تنشيط أدنى.
أنواع الحفاز
تصنف الحفّازات ( الوسطاء) في نوعين رئيسين: حفازات غير متجانسة وأخرى متجانسة. ويكون الحفاز في النوع الأول طوراًphase مختلفاً عن المتفاعلات reactants؛ أما في الحفز المتجانس فيوجد الحفاز والمتفاعلات معاً في الطور نفسه.
ـ الحفازات غير المتجانسة
في الحفز غير المتجانس يستعمل حفاز في طور مختلف عن المتفاعلات، مثلاً يستعمل حفاز صلب في تماس مع المتفاعلات التي تكون إما سائلة وإما غازية. ويتضمن عمل الحفاز الخطوات الأساسية الآتية:
يمتَزّ adsorb الحفّاز واحداً أو أكثر من المتفاعلات على سطحه في مواضع محددة تسمى المراكز الفعالة active sites، وليس الامتزاز إلا التصاق المادة على السطح بخلاف الامتصاص absoption الذي تُشتمل فيه المادة ضمن بنية مادة أخرى. أما المركز الفعّال فهو جزء من السطح قادر على امتزاز المادة ومن ثمَّ جعلها تتفاعل.
ويحدث نوع من التآثر (التفاعل المتبادل) interaction بين سطح الحفاز والمتفاعلات ما يجعلها أكثر قدرة على التفاعل، وذلك إما بقيام السطح بالتفاعل معها وإما بإضعاف الروابط في جزيئات المتفاعلات الممتزة على سطح الحفّاز.
وهكذا يحصل التفاعل وترتبط في هذه المرحلة جزيئات المتفاعلات جميعاً بالسطح أو يرتبط بالسطح نوع واحد على الأقل ويقوم النوع الآخر من جزيئات المتفاعلات الحرة في الطور الغازي أو السائل بالاصطدام بها والتفاعل معها.
ويتصف الحفاز الجيد بأنه يمتز جزيئات المتفاعل بقوة تكفي لقيامها بالتفاعل، ولكن ليس بقوة زائدة تصبح معه جزيئات المنتج شديدة الارتباط بالسطح على نحو شبه دائم.
فالفضة مثلاً لا تعد حفازاً جيداً لأنها لا تستطيع ربط جزيئات المتفاعل بقوة كافية، ومعدن التنغستن لا يكون حفازاً جيداً لأنه يمتز بقوة زائدة.
أما المعادن مثل البلاتين والبالاديوم والنيكل فهي حفازات جيدة لأنها تمتز المتفاعلات بقوة كافية وتمسك بها وتنشطها، ولكن ليس بقوة زائدة تمنع انفلات المنتجات من السطح.
أمثلة الحفز غير المتجانس
1ـ هدرجة الرابطة المضاعفة −C =C-
لعل أبسط أمثلة هذا التفاعل ذلك الذي يجري في تفاعل الإيتين والهدروجين بوجود حفاز من النيكل.
ولعل هذا التفاعل عديم الجدوى من الناحية العملية، إذ يتحول فيه الإيتين ـ المادة الكبيرة الفائدة ـ إلى الإيتان عديم الفائدة نسبياً، غير أن التفاعل نفسه يحدث مع أي مادة عضوية تحتوي على الرابطة المضاعفة −C =C- [ر: الهدرجة] ولعل من أهم تطبيقات هذا التفاعل هدرجة الزيوت النباتية لصناعة المرغرين.
تمتز في هذا التفاعل جزيئات الإيتين على سطح النيكل إذ تنكسر الرابطة بين ذرات الكربون وتقوم الإلكترونات بربط الذرات بسطح النيكل
وتمتز على سطح النيكل جزيئات الهدروجين التي تنقسم إلى ذرات يمكنها التجول على سطح النيكل كما في الشكل (2).
وإذا قيض لذرة الهدروجين الانتشار مقتربة من إحدى ذرات الكربون المرتبطة، تنقلب الرابطة بين الكربون إلى رابطة بين الكربون والهدروجين
وينفلت عندها هذا الطرف من جزيء الإيتين من السطح ويعقب ذلك حدوث الشيء ذاته للطرف الآخر من الجزيء
وكما في السابق تكوّن إحدى ذرات الهدروجين رابطة مع الكربون مع انفلات هذا الطرف أيضاً من السطح. وهكذا يصبح سطح النيكل جاهزاً من جديد لاستقبال جزيء متفاعِل آخر
2ـ المحولات الحفزية
يقوم هذا النوع من الحفازات بتغيير الجزيئات السامة مثل CO وأنواع أكاسيد النتروجين في عوادم السيارات إلى جزيئات غير مؤذية مثل CO2 و N2 وذلك باستخدام حفازات غير متجانسة مثل البلاتين والبالاديوم والروديوم.
ترسَّب هذه المعادن على شكل طبقات رقيقة على حامل من السيراميك مما يجعل مساحة سطح الحفاز أعظمياً وبالتالي استخدام مقدار أصغري منه. ففي تفاعل CO مع أحادي أكسيد النتروجين ـ على سبيل المثال ـ يمتز كل من أحادي أكسيد الكربون وأحادي أكسيد النتروجين ـ كما في المثال السابق ـ على سطح الحفّاز ليتفاعلا متحولين إلى ثنائي أكسيد الكربون CO2 وآزوت (نتروجين) N2.
3 ـ استخدام أكسيد الفاناديوم V2O5 في اصطناع حمض الكبريت بطريقة التماس.
يحوَّل ثنائي أكسيد الكبريت في هذه الطريقة إلى ثلاثي أكسيد بإمرار SO2 والأكسجين على سطح حفّاز من أكسيد الفاناديوم:
وفي كلتا العمليتين يتضمن التفاعل اصطداماً بين أيونات سالبة وأخرى موجبة الأمر الذي يعد أسهل منه في الاصطدام بين أيونين كلاهما سالب في التفاعل من دون حفاز.
ويحدث التفاعل نفسه ـ ولكن بترتيب مختلف ـ عندما يستخدم حفّاز من (Fe(III بدلاً من (Fe(II.
2ـ تخريب أوزون الجو
يعد هذا مثال التفاعلات المؤذية للبيئة إذ توجد المتفاعلات والحفاز والمنتجات جميعاً في طور غازي واحد.
يتكون الأوزون O3 ويتفكك على الدوام في الجو العالي بتأثير الأشعة فوق البنفسجية. تمتص جزيئات الأكسجين العادي الأشعة فوق البنفسجية وتنقسم إلى ذرات الأكسجين التي تمتلك الكترونات عازبة. وتسمى هذه الذرات جذوراً حرة free radicals وتتصف بأنها شديدة الفعالية. وتتحد الآن جذور الأكسجين مع جزيئات الأكسجين العادية مكونة الأوزون.
3ـ الحفز الذاتي
أكسدة حمض الحمّاض بأيونات فوق المنغنات (المنغنيز هنا بدرجة أكسدة +7).
يُحفَّز التفاعل في هذه الحالة بواحد من منتجاته ولعل أكسدة محلول حمض الحماض بمحلول محمض من منغنات (VII) البوتاسيوم (المعروفة باسم فوق منغنات البوتاسيوم) مثال بسيط على الحفز الذاتي:
يبدو التفاعل بطيئاً في البدء (تفاعل غير محفَّز) ثمَّ يتسارع التفاعل مع تكون الحفاز (+Mn2) ثمَّ يتباطأ التفاعل لتناقص تراكيز المتفاعلات في النهاية.
حسن كلاوي
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
الأبحاث