محاكمة ولادة "رواية أولى"
...
حدِّثينا عن حبك لابن زيدون...
نام اللقاء داخل نسيانه عصوراً
مثل جيتار داخل تابوته الخشبي المغبر
وحين تكهربنا من القصيدة الأخيرة والذاكرة الأولى
عادت الأوتار مشحوذة شجية الحزن
كسيف عربي في واجهة بائع التذكارات بمدريد..
وعاد تابوتي أشجاراً حية في سفوح (السييرانيفادا) الغرناطية..
تقمصنا نورسين. حلَّقنا فوق البحر. تعاتبنا
على ما لم نفعله - في حياتنا السابقة - بأجنحتنا!
كيف تعيشين التقمص الثاني لحبكما؟
ثورة الصدى على الصدأ. بالحذر المتهوّر، أحلِّق فوقه: قمراً على
وسادة لا أجرؤ على التقاطه، والفرار!.
أما زلتِ تحبينه؟
لا أريد أن ترفق بي حرائق ذاكرتي
وها أنا أستحضره حياً، متأججاً كطعنة برق،
لأحيا احتضاري به، حتى ثمالة الصحو.
توهمنا قصتكما انتهت بالذبول التدريجي المحتوم للورد...
حبنا حكاية المد والجزر
بلا نهاية ولا انقطاع ولا بداية.
ما من لحظة فيه تشبه الأخرى.
كما لا يشبه المد والجزر ذاته:
يتكرر دون أن يتكرر.. في أزلية المحيطات..
ألا ترى كيف تمحو الأمواج عبارة "الخاتمة"
كلما سطرناها على رمال شواطئ الأبدية؟
محاكاة ولادة "رواية ثانية"
...
تركض الشائعات عنكما كالريح في حدائق الخرائب المعلّقة ،
فهل أحببت ابن زيدون؟ نعم أم لا؟
نعم ولا في آن معاً.
ربما أحببت فيه رجلاً لا أعرفه
مالِكُ روحي أهواه ما دمت أجهله،
فأرسمه بريشة جنوني الملونة كما يحلو لي.
لم أعرف ابن زيدون حقاً، فتعلقت به
لم يكن بوسعي أن أحب رجلاً أعرفه
كي لا تنكسر شهوات حرفي إلى اللانهاية..
والكلمة حين تعشق المستحيل، تكتشف المطلق!
ولكن ماذا سيحدث لك ذات ليلة
إذا باغتك الرجل المستحيل بحضوره قائلاً:
آسف يا ولادة. تركتكِ تنتظرين طويلاً
وتتقمصين حيوات متعددة قبل وصولي؟
قد أقول له: أنا رياح متعبة سئمت ترحالها
وآن لها أن تترجل عن صهوة المباهج النورسية
لتعود امرأةً تتعلم فن البكاء.
وقد اعترف له ببساطة.
الرياح لا تستطيع الإقامة في بستان واحد مسوّر
والضوء لا يقدر على الزواج من الستائر والجدران
والسجاد والتحف والأثريات
ولا مفر له من الانتشار إلى حيث لا يدري
في الفضاءات اللامتناهية للمجهول...
تريدين ، أم لا تريدين الالتقاء به؟
نعم، ولا
لذلك الرجل الذي أحببت دائماً دون أن أعرفه
كي أزل أوزع أعضاء أبجديتي، وأنثر روحي
في فضاء الغرباء، بلا مقابل، مثل بيدر
متحالف مع مناقير عصافيره، ضد فزّاعي الطيور وحراسه!
محاكمة ولادة "رواية ثالثة"
...
نريد اعترافاتك حول حبك لابن زيدون.
كان حباً كبيراً، فقد غدر بي وغدرت به.
طعنني وطعنته. تبادلنا العشق والكراهية
لكننا تواطأنا معاً دائماً، للاحتفاظ بأسطورتنا جميلة وأبدية.
ألم يكن دائماً، أجمل الشعر أكذبه؟
حكاية حبنا هزلية، تشبه ملايين الحكايا الأخرى
لكننا صعّدناها بقوة الفن من فحم إلى ماس.
قولي بوضوح، هل كان حبكما أم لم يكن؟
من يجرؤ على أن يقرن الحب بالوضوح؟
أليس الحب مسيرة الشموع في الريح
على دروب الخيالات المرتجفة المخاتلة
المتصلة المنفصلة المتوحدة المنفردة في آن؟
أليس الحب ارتسام الظلام المرتعشة
فوق بركة الزئبق المضطربة الغامضة في الأعماق؟
ألهذا نكره قليلاً
كل الذين نحبهم كثيراً؟

 

عنوان القصيدة: عاشقة تروي حرائقها الأندلسية

بقلم غادة السمان


المراجع

adab.com

التصانيف

شعر   الآداب