الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الصلاة عمود الدين، والصلة بين الخالق والمخلوقين، والفاصل بين الموحدين والكافرين، وقد أوجب الله على عباده أن يؤدوا الصلاة المفروضة في أوقاتها جماعة في بيوت الله حيث ينادى بها، وهذا هو الأصل فيها أنها تؤدى في المسجد.
ولكن الشارع الحكيم قد استثنى من الصلاة في المسجد: صلاة العيد، فصلاتها في خارج البلد في الصحراء أفضل وأكمل؛ لأن ذلك من سنة رسول الله، ولم يصل العيد في المسجد إلا لعذر المطر؛ فعن أبي سعيد –رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى1. قال الشوكاني-رحمه الله-: "فيه دليل على شرعية الخروج إلى المصلى، والمتبادر منه الخروج إلى موضع غير مسجده صلى الله عليه وسلم، وهو كذلك فإن مصلاه صلى الله عليه وسلم محل معروف بينه وبين باب مسجده ألف ذراع"2.
 
كما أنه لم ينقل عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه صلاها في المسجد لغير عذر المطر.
وقد سار على سنته وهديه خلفاؤه الراشدون من بعده فكانوا يصلون العيد في الصحراء.
بل وقال بذلك الأئمة من بعد الخلفاء؛ فقد رووا عن مالك أنه قال: "السنة الخروج إليها إلى المصلى إلا لأهل مكة، فالسنة صلاتهم إياها في المسجد". ولم يقل بخلاف ذلك إلا السادة الشافعية.
إضافة إلى ما سبق أن سقناه من أدلة على سنية تأدية صلاة العيد في المصلى، فإن تأديتها في المصلى: "أوقع لهيبة المسلمين والإسلام, وأظهر لشعائر الدين, ولا مشقة في ذلك لعدم تكرره; بخلاف الجمعة; إلا في مكة المشرفة; فإنها تصلى في المسجد الحرام"3. كما نص عليه الأئمة.
 
وكما هو معلوم فإن الله قد حثنا على الإقتداء والتأسي برسول الله؛ فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} سورة الأحزاب(21).
وجعل اتباعنا له دليلاً وعلامة على محبته -سبحانه-؛ فقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ...} سورة آل عمران(31).
وقد قال لنا صلى الله عليه وسلم في سنته: (إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي ...)؛ كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند الحاكم في المستدرك. (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ...)4.
 
 وقد علمت أن سنته أنه لم يصل العيد في المسجد إلا مرة واحدة لعذر المطر، وإنما كان يصليها في المصلى خارج المساجد.
والخلفاء الراشدون هم: أبو بكر، وعمر، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب. وقد علمت كذلك أن هؤلاء الأربعة كانوا يصلون العيد في الصحراء، في مصلى خاص بصلاة العيد.
فينبغي على إمام المسجد أن يعلم الناس هذه السنة، وأن يحثهم على ذلك، وأن لا يفعل كما يفعله بعض الكسالى أو المتأولين أو الجاهلين بسنة رسول الله حيث أنهم يصلونها في المسجد تاركين بذلك سنة رسول الله وراءهم ظهرياً، بل على الأئمة أن يعلنوا للناس أن صلاة العيد ستقام في مصليات خارج المساجد، ولتكن هذه المصليات قريبة من البلد; لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي العيدين في المصلى الذي على باب المدينة; وهو لا يبعد عن مسجده إلا ألف ذراع؛ كما سبق.
 
كما أنه يشرع أن يخرج الصبيان والنساء في العيدين للمصلى من غير فرق بين البكر والثيب والشابة والعجوز والحائض؛ لحديث أم عطية قالت: "أمرنا أن نخرج العواتق -البنات الأبكار- والحيض في العيدين يشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيض المصلى"5.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خرجت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم فطر أو أضحى فصلّى ثم خطب ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة6. فهذه أدلة صحيحة صريحة في الدلالة على أن السنة في العيد أن تخرج النساء إلى المصلى بالضوابط الشرعية المعروفة، فمن كان لها عذر في الصلاة فلتشهد الخير، ودعوة المسلمين، ولتعتزل الصلاة، ومن ليس لها عذر فلتصلي.
 
فلا ينبغي لولي أمرها أن يمنعها من الخروج إذا طلبت منه ذلك إذا كان خروجها وفق الضوابط الشرعية، بل عليه أن يشجعها على ذلك، وأن يحثها على هذه السنة. ما لم يكن في خروجهن فتنة واختلاط وتجمل وإظهار زينتهن أمام الرجال فإن ذلك من المنكرات العظيمة، ويخشى من أن تتحول العبادة إلى معصية وشر على قلوب الجميع ونفوسهم، وعلى هذا يحمل حديث عائشة رضي الله عنها: (لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل)7. فإذا كان هذا في عهد عائشة والصحابة الكرام فكيف بعصرنا هذا؟ والله المستعان.. فعلى النساء أن يتقين الله وليحذرن أن يكن سببا في إضلال الناس في كل مكان وخاصة في مواسم الطاعات وأماكن العبادات.
 
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يردنا جميعا إليه مردا جميلا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 
1 متفق عليه.
2 سبل السلام(1/59).
3  انظر الملخص الفقهي المجلد الأول. للفوزان.
4 رواه أبو داود، والترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح"؛ وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم(37).
5 رواه البخاري.
6 رواه البخاري.
7 رواه البخاري ومسلم.

المراجع

موسوعة امام المسجد

التصانيف

المعرفة