الحمد لله الذي أكمل الدين، وأتمّ النعمة، ورضي لنا الإسلام ديناً، والصلاة والسلام على خير الأنام الذي أقام الملّة، وعلَّم الأمّة، وبلَّغ الدعوة، وعلى آله وصحبه الكرام الذين اعتصموا بالكتاب والسنّة، وخدموا الدين والأمة، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإنّ من رحمة الله تعالى بهذه الأمة– التي شاء أن تكون خير أمّة أخرجت للنّاس– أن شرع لها ما يحفظ دينها في واقعها، ويثبت عقيدتها في أفرادها، ويجدد رسالتها في أجيالها،وينشر العلم بأحكامها، ويبث الوعي بقضاياها.
وإنّ من جملة تلك التشريعات تشريع خطبة وصلاة الجمعة التي تعد بمثابة صمام الأمان للحفاظ على التذكير والتواصل مع المجتمع المسلم بجميع أفراده، سواء في مجال إحياء إيمانه،أو حسن صلته بربه، أو تنظيم علاقته بالحياة والأحياء من حوله، وللجمعة في الإسلام مكانة كبيرة فهي من فروض الأعيان، وهي إحدى شعائر الإسلام العظام.
أهمية الخطبة ودورها في المجتمع المسلم:-
إنّ من أهمّ المقاصد العظيمة التي شرعت الخطبة لها تذكير النّاس بربّهم، وتعليمهم أمر دينهم، وإبراز دور المسلم في الحياة، والتحذير من السلبيات التي قد يقع فيها نتيجة الجهل أو الخطأ، وعلاج مشكلات الأمة وتقويم مسيرتها، وإنّ تأمل بعض هذه المقاصد العظيمة، والخصائص المنيفة لشعيرة الجمعة كفيل بأن يجعلنا ندرك تلك المكانة التي تبوأتها من بين سائر العبادات حتى شرع التبكير لها، والإعلاء من شأنها، والتأكيد على الإنصات فيها، والوعيد الشديد في حقّ من تخلّف عنها.
ومن جهة أخرى فإنّنا حين نلمس هذا الاهتمام الكبير بشأن الجمعة في نصوص الوحيين، ندرك أنّ من أعظم العوامل التي أثّرت في حال أمّتنا المؤلم، والمتمثّل في كثرة الجهل، ووجود البدع، وضعف التدين، وكثرة المنكرات، إنّما هو التقصير في استثمار دور المسجد عبر رسالة الجمعة المتجدّدة للنّاس كافّة على اختلاف مراتبهم ما يربو على خمسين مرة في كل عام، مما يجعلنا مقتنعين بأنّ الحديث عن خطبة الجمعة وتحقيق أهدافها وتطوير أدائها مهم جداً، وينبغي أن يكون على رأس الأولويات الدعوية، كيف لا وهي (تهدي النّفوس الثائرة، وتثير حماسة النّفوس الفاترة، وهي ترفع الحقّ، وتخفض الباطل، وتقيم العدل، وتردّ المظالم، وهي صوت المظلومين، وهي لسان الهداية... ولا يمكن أن ينتصر صاحب دعاية، ومناد بفكرة، وصاحب إصلاح إلا بالخطابة).
وتتجلّى أهمية الحديث عن الخطابة بشكل مكثّف ومؤكد في ما نشهده في واقعنا المعاصر من انتشار وتغلغل وسائل الإعلام وتقنية المعلومات، وتنوّع وسائل العرض، حتّى أصبح العرض والإلقاء فنّاً مستقلاً له مدارسه ومناهجه، وما خطبة الجمعة إلا مجال رحب للاستفادة من كل الوسائل المتاحة للارتقاء بأسلوب الخطابة المؤثّر بشكل إيجابي ينعكس على نوعية الخطابة وأثرها في المتلقي الذي جاء مهيئاً لسماع ما يقال له، متحرياً للإنصات، مقبلاً بكليته على العلم والاستفادة، وهذا شأن الجموع الغفيرة التي تشهد الجمع في أصقاع الأرض كلها، فمثل من كانت هذه صفتهم حريٌ أن لا يرجعوا وحظّهم السآمة والملل وعدم الاستفادة من هذا الملتقى العظيم.
المراجع
موسوعة اسلاميات
التصانيف
عقيدة