الحمد لله رب العالمين،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فإن الأذان هو إحدى المسائل التي اختلف فيها العلماء،فقد اختلف العلماء في حكمهما على عدة أقوال:
القول الأول: أن الأذان والإقامة سنَّة مؤكدة للرجال جماعة في كل مسجد للصلوات الخمس والجمعة،دون غيرها، كالعيد، والكسوف، والتراويح، وصلاة الجنازة، ويُقال فيها أي "صلاة الكسوف والخسوف"عند أدائها جماعة:"الصلاة جامعة" لما روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو قال: "لما انكسفت الشمس على عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-،نُودي"الصلاة جامعة". أما الأذان والإقامة، فلأن المقصود منهما الإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة، والقيام إليها.ولا تسن للنافلة والمنذورة، وهذا القول قال به الجمهور(غير الحنابلة)،ومنهم الخرقي الحنبلي(1).
أدلتهم عَلَى السُّنيَّةِ :
- حديث أبي هُريرة-رضي الله عنه-في حديث الأعرابي المسيء صلاته حيث قال له النبي-صلى الله عليه وسلم-:(إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن..." وفي رواية: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر)، ووجه الدلالة أن النبي- صلى الله عليه وسلم-أمر الأعرابي بالوضوء،واستقبال القبلة،وأركان الصلاة، وواجباتها،ولم يذكر معها الأذان، والإقامة(2).
- حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال:(لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول،ثم لم يجدُوا إلا أنْ يستهموا عليه لاستهموا...)(3). ووجه الدلالة أن النبي-صلى الله عليه وسلم-لم يأمر بالأذان،وإنما اكتفى بالحث عليه والترغيب فيه، كما حثَّ على الصف الأول ورغَّب فيه،فدلَّ على أن الأذان سُنَّةٌ مُؤكَّدةٌ. هذه أدلة القول الأول من السنة النبوية.
- أما الأدلة العقلية: فيقولون أن الأذان كونه ثبت عن مشورة حتى تقرَّر برؤيا عبد الله بن زيد،وليس هذا من صفات الواجبات،وإنما هو من صفات المندوبات(4).
- وقالوا كذلك أنه لو وجب الأذان للصلاة،وكان شرطاً في صحتها،وجب أنْ يكونَ زمانُهُ مستثنى من وقتها،فلمَّا قال-صلى الله عليه وسلم-:(بينَ هذينِ وقتٌ)(5)،إشارة إلى أول الوقت وآخره من غير أن يستثنى منه زمان الأذان، دلَّ على أنه ليس بشرط في صحتها،وإنما هو سنّة(6).
القول الثاني:
أن الأذان والإقامة فرضُ كفايةٍ.
أدلة القائلين بهذا القول:
- حديث مالك بن الحويرث-رضي الله عنه-وفيه أن النَّبيَّ-صلى الله عليه وسلم-،قالَ:(...فإذا حضرت الصلاة،فليُؤذِّن لكم أحدُكُم وليؤمكم أكبرُكُم)(7).ووجه الدلالة من هذا الحديثِ أنَّ النَّبيَّ-صلى الله عليه وسلم-أمرَ بالأذانِ،والأمرُ يقتضي الوجوبَ(8).
- حديث أبي الدرداء-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول:(ما من ثلاثة في قرية لا يؤذنُ ولا تقام فيهم الصلاة،إلا استحوذ عليهم الشَّيطانُ)(9).ووجه الدلالة من هذا الحديث، أنه دلَّ على أنَّ الأذانَ هو العلامةُ الدالَّة المفرِّقة بينَ دارِ الإسلامِ ودار الكفر(10)، فكان النَّبيُّ-صلى الله عليه وسلم-يُعلِّقُ استحلالَ أهلِ الدَّارِ بتركِ الأذانِ، فصارتْ منزلةُ الأذانِ في منع التحريم منزلة الإيمان(11). هذا من أدلة السنة النبوية الصحيحة
- أمَّا من حيث العقل؛فقد قال أصحابُ هذا القول: أن الأذان من شعائر الإسلام الظاهرة،فلا يجوز تعطيلُهُ،ولو اجتمع أهلُ البلد على تركِهِ لقُوتلوا عليه،والقتال إنما يكون على ترك الواجب دون السنة(12).وكذلك قالوا: إنَّ ملازمةَ النَّبيِّ-صلى الله عليه وسلم-طُوالَ حياتِهِ من أول الهجرة إلى الموتِ لم يثبتْ أنه ترك ذلك في سَفَرٍ ولا حَضَرٍ إلا يوم المزدلفة(13).
القول الثالث:
أن الأذان والإقامة فرض كفاية في الجمعة،سُنَّة في غيرها،وقد استدل أصحاب هذا الرأي بأدلة منها:
قوله-تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(الجمعة:9).ووجه الدلالةِ من الآيةِ أنه لما كَانَ النِّداءُ سَبَباً للسعي،وكَانَ السَّعيُ واجِباً،كانَ النِّداءُ وَاجِبَاً(14).
1-أمَّا مِن المعقول فإن الأذان دعاء للجماعة،والجماعة واجبة أو شرط في الجمعة،سنّة في غيرها عند الجمهور،فلمَّا اختصَّت الجمعةُ بوجوبِ الجَمَاعَةِ،اختصَّتْ بوجوبِ الدُّعاءِ إليها(15).
الترجيح:
اختلف العلماء في حكم الأذان والإقامة إلى عدة أقوال كما سلف، والذي يظهر من هذه الأقوال هو القول الثالث، والذي يقول بأن الأذان والإقامة فرض كفاية،وقد ذهب إلى هذا الترجيح رجح الأستاذ سامي بن فرج الحازمي في رسالته أحكام الأذان والإقامة بعد أن أورد الأدلة، وناقشها رجح ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني،وهم القائلون بأن الأذان والإقامة فرض كفاية، وذلك لقوة الأدلة وسلامة أكثرها من المناقشة،وقد كان هو في رسالته القيمة قام بمناقشة أدلة كل قول على حدة ثم توصل إلى هذا الترجيح،وهذا ما تطمئن له النفس،وذلك لأن حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-الذي يقول فيه: (ليؤذن لكم أحدكم)،واضح أن الأمر يقتضي الوجوب، ولكنه واجب كفائي إذا قام به البعض سقط عن الباقين. والله أعلى وأعلم.
المراجع:
أحكام الأذان والإقامة ص(42-51).
نيل الأوطار:(2/39).
الفقه الإسلامي وأدلته(1/535).
سبل السلام(1-2/43-44).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
والحمد لله رب العالمين،،،
1 - الفقه الإسلامي وأدلته(1/535).
2 - مغني المحتاج(1/133).
3 - سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود(1/379).رقم(861). وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم(5339).
4 - الحاوي الكبير لأبي الحسن علي الماوردي(2/49).
5 سنن النسائي، كتاب المواقيت، باب أول وقت الصبح(1/292)(543).وصححه الألباني في صحيح السلسلة الصحيحة(1115).
6 - الحاوي الكبير(2/49).
7 - البخاري في الفتح-كتاب الأذان، باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد رقم(674).
8 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(6/213). والمغني(2/72).
9 - رواه أحمد، اللفظ له، و أبو داود، كتاب الصلاة، باب التشديد في ترك الجماعة،(1/266)(547).وحسنه الألباني في صحيح أبي داود رقم(511).
10 - النتقى شرح الموطأ للباجي(1/136).
11 - مجموع الفتاوى (22/65).
12 - فتح القدير(1/240).
13 - نيل الأوطار(2/39).
14 - الحاوي الكبير(2/49).
15 - المجموع (3/89).
المراجع
موسوعة امام المسجد
التصانيف
المعرفة