الحمد لله الذي أمر بالدعوة إلى سبيله، وجعل الخيرَ والفضلَ في قبيله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين.
أما بعد:
فلما كان الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، والأمر الذي ابتعث الله له النبيين، وجب على كل مستطيع له أن يبين للناس، خشية أن تعمّ البدعة، وتفشوَ الضلالة، ويتسع الخرق، وتشيع الجهالة، فتموت السنة ويندرس الهدي النبوي(1).
ولما كانت ألفاظ الأذان مأثورة متعبد بها، رُويت بالتواتر خلفاً عن سلف، في كتب الحديث الصحاح، والحسان، والمسانيد، والمعاجم(2) رأينا أن نبين ما أحدثه أهل البدع من زيادة ألفاظ في الأذان، وأدعية قبله وبعده تقال،وتسابيح، ليس لهم عليها دليل من كتاب ولا سنة. فمن هذه البدع المحدثة والمنتشرة في العالم الإسلامي هي بدعة الأدعية والتسابيح قبل وبعد الأذان، فإليك أخي القارئ بياناً عن هذه البدع من أقوال السلف الصالح –رضوان الله عليهم أجمعين-:
قال ... في شرح العمدة": "يكره قول المؤذن قبل الأذان:(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً)(الإسراء:111)، وكذلك إن وصله بعد بذكر؛ لأنه محدث، ويكره قوله قبل الإقامة: " اللهمَّ صل على محمد"(3) وبعضهم يضيف :" وعلى آله محمد حتى يرضى سيدنا محمد".
وهناك من المؤذنين من يقرأ قول الله تعالى:" (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(فصلت:33). وهذه الآية لم يرد عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بها، ولم يرد عن أحد من الصحابة الكرام أنه قال بذلك أو أمر به، ولم يروى عن أحد من المؤذنين في عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ولا في عهد الصحابة، من يقرأ هذه الآية قبل أن يبدأ في الأذان فهذه من الأمور المحدثة والمبتدعة في الأذان.
وكذلك بدع التسبيح والنشيد فقد قال صاحب الإقناع:" وما سوى التأذين قبل الفجر من التسبيح والنشيد، ورفع الصوت بالدعاء، وذلك في المآذن؛ فليس بمسنون، وما أحد من العلماء قال: إنه يستحب, بل هو من جملة البدع المكروهة؛ لأنه لم يكن في عهده رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ولا عهد أصحابه، وليس له أصل فيما كان على عهدهم يرد إليه، فليس لأحد أن يأمر به، ولا ينكر على من تركه، ولا يعلق استحقاق الرزق به؛ لأنه إعانة على بدعة، ولا يلزم فعله، ولو شرطه واقف، لمخالفته السنة"(4).
وأما التسبيحات المبتدعة في هذه الأزمنة المتأخرة، قبل أذان الفجر، قال عنها ابن حجر: ادعى بعض الحنفية ـ كما حكاه السروجي منهم ـ أن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان، وإنما كان تذكيراً أو تسحيراً كما يقع للناس اليوم، وهذا مردود، لكن الذي يصنعه الناس اليوم مُحْدَثٌ قطعاً، وقد تضافرت الطرق على التعبير بلفظ الأذان فحمله على معناه الشرعي مقدَّم، ولأن الأذان الأول لو كان بألفاظ مخصوصة لما التبس على السامعين، وسياق الخبر يقتضي أنه خشي عليهم الالتباس، وادعى ابن القطان أن ذلك كان في رمضان خاصة، وفيه نظر.
أما العلامة ابن الجوزي-رحمه الله-فقد قال: "وقد رأيت من يقوم بليل كثير على المنارة، فيعظ ويذكرَّ، ويقرأ سورة من القرآن بصوت مرتفع، فيمنع الناس من نومهم، ويخلَّط على المتهجِّدين قراءتهم، وكل ذلك من المنكرات"(5).
أما التسابيح بالليل فإنه ينهى المؤذن عما أحدثوه منها، وإن كان ذكر الله-تعالى-حسناً سراً وعلناً، لكن في المواضع التي تركها الشارع صلوات الله-عليه وسلامه-ولم يعيَّن فيها شيئاً معلوماً"(6).
لقد أضحت هذه التسابيح منفرة للناس عن الإسلام، فهل هكذا تكون الدعاية للإسلام؟! وهذه التسابيح تشتمل فيما تشتمل عليه على كلمات سخيفة، وتعابير مستهجنة؛ كقولهم: سبحان من بسط الأرض على ماء جمد! يا نور عرش الله! يا أول خلق الله! يا ساكن الحجرة! وغيره من الألفاظ(7).
فالتسابيح في يوم الجمعة هي أيضاً من البدع التي أحدثوها قبل الأذان، وقد جاء عن بعض السلف أنه قال : وينهئ المؤذنون أيضاً عما أحدثوه من التذكار يوم الجمعة؛ لأن النبي-صلى الله عليه وسلم-لم يفعله، ولا أمر به، ولا فعله أحد من بعده من السلف الماضين-رضي الله عنهم- بل هو قريب العهد بالحدوث"(8).
فالأذان من شعائر الإسلام المنقولة بالتواتر من عهد-رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وكلماته معدودة في السنة وكتب الفقه، مجمع عليها بين أئمة المسلمين من أهل السنة والجماعة(9). فلا يجوز لأحد أن يحدث فيه بزيادة ولا نقصان.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق المسلمين للالتزام بسنة نبيه الكريم.
والله الهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين.
1 - راجع: إصلاح المساجد المقدمة.
2 - المصدر السابق (139).
3 - راجع شرح العمدة.()
4 - راجع: الإقناع.().
5 - راجع: كتاب تلبيس إبليس().
6 - راجع: المدخل لابن الحاج.
7 - راجع: المسجد في الإسلام ص(244).
8 - المدخل لابن الحاج.
9 - راجع : الإبداع ص(175).
المراجع
موسوعة امام المسجد
التصانيف
المعرفة