أمير بن محمد المدري
كم هي الأحكام التي نصدرها على الناس بمجرد سماع كلمة من هنا وهناك ,كم تقطعت من أواصر , وتفككت من أُسر , وتباعدت من قرابات و تحولت المحبة إلى عداوة والقرب إلى بعد والألفة والمودة إلى جفوة وغلظة ,كل هذا نتيجة لكلمات سمعها المسلم عن أخيه المسلم ولم يتبين ولم يتثبت .
ويحق في بعض الناس قول الله - عز وجل - :{ إذ تلقونه بألسنتكم } وهذا تعبير قرآني فريد، التلقي بالأذن لكنه لما أسرعوا من نقله من آذانهم إلى ألسنتهم، قال تلقونه بألسنتكم، ليس هناك وقت ولا فاصل بين التلقي والإرسال، مباشرة يرسل من غير ما ترويّ ولا تثبت، وينسى قول الله - سبحانه وتعالى -: { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين }.
قرأ الجمهور (فتبيّنوا) من التبيين وقرأ حمزة والكسائي وخلف فتثبّتوا من التثبّت.
والتبيين: تطلّب البيان وهو ظهور الأمر. والتثبّت التحري وتطلّب الثبات، وهو الصدق.
ومآل القراءتين واحد وإن اختلف معناهما.
وعلّة التثبّت هي: (أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ) فربما سمع السامع كلمة ونشرها في المجالس والمحافل والمنتديات ، ثم تبيّن له بعدُ أن صاحبها بريء؛ فيندم على وقوعه في عرضه وما لا يمكن تداركه ولذلك كانت الكلمة كالرصاصة إذا انطلقت لم يمكن إرجاعها.
وواقع الناس اليوم يشهد تساهلاً مُفرِطاً في نقل ما يسمعون من أحكام وفتاوى وأخبار وأحداث سواء تعلّقت بعلماء أو زعماء ومشاهير أو عامة وكلما كثر جهل المتحدث، وقل ورعه كان أشدّ وأجرأ في هذا المضمار.
يقول تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً). [سورة الإسراء:36].
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( بئس مطية الرجل زعموا ) ، والحديث عند أبي داود وهو صحيح، ومعنى قوله ( بئس مطية الرجل زعموا ) أي قول زعموا كذا أو قالوا كذا .. هل سمعته منه ؟ هل رأيته يفعله ؟ يقول : لا ولكن قالوا " هذه وكالة يقولون ، وكالة باطلة في القرآن "
وكم من خبرٍ في أمورنا الخاصة وحياتنا الشخصية تلقيناه دون تمحيص ورمينا آخرين بتهم وجزلنا بوقوعهم في الخطاء ثم تبين من بعد أننا لم نعي ما سمعنا ، وأننا تجاوبنا مع عواطفنا ومشاعرنا دون أن نتثبت على وفق المنهج القرآني .. { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } .
المراجع
saaid.org/
التصانيف
فكر أدب أدب إسلامي الدّيانات