اكتساب اللغة الثانية
اكتساب اللغة الثانية أو تعلم اللغة الثانية (بالإنجليزية: Second-language acquisition) هي عبارة عن العملية التي يتعلم فيها الناس لغة ثانية. اكتساب اللغة الثانية هو كذلك اسم للحقل العلمي الذي يدرس هذه العملية. اللغة الثانية تدل إلى أي لغة يتعلمها الفرد بعد لغته الأم، سواء كانت ثانية أو ثالثة أو رابعة . اكتساب اللغة الثانية يرجع إلى المتعلمين، ولا علاقة له بممارسات تعليم اللغة.
الحقل الأكاديمي لاكتساب اللغة الثانية هو عبارة عن فرع عن "اللغويات التطبيقية" ، حقل جديد نسبياً. وكما هي الحال بالنسبة إلى فروع اللغويات، اكتساب اللغة الثانية كذلك له صلة بعلم النفس، علم النفس المعرفي Cognitive psychology، والتعليم.
ولفصل المجال الأكاديمي عن العملية التعليمية، يتم استعمال مصطلحات مثل "دراسات اكتساب اللغة الثانية" و "أبحاث اللغة الثانية" و"أبحاث اكتساب اللغة الثانية". أبحاث اكتساب اللغة الثانية بدأت كحقل متعدد الاختصاصات interdisciplinary، ولهذا فمن الصعب تمييز تاريخ محدد لبدء هذ الأبحاث. بيد أنه يظهر أنها تطورت كثيراً منذ أوساط الستينات [2]. مصطلح "اكتساب" استخدم بالأصل للتركيز على الطبيعة اللاواعية للتعلم[3]، ولكن في السنوات الأخيرة، مصطلحي "التعلم" و "الاكتساب" ظهرا كمترادفين.
تعلم اللغة الثانية يمكن أن يضم "تعلم اللغة الإرثي" [4]، ولكنه لا يشمل عادة ثنائية اللغة Bilangualism. معظم أبحاث اكتساب اللغة الثانية ترى ثنائية اللغة كنتيجة نهائية لتعلم لغة ما، لا كعملية تحصل أثناء اكتسابها، وترى أن هذا المصطلح يشير غالباً إلى إجادة الحديث بها كما يتحدث أهل اللغة. بيد أن الكتاب في مجالات مثل التعليم وعلم النفس عادة يستخدمون ثنائية اللغة للإشارة إلى جميع أشكال "تعددية اللغة Multilingualism" . اكتساب اللغة الثانية أيضاً ليس متبايناً عن اكتساب لغة أجنبية، إنما تعلم لغات ثانية وتعلم لغات أجنبية يشملون نفس العمليات الأساسية في ظروف مختلفة.
حدث نقاش كبير حول كيف يتم تعلم اللغة بالتحديد، وكثير من القضايا مازالت بلا جواب. كان هناك العديد من النظريات لاكتساب اللغة الثانية تم تقديمها، ولكن أحدا من هذه النظريات لم تقبل كنظرية شاملة من قبل جميع باحثي اكتساب اللغة الثانية. ونظراً إلى طبيعة اشتراك "اكتساب اللغة الثانية" مع حقول أخرى، فهذا الشيء لايتوقع حصوله في المستقبل القريب.
التاريخ
اكتساب اللغة الثانية هو عبارة عن حقل متعدد التخصصات، فمن الصعب تحديد تاريخ محدد لبداية هذه الأبحاث . ولكن هناك منشورتان بالتحديد ساهمت في تطور الدراسة الحديثة لهذا الحقل: ورقة بيت كوردر Pitt Corder عام 1967 "أهمية أخطاء المتعلمين The Significance of Learners' Errors"، ومقال لاري سيلنكر Larry Selinker عام 1972 "اللغة الاصطناعية/المشتركة Interlanguage". ورقة كوردر رفضت النظريات السلوكية لاكتساب اللغة الثانية وقالت أن المتعلمين يستخدمون مُعالِجات لغوية داخلية جوهرية intrinsic internal linguistic processes، مقالة سيلنكر تقول بأن متعلمي اللغة الثانية يملكون أنظمتهم اللغوية الفردية المستقلة عن اللغة الأولى واللغة الثانية.
حيث انه في السبعينات، كان التوجه العام في هذا الحقل هو لبحث واكتشاف أفكار كوردير وسلنكر، ولرفض النظريات السلوكية لاكتساب اللغة. الأمثلة تشمل أبحاث في تحليل الخطأ error analysis ، دراسات في المراحل الانتقالية transitional stages للتمكن من اللغة الثانية، والدراسات المتعلقة بتسلسل الاكتساب اللغوي morpheme studies والتي تتحقق من التسلسل الذي يكتسب فيه المتعلمون القواعد اللغوية. فترة السبعينات سيطرت فيها الدراسات الواقعية naturalistic studies لأناس يتعلمون اللغة الإنجليزية كلغة ثانية.
كما انه في الثمانينات، نظريات ستيفن كراشين Stephen Krashen صارت باراديم بارز في اكتساب اللغة الثانية. في نظرياته، والتي عادة ماتعرف بفرضيات المُدخل Input Hypothesis، كراشين قال أن اكتساب اللغة يتأثر فقط بالمُدخلات المفهومة comprehensible input. أنموذج كراشين كان مؤثراً في حقل اكتساب اللغة الثانية وكذلك كان له أثر بالغ في تعليم اللغة، ولكنه ترك بعض العمليات الهامة بدون توضيح. البحث في الثمانينات كان مميزاً بأنه محاولة لملء الفراغات. بعض الاتجاهات شملت وصف ليديا وايت Lydia White لقدرة المتعلم learner competence، واستعمل مانفرد بينمان Manfred Pienemann لنماذج عمليات النطق والنحو الوظيفي المعجمي lexical functional grammar لشرح مخرجات المتعلم. هذ الفترة شهدت أيضاً بدايات التوجهات المبنية على حقول أخرى، مثل الاتجاه النفسي للاتصالية.
التسعينات الميلادية واكبت انطلاقة نظريات جديدة مقدمة في هذا الحقل، مثل فرضية التفاعل interaction hypothesis من مايكل لونق Michael Long، وفرضية المخرج output hypothesis من ماريل سوين Merrill Swain، وفرضية الملاحظة noticing hypothesis من ريتشارد شميدت Richard Schmidt. بيد أن المجالين الأساسيين لاهتمامات الباحثين كانت نظريات لغوية لاكتساب اللغة الثانية مبنية على النحو الكلي universal grammar لنعوم تشومسكي، والتوجهات النفسية مثل فرضية اكتساب المهارة skill acquisition theory والاتصالية. الصنف الأخير أيضاً شهد نظريات جديدة عن "قابلية المعالجة" processability ومعالجة المدخل input processing في هذ الفترة. التسنيعات أيضاً شهدت مقدمة النظرية الاجتماعية الثقافية sociocultural theory، وهي توجه لشرح اكتساب اللغة الثانية انطلاقاً من البيئة الاجتماعية للمُتعلم.
عقب العام 2000، لم يختلف مجال البحث بشكل كثير حيث كان مركزاً على نفس المجالات في التسعينات، مع انقسام البحث إلى معسكرين أساسيين من التوجهات، التوجه اللغوي والتوجه النفسي. فانباتن VanPatten وبيناتي Benati لايعتقدون أن الحالة ستختلف كثيراً في المستقبل القريب، مشيرين إلى الدعم لكلا الاتجاهين البحثيين للغويات ولعلم النفس.
الإستراتيجيات
يمكن تقسيم اكتساب اللغة الثانية إلى خمس مراحل:
مقارنات مع اكتساب اللغة الأولى
الاشخاص الذين يتعلمون لغة ثانية يختلفون عن الأطفال الذين يتعلمون لغتهم الأولى بأوجه عديدة. ربما الأكثر غرابة من هذه، هو أنه عدد قليل جداً من البالغين الذين يتعلمون لغة ثانية يصلون لنفس مستوى إجادة اللغة مقارنة بالمتحدثين الأصليين للغة. الأطفال الذين يتعلمون لغة ثانية هم أوفر حظاً من البالغين للوصول إلى مستوى إجادة اللغة كمتحدثي اللغة الأصليين، ولكن بشكل عام يندر جداً لأحدهم يتحدث لغة ثانية أن يصل إلى مستوى المتحدثين الأصليين للغة. عندما يتوقف نُطلق المتعلم عن التطور فهذا يسمى بتحجر اللغة الاصطناعية/المشتركة Interlanguage fossilization.إضافة إلى ذلك، بعض الأخطاء التي يرتكبها متعلمي لغة ثانية في كلامهم، يكون منشأها من لغتهم الأصلية. فمثلا، متحدثي الإسبانية الذين يتعلمون الإنجليزية قد يقولون "Is raining" بدلا من "It is rarining" ، تاركين الفاعل في الجملة. متحدثي الفرنسية الذين يتعلمون الإنجليزية لا يقعون في نفس الأخطاء عادة. لأن الفاعل في الجملة يمكن تجاهله في الإسبانية [8]. وأثر اللغة الأولى على اللغة الثانية يعرف بتحول اللغة language transfer.أيضا، عندما يتعلم الناس لغة ثانية، تتغير طريقة حديثهم بلغتهم الأولى بشكل ما. هذه التغيرات يمكن أن تقع في أي وجه لغوي، سواء في النطق أو في القواعد أو في لغة الجسد أو حتى في الأشياء التي تُلاحظ [9]. على سبيل المثال، الفرنسي الذي يتحدث الإنجليزية كلغة ثانية قد ينطق صوت \t\ في الفرنسية بطريقة مختلفة عن أولئك الذين لايجيدون غير الفرنسية [10]. وهذا التأثير للغة الثانية على اللغة الأولى قاد فيفان كوك Vivian Cook لتقديم فكرة "تعددية القدرة multi-competence"، حيث يرى أن اللغات المختلفة التي يتحدثها شخص ما، ليست أنظمة مختلفة داخل عقولهم، بل هي مرتبطة في عقولهم.
لغة المُتعلم
لغة المتعلم هي اللغة التي يكتبها أو يتكلم بها أي متعلم للغة ثانية. وهي تمثل البيانات الأساسية المستعملة في أبحاث اكتساب اللغة الثانية [12]. أغلب البحوث في اكتساب اللغة الثانية مرتكزة على التمثيلات الداخلية internal representations للغة في ذهن المتعلم، وكيف تتغير هذ التمثيلات مع مرور الوقت. ليس بالإمكان حتى الآن التواصل إلى صورة واضحة لهذه التمثيلات مباشرة عن طريق مسح للمخ أو وسائل من هذا القبيل، لذلك يلجأ باحثي اكتساب اللغة الثانية إلى افتراض استنتاجات عن هذه القواعد والتمثيلات من لغة المُتعلم المنطوقة أو المكتوبة.
تعلم القِطع والتعلم المنظومي
هناك نوعان من التعلم في يستخدمها متعلمي اللغة الثانية. الأول هو تعلم القِطع Item Learning ، أو تعلم مجموعة قطع تمثل صيغ من اللغة. هذه القِطع قد تكون كلمات، مجموعة مصطلحات، أو صيغ كاملة مثل "هل يمكن أن … ؟" بالعربية، أو "Can I have a __?" . النوع الثاني من التعلم هو التعلم المنظومي system learning، أو تعلم القواعد المنهجية.
اللغة الاصطناعية/المشتركة
في الأصل، محاولات وصف لغة المتحدث كانت مبنية على مقارنة لغات متنوعة وعلى تحليل أخطاء المتعلمين. بيد أن هذه الاتجاهات لم تكن قادرة على رصد كل الأخطاء التي يرتكبها المتعلمون حينما يتعلمون لغة ثانية. على سبيل المثال، الفرد الذي يتحدث الصربية ويتعلم الإنجليزية قد يقول "What does Pat doing now?" عل الرغم من أنها عبارة ليست صحيحة في كلا اللغتين.[15]لشرح هذه الأنواع من الأخطاء المنهجية تم تطوير فكرة "اللغة الاصطناعية/المشتركة" [16]. "اللغة الاصطناعية/المشتركة" هو نظام لغوي متداخل في ذهن المُتعلم. "اللغة الاصطناعية/المشتركة" في ذهن المتعلم ليس لغة قاصرة أو ناقصة مليئة بالأخطاء من تلك اللغة التي يتعلمها المتعلم، ولا هو لغة مبنية فقط على الأخطاء التي تحصل بسبب اللغة الأم. وإنما هي لغة في حد ذاتها، لها قواعدها المنهجية الخاصة [17]. ويمكننا أن نستعرض أكثر جوانب اللغة من منظور "اللغة الاصطناعية/المشتركة"، بمافيها القواعد والصوتيات وغيرها.هناك ثلاث عمليات مختلفة تؤثر على إنشاء "التفاعل بين اللغات" :
1- تحول اللغة : المتعلمين يلجئون إلى لغاتهم الأم لكي يكونوا نظامهم اللغوي. وهذا الآن لا يعتبر خطأ، بل عملية يلجأ لها كل المتعلمين ويمرون بها.
2-التعميم الزائد Overgeneralization . المتعلمين يستخدمون قواعد من اللغة الثانية بطريقة لا يستعملها المتحدثون الأصليون. مثلا، قد يقول مُتعلم للغة الإنجليزية "I goed home" ، حيث عمم قانون الفعل الماضي في اللغة الإنجليزية (بإضافة -ed في نهاية الكلمة) مع فعل شاذ.
3- التبسيط Simplification . المتعلمين يستعملون صيغ مبسطة للغاية من اللغة، شبيهة بكلام الأطفال أو البدجنية pidgins. وهذا قد يكون له صلة بالكليات اللغوية linguistic universals.مفهوم "اللغة الاصطناعية/المشتركة" أصبح شائعاً في مجال بحث اكتساب اللغة الثانية، وعادة يكون افتراض أساسي يتبناه الباحثون.
تسلسل الاكتساب
في السبعينات، تحرت مجموعة دراسات تسلسل اكتساب القواعد النحوية المختلفة لدى المتعلمين . هذ الدراسات بينت أنه كان هناك تغير بسيط في التسلسل للاكتساب، لدى متعلمي لغة معينة لديهم لغات أصلية مختلفة. وبالإضافة إلى ذلك، أظهرت أن التسلسل كان نفسه عند البالغين والأطفال، وأنه لم يتغير حتى لو حصل المتعلم على بعض دروس اللغة. وهذا أكد أنه يوجد هناك عوامل غير "تحول اللغة" تؤثر وتساهم في تعلم اللغة الثانية، وكان أيضاً تأكيداً قوياً على مفهوم "اللغة الاصطناعية/المشتركة".بيد أن الدراسات لم تجد أن التسلسلات كانت متطابقة بالضبط. على الرغم من وجود عوامل تشابه ملحوظة جداً في التسلسل الذي يكتسب به المتعلمون القواعد، ظلت هناك اختلافات بين الأفراد وبين المتعلمين الذين يملكون لغات أصلية. وأيضاً يصعب أن نعرف متى بالضبط تم تعلم قاعدة نحوية، وكذلك المتعلمين قد يستخدمون القواعد بشكل صحيح في بعض الظروف فقط. لذا، الحديث عن "تسلسل الاكتساب" يبدو غير دقيق.
تحول اللغة
أحد الفروق الهامة البارزة بين اكتساب اللغة الأولى واكتساب اللغة الثانية هو أن عملية اكتساب اللغة الثانية ستكون متأثرة باللغات السابقة التي يتقنها المتعلم. وهذا التأثير يُعرف بـ"تحول اللغة" [19]. تحول اللغة هي ظاهرة معقدة تنتج من التفاعل بين الخبرات اللغوية السابقة للمُتعلم والمُدخل اللغوي للغة التي يتم تعلمها، والعمليات المعرفية الإدراكية Cognitive processes [20]. انتقال اللغة ليس دائماً من لغة المتعلم الأم، بل يمكن أن يحصل من لغات أخرى يتقنها المتعلم [20]. وهذه الظاهرة ليست محصورة كذلك بجانب محدد من اللغة، بل تحصل في القواعد، النطق، الكلمات، القراءة. [21]حالة واحدة تحصل فيها غالبا ظاهرة "تحول اللغة" هي عندما يشعر المُتعلم بوجه من التشابه بين خاصية للغة التي يتقنها سابقاً وبين خاصة ممثلة في "اللغة الاصطناعية/المشتركة" التي تم إنشاءها. إذا حصل هذا، يمكن أن يتأخر اكتساب الصيغ اللغوية language forms الأكثر تعقيداً لصالح الصيغ الأكثر بساطة والتي تشبه تلك التي توجد في اللغات التي يتقنها المُتعلم [20]. وقد يرفض المُتعلم استخدام بعض الصيغ اللغوية تماما إذا نظروا إليها على أنها مختلفة وبعيدة جداً عن لغتهم الأولى .انتقال اللغة كان موضوع دراسات عديدة، وهناك جوانب عديدة تبقى مبهمة . قُدمت فرضيات مختلفة لشرح انتقال اللغة، ولكن لا توجد فرضية واحدة تم قبولها بشكل عريض.
المراجع
areq.net
التصانيف
تعليم لغات لغويات لغويات تطبيقية اللّغات الآداب