تعود جذور التقريب بين الإسلام والليبرالية إلى القرن التاسع عشر حيث تفككت الدولة العثمانية، واحتلت أكثر البلاد الإسلامية، وظهرت فيه قوة الغرب المادية، وضعف البلاد الإسلامية، وبرز فيه السؤال الفكري الشهير " لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟". 
وقد تمت عملية التقريب بين الإسلام والليبرالية في أجواء من الهزيمة النفسية أمام الغرب المنتصر، والذي أسر عقول الكثير من أبناء المسلمين في تلك الفترة، وجعل المقارنة بالغرب محمدة ومنقبة، وخاصة أنه صدم تلك الأجيال بأنواع جديدة من المعارف والعلوم في زمن ضعف العلم وانتشار الجهل وجمود التفكير وظهور التقليد من جراء آراء الفرق الضالة، والتعصب المذهبي، والاستبداد السياسي الذي سبق الكلام عنه. 
وقد حصل التقريب بين الإسلام والليبرالية من طرفين: 
أحدهما: "الحركة التلفيقية "
 التي حصلت على يد محمد عبده وتلاميذه في التقريب بين الإسلام والحضارة الغربية وهي المعروفة " بالحركة الإصلاحية "، وقد انتهت بتحول تلاميذ محمد عبده إلى الليبرالية الصرفة. 
والثاني: " الاستعمار " 
 وخاصة بعد دخول الولايات المتحدة للهيمنة على المنطقة بعد خروج الاستعمار البريطاني والفرنسي منها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وظهور الشيوعية ممثلة في الاتحاد السوفيتي كتحدي جديد لليبرالية الغربية. 
وقد استفاد الاحتلال والقوى الاستعمارية مما يسمى الحركة الإصلاحية وقام بتوجيهها لتحقيق أهدافه في إضعاف المفاهيم الإسلامية الصحيحة في النفوس والقضاء على الوحدة الإسلامية. 
أولا: المشروع الأمريكي لقضية الإسلام الليبرالي: 
اهتمت الولايات المتحدة بتفسير الإسلام تفسيرا ليبراليا منذ وقت مبكر، لأن ذلك يحقق كثيرا من المصالح الحيوية لهيمنتها، فهي تعلم أن إقصاء الإسلام تماما من البلاد الإسلامية أمر مستحيل لقوة تأثيره وتعلق المسلمين به فوجدت في التبديل والتحريف له أنجح السبل للقضاء على فاعليته وتأثيره. ومن جهة أخرى فإن تفسير الإسلام وتأويله تأويلا ليبراليا يقوي علاقة هذه البلاد وشعوبها بالحضارة الغربية وقيمها مما يضمن عملية استمرار الخضوع لها. 
ونشير هنا إلى بعض الوثائق والأعمال الأمريكية في هذا المجال: 
مؤتمر الشرق الأدنى مجتمعة وثقافته، مارس 1947م. 
مؤتمر الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة 1953م. 
دراسة " الإسلام في العصر الحديث " (ولفرد كانتول سميث). 
دراسة " الليبرالية الإسلامية: نقد للآيديولوجيات التنموية " ليوناردبايندر. 
تقرير مؤسسة راندا الأمريكية عن الإسلام الديمقراطي. 
والأهداف الحقيقية لهذا المشروع يمكن بيانها من خلال ما يلي: 
أولا: إعادة ترتيب أوضاع المنطقة لتتقبل النموذج الليبرالي في الشأن السياسي (الديمقراطي)، والشأن الاقتصادي (الرأسمالية) لظنهم أن تطبيق الليبرالية في هذه البلاد الشرق أوسطية سيخفف الاحتفال الشعبي وبالتالي يفقد الإرهابيين (المجاهدين) التأثير على الشعوب الإسلامية في المنطقة. 
ثانيا: تهيئة المنطقة للعولمة ودخول الشركات الغربية في أسواقها لزيادة الكسب، وحل مشكلة الفائض في الاقتصاديات الغربية، والبحث عن اليد العاملة الرخيصة. 
ثالثا: العمل على تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة من خلال الاقتصاد والشراكة في حلف جديد غير مرتبط بهوية دينية أو قومية. 

ثانيا: الليبرالية في المال والاقتصاد
دخلت الليبرالية في اقتصاد الدول الإسلامية من خلال سيطرة سيطرة الدول الراسمالية الكبرى على الاقتصاد العالمي، على ذلك ما كتبه "حسن حنفي" حيث يقول: " إن (الله) لفظة نعبر بها عن صرخات الألم وصيحات الفرج، أي أنه تعبير أدبى أكثر منه وصفا لواقع، وتعبير إنشائي أكثر منه وصفا خبريا.. إنه لا يعبر عن معنى معين، إنه صرخة وجودية أكثر منه معنى يمكن التعبير عنه بلفظ من اللغة، أو بتصور من العقل، هو ردة فعل على حالة نفسية أو تعبير عن إحساس أكثر منه تعبيرا عن فقد، يكون في الحس الشعبي هو الله، وكل ما تصبو إليه ولا نستطيع تحقيقه فهو أيضا في الشهود الجماهيري هو الله  ، ويقول أيضا " فالصفات السبع هي في حقيقة الأمر صفات إنسانية خالصة، فالإنسانية هو العالم، والقادر، والحي، والسميع، والبصير، والمريد، والمتكلم... هذه الصفات في الإنسان ومنه على الحقيقة، و في الله واليه على المجاز"  .
ومع أن هذه الإلحاد والإنكار لوجود الله تعالى منافيا للإسلام من أصله إلا أن حسن حنفي يلصقه بالإسلام، ويحتج لذلك بكتابات ابن عربي وابن سبعين والحلاج وغيرهم من زنادقة وحدة الوجود، وكتابات الفلاسفة كابن سينا وغيره، ويعتبر ذلك قراءة إسلامية للإسلام مختلفة عن القراءات السلفية غير العقلانية  . وهو بهذا يؤسس للإلحاد الشيوعي إسلاميا  . وبهذه الطريقة يناقش " أبو زيد " قضية النبوة ويجعلها إنسانية محضة، ولا تعدو أن تكون اتصالا بين الفكر والواقع، وهي مجرد درجة قوية من درجات الخيال الناشئ عن " فاعلية المخيلة الإنسانية"  ، وأساس هذا الفكر الإلحادي هو أن تأويل النص لا توجد له حقيقة موضوعية وليس له معيار لمعرفة الحق من الباطل، لأنه مرآة صامتة " فالنص أخرس، صامت، مؤلفه قد مات، والمؤول هو الذي يجعله يتكلم "، والنتيجة أنه مع تعدد القراءات يكون كل قراءة ظنية ممكنة الصدق أو الكذب، ولا يمكن إقامة البرهان عليها  .
ومن النماذج التطبيقية لهذا الفكر " فصل الدين عن الدولة "، و" تنحية الشريعة وتطبيق القوانين الوضعية " ولهذا ظهر ما يسمى " الإسلام العلماني "  .
يقول حسن حنفي: " نشأت العلمانية استردادا للإنسان، ولحريته في السلوك والتعبير، وحريته في الفهم والإدراك، ورفض لكل أشكال الوصاية عليه، ولأي سلطة فوقية إلا سلطة العقل والضمير!  العلمانية إذن هي أساس الوحي، فالوحي علماني في جوهره، والدينية طارئة عليه من صنع التاريخ "  . والفصل بين الدين والدولة، واعتبار الدين شأنا شخصيا بينما الدولة أمرا مدنيا يبني على العقل والمصلحة من النقاط التي اتفق عليها كتاب المدرسة العصرانية الحديثة منذ أيام علي عبد الرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم وإلى زماننا المعاصر  .
ولاشك أن العصرانية وسيلة موصلة إلى العلمانية فيما مضى، أما الآن فقد اتفق العصرانيون والعلمانيون في تأويل عقائد الإسلام وأحكامه وأخلاقه ليتوافق مع التحديث الغربي، وهذا ما أصبح يعرف بالإسلام الليبرالي. 
وقضية الموقف من الآخر والاعتراف به من أهم القضايا التي يناقض فيها دعاة الإسلام الليبرالي أصول الدين وحقيقة الإسلام والولاء والبراء. 
فالأديان السماوية متساوية في الصحة والقبول – عندهم -، وهذا يقتضي عدم تكفير الآخر المنافي في أساس الدين، يقول عبد العزيز كامل: "ونحن في منطقة الشرق الأوسط نؤمن بالتوحيد بطريقة أو بأخرى. وأقولها واضحة يستوي في هذا الإسلام والمسيحية واليهودية، حتى الإيمان بالأقانيم الثلاثة في الفكر المسيحي يختم بإله واحد، هذه منطقة توحيد والصور تختلف، حتى في مصر القديمة مع التعدد الظاهري كان للآلهة كبير هو أوزير  . وتقف فكرة الاعتراف بالآخر واعتقاد صحة إيمانه، و في أقل تقدير عدم الجزم ببطلان عقيدة الآخر على أساس التعددية والتنوع والاختلاف.
ويتسع تعدد الحق عندهم إلى أن يصل إلى تصحيح الأديان الأخرى غير دين الإسلام، أو على الأقل عدم الجزم والتأكيد على أن عقائدهم باطلة، لأن هذا الجزم فكرة وثوقية مستعلية غير معترفة بالآخر. 
ومدرسة الإسلام الليبرالي ذات تنوع عجيب في أشخاصها وأفكارها وأهدافهم ومقاصدهم وارتباطاتهم ومستوى آرائهم من حيث الغلو، فهي مكونة من نسيج متعدد يشكل تأويل الإسلام لموافقة العصر (العصرانية) قاعدته المشتركة. 
فقمة هذه المدرسة مجموعة من الزنادقة والملاحدة يناقضون جذور الإسلام وأصوله الأساسية  ومنهم بعض المخلطين في الفكر والعقيدة، ومنهم منهزمون من الكتاب الإسلاميين وبعض الفقهاء والدعاة.
وتتنوع أفكارهم: فمنهم من يوافق الفلاسفة والحلولية والباطنية والملاحدة في نفي حقيقة الألوهية، والنبوة، والوحي، والغيبيات، ويرفض تحكيم الشريعة، ومنهم من يفصل بين الدين والدولة، ويرى ضرورة القانون الوضعي المدني، وضرورة الربا للاقتصاد المعاصر، وينفي الحجاب عن المرأة ويراه احتقارا لها، ويرى البعض عدم الاستدلال إلا بالقرآن، وينفي السنة والإجماع، ويطالب بتجديد أصول الفقه وغيرها من العلوم المعيارية، ولهم آراء ترفض الولاء والبراء، وتكفير المشركين، وتنكر الجهاد، وتؤمن بالديمقراطية، والتعددية، والحريات بما في ذلك التصريح بنشر الإلحاد وغيرها من الأفكار الشاذة. 
وتختلف ارتباطاتهم: فمنهم عملاء للصليبية العالمية يتلقون الدعم المادي من العدو، ويتعاونون معه، ويشاطرونه الأفكار وأسلوب العمل، ويدافعون عن سياسيته، ومنهم مستلب حضاريا، منهزم فكريا غير قادر على الرفض مع ظهور علامات العدوان ودلائله ولكنه لا يتقاضى شيئا ماديا لآرائه، فهي ناشئة من الهزيمة الفكرية والنفسية مع قصور في العلم الشرعي، وتخليط في تكوينه الثقافي، ومنهم من يقف ضد المشروع الأمريكي ويناهضه، وهذا مع وجود آراء تقربه من مشروعه إلا أنه في تحسن مستمر، ووعي دائم، وتتكشف له الحقيقة، وهو مظنة العودة للحق إذا نوقش وتمت معه عملية حوار علمي مفيد. 
وتختلف مستوى آرائهم: فمنهم من يناقض أصل الدين في العقائد والأحكام والأخلاق والأمور الاجتماعية، وهو الذي تمت الإشارة إليه في تقرير مؤسسة راند الأمريكية مثل من ينكر الألوهية والنبوة والغيبيات ويرى " تاريخية النص "، ويرفض تحكيم الشريعة، والحجاب، ويبيح الربا وغيره. ومنهم من يناقض أصول الدين بدرجة أقل غلوا مثل من لا يكفر المشركين، ويرفض الولاء والبراء، ويرى ضرورة القوانين الوضعية والربا وغيرها، ومنهم روافد لا يصلون لهذه الدرجة ولكن آراءهم ترفدهم عن غير قصد مثل من ينفي وجوب كراهة الكفار، ويجوز الحكم بالديمقراطية وغيرها. 


المراجع

موسوعة الدرر السنية

التصانيف

عقيدة  فرق منتسبة للاسلام