صار من الطبيعي أن تزدحم الفضائيات العربية في شهر تاريخي مثل شهر رمضان بمسلسلات تاريخية إسلامية تتابع ترويض النظارة البالغين على أن يكونوا عباداً صالحين ومواطنين مطيعين خاصةً بعد إفلاتهم من عقال التنشئة العائلية والتربية المدرسية التي أرضعتهم، ولسنوات طوال، التاريخ الإسلامي على شكل مسلسل مكسيكي أو تركي طويل يتناول صراعاً نموذجياً بين معسكري الخير، ممثلاً في الإسلام وأتباعه، والشر، ممثلاً في الشرك والمشركين. وداخل إطار هذه النمطية ذاتها تتابع المسلسلات المذكورة تقديم الأحداث التاريخية بشكل لا تاريخي تتكئ فيه بصورة رئيسية ووحيدة على مؤرخين مسلمين ينزع عنهم مجرد اتصافهم بالهوية الإسلامية عنصر الحيادية المطلوب من أي مؤرخ .
يغرف كتبة هذه المسلسلات من هذا التاريخ ما يهمهم ويتوافق مع رؤاهم الأيديولوجية التي ينوون تقديمها إلى المشاهد العربي يحركهم في ذلك هاجس رئيسي هو تقديم نسخة 3D من تاريخ مسطح ثنائي الأبعاد عبر اللعب على ثنائية الخير والشر الخالدة، فالخيرون لا يجب أن تصدر عنهم أية أفعال شريرة لأنهم بشر مختارون، وجوههم سمحة وثيابهم بيض وكلامهم لين، والأشرار كذلك – وهم أشبه بالوطاويط - لا يجب أن ينسب لهم المسلسل أي قول أو فعل يجعلنا نتعاطف معهم أو نأمل معها أن تصيبهم نفحة من رحمة الله لأنهم أتباع الشيطان وسهامه ومصيرهم المقرر سلفاً هو جهنم خالدين فيها.
أما إذا كان عدد من المؤرخين قد تناول الحدث ذاته واختلفوا فيه بالنقص والزيادة فما على الكاتب الإسلاموي التاريخوي، إذا كان مجتهداً، سوى أن يعجم عيدان تلك الكتب ويعمل فيها ملقط الهوى فيختار منها الرواية التي تناسب المزاج الشعبوي العام وتدعم في الوقت نفسه وهمه الكبير في ملائكية معسكر الخير (المسلمون) وشيطانية معسكر الشر (المشركون) ولو كره العقل والمنطق والموضوعية.
بعد مسلسله المعروض في رمضان العام الفائت ( قمر بني هاشم ) قدم لنا الكاتب السوري الإسلاميّ محمود عبد الكريم، في رمضان هذا العام، الجزء الثاني منه تحت مسمى (رايات الحق) وهو يبدأ من حيث انتهى (قمر بني هاشم). يتابع الكاتب فيه مسير الجيوش الإسلامية المظفرة في قمع المرتدين والأنبياء الكذبة : مسيلمة بن حبيب الحنفي وطليحة بن خويلد الأسدي والأسود العنسي وسجاح التميمية، ومعاركهم المشوقة التي كانت انتصاراتها فتحاً من الله ووعداً من رسوله وهزائمها أخطاء شخصية أو جولة من جولات الباطل الذي سيضمحل وبين هذا وذاك عايشنا طيلة ثلاثين يوماً شخصيات من بني البشر تنظر بعينين وتمشي على قدمين ومع ذلك لم تشبها شائبة من بغي أو غدر أو كذب أو استباحة أو مطامع دنيوية.
يختزن عنوان المسلسل " رايات الحق " كمية هائلة من الحدية والدوغمائية فالرايات، وهي الاسم الحربي للأعلام، تختزل شرف المحاربين وكرامتهم ورسالتهم فتتقدم الجيوش مرفوعة معززة مكرمة تسيل دونها وفي ظلالها ومن حولها الدماء. والحق، وهو نقيض الباطل، قيمة مطلقة تعلو ولا يعلى عليها كونها أحد أسماء الله الحسنى، وحملة رايات الحق المقصودون هم بالطبع الفاتحون المسلمون الذين خرجوا من صحراء شبه الجزيرة العربية بعد أن استخلصوها، في مطلع القرن السابع للميلاد، لينشروا نور الله في آفاق بلاد فارس وروما ويخرجوا القسس والموبذانات والأحبار من الظلمات إلى النور شاء من شاء وأبى من أبى.
بالنسبة للأدوار الرئيسية وهم الرسول والخلفاء الراشدون الأربعة ونساؤهم فكما هو معلوم لم تعثر السينما العربية حتى الآن مع الأسف على ممثلين يمتلكون من النورانية والجرأة ما يؤهلهم للعب هذه الأدوار الصعبة ولذلك فقد اكتفى صناع المسلسل كالعادة بتغييب شخصية الرسول ونسائه تماماً والإفراج عن أصوات الخلفاء الراشدين دون إظهار صورتهم .
لعب الفنان القدير " أيمن زيدان " دور مسيلمة بن حبيب الشهير بالكذاب فأجاد ولكن في حدود ما هو مرسوم له فالسيناريست، متواطئاً مع المخرج، قد أظهر "رحمان اليمامة" كأي حاوٍ شاطر يلعب بالبيضة والحجر في مسلسل مصري سخيف. كل من حوله، حتى أقرب أنصاره إليه، يعلم كذبه وزيف ادعائه ويكاد يواجهه به، نتبين ذلك من ملامحهم الساخرة وتورياتهم المكشوفة في مجلسه، واغتيابهم إياه حتى دخل في روعنا أن جموع أتباعه إما طامع في مغنم أو خائف من نكال.
ينحاز السيناريو إلى روايات بعض المؤرخين المسلمين الذين وضعوا على لسان "مسيلمة" من الكلام المسجع الركيك والمتهافت ما لا يعقل أن يتقوله رجل خاطب محمداً رسول الله: " إني قد أشركت معك في الأمر " ويتبعه بسببه مائة ألف من حنيفة وسواها وفيهم من الشعراء والخطباء والبلغاء والكهان كما في عامة قبائل العرب حينها ما كانوا أجدر أن ينكروا عليه مثل تلك "الآيات" المتهافتة.
لنتذكر هنا تقنيات الحرق والإسقاط والإمحاء التي يمتاز بها التراث العربي الإسلامي على مدى تاريخه فإذا كان ابن الراوندي وهو ابن القرن الثالث الهجري ومؤلف أكثر من مائة وثلاثين كتاباً لم يصلنا منها سوى كتابين هما ( الابتداء والإعادة ) و ( الفرند )!، فمن أين لنا أن نطلع على (الآيات الحقيقية) المفترضة التي ألفها مسيلمة أو طليحة أو سجاح أو سواهم ممن جاء بعدهم من المتنبئين ومن يمنع المنتصرين من إعادة كتابة التاريخ وتنقيحه وإنطاق مسيلمة بكلام من قبيل ( يا ضفدعة ابنة ضفدعين/ كم تنقين/ أعلاك في الماء وأسفلك في الطين/ لا ماء تكدرين/ ولا الشارب تمنعين ) . قارن كلامه السابق مع ما أورده الطبري ص 594 :
قال مسيلمة ( في محاورة مع سجاح التميمية ): "سمع الله لمن سمع، وأطمعه بالخير إذ طمع، ولا زال أمره في كل ما سر نفسه يجتمع، رآكم ربكم فحياكم، ومن وحشة خلاكم، ويوم دينه أنجاكم، فأحياكم علينا من صلوات معشر أبرار، لا أشقياء ولا فجار، يقومون الليل ويصومون النهار، لربكم الكبار، رب الغيوم والأمطار".
وقال أيضا : "لما رأيت وجوههم حسنت، وأبشارهم صفت، وأيديهم طفلت، قلت لهم لا النساء تأتون، ولا الخمر تشربون، ولكنكم معشر أبرار تصومون يوما وتكلفون يوما، فسبحان الله إذا جاءت الحياة كيف تحيون، وإلى ملك السماء ترقون، فلو أنها حبة خردلة لقام عليها شهيد يعلم ما في الصدور، ولأكثر الناس فيها الثبور".
ومن المفارقات الجميلة التي فاجأنا بها المسلسل أنه كلما ذكر الرسول محمّد في مجلس مسيلمة سمعنا من مسيلمة شخصياً عبارة (صلى الله عليه وسلم)، هذا والرسول قد مات وجيوش المسلمين تتأهب لحرب بني حنيفة في عقر دارهم والأدهى من هذا وذاك أن الرسول محمد سبق وأجاب على كتاب مسيلمة إليه مبتدئاً ( من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب ) حتى التصقت به صفة الكذاب إلى يومنا هذا ما يعطينا مبرراً للشك في توقير مسيلمة (لا أيمن زيدان) وصحبه للرسول محمد كل هذا التوقير الذي يظهر لنا في المسلسل.
في الحلقة الثانية عشرة وقعت معركة حديقة الموت، التي التقى فيها جيشا خالد بن الوليد ومسيلمة بن حبيب وكان السور، الذي تحدث عنه الطبري وابن هشام وابن كثير، يعلو في المسلسل أقل من مترين ومع ذلك يصاب خالد بن الوليد بالإحباط حتى يقول لضرار: قد خبرنا الأسوار ومناعتها. ولا يلبث ضرار بن الأزور ( لعب دوره الممثل اللبناني الأشقر الألثغ بيار داغر ) أن يتطوع ليتم قذفه من أعلى السور داخل الحديقة ليفتح هذا الكوماندوس الباب لإخوانه . هذا ما يرويه "محمود عبد الكريم" ولا أدري من أي مرجع أخذ أن ضرار بن الأزور هو من تطوع كفدائي وجميع المراجع الإسلامية دون استثناء تقول أنه "البراء بن مالك" ؟!
في الحلقة التاسعة، يظهر خالد بن الوليد على مشارف مضارب بني يربوع وقد أسرهم جميعاً ثم يأمر ضرار بن الأزور أن يأتيه بسيدهم "مالك بن نويرة" ليجري بينهما حديث سخيف لا يقنع ولا يسلي ثم يصرفه ولا يلبث أن يستدعي ضرار فيأمره : "أدفئوا أسراكم " فيخرج ضرار ويصرخ في الجند أن أدفئوا أسراكم، ليشتغل القتل والنحر في أسارى بني يربوع وفي المشهد الكرتوني التالي يظهر حوالي عشرين رجل ممددين ضمن حقل دائري ونسمع جدالاً غير ودي بين أبي قتادة وخالد بن الوليد. يترك أبو قتادة الجيش قاصداً المدينة ليبلغ الخليفة بما حدث . يستدعي الخليفة خالد بن الوليد إلى المدينة فيحضر مع أبي قتادة وضرار بن الأزور ويقابلهم عبد الرحمن بن عوف . يدخل خالد على الخليفة فيعتذر فيعذره أبو بكر ( كذا ! )
نقرأ في "البداية والنهاية" لابن كثير (774 هـ) الجزء5 صفحة 619:
" استدعى خالد مالك بن نويرة فأنبه على ما صدر منه من متابعة سجاح وعلى منعه الزكاة وقال : ألم تعلم أنها قرينة الصلاة ؟ فقال مالك : إن صاحبكم كان يزعم ذلك فقال : أهو صاحبنا وليس بصاحبك ؟ يا ضرار اضرب عنقه. فضربت عنقه وأمر برأسه فجعل مع حجرين وطبخ على الثلاثة قدرا فأكل منها خالد تلك الليلة ليرهب بذلك الأعراب من المرتدة وغيرهم
ويقال : إن شعر مالك جعلت النار تعمل فيه إلى أن نضج لحم القدر ولم تفرغ الشعر لكثرته وقد تكلم أبو قتادة مع خالد فيما صنع وتقاولا في ذلك حتى ذهب أبو قتادة فشكاه إلى الصديق وتكلم عمر مع أبي قتادة في خالد، وقال للصديق : اعزله فإن في سيفه رهقاً فقال أبو بكر : لا أشيم سيفا سله الله على الكفار. وجاء متمم بن نويرة فجعل يشكو إلى الصديق خالدا وعمر يساعده وينشد الصديق ما قال في أخيه من المراثي فوداه الصديق من عنده .
والمقصود أنه لم يزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحرض الصديق ويذمره على عزل خالد عن الإمارة ويقول : إن في سيفه لرهقا حتى بعث الصديق إلى خالد بن الوليد فقدم عليه المدينة وقد لبس درعه التي من حديد وقد صدئ من كثرة الدماء وغرز في عمامته النشاب المضمخ بالدماء فلما دخل المسجد قام إليه عمر بن الخطاب فانتزع الأسهم من عمامة خالد فحطمها وقال : أرياء قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته والله لأرجمنك بالجنادل .
وخالد لا يكلمه ولا يظن إلا أن رأى الصديق فيه كرأي عمر حتى دخل على أبي بكر فاعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه ما كان منه في ذلك وودى مالك بن نويرة فخرج من عنده وعمر جالس في المسجد فقال خالد: هلم إلي يا ابن أم شملة. فلم يرد عليه وعرف أن الصديق قد رضي عنه واستمر أبو بكر بخالد على الإمرة وإن كان قد اجتهد في قتل مالك بن نويرة وأخطأ في قتله كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى بني جذيمة فقتل أولئك الأسارى الذين قالوا : صبأنا صبأنا . ولم يحسنوا أن يقولوا : أسلمنا فوداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رد إليهم مليغة الكلب ورفع يديه وقال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد. ومع هذا لم يعزل خالد على الإمرة."(انتهى كلام ابن كثير)
وهكذا ترى مقدار خطر اللغة وهول جناياتها فكلمة واحدة تسببت في سوء تفاهم قاتل أبيدت على إثره قبائل كاملة عن بكرة أبيها. يلاحظ الدكتور "سيد القمني" في كتابه "شكراً بن لادن" بشأن قصة " أدفئوا أسراكم" التي أوردها ابن كثير أن حملة خالد بن الوليد لم يكن فيها أحد من كنانة فكيف ومن أوّل تلك العبارة بهذه الصورة ولماذا يؤدي بعد ذلك خليفة المسلمين دية مالك ما دام قد قتل على الشرك؟!
صرح السيد مؤلف المسلسل لوسائل الإعلام أنه قد عاد إلى معظم المراجع التاريخية الإسلامية ( وهو واثق أن المشاهد العربي أكسل من أن يدقق عليه ) قبل كتابة مسلسله ليأتي العمل موثقاً وأقرب ما يكون إلى الحقيقة ولكن مراجعة سريعة لأمهات كتب التاريخ الإسلامي تؤكد أن المرجع الوحيد للمؤلف كان هواه المتسق مع قسم التراجم في كتب التربية الدينية للصفوف الإعدادية في بلادنا المحروسة .
ومن جهة ثانية فإن ولع سيف الله المسلول خالد بن الوليد بالنساء لا يكاد يخفى على أحد إلا على كاتب المسلسل :
انظر مثلاً تاريخ الطبري [ جزء 2 - صفحة 284 ]
( حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال ثم إن خالدا قال لمجاعة : زوجني ابنتك . فقال له مجاعة : مهلا إنك قاطع ظهري وظهرك معي عند صاحبك . قال : أيها الرجل زوجني . فزوجه، فبلغ ذلك أبا بكر فكتب إليه كتابا يقطر الدم : لعمري يابن أم خالد إنك لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجفف بعد. قال فلما نظر خالد في الكتاب جعل يقول : هذا عمل الأعيسر "يعني عمر بن الخطاب" (انتهى كلام الطبري) .
لعب الممثل " علي صطوف " دور الصحابي سلمان الفارسي، وسلمان كما هو معروف من أكابر الصحابة ومن الذين سعوا للإسلام قبل أن يسعى الإسلام إليهم فالرجل فذ، اسلم قبل أن يدعوه الرسول إلى الإسلام فنال من المكانة ما جعله صفي الرسول ونجيه فكان الحديث الشهير : " سلمان منا آل البيت " الذي أدخل سلمان في جملة آل البيت النبوي لكن كل ذلك لم يقنع مخرج المسلسل وكاتبه فعرضوا لنا صورته وصوته وهو من آل بيت محمد بينما حجبوا صور من هم أدنى منزلة منه، هذا إذا أخذنا بقياس صناع المسلسل الذي يعد حجب الصورة مبالغة في التوقير والتعظيم. بالإضافة إلى أن المصادر تؤكد أن سلمان مات قبل أن يتقن العربية وتلك مفارقة أخرى تهدم جميع تلك المحاورات المتهافتة التي أجريت على لسان سلمان في المسلسل.
في الحلقة الرابعة عشرة أسر المسلمون فارس اليمن وشاعرها "عمر بن معد يكرب" وأظهره المسلسل أسيراً ذليلاً يقاد كما تقاد البهائم وهو يصرخ ويولول ويستعطف كما لا يليق بفارس طار صيته في الآفاق حتى أن الحطيئة الشاعر عيره بكل ذلك في حوار دار بينهما وكل ذلك بالطبع من بنات أفكار السيناريست.
في الحلقة الخامسة والعشرين يدور حوار بين الشاهنشاه يزدجرد وقائده رستم، يشبه يزدجرد المسلمين بالنسور فيجيبه رستم- الذي يسبق فرويد فقط بألف وأربعمائة سنة-: إن عقلك الباطن يا مولاي هو الذي جعلك تشبههم بالنسور!!
في الحلقة السابعة والعشرين يحاصر الجيش الإسلامي مدينة إيلياء " القدس" وبينما يرابط المسلمون خارج الأسوار سيكون على وجهاء إيلياء وقادتها وبطاركتها أن يستمعوا إلى آيات الغزل ومعلقات الثناء على لسان البابا صفرونيوس في حق الإسلام والمسلمين والذي لا يلبث أن يلقي بقنبلة من العيار الثقيل موجودة، حسب زعمه وزعم كاتب السيناريو، في كتب النصارى وهي أن فاتح القدس سيكون رجلاً له صفات عمر بن الخطاب الفيزيائية والمعنوية !!
أما العهدة العمرية المفخور بها في المسلسل والتي لم يذكر منها سوى مقدمتها على أنها مثال ناصع على التسامح والتراحم الذي عرف به الفاتحون العرب ولكنك بعد الاطلاع على بنودها التاريخية الحقيقية لن تجد فيها إلا مثالاً فاقعاً على الإهانة والإذلال والاشتراطات التي تعرض لهما أهل القدس مثل سواهم من المفتوحة بلدانهم وهي مما لا يجوز التشرف ولا الاقتداء بها.
وقعت الردة أصلاً لأن المقدمات الخاطئة تؤدي حتماً إلى نتائج خاطئة فعبارات من قبيل (أسلمت بنو تميم وبنو سليم أو دخلت الشام أو العراق أو فارس في الإسلام ) بهذا التعميم الساذج الذي يكذب على العقل والتاريخ معاً لا يجعل من الغريب بعدها بسنوات قليلة أن نسمع عبارات مضادة (ارتدت بنو تميم وبنو سليم عن الإسلام كما ارتد عرب الشام والعراق…). وتلتها الفتوحات الإسلامية لأسباب كثيرة لم يكن على رأسها الدعوة إلى الله بقدر ما كان عرض الدنيا وزينتها ولهذا شابها ما شابها من أخطاء وجرائم لم تزل مبثوثة في بطون كتب التاريخ وإن أنكرتها وتغاضت عنها مراجع التاريخ الرسمي والشعبوي.
لمحة أخيرة :
كالعادة في المسلسلات التاريخية، فإن اللغة الرسمية في هذا المسلسل هي العربية بلهجة قريش ولذلك ليس غريباً أن رأينا يزدجرد ورستم ونجاشي الحبشة وقيصر روما وقادة جيوشهم جميعاً يتكلمون العربية القرشية فينصبون ويرفعون ويجرون مراعين قواعد النحو ولكن دون أية مراعاة لعقلية المشاهد العربي الذي قد يتساءل في لحظة بلاهة عاطفية: "ما هذا! ألا يكفّ العرب عن محاربة بعضهم البعض؟!"
المراجع
موسوعة الاوان
التصانيف
معرفة علوم علم الفلك العلوم البحتة فلك