لا يحتاج المرء إلى وقت طويل حتي يتبين أن التغريب والنخبوية كانا-ولا يزالان- الانتقادين الأكثر شيوعا للحركات النسائية في مصر والعالم العربي.
شيوع هذين الانتقادين لا ينفي جملة الانتقادات الأخرى التي ترتكز على قراءات طبقية وفكرية لطبيعة هذه الحركات.
إلا أن الحقيقة المرة التي لم تنل حظا من النقاش كانت في مدي طائفية وعنصرية هذه الحركات. أو بكلمات أخري عن الطريقة التي وظفت بها حركات النساء بعض الاستراتيجيات الضمنية للحركات السياسية المركزية (التحرر الوطني مثلا) صاحبة الباع الطويل في إقصاء الآخر الديني والعرقي.
أمضى العرب وقتا طويلا لحين صدور اعتراف ما بقصور تعاطي حركات التحرر الوطني العربية مع النساء.
كانت هذه الحركات حيزا للعمل من أجل تحرير الرجال من ربقة الاستعمار. أما النساء-والحالة الجزائرية برهان واضح- فقد جرى توظيفهن لغاية الاستقلال قبل أن يطلب منهن قبول تراتبية الرجال/النساء في المحيط السياسي والاجتماعي.
إذا استقام النقد إلى أقصاه، هل يمكن القول إن حركة النساء العربيات كانت مجرد عنوان لتحركات طائفية وعرقية محددة؟
بمعني أكثر تحديدا، وتطبيقا على الحالة المصرية، هل يمكن القول إن الحركة النسائية المصرية كانت مجرد عنوان لتحركات النساء المسلمات؟
يستدعي هذا السؤال الرئيس جملة من الأسئلة الفرعية التي تعين على فهم الصورة العامة للحركة النسائية المصرية. فمثلا من يجرؤ على طرح سؤال من عينة : هل جري تغييب قضايا النساء المسيحيات عمدا عن قضايا هذه الحركة؟
رحلة سريعة للمحطات الرئيسة للحركة النسائية المصرية تبعث على الظن أن الحركة كانت حركة للمسلمات فقط.
كتابا قاسم أمين "تحرير المرأة" و"المرأة الجديدة" كانا عن النساء المسلمات. ومشروع الإتحاد النسائي المصري بقيادة هدي شعراوي، الذي هيمن على مقاليد الحركة النسائية المصرية حتى وفاة القائدة عام 1947، لم ينل المسيحيات منه إلا الحضور الرمزي.
لاحقا وغداة الحرب العالمية الثانية، ومع تبلور الأجنحة الفكرية للحركة النسائية ما بين ليبرالية (درية شفيق) ويسارية (لطيفة الزيات)، غاب الصوت المسيحي جملة وتفصيلا فتلك حركات علمانية في نهاية المطاف تراهن على تجازوها نطاق الانتماءات الدينية.
وفي العهد الذي صعدت فيه نوال السعداوي كمتحدثة باسم قطاع من النساء المصريات، لم تكن تتحدث سوي عن فصيل النساء المسلمات المتذمرات من رجعية الرئيس الراحل محمد السادات، وديكورية بعض السياسات القاضية لمنح المرأة بعض الحقوق والتي وقفت وراءها زوجته جيهان.
وفي العقود الثلاثة الأخيرة ومع تصاعد وتيرة الكتابة عن النساء، وظهور أطروحات تستلهم مفردات الأصالة والمعاصرة راجت الإحالة إلى الإسلام بوصفه وعاء حضاري يجري من خلاله مناقشة حقوق النساء لكن لم نختبر ظهور المسيحية كوعاء حضاري نناقش من خلاله حقوق النساء.
وفي السياق ذاته اكتسب مصطلح "النسوية الإسلامية" ذيوعا وشهرة، لكن أبت مصطلحات من عينة "النسوية المسيحية" أن تظهر للعيان.
سلمي أنور، باحثة معنية بقضايا حوار الأديان، لفتت نظري إلى أن الأكاديميات المسلمات أضحين طرفا في أنشطة الحوار الإسلامي-المسيحي في مصر (على غرار الأكاديمية نادية مصطفي أو الجيل الأصغر سنا مثل باكينام الشرقاوي)، لكن الغياب فرض نفسه على الأكاديميات المسيحيات.
يمكن المجازفة هنا بطرح فرضية مفادها أن هناك حالة غياب (تزيد أو تنقص) لصوت "المسيحية" في المجال العام.
غياب المسيحيات عن أى حوار في مصر حقيقة واقعة. مصر لا تعرف "المسيحية"-ليس بمعني المعتقد- بل بمعني الأنثي التي تعرف نفسها بعلاقتها بالديانة.
الديانة المسيحية حاضرة في صراعات الدولة ومجالها العام. الديانة موجودة في نزاعات معتنقيها مع المؤسسة الرسمية لترميم دورات مياه الكنائس مثلا. هي موجودة بالمعني النفعي لدولة لم يصبها الملل من ترديد خطاب بال عن الوحدة الوطنية. علاوة على هذا، يجري استخدام "المسيحية" كفزاعة لسحق قوى الإسلام السياسي. خطابات هذه الأخيرة-الإسلام الراديكالي- وجدت هي الأخرى في المسيحية شاطئا ترسو عليه جملة استدعاءاتها المتكررة لتاريخ ذمي يعلو فيه الإسلام على ما عليه. وأخيرا وليس آخر لا يمكن تجاهل ما تقدمه المسيحية كرصيد متوهم من الخصومة العقائدية في معارك التأسلم/التنصير.
لكن كل هذا الحضور للمسيحية كديانة يخفي في طياته الغياب العمد للمرأة المسيحية.
سأطرح هنا مثالا من الأرشيف القريب.
قبل تسع سنوات وبالتحديد في مايو من عام 2001 استحالت مصر إلى موقع لحرب أهلية كلامية، إثر نشر صحيفة خاصة موضوعا على ثلاث صفحات مزودة بصور أحد رجال الدين المسيحي في أوضاع جنسية.
وكعادة جريدة النبأ جاءت عناوين الموضوع شديدة الركاكة لكنها تحفل بـكم لا بأس به من الـ "بهارات الصحفية".
"تحويل دير المحرق بأسيوط إلى بيت دعارة على يد الراهب الكبير"، هكذا جاء واحد من العناوين. فيما جري صياغة العناوين الباقية على هذه الشاكلة : "الساعد الأيمن للرجل الأول بدير العذراء يستحلّ أعراض المسيحيات" و"لقطات صريحة من أول فيلم جنسي صوّره الكاهن لابتزاز ضحاياه".
تظاهر بعض المسيحيين ضد ما وصفوه بتلويث ديانتهم. وانبري بعض الكتاب للتركيز على مخالفات ارتكبها بعض الشيوخ المسلمين في محاولة يائسة للقول إن السلبيات تطول الجميع.
وقتها قالت الكنيسة رسميا إن هذا الراهب مشلوح، رغبة في التأكيد على أنها مؤسسة يقظة تردع المخالفين، وأن "ما نشرته تلك الجريدة امتلأ عن آخره بما يثير الأقباط إثارة بالغة لمشاعرهم والنيل من مقدساتهم"،
نقابة الصحفيين المصريين ذهبت بعيدا جدا، ليس في تأكيد حق الصحيفة في أن تنشر ما تريد حتى لو كان ركيكا، ولكن في وصفها لما نشرته الجريدة بأنه محاولة غير مسؤولة "لتلويث سمعة الكنيسة المصرية العريقة المشهود لها بالتقاليد والمثل الوطنية والأخلاقية السامية".
لم يخل الأمر من شماتة بالطبع. فها هو "المقكر الإسلامي" محمد عمارة يخرج في برنامج إذاعي على بي بي سي قائلا إن نشر هذه الصور عقاب للمسحيين الذين يساندون حرية الرأي والتعبير.
هذه باختصار بعض الخطوط لحالة النقاش العام حول واحدة من الحوادث الطائفية. في هذه الخطوط نلاحظ غيابا كامل لتفصيلة بسيطة للغاية وهي الضحية الحقيقية من وراء الحادثة، أى المرأة التي رضخت لتهديدات هذا القس المشلوح.
لعبت المرأة في هذه الحادثة دور "الرمز". جرى التعامل معها بوصفها هامشا فرعيا في القضية الطائفية حتي وإن كانت طرفا أصيلا فيها.
هذا يأخذنا إلى سؤال فرعي آخر: هل سمعتم مرة عن النساء المسيحيات في عالم البحث والكتب؟
يحتاج المرء وبلا مبالغة إلى مجلدات لرصد الاهتمام البحثي والإعلامي والثقافي بقضايا النساء. أشكاله المتنوعة واتجاهاته المختلفة ومناهجه…. الخ.
فمثلا، أفرز التقدم الواضح في نوعية البحوث كمية أو كيفية التي تعالج قضايا النساء المصريات كما من الدراسات والتوصيات يصعب على التحديد والحصر.
هناك دراسات حول علاقة النساء بالعمل السياسي (مجالس منتخبة أو مراكز صناعة القرار). هناك مئات الدراسات الأخري حول قضايا النساء كمكون في قوة العمل. أبحاث أخري عن النساء وقضايا الأحوال الشخصية. هناك دراسات لا حصر لها عن النساء وتمثيلهن في وسائل الإعلام.
لكن كل هذا الحديث ربما ينتهي إلى كونه مجرد التعبير عن هموم النساء المسلمات.
قد تبدو الخلاصة هنا أن الأجندة البحثية والفكرية للحركة النسائية المصرية هي حركة نساء مسلمات في نهاية المطاف حتي وان اختلفت توجهاتهن الفكرية وقناعاتهن العقيدية. الأبحاث التي تجعل المرأة متغيرا مستقلا أو تابعا في عناوين الدراسة هي أبحاث عن النساء المسلمات. الكل ينطلق من وإلى النساء المسلمات.
يعيش في مصر على الأقل 10 ملايين مسيحي يشكلون الأقلية الدينية الأكبر في العالم العربي. بحسبة معينة تبلغ عدد المسيحيات (أطفالا إناثا، ومراهقات، وفتيات، ونساء متزوجات، وغير متزوجات ومطلقات لعلة الزنى أو غيرها وأرامل وأمهات وعجائز) حوالي خمس مليون نسمة. أين ذهبت كل هؤلاء؟
الحضور العددي للمسيحيات في المجتمع لا يوازيه حضور في أفعال السياسة والثقافة.
غياب ربما يمثل واحد من المؤشرات الدالة على نزوع طائفي ما. لكن قد يرفض البعض إتهام الحركة النسائية المصرية بالطائفية. وأتوقع أن يقدم من يعترض واحد من ثلاثة ردود.
يتمثل الرد الأول، في الاعتراف بإقصاء النساء المسيحيات. لكن سيقرأ هذا الإقصاء في سياق أعم مبني على الاستراتيجيات العامة لإقصاء النساء ككل، أو لقطاعات معينة منهن.
فقد يدفع البعض على سبيل المثال بأن "علمنة" خطاب ناشطات المرأة يقصي بدوره القطاعات التي لا تحظي بمباركة هذا الخطاب.
هنا يقدم لنا الأرشيف المصري صورة ضبابية للغاية عن نسوة شاء القدر أن يكن من أقارب المنخرطين في تنظيمات راديكالية مثل الجماعة الإسلامية أو الجهاد. نحن لا نعرف شيئا عن هؤلاء النسوة. لكننا يمكن أن نتخيل حجم تنكيل الدولة بذويهم.
نكتشف هنا أن سؤالا غاب عن البحث والتقصي هو السؤال عن الطريقة التي أدرات بها هؤلاء النسوة-وهن كثر-سبل الإعاشة وإبقاء أود الأسرة في أوقات المحن هذه.
قد يدفع آخرون أيضا بأن طبقية الحركة النسائية المصرية-بمعني كونها خطابا لنساء الطبقة الوسطي-يقصي بالضرورة فئات لا تحظي برفاهية الانتماء لهذه الطبقة.
لكن قصور الحركة النسائية المصرية في مد مظلتها لتشمل نساء أخريات لا يبرر قطعا إقصاء الآخر الديني.
أتخيل أن هناك ردا آخر على فرضية طائفية الحركة النسائية المصري والذي سيعيد على المسامع نفس التقليد الجزائري من أن الجميع ضحايا لعدو واحد.
في هذا الحالة سيجد المرء زعما بأن مشاكل وقضايا النساء واحدة. فالتحديات أمام النساء المسلمات للمساهمة في قوة العمل هي نفس التحديات أمام النساء المسيحيات. والعقبات التي تقف في طريق عمل المرأة المسلمة بالسياسة أو الترقي في الوظائف هي نفس العقبات التي تواجه المرأة المسيحية.
شاء القدر مثلا أن تعاني شخصيتان على غرار الصحفية كريمة كمال وفاطمة سيد أحمد من نفس المصير.
كريمة المسيحية وفاطمة المسلمة اسمان في عالم الصحافة المصرية، تنتميان لنفس المدرسة (روزاليوسف) ، وتنتجان رؤي صحفية بالغة العمق لمعالجة الواقع السياسي والاجتماعي للبلاد.
لأسباب غير معروفة-ربما-لا تجلس كريمة أو فاطمة على كراسي رئاسة تحرير أى صحف أو مجلات مملوكة للدولة (تسمي قومية)، رغم أنهما أكفأ من كثيرين ممن يجلسون على هذه الكراسي.
العقبات في هذه الحالة متشابهه. وسيجني البعض انطباعا بتشابه أشكال التمييز والعنف الذي لا يفرق بين مسلمة ومسيحية (على غرار جرائم التحرش الجنسي).
من حيث الشكل، هذه الأطروحة صحيحة للغاية. تصطدم المرأة المصرية بغض النظر عن ديانتها بعقبات، لكن السؤال الحقيقي ليس في تشابه العقبات وإنما في كيفية قياس الأوزان النسبية لهذه العقبات.
ومعرفة الأوزان النسبية لهذه العقبات لن يتأتى إلا من خلال نبذ أسلوب الحديث بالنيابة عن الأفراد.
تستطيع المرأة المسيحية أن تتحدث عن نفسها. أن تقول إن العقبات واحدة أو مختلفة. المشكلة الحقيقية هو أننا لا نسمع المسيحيات. نجد فقط من ينصب نفسه متحدثا باسمهن.
أما الرد الثالث فربما يعطي أولوية للعامل الديني على عامل النوع. بمعنى أنه يجري إقصاء المرأة المسيحية ليس بوصفها امرأة ولكن بوصفها مسيحية.
خذ مثلا التحليل الذي قدمته الصحفية اليسارية انتصار بدر منذ سنوات حول الشخصية المسيحية على الشاشة الفضية.
توصلت انتصار إلى نتيجة مفادها أن الشخصية المسيحية لم تحصل علي دور البطولة إلا ٢٣ مرة خلال إنتاج السينما المصرية (تجاوز ٣٠٠٠ فيلم)، نفس النتيجة سنلقاها حين نبحث عن شخصية المسيحية في الدراما المصرية. منذ حوالي عقد من الزمان تجاوز التليفزيون المصري حساسيته المفرطة تجاه الممثلات المحجبات وسمح لهن بالظهور، لكن الدراما لم تقدم لنا الموازي المسيحي لهذه المرأة المحجبة.
ما يطرحه هذان المثالان هو ضيق حيز التمثيل الاجتماعي والديني والسياسي للمسيحيين في مصر بغض النظر عن الحاجز النوعي.
لكن وبقدر من التأني في النظر إلى هذه الحقائق، يظهر لنا أن النساء المسيحيات يدفعن ضريبة القهر المزدوج (أنثي وتنتمي إلى الأقلية الدينية).
وتتعمق الخطورة بمساحة الصمت الإجبارية التي تفرض على هؤلاء النساء. الدليل على ذلك ريما يكون في المخاطرة التي تكتنف يحثا أو تحقيقا صحفيا حول المعوقات التي تصطدم برغبة المسيحيات الدخول إلى سوق العمل. هل هي نفس المعوقات التي تقف أمام الرجل المسيحي أم أنها مختلفة؟
هناك حساسية مصرية بالغة من وضع متغير الدين كأصل للتمييز. ستسمع أن مصر كانت تتعامل مع أبنائها مسلمين ومسيحيين على قدم المساواة.
هنا ساستعير ما دأب على ترديده الأكايديمي العراقي الشهير سامي زبيدة من أن أوضاع الأقليات الدينية في العالم العربي كانت واحدة تقريبا. كان للطوائف الدينية أزمنتها السعيدة، لكنها لم تكن أبدا على قدم المساواة.
ويقدم لنا مثلا الفيلم الوثائقي ''أربع نساء من مصر'' (إخراج تهاني راشد) صورا لزمن سعيد التقت فيه أربع مهتمات بالعمل العام : الأكاديمية اليسارية أمينة رشيد والناشطة اليسارية شاهدة مقلد، والصحفية الإسلامية صافي ناز كاظم، والناشطة اليسارية(المسيحية) وداد متري (توفت في يناير 2007).
لم تشذ وداد عن صديقاتها الثلاث، خطت بقوة نحو العمل العام (كانت أول فتاة يجري انتخابها عضوة في اتحاد طلاب جامعة فؤاد الأول). وتعرضت مثلهم تماما للتنكيل والعسف في المرحلة الناصرية أو في مراحل تلتها.
لكن هذه السيرة تظل خادعة، ذلك لأن وداد كانت نموذجا مغايرا للمرأة المسيحية في مصر، هذا فضلا عن أن وداد كانت ربيبة وسط لم يقم بدرجة ما وزنا للمتغير الديني (خلافا للمحيط العام).
وزن المتغير الديني كان حاسما مثلا في التحولات التي ضربت بعمق تكوين مؤسسة الزواج في مصر والتي تمثل بالتعريف واحدة من المحددات المركزية لأوضاع النساء في مصر.
تمتعت النساء المسلمات في مصر بتاريخ طويل من النضال حول الأوضاع المجحفة لإدارة المجال الخاص بدءا من التفاوض حول رفع الحد الأدني لسن الزواج، مرورا بالدعوة إلى وضع ضوابط لتعدد الزوجات وتفعيل حق النساء في تطليق أنفسهن وصولا إلى تقنين الأوضاع الخاصة بعد الطلاق (النفقة والحضانة).
خاض بعض المصلحين القانونيين هذا الصراع نيابة عنة المرأة في البداية، ثم سرعانما دخلت النساء في العقد الثاني من القرن العشرين طرفا أصيلا في هذا الصراع.
وكما تجادل حنان خلوصي في كتابها الصادر هذا العام عن دار نشر جامعة ستانفورد "في السراء والضراء : أزمة الزواج وتشكيل مصر الحديثة"، فإن الدولة عملت على تأميم مؤسسة الزواج (الأسرة النووية الصغيرة) بغية خلق أمة عصرية.
وبعد مسح عام للخطوط الرئيسة للنقاشات العامة حول أوضاع النساء في ظل علاقات الزواج أو الطلاق أو النزاع حول حضانة الأطفال أو النفقة، يتبدي لنا أن النقاش كان في الغالب الأعم عن النساء المسلمات.
غابت المرأة المسيحية بصورة واضحة عن هذه النقاشات. وكم يبدو غريبا أن ننظر إلي محاولات الدولة تقنين صورة النساء داخل مؤسسة الأسرة وفي ذهنها صورة واحدة للمرأة (هي المرأة المسلمة بوصفها المرأة المصرية).
وتغيب المرأة المسيحية الآن بالقدر نفسه. استقبل قطاع من القراء مثلا تجربة المدونة غادة عبد العال برضاء كبير، وحظت مدونتها "عايزة أتجوز" بشهرة منقطعة النظير.
تكتب غادة عن نفسها كفتاة وعن التشكيل الحديث لمؤسسة الزواج وأمراضها الاجتماعية، تتحدث عن العنوسة. لكن ستبوء المحاولة بالفشل إذا بحثنا عن المقابل المسيحي لغادة.
في عالم البحث ومنتديات الحوار الفكري والأكاديمي، وفي الصحافة والسينما والدراما، وفي التدوين، في النقاش العام عموما قضايا النساء في مصر تبدو وكأنها قضايا النساء المسلمات. المرأة المسلمة تطرح نفسها وكأنها تجب ما عداها. تغيب المرأة المسيحية عن المجال العام، تغيب كاتجاه عام وعنوان، وتحضر اسما هنا أو هناك، في حقل أكاديمي أو في نشاط حقوقي.
هناك، للأسف، تصور واهم ومبالغ في غطرسته بأننا أفضل من غيرنا. يدعي البعض أن الجميع لدينا يقف على قدم المساواة، فيما يردد آخرون بأننا سواء في الهم. قد تجد نفرا من الناس يعترفون بحضور الطائفية، لكنهم يتلعثمون في سرد صورها. فهي من وجهة نظرهم هذه طائفية محتملة لا تضر أحدا!
المراجع
alawan.org
التصانيف
تاريخ أحداث مجتمع