أما
الهدف الأول، وهو زعمهم أن الأديان واحدة، وأن الناس يجب أن ينبذوا كل الأديان ثم
يجتمعون على دين واحد.
لعل
مما يوضح ماهية هذا الدين هو ذلك الإصرار من البهاء وأتباعه على أن جميع الأنبياء
إنما جاءوا للتبشير بظهور هذا البهاء والاحتفاء به وبسخافاته، وأن الله تعالى قد
تجلى في طلعته، وأنه هو مظهر الله الأكبر والساعة العظمى والقيامة والبعث، وأن
الالتزام به وبدعوته هي الجنة، وأن النار هي ترك اتباعه.
لقد
كان المازندراني من أشد الناس تشبعاً بمبادئ الصوفية الإلحادية، فهو من كبار
القائلين بوحدة الوجود والحلول والاتحاد التام. ومن هنا فإنه لم ير أي مانع من
دعوى الألوهية.
ومن
المعلوم أنه ما دام البهاء هو مظهر الله في زمنه –حسب سخافاته- فإنه لا دين ولا
معرفة، ولا حق ولا باطل، ولا حلال ولا حرام إلا ما جاء عن طريقه، والنتيجة من كل
ذلك أن الناس يجب أن يجتمعوا على الدين البهائي فقط، ولهذا فهو يلح في تقرير وحدة
الوجود بينه وبين الله، وأن الأديان كلها دين واحد، وأن الذي يمثل الله في تجليه
في عصر البهائية إنما هو البهاء نفسه، وما دام الله هو البهاء فيجب أن يبقى الدين
هو ما يريده البهاء.
وأقوال
البهاء في تقرير ألوهيته كثيرة جداً ملأ بها كتابه (الأقدس) نكتفي بذكر الأمثلة
الآتية:
(قل: لا يرى في هيكلي إلا هيكل الله، ولا في جمالي إلا جماله، ولا في
كينونتي إلا كينونته، ولا في ذاتي إلا ذاته، قل: لم يكن في نفسي إلا الحق ولا يرى
في ذاتي إلا الله)
ويقول
أيضاً :
(يا قوم طهروا قلوبكم ثم أبصاركم لعلكم تعرفون بارئكم في هذا القميص المقدس
واللميع) .
ويقول
مخاطباً البابيين وغاضباً عليهم حين لم ينضموا تحت لوائه:
(يا أهل النفاق قد ظهر من لا يعزب عن علمه شيء) .
وقال
في استفتاحه لكلماته التي سماها فردوسية:
(كلمة الله في الورق الأول).
وأما
أقوال ابنه عبد البهاء عباس، وأما أقوال كبار أصحاب البهاء فحدث عن كثرتها ولا
حرج، كلها تؤكد ألوهية المازندراني وأن له طبيعتين ناسوتية ولاهوتية، ولا انفصال
لإحداهما عن الأخرى، وأنه المثل الحقيقي لبهاء الله تعالى فحينما وجد البهاء وجد
بهاء الله متمثلاً فيه أتم تمثيل، وهذا ما جعله يضع برقعاً على وجهه لئلا يرى كل
أحد بهاء الله.
وقد
عزمتُ على كتابة تلك النصوص عن البهائية في تقريرهم ألوهية زعيمهم، إلا أنني فترت
عن إثباتها هنا، أولاً لاشمئزاز نفسي عنها، وثانياً لأنها كلها تهدف إلى إثبات
ألوهية ذلك المعتوه، وإذا كان كتابه (الأقدس) غير موجود هنا حالياً، فقد كاد أن
يكون بكل يسر وسهولة من خلال ما كتبه العلماء عن البهائية وعقائدهم وكتبهم.
بل
توجد كتب صورت ذلك الكتاب كما هو؛ مثل كتاب (البهائية الفكر والعقيدة) تأليف صالح
كامل، ومثل كتاب (خفايا الطائفة البهائية) للدكتور أحمد محمد عوف، حيث نقل
(الأقدس) كله، وكذا ما نقله الشيخ إحسان إلهي رحمه الله، في كتابه (البهائية نقد
وتحليل)، وما كتبه الشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله، وغير ذلك من الكتب المتوفرة
في المكتبات، ولهذا فإني لا أظن أن هناك حاجة إلى إثبات تلك النصوص الإلحادية التي
تدمغ البهائيين في اعتقادهم أن زعيمهم المازندراني هو الله، كيف وهم أنفسهم يصرحون
بربوبيته بدون أن يجدوا حرجاً في ذلك؟!
أما
زعمهم أنهم السابقون إلى تقرير وحدة الأديان والاجتماع على الدين الحق والأخوة
الصادقة واحترام كل شخص للآخر في إطار الإيمان بالله تعالى وبرسله، فلا يجهل أحد
من المسلمين أن هذه الفكرة ليست من بنات أفكار المازندراني ولا من وحيه، وإنما هذا
مبدأ إسلامي قرره الله في القرآن الكريم والنبي العظيم، وليس للبهاء فيها إلا تلك
العبارات التي أراد أن يحاكي بها ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية، فإن
الله تعالى قد أمر نبيه أن يخاطب أهل الكتاب بالرجوع إلى الحق والتعمق في استخراجه
فقال لنبيه: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ
اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا
مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ {آل
عمران:64}.
وهذا
الطلب قد جعله الله تعالى في إطار الاقتناع واللين فقال:
لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ
الْغَيِّ {البقرة:265} بل وأكد عز وجل على البر والعدل تجاه المخالفين
للدين الصحيح، ما داموا لم يواجهوا المسلمين بأذى فقال تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ
الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ
أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الممتحنة:8}.
فهل
جاء المازندراني بمثل هذا العدل والتسامح مع المخالفين إلى حين إقناعهم بالحق أم
أَمَرَ فوراً أن يُقتل المخالف لمبادئه، وأن تحرق الكتب الأخرى غير كتبه، وألا
ينظر الناس إلا في جماله وبهائه وكتبه، وألا يفكروا إلا فيه وفي رضاه لا غير؟
نعم،
لم يأت في الحث على وحدة الأديان إلا بمثل تلك السخافات التي أراق من أجلها كثيراً
من الدماء هدراً، وذم لأجلها كل الأنبياء والرسل وكل المصلحين لقصورهم في زعمه عن
بيان حقيقته ودعوته المشؤومة، حيث كان أهم ما أرسلوا به إنما هو التبشير بظهور
البهاء.
وبالرجوع
إلى مناداة البهائية بوحدة الأديان نجد أن الإسلام قد حث وأبلغ في وجوب التمسك
بالدين الحنيف المنزل من رب العالمين، بحيث لو طبقه البشر لسعدوا في الدنيا
والآخرة.
فإن كل
ما فيه خير ويدعو إلى خير، وليس فيه تناقض ولا عصبية بغيضة، ولا أفكار رديئة مثل
ما هو الحال في البهائية التي تدعو الناس كلهم إلى ترك دينهم والتمسك بعقيدة
البهاء، التي هي مملوءة بالأفكار القاصرة والآراء المتناقضة والعصبيات الشنيعة،
لأنها ملفقة من شتى الأفكار من مسيحية ويهودية ومجوسية وإسلامية وصوفية إلحادية.
فكيف
يتفق الناس على ديانة هذا أقل شأنها؟ بل كيف يتفقون على دين لم يوحد بين أصحاب
المذهب نفسه! فإن العداوة الملتهبة بين البابيين والبهائيين، بل وبين الأخوين
المازندراني وصبح الأزل لا ينساها أحد، وهنا يصح قول الناس: فاقد الشيء لا يعطيه.
وقد ظن
حسين علي المازندراني حين أمر أتباعه أن يتفننوا في النفاق ومجاملات الآخرين
فيصلوا مع المسلمين، ويدخلوا الكنيسة مع النصارى، ويدخلوا في محافل اليهود، وأن
يتوددوا إلى الهندوس في معابدهم – ظن أن هذا النفاق البغيض هو البداية إلى تحقيق
وحدة الأديان فكانت النتيجة عكس ما أراد.
فإن
الناس حين كانوا يشاهدون عبد البهاء في كل مكان مع المسلمين ومع النصارى ومع
اليهود ومع الهندوس ومع كل صاحب ملة عرفوا تماماً أن المقصود من وراء ذلك إنما هو
الزعامة العالمية وهدم كل الأديان، وأن تلك التحولات إنما هي النفاق بعينه، بل
والتخبط والاضطراب الفكري.
لأن
الجمع بين المتناقضات ليس من فعل الإنسان السوي الذي يحترم مبدأه ونفسه فضلاً عن
من يريد قلب الأمور وإصلاح المجتمع وتوحيد أفراده على حسب ما ترى من ضرورة ذلك إذا
كان فعلاً مقتنعاً بمبدئه وصلاحيته للأمة.
لقد
اهتم البهائيون والبابيون أيضاً بمحاربة الإسلام والمسلمين اهتماماً شديداً، وسبوا
تعاليم الإسلام بأشد السباب، ومن ذلك ما جاء في الإيقان للمازندراني تسمية
المسلمين بالهمج الرعاع حيث قال: (انقضى ألف سنة ومائتان وثمان من السنين من ظهور
نقطة الفرقان –أي الرسول صلى الله عليه وسلم -، وجميع هؤلاء الهمج الرعاع يتلون
الفرقان في كل صباح، وما فازوا للآن بحرف من المقصود) .
ويقول
أيضاً في كتاب له يسمى (مجموعة الألواح) محذراً البهائيين عن الاجتماع بالمسلمين:
(إياك أن تجتمع مع أعداء الله في مقعد، ولا تسمع منه شيئا ولو يتلى عليك من
آيات الله العزيز الكريم؛ لأن الشيطان قد ضل أكثر العباد بما وافقهم في ذكر بارئهم
بأحلى ما عندهم، كما تجدون ذلك في ملأ المسلمين بحيث يذكرون الله بقلوبهم وألسنتهم
ولا يعملون كل ما أمروا به، وبذلك ضلوا وأضلوا الناس إن أنتم من العالمين) .
كما أن
دعوتهم إلى توحيد الأديان ثم قصر ذلك على ديانتهم فقط يعتبر من أقوى الأدلة على
كذبهم في مناداتهم باتحاد الأديان والتسامح معها، فالمازندراني يقول في كتابه
(الأقدس) الذي يعده ناسخاً للقرآن الكريم :
(والذي يتكلم بغير ما نزل في الوحي –أي وحيه في كتابه المذكور- أنه ليس
مني، إياكم أن تتبعوا كل مدع أثيم) ، ويقول أيضاً:
(طوبى لم يشهد به الله وويل لكل منكر كفار والذي أعرض عن هذا الأمر إنه من
أصحاب السعير) ، ووصل الحال بالمازندراني أن
أصدر أمراً إلى جميع من يسمع ويرى ألا يرى ولا يسمع إلا المازندراني ويترك جميع ما
في هذا الكون إذا أراد النجاة-على حد زعمه- فهو يقول:
(يا صاحب العينين أغمض عينيك عن العالم وأهل العالم كله وافتح عينيك علي
وعلى جمالي المقدس) ، ولأجل تنفيذ هذا التعصب ضد
المخالفين للبهائية كان البهائيون يمحون كتب مخالفيهم، خصوصاً كتب المسلمين التي
كانوا يتلفونها بكل حقد وغيظ ليتحقق لهم ما يؤملون من إخراج المسلمين عن دينهم. والله
متم نوره ولو كره الكافرون.
ولم
ينخدع المسلمون –ولله الحمد- بهذه الدعوى التي يروجها البهائيون فإن الدين
الإسلامي الحنيف قد حث على الاجتماع على العقيدة الصحيحة الربانية بطريقة تكفل
الخير للجميع، وتهديهم إلى سواء السبيل بأتم بيان وأحسن عدالة وأكملها إلى نهاية
الكون.
المراجع
موسوعة الدرر السنية
التصانيف
عقيدة فرق منتسبة للاسلام