كان
موقف أعلام الاثني عشرية وأقطابها قديماً وحديثاً من أئمة المذاهب السنية الأربعة
وأتباعهم موقف عداءٍ.
ولا ينبغي أن يُستغرب هذا منهم
بحال؛ فقد نصبوا العداء لمن هم أفضل من هؤلاء وأكمل؛ صحابة رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأزواجه رضي الله عنهم.
ومما سوّد به الاثنا عشرية
كتبهم من مواقف عدائية تجاه أئمة السنة الأربعة وغيرهم: ما أخرجه الكليني بسنده
إلى أبي جعفر الباقر أنه قال -وهو مستقبل الكعبة-: (إنما أُمر الناس أن يأتوا هذه
الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا، وهو قول الله: وَإِنِّي
لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {
طـه:82}- ثم أومأ بيده
إلى صدره- إلى ولايتنا.
ثم قال: يا سدير ! فأُريك
الصّادين عن دين الله؟ ثمّ نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوريّ في ذلك الزمان وهم
حِلَقٌ في المسجد، فقال: هؤلاء الصادّون عن دين الله بلا هدى من الله ولا كتابٍ
مبين. إن هؤلاء الأخابث لو جلسوا في بيوتهم فجاء الناس فلم يجدوا أحداً يُخْبِرُهم
عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم حتّى يأتونا فنخبرهم عن الله
تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم) .
ويقول شيخهم الأوالي : (ذكر
نبذة من أحوال أئمتهم الأربعة وسائر علمائهم المبتدعة، وما أحدثوه في الدّين من
البدع الفظيعة، لا سيما من بينهم أبو حنيفة صاحب البدع الكسيفة، ومَن ليس له من
الله خيفة)! .
وذكر القاضي عياض في الترتيب
أن رجلاً من الإمامية سأل مالكاً رحمه الله: (من خير الناس بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ؟) فقال مالك: أبو بكر. قال: ثم من؟ قال: عمر. قال: ثم من؟ قال: الخليفة
المقتول ظلماً عثمان. فكان جواب هذا السائل الرافضي أن قال للإمام: "والله لا
أجالسك أبداً" .
ومن صور عدائهم للأئمة الأربعة
أيضاً ما جاء على لسان بعض شعرائهم:
إذا شئت أن ترضى لنفسك مذهباً
|
|
ينجيك يوم البعث من ألم النار
|
فدع عنك قول الشافعي ومالكٍ
|
|
وأحمد والنعمان أو كعب أحبار
|
ووال أناساً قَولُهُم وحَدِيثُهُم
|
|
روى جَدُّنا عن جبرائيل عن الباري
|
وجاء في مقدمة كتاب (مختلف
الشيعة) للحلي ما يبين نظرتهم التهكمية للأئمة الأربعة:
قالوا: لأي شيء أخذت
نعلك معك وهذا مما لا يليق بعاقل بل إنسان؟ قال: خفتُ أن يسرقه الحنفية كما سرق
أبو حنيفة نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فصاحت الحنفية: حاشا وكلا! متى
كان أبو حنيفة في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ بل كان تولد بعد المائة
من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال: فنسيت، لعله كان الشافعي.
فصاحت الشافعية وقالوا: كان
تولد الشافعي في يوم وفاة أبي حنيفة، وكان أربع سنين في بطن أمه ولا يخرج رعاية
لحرمة أبي حنيفة، فلما مات خرج، وكان نشؤه في المائتين من وفاة رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم.
فقال: لعله كان مالكاً.
فقالت المالكية بمثل ما قالته
الحنفية.
فقال: لعله أحمد بن حنبل.
فقالوا بمثل ما قالته الشافعية.
فتوجه العلامة إلى الملك،
فقال: أيها الملك! علمت أن رؤساء المذاهب الأربعة لم يكن أحدهم في زمن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، ولا في زمن الصحابة، فهذه أحد بدعهم أنهم اختاروا من
مجتهديهم هذه الأربعة، ولو كان منهم من كان أفضل منهم بمراتب لا يجوزون أن يجتهد
بخلاف ما أفتاه واحد منهم.
فقال الملك: ما كان واحد منهم
في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة؟
فقال الجميع: لا.
فقال العلامة: ونحن معاشر
الشيعة تابعون لأمير المؤمنين عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وأخيه وابن عمه ووصيه.
وعلى كل حال فالطلاق الذي
أوقعه الملك باطل، لأنه لم تتحقق شروطه، ومنها العدلان، فهل قال الملك بمحضرهما؟
قال: لا. وشرع في البحث مع علماء العامة حتى ألزمهم جميعاً) .
ويذكر نعمة الله الجزائري قصة
غريبة فيقول:
وعنه عليه السلام قال:
"مر موسى بن عمران برجل رافع يديه إلى السماء يدعو، فانطلق موسى في حاجته،
فغاب عنه سبعة أيام، ثم رجع إليه وهو رافع يديه يدعو ويتضرع ويسأل حاجته، فأوحى
الله إليه: يا موسى! لو دعاني حتى يسقط لسانه ما استجبت له حتى يأتيني من الباب
الذي أمرته به".
أقول: هذا يكشف لك عن أمور
كثيرة: منها: بطلان عبادة المخالفين، وذلك أنهم وإن صاموا وصلوا وحجوا وزكوا وأتوا
من العبادات والطاعات، وزادوا على غيرهم، إلا أنهم أتوا إلى الله تعالى من غير
الأبواب التي أمر بالدخول منها، فإنه سبحانه وتعالى قال: وَأْتُواْ
الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا {البقرة:189}،
وقد صح عند المسلمين قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها)) وقد جعلوا المذاهب الأربعة وسائط وأبوابا بينهم وبين ربهم
وأخذوا الأحكام عنهم) .
ويقول علي العاملي البياضي
صاحب كتاب (الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم) عاقداً باباً بعنوان: باب في
تخطئة كل واحد من الأربعة في كثير من أحكامه.
وفيه فصول:
الأول: فيما أجمعوا عليه.
الثاني: فيما اختلفوا فيه.
الثالث: فيما أضيف إليهم من
المخازي.
الرابع: في البخاري.
الخامس: فيما أنكر مسلم
والبخاري من الأحاديث.
فنقول: أولاً: إن هؤلاء
الأربعة ليسوا من الصحابة بل من التابعين، وقد رضيت أهل السنة بنسبة جملة المذهب
إليهم، وقد عدلت عن نسبته إلى نبيهم، التي هي أوكد لتعظيمه وحرمتهم، من نسبته إلى
قوم يخطّئ بعضهم بعضاً، وربما يلعن بعضهم بعضاً، وقد اعترفوا بكمال دينهم في حياة
نبيهم في قوله: الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ {المائدة:3}.
فاختلاف الأربعة إن كان
لاختلاف في المقال، فقد وثقوا بمن شهدوا عليهم بالفسق والضلال، وإن كان لا حاجة
دعتهم إليه، فكيف يقتدى بمن يشهد على ربه بنقص دينه؟ وإن كان له حاجة فقد قبّحوا
ذكر نبيهم حيث وضعوا ما لم يكن في زمانه، وإن كان لزعمهم أنهم أعرف وأهدى لشريعة
نبيهم فأتوا بما لم يأت به، فهو بهت لعقولهم مع اختلافهم في أحكامه، ولقد كان
أسلافهم ضلالاً قبل ظهورهم.
وما الدليل على وجوب الاقتصار
على الأربعة دون الأقل منهم أو الزائد عليهم وقد وجد من أتباعهم من يضاهيهم، فلم
لا يسري الاسم والتقليد إليهم، إذا كانوا يحتجون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اختلاف أمتي رحمة)) ؛
فمن زاد فيه زاد في الرحمة، فكان اختلاف كل شخصين من الأمة أبلغ من تحصيل الرحمة،
ولزم كون الائتلاف موجباً للتقية، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصدر
الأول مبعّدين من هذه الرحمة) .
ويقول محمد الرضي الرضوي:
"ولو أن أدعياء
الإسلام والسنة أحبوا أهل البيت عليهم السلام لاتبعوهم، ولما أخذوا أحكام دينهم عن
المنحرفين عنهم كأبي حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل، الذين لم يكن واحد منهم شاهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نقل عنه شيئاً من حديثه وسنته، قال الله تعالى: قُلْ
إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ { آل عمران:31}، فآية المحبة لأهل البيت عليهم السلام الذين جعل الله مودتهم
أجر الرسالة في قوله: قُل
لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى {الشورى:23} الاتباع لهم في الأقوال، والاقتداء بسيرتهم في الأفعال،
والرجوع إليهم لأخذ سنة جدهم منهم عليه السلام؛ لأن أهل البيت أدرى بما في البيت،
وأئمة أصحاب المذاهب الأربعة كانوا في حياد عنهم عليه السلام، فأين علامة هذا
الولاء الكاذب" .
وأما هذه المواقف على التفصيل:
1- رمي الأئمة الأربعة
بالجهل ودعوى اعتمادهم في الفقه والحديث على أئمة الاثني عشرية:
من مطاعن الاثني عشرية الكثيرة
وافتراءاتهم الجسيمة على أئمة السنة الأربعة: رميهم بالجهل وقلة الفقه في دين
الله، وأنهم عالة في ذلك على أئمتهم من أهل البيت وغيرهم، ولذلك نماذج كثيرة في
كُتُبِهِم ومصنفاتهم القديمة منها والحديثة.
يقول محمّد بن عمر الكشّي عن
الإمام أحمد رحمه الله: (جاهلٌ شديد النصب، يستعمل الحياكة، لا يعدّ من الفقهاء) .
كما أورد محمّد باقر المجلسي
في البحار حكايات عدّة في تجهيل الأئمة لا سيما أبي حنيفة النعمان رحمة
الله عليهم جميعاً.
وعقد باباً في بحاره أيضاً أسماه:
(باب أنّ كل علم حقٍّ هو في أيدي الناس فمن أهل البيت وَصَلَهُم) .
كما عقد علي البياضي في
الصراط باباً كاملاً عنون له: (باب
في تخطئة كلّ واحد من الأربعة في كثير من أحكامه).
ويقول أمير محمد القزويني
الشيعي الاثنا عشري: "فمنهم الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت، فإنه أخذ
الفقه عن الإمام جعفر بن محمد الصادق، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل، كان شيخه في
العلم والحديث محمد بن فضيل بن غزوان الضبي ، وكان معه من
الشيعة" .
والجواب عن ذلك أن يقال:
أولاً: إن مجرّد رواية حديث أو
حديثين أو أكثر - كما في رواية الإمام أحمد وغيره عن محمد بن فضيل بن غزوان
الضبّي- لا تعني بالضرورة تتلمذ الراوي على المروي عنه، فهناك ما يعرف عند أهل
الفن بـ(رواية الأكابر عن الأصاغر) و(رواية الشيوخ عن التلاميذ) .
كما أن ذلك لا يعني كون المروي
عنه أعلم من الراوي، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((فرب حامل فِقْهٍ إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فِقْهٍ ليس
بفقيه)) .
على أنني أشير هنا إلى مغالطة
أخرى للاثني عشرية في هذا المجال؛ حيث يعمدون إلى اعتبار كل من قيل فيه إنه شيعي
أنه من الروافض أو من الشيعة الغالية، والحقيقة أن أغلب هؤلاء الذين نجد للأئمة
الأربعة وغيرهم من أئمة السنة المعروفين روايات عنهم إنما هم من الشيعة المفضّلة
لا من الشيعة الاثني عشرية .
ثانياً: أن ثمة فرقاً بين
رواية أحاديث - لا سيما إن كانت قليلةً - عن شخصٍ، وبين التتلمذ عليه أو الاعتماد
عليه في العلم، كما يوهم هؤلاء الشيعة الاثنا عشرية.
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن
تيمية عن رواية بعض الأئمة الأربعة أحاديث معدودة على الأصابع عن جعفر الصادق رحم
الله الجميع: (فهؤلاء الأئمة الأربعة ليس فيهم من أخذ عن جعفر الصادق شيئاً من
قواعد الفقه، لكن رووا عنه أحاديث كما رووا عن غيره، وأحاديث غيره أضعاف أحاديثه) .
على أننا نقول: إن رواية بعض
أئمة أهل السنّة عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق رحمه الله لا غرابة فيها؛ إذ
هي رواية أهل السنّة بعضهم عن بعض، فكون الشيعة الاثني عشرية ادّعوه، ومن قَبْلِهِ
الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يجعلهما منهم؛ بل هما منهم
بريئان كل البراءة.
وما سوّدوا به كتبهم ك(الكافي)
وغيره من روايات مكذوبة عليهما وعلى غيرهما من أئمة أهل البيت لا يغيّر من الحقيقة
شيئاً.
ثالثاً: ومما يؤكّد بطلان هذه
الدعوى أن أحداً من هؤلاء الأئمة الأربعة وتلاميذهم لم يدع قط مذهب الشيعة الاثني
عشرية، ولا ارتضاه لنفسه مذهباً، فكيف يتفق هذا مع زعم أنهم قد استمدوا كل علومهم
من فقهٍ وحديثٍ وغيرهما من أئمة الاثني عشرية أو علمائهم؟ ومعلومٌ أن الإناء إنما
ينضح بما فيه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله: (من المعلوم لكل عاقل أنه ليس من علماء المسلمين المشهورين أحدٌ رافضي؛
بل كلهم متّفقون على تجهيل الرافضة وتضليلهم... وهم دائماً يذكرون من جهل الرافضة
وضلالهم ما يُعلم معه بالاضطرار أنهم يعتقدون أن الرافضة من أجهل الناس وأضلّهم،
وأبعد طوائف الأمة عن الهدى) .
ويقول أيضاً رحمه الله: (والله
يعلم أني مع كثرة بحثي وتطلّعي إلى معرفة أقوال الناس ومذاهبهم، ما علمتُ رجلاً له
في الأمة لسان صدقٍ يُتّهم بمذهب الإمامية، فضلاً عن أن يقال: إنه يعتقده في
الباطن) .
وقال عبد القاهر البغدادي:
(ولم يكن بحمد الله ومَنِّهِ في الخوارج ولا في الروافض... ولا في سائر أهل
الأهواء الضّالة قط إمام في الفقه ولا إمام في رواية الحديث) .
فهذا سرّ ما نجده حتى وقتنا
الحاضر من أن بعض أتباع الأئمة الأربعة ربما يُتهم بشيء من الاعتزال أو
التصوّف أو الإرجاء، ولكننا لم نسمع قط برافضي حنفي أو مالكي أو شافعي أو حنبلي
اشتهر بالتصنيف والتأليف على مذهبهم واتباع أصولهم؛ وما ذلك إلا لِبُعْدِ الرفض كل
البعد عن طريقة أهل العلم، ولأنه نقيض للإسلام، والشيء مع نقيضه لا يجتمعان.
رابعاً: أنه كيف يُعقل أن يكون
الأئمة الأربعة رحمهم الله قد اعتمدوا في العلم على الشيعة الاثني عشرية، وقد شهد
القاصي والداني والعدو قبل الصديق بعلم هؤلاء الأئمة وفقههم وضبطهم وصدقهم، في حين
أن الإمامية بشهادة أكثر الأمة جَهَلَة وكَذَبَة لا سيما في النقليات؟ قال ابن
تيمية رحمه الله: (وقد اتفق عقلاء المسلمين على أنه ليس في طائفة من طوائف أهل
القبلة أكثر جَهْلاً وضلالاً وكذباً وبدعاً، وأقرب إلى كل شرّ، وأبعد عن كل خير من
طائفته) ،
يعني الإمامية .
المراجع
موسوعة الدرر السنية
التصانيف
عقيدة فرق منتسبة للاسلام