الأستاذ العروي يشير إلى أن الأدب الأوروبي الحديث، من الكتّاب مثل سيرفانتيس إلى ديكنز إلى دوستويفسكي، يمكن اعتباره وثيقة إنسانية تسجل انتقادات ضد النتائج السلبية للحداثة. يعتبر أن هذا الأدب الذي نشأ في سياق الحداثة وواكب التحديث يشكو عملية التحديث ذاتها. ويقول إن هذا "العقوق" أو هذا التنكر للذات يمكن أن يطال أيضًا مجال الأفكار، حيث إن مؤسسي الحداثة والمفكرين الذين نظروا فيها أولئك الذين وجهوا العديد من انتقادات متنوعة إليها.

ويعكس هذا التناقض في التفكير حيال الحداثة ومواقفها، حيث يمكن أن يجد المفكر نفسه مؤيدًا للحداثة في جوانب معينة ومعارضًا لها في جوانب أخرى. يشير إلى أن الحداثة لم تنتظر لتتجاوز ذاتها في الزمن مستقبلًا، بل عاشت المرحلة "المابعد" أثناء عملية تكوينها، حيث مزجت بين أنماط الزمن. وبالتالي، المابعد لا يمثل لحظة زمنية بعدية بل هو جزء من طبيعة الحداثة نفسها.

ويبرز أن ما يميز الحداثة هو هذا التنكر المستمر للذات والسعي نحو التناقض والرفض. الحداثة لم ترضَ بالمفاهيم التي وضعتها بشأن الفرد والحرية والعقل والديمقراطية والحقوق. إنها حركة تاريخية تظل غير راضية عن نفسها وعن تأثيراتها في مجالات متعددة، وهي لا تقتصر على الأدب بل تشمل العديد من الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمعرفية.

باختصار، الحداثة هي حركة لا تتوقف، ولا تقنع بالوضع الراهن، ودائما ما تسعى إلى التحدّي والتغيير.


المراجع

alawan.bnt

التصانيف

فكر  اصطلاحات  مصطلحات تاريخية   العلوم الاجتماعية   الآداب