هذا
ونذكر بعد ذلك أن علياً رضي الله عنه كان راضياً بخلافة الصديق ومشاركاً له
في معاملاته وقضاياه، قابلاً منه الهدايا، رافعاً إليه الشكاوى، مصلياً خلفه،
عاملاً معه المحبة والأخوة، محباً له، مبغضاً من يبغضه وشهد
بذلك أكبر خصوم الخلفاء الراشدين وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم
بهديهم، وسلك بمسلكهم، ونهج بمنهجهم
فالرواية
الأولى التي سقناها قبل ذلك أن علياً قال للقوم حينما أرادوه خليفة وأميراً: وأنا
لكم وزيراً خير لكم مني أميراً" (نهج البلاغة) (ص136) تحقيق صبحي صالح ويذكرهم
بذلك أيام الصديق والفاروق حينما كان مستشاراً مسموعاً، ومشيراً منفذاً كلمته كما
يروي اليعقوبي الشيعي الغالي في تاريخه وهو يذكر أيام خلافة الصديق: "وأراد أبو
بكر أن يغزو الروم فشاور جماعة من أصحاب رسول الله، فقدموا وأخروا، فاستشار علي بن
أبي طالب فأشار أن يفعل، فقال: إن فعلت ظفرت؟ فقال: بشرت بخير، فقام أبو بكر في
الناس خطيباً، وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم (تاريخ اليعقوبي) (ص132، 133) ج2 ط
بيروت 1960م وفي
رواية: "سأل الصديق علياً كيف ومن أين تبشر؟ قال: من النبي حيث سمعته يبشر
بتلك البشارة، فقال أبو بكر: سررتني بما أسمعتني من رسول الله يا أبا الحسن! يسرّك
الله" (تاريخ التواريخ) ج2 كتاب (2 ص158) تحت عنوان "عزام أبي بكر
").
ويقول
اليعقوبي أيضاً: وكان ممن يؤخذ عنه الفقه في أيام أبي بكر علي بن أبي طالب وعمر بن
الخطاب ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود" (تاريخ
اليعقوبي) (ص138 ج2).
فقدم
علياً على جميع أصحابه، وهذا دليل واضح على تعاملهم مع بعضهم وتقديمهم علياً في
المشورة والقضاء,
(
وفي هذا المعنى توجد روايات كثيرة عندنا أن أبا بكر استشار أصحابه في
مسائل ومشاكل وفيمن استشارهم كان علياً رضي الله عنه، فقدم رأيه على آرائهم، انظر
لذلك البداية والنهاية لابن الكثير ورياض النضرة لمحب الطبري وكنز العمال وتاريخ
الملوك والأمم للطبري وتاريخ ابن خلدون وغيرها من الكتب، ولكنا لما عاهدنا أن لا
نذكر شيئاً إلا من كتب القوم أعرضنا عن سردها).
ويؤيد
ذلك الشيعي الغالي محمد بن النعمان العكبري الملقب بالشيخ المفيد حيث بوّب باباً
خاصاً في كتابه (الإرشاد) قضايا أمير المؤمنين عليه السلام في إمارة أبي بكر.
ثم ذكر
عدة روايات عن قضايا علي في خلافة أبي بكر، ومنها: "إن رجلاً رفع إلى أبي بكر
وقد شرب الخمر، فأراد أن يقيم عليه الحد فقال له: إني شربتها ولا علم لي بتحريمها
لأني نشأت بين قوم يستحلونها ولم أعلم بتحريمها حتى الآن فارتج على أبي بكر الأمر
بالحكم عليه ولم يعلم وجه القضاء فيه، فأشار عليه بعض من حضر أن يستخبر أمير
المؤمنين عليه السلام عن الحكم في ذلك، فأرسل إليه من سأله عنه، فقال أمير
المؤمنين: مر رجلين ثقتين من المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والأنصار
ويناشدانهم هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ؟ فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحد عليه، وإن لم يشهد أحد بذلك
فاستتبه وخلّ سبيله، ففعل ذلك أبو بكر فلم يشهد أحد من المهاجرين والأنصار أنه تلا
عليه آية التحريم، ولا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فاستتابه أبو
بكر وخلى سبيله وسلم لعلي (عليه السلام) في القضاء به" (الإرشاد) للمفيد ص107
ط إيران).
هذا
وكان يتمثل أوامره كما حدث أن وفداً من الكفار جاءوا إلى المدينة المنورة، ورأوا
بالمسلمين ضعفاً وقلة لذهابهم إلى الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدين
والبغاة الطغاة، فأحس منهم الصديق خطراً على عاصمة الإسلام والمسلمين، فأمر الصديق
بحراسة المدينة وجعل الحرس على أنقابها يبيتون بالجيوش، وأمر علياً والزبير وطلحة
وعبد الله بن مسعود أن يرأسوا هؤلاء الحراس، وبقوا ذلك حتى أمنوا منهم" (شرح
نهج البلاغة) (4 /228 تبريز).
وللتعامل
الموجود بينهم، وللتعاطف والتوادد والوئام الكامل كان علي وهو سيد أهل البيت ووالد
سبطي الرسول صلوات الله وسلامه عليه يتقبل منه الهدايا دأب الأخوة المتشاورين ما
بينهم والمتحابين كما قبل الصهباء الجارية التي سبيت في معركة عين التمر، وولدت له
عمر ورقية "وأما عمر ورقية فإنهما من سبيئة من تغلب يقال لها الصهباء سبيت في
خلافة أبي بكر وإمارة خالد بن الوليد بعين التمر" (شرح نهج البلاغة) (2 /718)
أيضاً (عمدة الطالب) ط نجف (ص361).
"
وكانت اسمها أم حبيب بنت ربيعة" (الإرشاد) (ص186).
وأيضاً
منحه الصديق خولة بنت جعفر بن قيس التي أسرت مع من أسر في حرب اليمامة وولدت له
أفضل أولاده بعد الحسنين محمد بن الحنفية.
"
وهي من سبي أهل الردة وبها يعرف ابنها ونسب إليها محمد بن
الحنفية" (عمدة الطالب) الفصل الثالث (ص352) أيضاً "حق اليقين"
(ص213).
كما
وردت روايات عديدة في قبوله هو وأولاده الهدايا المالية والخمس وأموال الفيء من
الصديق رضي الله عنهم أجمعين، وكان علي هو القاسم والمتولي في عهده على الخمس
والفيء، وكانت هذه الأموال بيد علي، ثم كانت بيد الحسن، ثم بيد الحسين، ثم الحسن
بن الحسن، ثم زيد بن الحسن" (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحدد (4 /118). ولقد
ورد في أبي داود عن علي رضي الله عنه أنه قال: اجتمعت أنا والعباس وفاطمة
وزيد بن حارثة عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت يا رسول الله! إن رأيت أن
توليني حقنا من هذا الخمس في كتاب الله عز وجل فاقسمه حياتك كيلا ينازعني أحد بعدك
فافعل، قال: ففعل ذلك قال: فقسمته حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ولانيه
أبو بكر حتى إذا كان آخر سنة من سني عمر رضي الله عنه فإنه أتاه مال كثير،
فعزل حقنا ثم أرسل إلي، فقلت: بنا عنه العام غنىً وبالمسلمين إليه حاجة فأردده
عليهم، فرده عليهم" (أبو داود كتاب الخراج، فمسند أحمد مسندات علي).
هذا
وكان يؤدي الصلوات الخمس في المسجد خلف الصديق، راضياً بإمامته، ومظهراً للناس
اتفاقه ووئامه معه" (الاحتجاج) للطبرسي 53، أيضاً كتاب (سليم بن قيس) (ص253)
أيضاً "مرآة العقول" للمجلسي (ص388) ط إيران).
وقال الطوسي
في صلاة علي خلف أبي بكر: فذاك مسلم لأنه الظاهر" (تلخيص الشافي) (ص354) ط
إيران).
المراجع
dorar.net
التصانيف
عقيدة شخصيات إسلامية العلوم الاجتماعية