أقَصْرَ حُمَيدٍ، لا عَزَاءَ لمَغْرَمِ، 
وَلا قَصرَ عن دَمعٍ، وَإن كان من دمِ
أفي كُلّ عَامٍ لا تَزَالُ مُرَوَّعاً 
بِفَذّ نَعيٍّ، تارَةً، أوْ بتَوْءَمِ 
مَضَى أهلُكَ الأخْيَارُ، إلاّ أقَلَّهُمْ، 
وَبَادوا، كمَا بَادَتْ أوَائلُ جُرْهُمِ 
فَصِرْتَ كَعُشٍّ خَلّفَتْهُ فِرَاخُهُ 
بعَلْيَاءِ فَرْعِ الأثْلَةِ المُتَهَشِّمِ
أحَبّ بَنُوكَ المَكْرُماتِ، فَفُرّقَتْ 
جَماعَتُهُمْ في كلّ دَهياءَ صَيلَمِ 
تَدانَتْ مَنَاياهُمْ بهِمْ، وَتَباعَدَتْ 
مَضَاجِعُهُمْ عَنْ تُرْبِكَ المُتَنَسَّمِ 
فَكُلٌّ لَهُ قَبْرٌ غَرِيبٌ بِبَلْدَةٍ، 
فمِنْ مُنجِدٍ نائي الضّرِيحِ، وَمُتهِمِ 
قُبُورٌ، بأطْرَافِ الثّغُورِ، كأنّمَا 
مَوَاقِعُها مِنْهَا مَوَاقِعُ أنْجُمِ 
بشاهِقَةِ البَذّينِ قَبْرُ مُحَمّدٍ
بَعيدٌ عَنِ البَاكينَ، في كلّ مأتَمِ 
تَشُقُّ عَلَيْهِ الرّيحُ، كلَّ عَشيّةٍ، 
جُيُوبَ الغَمَامِ بَينَ بِكْرٍ وَأيِّمِ 
وَقَبرَانِ في أعْلَى النّبَاجِ سَقَتْهُما 
بُرُوقُ سُيُوفِ الغَوْثِ غَيثاً من الدّمِ 
أقَبْرَا أبي نَصْرٍ وَقَحْطَبَةٍ هُمَا 
بحَيثُ هُمَا، أمْ يَذْبُلٍ وَيَرَمْرَمِ 
وَبالمَوْصِلِ الزْهرَاءِ مَلْحَدُ أحْمَدٍ، 
وَبَينَ رُبَى القَاطولِ مَضْجعُ أصرَمِ 
وَكَمْ طَلَبَتهُمْ مِنْ سَوَابقِ عَبْرةٍ، 
متى ما تُنَهْنَهْ بالمَلامَةِ تَسْجُمِ 
نَوَادِرُ في أقصَى خُرَاسانَ جاوَبَتْ 
نَوَائحَ، في بَغدادَ، بُحِّ التّرَنّمِ 
لَهُنّ عَلَيْهِمْ حَنّةٌ بَعْدَ أنّةٍ، 
وَوَجْدٌ كَدُفّاعِ الحَرِيقِ المُضَرَّمِ 
أبَا غانِمٍ أرْدَى بَنيكَ اعتِقادُهُمْ 
بأنّ الرّدَى، في الحرْبِ، أكبرُ مَغنمِ 
مَضَوْا، يَستَلِذّونَ المَنايا حَفيظَةً، 
وَحِفظاً لذاكَ السّؤدَدِ المُتَقَدّمِ 
وَمَا طَعَنُوا إلا ّ برُمْحٍ عَمْرٍ مُوَصَّلٍ،
ومَا ضَرَبُوا إلاّ بسَيْفٍ مُثَلَّمِ 

اسم القصيدة: أقصر حميد لا عزاء لمغرم.

اسم الشاعر: البحتري.


المراجع

adab.com

التصانيف

شعر   الآداب