من
أكثر الكتب انتشاراً وشهرة، ولها مكانتها عند شيعة اليوم كتاب (الميزان في تفسير
القرآن) ": للسيد محمد حسين الطباطبائي . وأهم آثار الإمامة في هذا الكتاب تبدو فيما يأتي:-
أولا
ً:عندما ينتصر لعقيدته في الإمامة، أو لشيء متصل بها، يقف من التحريف موقفاً غير
حميد، ففي الحديث عن آية التطهير سبق أن أوردت قوله الذي يفيد احتمال وضع الصحابة
للآيات في غير موضعها حيث قال (16 / 330) : " الآية لم تكن بحسب النزول جزءاً
من آيات نساء النبي، ولا متصلة بها، وإنما وضعت بينها: إما بأمر من النبي صلى الله
عليه وسلم، أو عند التأليف بعد الرحلة " .
وعند الحديث عن موقف شبر من التحريف ذكرت ما نسبه لأئمته من
زيادة كلمة " أو محدث " بعد قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ
مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ {الحـج: 52}، وذكرت كذلك (تفسير شبر) للمحدث بأنه الإمام يسمع الصوت ولا يرى الملك.
وصاحب (الميزان) نراه يقول: " الروايات في معنى المحدث عن أئمة أهل البيت
كثيرة جداً، رواها في (البصائر) و(الكافي) و(الكنز) و(الاختصاص) وغيرها. وتوجد في
روايات أهل السنة أيضاً " .
وإذا كان قوله ينحصر في معنى المحدث، إلاَّ أن روايات أئمته
التي أشار إليها تتناول زيادة الكلمة في الآية الكريمة ومعناها .
أما روايات أهل السنة فنجدها في الصحيحين وغيرهما: ففي البخاري
" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون، فإن يك في
أمتي أحد فإنه عمر)) .
وفي مسلم: عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون، فإن يك في
أمتى منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم)). قال ابن وهب: تفسير محدثون ملهمون " .
وفي
الترمذي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((قد كان يكون الأمم محدثون، فإن يك في أمتي أحد
فعمر بن الخطاب)) وزاد الترمذي:
" قال سفيان بن عيينة: محدثون يعني مفهمون " .
فهذه
الروايات إذن ليس فيها تحريف للقرآن الكريم، أو زعم استمرار الوحي وسماع صوته.
وعند
قوله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ
مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ { النساء:24}.
روى عن
أئمته بأنها إنما نزلت فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ
مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ { النساء:24}، ثم يعقب بقول عام يبين رأيه في هذه الرواية
وأمثالها حيث يقول:
" لعل المراد بأمثال هذه الروايات الدلالة على المعنى المراد من
الآية دون النزول اللفظي " .
فهو إذن لا يجزم بالتحريف أو عدمه، أي أنه في منزلة بين القمي
والطوسي.
ثانياً:
بينا لجوء الطوسي والطبرسي لتأويل بعض آي القرآن الكريم للاستدلال على عقيدة
الإمامة، وهنا نجد صاحب (الميزان) يزيد عنهما غلواً وافتراء، فمثلاً آية الولاية
التي تحدثنا عنها في الجزء الأول، نرى الطباطبائى يتناولها في أكثر من عشرين صفحة
محاولاً أن يثبت بها الولاية، وضلال من لا يشاركه عقيدته، ويذكر أن علياً حاج أبا
بكر بها فاعترف بأن الولاية لعلي .
وعند
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ {النساء:59}. نراه يقول: " على
الناس أن يطيعوا الرسول فيما بينه بالوحي، وفيما يراه من الرأي، وأما أولو الأمر
منهم - كائنين من كانوا - لا نصيب لهم من الوحي، وإنما شأنهم الرأي الذي
يستصوبونه، فلهم افتراض الطاعة نظير ما للرسول في رأيهم وقولهم، ولذلك لما ذكر
وجوب الرد والتسليم عند المشاجرة لم يذكرهم بل خص الله والرسول
". ثم قال: " وبالجملة لما لم يكن لأولي الأمر هؤلاء خيرة في
الشرائع، ولا عندهم إلا ما لله ورسوله من الحكم - أعني الكتاب والسنة - لم يذكرهم
الله سبحانه وتعالى ثانيا، عند ذكر الرد. فلله تعالى إطاعة واحدة وللرسول وأولي
الأمر إطاعة واحدة " . ويبدو الاعتدال هنا في اختصاص الوحي
بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكنه جعل رأي أولي الأمر كرأي الرسول سواء بسواء،
وطاعتهم داخلة في طاعة الرسول، لينتهي من هذا إلى وجوب عصمتهم والنص عليهم، وأنهم
هم أئمة الجعفرية! وذكر روايات تؤيد ما ذهب إليه، فأحال كتاب الله تعالى إلى كتاب
من كتب الإمامة عند الجعفرية.
ونكتفي هنا بذكر إحدى رواياته، وتعقيبه عليها، ليتضح مدى الغلو
والافتراء، وهاك نص الرواية: " في (تفسير البرهان) عن ابن بابويه، بإسناده عن
جابر بن عبدالله الأنصارى, لما أنزل الله عز وجل على نبيه محمد - صلى الله عليه
وسلم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ
وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ {النساء:59} قلت: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله، فمن أولو
الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ؟ فقال: هم خلفائي ياجابر، وأئمة المسلمين من
بعدي، أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي
المعروف في التوراة بالباقر، ستدركه ياجابر، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام،
ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي
بن محمد، ثم الحسين بن علي، ثم سميي محمد وكنيي، حجة الله في أرضه، وبغيته في عباده،
ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها،
ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من
امتحن الله قلبه بالإيمان.
قال
جابر: فقلت له: يارسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقال صلى الله
عليه وسلم: أي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في
غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سر الله ومخزون
علم الله فاكتمه إلا عن أهله! " ثم عقب الطباطبائى بقوله: " وعن
النعماني... عن علي في ما معنى الرواية السابقة، ورواها علي بن إبراهيم بإسناده عن
سليم عنه، وهناك روايات آخرى من طرق الشيعة وأهل السنة! ومنها ذكر إمامتهم
بأسمائهم، من أراد الوقوف عليها فعليه بالرجوع إلى كتاب (ينابيع المودة) وكتاب
(غاية المرام) للبحراني، وغيرهما " .
ثالثاً:
وهو يتحدث عن منهجه في التفسير، واستدلاله بالروايات قال: " وضعنا في ذيل
البيانات متفرقات من أبحاث روائية، نورد فيها ما تيسر لنا إيراده من الروايات
المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأئمة أهل البيت عليهم السلام، من طرق
العامة والخاصة. وأما الروايات الواردة عن مفسري الصحابة والتابعين فإنها على ما
فيها من الخلط والتناقض لا حجة فيها على مسلم " .
وبالاطلاع على هذه الأبحاث الروائية وجدنا أنه لا يفترق كثيراً
عن القمي والعياشي وأضرابهما، وعنهم أخذ أكثر رواياته، ولنضرب بعض الأمثلة:
من هذه الروايات " أن آدم لما أكرمه الله تعالى بإسجاد
ملائكته له، وبإدخاله الجنة، قال: هل خلق الله بشراً أفضل مني ؟ فعلم الله عز وجل
ما وقع في نفسه فناداه، ارفع رأسك يا آدم، وانظر إلى ساق العرش، فنظر إلى ساق
العرش فوجد عليه مكتوباً: لا إله إلاَّ الله، محمد رسول الله، علي بن أبي طالب
أميرالمؤمنين، وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين، والحسن والحسين سيدا شباب أهل
الجنة. فقال آدم: يا رب من هؤلاء ؟ فقال عز وجل: يا آدم، هؤلاء ذريتك، وهم خير منك
ومن جميع خلقي، ولولاهم ما خلقتك، ولا الجنة ولا النار، ولا السماء ولا الأرض،
فإياك أن تنظر إليهم بعين الحسد، فأخرجك عن جواري، فنظر إليهم بعين الحسد وتمنى
منزلتهم، فتسلط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها، وتسلط على حواء
فنظرت إلى فاطمة بعين الحسد حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم، فأخرجهما الله تعالى
من جنته، وأهبطهما من جواره إلى الأرض ".
ثم عقب
صاحب (الميزان) بقوله: " وقد ورد هذا المعنى في عدة روايات، بعضها أبسط من
هذه الرواية وأطنب، وبعضها أجمل وأوجز " .
وروى عن الكليني في قوله تعالى " 37: البقرة
": فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ {البقرة:37} قال: " سأله
بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ". وعقب بقوله: " وروي هذا المعنى
أيضاً الصدوق والعياشي والقمي وغيرهم " .
وروى عن الكليني أيضاً: " إن الله أعز وأمنع من أن يظلم،
أو ينسب نفسه إلى الظلم، ولكنه خلطنا بنفسه، فجعل ظلمنا ظلمه، وولايتنا ولايته، ثم
أنزل الله بذلك قرآناً على نبيه فقال: وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ { البقرة: 57}, الأعراف:160
وعن الكافي كذلك: " إذا جحدوا ولاية أمير المؤمنين
فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
وعن
العياشي أن الإمام الصادق قال: " الذين باءوا بسخط من الله هم الذين جحدوا حق
علي وحق الأئمة منا أهل البيت، فباءوا بسخط من الله " .
وعنه
كذلك في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ
مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ
لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ
اللَّاعِنُونَ {البقرة:
159}
عن الإمام الصادق: نحن نعنى بها، والله المستعان، إن
الواحد منا إذا صارت إليه لم يكن له أو لم يسعه إلاَّ أن يبين للناس من يكون بعده .
وعن
العياشي أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقـول: ((لا دين لمن لا تقية له)) .
وعن
القمي والكافي في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ {الأنفال:
24}، رويا أنها نزلت في ولاية الإمام علي .
ومن هذا كله يتضح أثر الإمامة في هذا التفسير، وهو بلا شك أكثر
غلواً من تفسير الطوسي، بل من الطبرسي، وأبحاثه الروائية نقلها من القمي والعياشي
والكليني وغيرهم، فهو في هذا لا يكاد يفترق عن باقي الضالين.
المراجع
موسوعة الدرر السنية
التصانيف
عقيدة فرق منتسبة للاسلام