ينتقل الإنسان في حياته الطبيعية بين المراحل الثلاث من عمره: الطفولة والشباب والشيخوخة، ولكل مرحلة من مراحل عمره ميزاته ومحاذيره، والإنسان بحكم الطبيعة مجبر على المرور بهذه المراحل بدءاً بالطفولة ثم الشباب وانتهاءً إلى الشيخوخة، كما يصورّه القرآن الكريم أجمل تصوير في قوله عز وجل: (الله الذي خلقكم من ضُعفٍ ثم جعل من بعد ضُعفٍ قوةً ثم جعل من بعدِ قوةٍ ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير)..
فكل إنسان لا بد من تجاوز هذه المراحل وعوارضه التي تتطور حسب كل مرحلة صعوداً ونزولاً فهو في تطور مستمر منذ ولادته، ويختلف هذا التطور في توقيته من شخص لآخر.. ولكنه يخضع في النهاية لحكم واحد هو حكم فناء الجسد، سواء طال العمر أو قصر. وعامل الفناء وعامل الحياة يتواجدان في كل خلية من جسم الإنسان منذ أن يولد إلى أن يموت، ويبقى العضو حياً ومؤدياً لوظائفه الطبيعية طالما كان عامل الحياة له اليد العليا. وفي طور الطفولة تكون كفة الحياة هي الراجحة، فينمو جسم الإنسان ويزدهر.. إلى أن تتساوى الكفتان ويبلغ النمو أقصاه... وتظل الكفتان تتأرجحان فترة من الزمن إلى أن تشاء حكمة الله تعالى أن ترجح كفة الفناء كفة الحياة.. وكل إنسان في مرحلة الشيخوخة يتعرض حتماً لتغيرات جسمية وعقلية ونفسية عديدة ولا مفر منها.. إنه حكم التطور الحتمي. فتبدأ أنسجة الجسم في التلف وهذا يؤدي بالتالي إلى ضمور الخلايا.. ويتصلب الشرايين ويترقق العظام فيسهل كسرها ويحدث تغييرات في الغضاريف التي تبطئ معظم مفاصل الجسم، ويبدأ عنصر الكالسيوم في الترسب في القلب والأوعية الدموية، فيزيد تدريجياً من تيبس جدرانها، وهذا يؤدي إلى ارتفاع في ضغط الدم.. من الوجهة العصبية النفسية يتشكل تباطؤ لكل العمل: الارتكاسات، حدة الأحاسيس، الحركة الذاتية، النطق، الذاكرة، وتداعي الأفكار، والمراكز المنظمة للوظائف العضوية تضعف أيضاً مما يؤدي إلى اضطرابات شريانية. والواقع أنه لا يوجد قانون زمني يحكم هذا التوقيت ويحدد التأرجح بين النمو والانحلال، فإن هذا التأرجح يختلف من شخص لآخر، كما أنه يختلف من عضو إلى عضو آخر في نفس الجسم.. ولكن مع ذلك تطرأ التغيرات حيث يمكن أن نعتبر أن نسق الشيخوخة يبدأ منذ الإخصاب. ما أن يجتاز مرحلة البلوغ يعبر الجسم أول مرحلة تحول أو حتى خارج أي إطار مرضي سيبدي ظواهر تراجعية: إنها الشيخوخة، فالشيخوخة الطبيعية مرحلة من مراحل حياة الإنسان أقرتها الحكمة الإلهية، وتبدأ بعد انقضاء مرحلة القوة البدنية فتزداد بالتدريج حتى تصل إلى نقطة النهاية بموت الإنسان، ولا ينبغي الاضطراب حيال ذلك وليس صحيحاً أن الذهن يخبو مع العمر ويتراجع الإبداع ويصبح الإنسان لا قيمه له، بل أغلب العلماء والعظماء عطاءاتهم وإنتاجاتهم وصلت ذروتها، في أواخر أعمارهم بل ربما الشيخوخة تكون أفضل أيام العمر لما يشعر به الإنسان من تقديم شيء حقيقي للحياة وذي فائدة عظيمة، وتثبت الدراسات أن التوقد الذهني يبقى قوياً في كبار حظوا بتعليم عال وبنمط غني الإثارة وبزواج من رفيق أو رفيقة ذكية. ويستطيع الإنسان حفظ التوقد والذاكرة بالبقاء نشيطاً فكراً وحركة وعملاً شرط أن يلتذ بما يقوم به أما الذين يصرّون على متابعة أعمالهم كأن شيئاً لم يكن فهم الخاسرون، إذ على الكبير أن يتخلى عن الماضي ويتبع هوايات فيها التحدي الفكري مع اللذة. ولكن الذي يجب ملاحظته هو (الشيخوخة قبل أوانها أي المبكرة) ويعاني من أعراضها الكثيرون والمستنتج من الأحاديث وتحقيقات العلماء هو أن الشيخوخة السريعة تنشأ لسببين: 1- الإفراط الذي يؤدي إلى إنهاك قوى الجسم ويصيب أعضاءه الأساسية بالأضرار. 2- القلق والاضطراب النفسيان اللذان يقضيان على هدوء الإنسان واطمئنانه، ويحطمان قوة مقاومة أعصابه. فالأشخاص الذين لا يراعون القواعد الصحية، كسوء التغذية، والإدمان المضر والسكن غير الصحي والتنفس الملوث والعمل المتواصل والمتعب والإرهاق، والإفراط في إشباع الغريزة الجنسية، فكل إفراد يؤدي إلى إنهاك الإنسان ويحدث إخلالاً في حركات الجسم الطبيعية، يؤدي إلى الشيخوخة السريعة فتنتهي أعمارهم قبل الموعد الطبيعي. وأيضاً الإرهاق المرضي والفكري أو الجسمي يؤدي إلى انحلال القوى والشيخوخة المبكرة فعن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) (كثرة الهمّ تورث الهرم). وعلاج الشيخوخة السريعة بعلاج هذين الأمرين والاعتدال في كل شيء في الجسم والنفس والاعتماد والتوكل على الله سبحانه وتعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
المراجع
www.swmsa.net/articles.php?action=show&id=51موسوعة الأبحاث العلمية
التصانيف
الأبحاث