منذ آلاف السنيين، خلق الإنسان الأديان وذلك لعدة أسباب أهمها عدم فهمه للظواهر الطبيعية المحيطة به من كوارث وطوفانات وغيرها، وعزا كل ذلك إلى قوّة جبّارة تحرك كلّ شيء في الكون، أسماها "الله". حتى الأمراض عزا الإصابة بها وشفاءها إلى "الله".
جاء الأنبياء، وكانوا أفطن من غيرهم، يتمتّعون بشخصيات جذّابة Charismatic وقدرة لغوية بلاغية عالية، وشكّلوا أديانهم، وألّفوا كتبها وبشّروا بها، مدّعين أنّها مرسلة من عند الله، وأنهم رسله بعثهم لنشر الحقّ والعدل والفضيلة.
لا شكّ أن الأديان، بشكل عامّ، لعبت دورا ايجابيا في نشر الفضيلة ونبذ الشر وخاصة في عصور كان يسودها قانون الغاب، وتفتقر إلى قوانين مجتمعية تعاقب على ارتكاب الشرّ بكلّ أشكاله. ووعدنا الأنبياء بالجنّة إذا عشنا حياتنا على الأرض مؤمنين أبرارا، وبالنار إذا لم نكن كذلك. وعلى مرّ العصور أصبح الدين جزءا من حياة الإنسان والمجتمعات.
جدّتي – الله يرحمها – كانت عجوز متدينة كغيرها من الناس، تلقت تعاليم الدين من هنا وهناك، عادة من خطب الجمعة في الراديو، وكأمّية لا تقرأ ولا تكتب لم تقرأ القراَن والحديث، ولم تتعلم الدين من مصادره الأولية، فضلا عن أن هذه الكتب كتبت بلغة قديمة طنّانة رنانة تبدو وكأنها بالفعل كلام قوة إلاهية. وكانت جدتي تكره أن يشكك أحدهم بالدين. فحين كنت أقرأ لها بعض الآيات القرآنية التي تتناقض مع حقوق الإنسان من ضرب المرأة إذا خالفت زوجها، والدعوة لقتل الكافرين من مسيحيين ويهود وهم جيران لنا، ورجم المرأة بالحجارة حتى الموت إذا شهد أربعة رجال على أنها زنت، كانت تقاطعني بالقول "اخرس ! هذا كلام الله . بلا مسخرة (سخرية) ! هذا كفر!"
كنت أدرك بأنّ جدتي كانت بين نارين: نار الكفر ونار رفضها لعدم احترام حقوق الإنسان. لقد كانت جدتي كغيرها من النساء تعارض جدّي، لكنه لم يضربها ولو ضربها لاعتبرت ذلك ظلما وطلبت من الله العون والرحمة.
ولا عجب في ذلك. فالدين جزء لا يتجزأ من تكوينها الفكري والعاطفي غير قابل للجدل والنقاش والنقد. وهذا في الواقع ينسحب على معظم المتدينين من مسلمين ومسيحيين ويهود وغيرهم.
وعلى الرغم من انتشار العلم والمعرفة في القرون الثلاثة الماضية، إلا أنّ الغالبية العظمى من أتباع كافة الأديان لا تزال تتمسك بالدين وتعاليمه، مهما كانت مناهضة لحقوق الإنسان والحرية الفكرية.
في المجتمعات الغربية، وخاصة الأوربية منها، التي يدين معظم سكانها بالمسيحية، هناك دراسات وإحصائيات تشير إلى أن ثلث أفراد هذه المجتمعات فقط لا يزال متدينا ويتردد على الكنيسة، على الأقل يوم الأحد. علما بأن هذه المجموعة قد تجاوزت النصوص المعادية للمرأة، وتركّز على التعاليم والقيم الإيجابية.
أمّا باقي الأوربيين، ولاسيما الشباب منهم، فهم لا يهتمون بالأمور الدينية.
يتوقع علماء الاجتماع أن يصبح الدين في أوروبا، بعد عقدين أو ثلاثة من الآن، في عداد الذكريات ترويه كتب التاريخ ولا يمارسه أحد أو عدد قليل من الناس.
أما المجتمعات العربية والإسلامية، فمن المتوقع أن يستمرّ التدين فيها تحت سيطرة نظم سياسية مستبدة ومؤسسات دينية تقليدية أصولية خلال العقدين القادمين، وخاصة إذا استمر الحال عليه من تخلّف مادي وتعليمي. فالمجتمعات المتخلفة هي عادة أكثر تديّنا من نظيراتها المتقدمة.
ولكن في ظل انتشار الثورة المعلوماتية التي تجتاح العالم، فمن المتوقع أن تتشكل حركة إصلاحية علمانية تنويرية مناهضة للتطرف والغلوّ الديني، تبرز التعاليم السلبية في الإسلام، الأمر الذي سيزيد من عدد المناوئين للإسلام الأصولي المتطرف.
وكما أشرنا في مقالات سابقة، تشير دراسات ميدانية أجراها فريق من الباحثين من جامعة بيليفلد الالمانية في عدد من الدول الاسلامية ومن ضمنها العربية خلال عامي 2006 و2007 إلى أن نسبة المسلمين ممن قرؤوا القراَن لا تتجاوز الـ 10% بين الرجال و5% بين النساء. وبالتالي يصبح العديد من ملايين المسلمين فريسة سهلة للدعاة الذين يطلقون على أنفسهم مسمّى "العلماء".
وكما أشرنا سابقا فإنّ القراَن كُتب بلغة عربية قديمة يصعب على القارئ العادي فهمها، وتجعله يعتقد بأنها إلهية يفسّرها "العلماء" كما يشاؤون بلغة عربية فصيحة تنمّ عن أنهم بالفعل "علماء"، ينطبق عليهم المثل الشعبي "أعور بين عميان"، ومن خلالها يقودون الجماهير المسلمة كقطيع من الغنم في الاتجاه الذي يروق لهم. بالمقابل تعتقد هذه الأغنام أنّ شيوخ الإسلام أدرى بشؤون الدين وهم البوصلة التي ستوصلهم إلى أبواب الجنة.
فالمشكلة الأساسية ليست في الدعاة وشيوخ الإسلام الذين يصدرون أتفه الفتاوى غير الحضارية وغير الإنسانية، ولكنها في الغنم، في الجماهير الأمّية أو شبه الأمية، فهي لا تقرأ ولا تطّلع ولا يسمح لها أصلا بذلك، فالكتب والمطبوعات الأخرى التي تنتقد الإسلام ممنوعة في العالم العربي والإسلامي - بعكس كتب الطبخ، فهي موجودة في كل مكتبة - وفي نفس الوقت تسيطر وسائل الإعلام الرسمية والخاصة على الساحة الإعلامية تنشر الأصولية والعمى عن الحقيقة.
إضافة إلى ذلك، تشير دراسات تاريخية إلى أنّ القراَن والحديث تمّ جمع نصوصهما خلال أكثرمن سبعين عام بعد وفاة نبيّ الاسلام. باختصار شديد القراَن، علاوة على أنّه في الأصل من تأليف النبي محمد، هو أيضا كتاب شارك في تأليفه أعرابيون أمّيون يعيشون حياة "فكرية" قاحلة أشبه بالصحراء التي يعيشون فيها.
أنا على ثقة بـأنّ ازدياد المعرفة والاطلاع على القراَن بدون وسيط "العلماء" و"أسراره وإعجازاته" كما يحلو للداعية المصري زغلول النجار أن يصفه، سيجعل الكثير من المسلمين يشكّكون في "قدسية" هذا الكتاب. وحتى لو اعتقدنا جدلا بأنّ هناك إلها يحكم الكون، فهو غفور رحيم باعتقاد كافة الأديان، حتى في الإسلام، ولا يمكن له أن يدعو إلى ضرب المرأة ورجمها بالحجارة وقتل الكافرين. هذه خزعبلات أعرابي يعيش حياة قاحلة كالصحراء من حوله.
 

المراجع

موسوعة الاوان

التصانيف

عقيدة