ولد الكاتب والسوسيولوجي المغربي عبد الكبير الخطيبي في 1938. وفي سنة 1971 نشر سيرته الذاتية المعنونة بـ"الذاكرة الموشومة" وهذا عنوان بالغ الدلالة يؤشّر تماما على المسار الفكريّ والإبداعيّ الذي سينهجه كاتب عربي فذّ…أختار الكتابة باللغة الفرنسية. وهذا أوّل تناقضات الكاتب المغربيّ الراحل الذي ستترجم مؤلّفاته لاحقا إلى العربية، ويحتلّ مكانة مرموقة في صفّ كتاب الحداثة وما بعد الحداثة والاختلاف العربيين. ونذكر في هذا الصدد ترجمتين أساسيتين: 
ترجمة الشاعر المغربيّ محمد بنيس لكتاب La blessure du nom propreبعنوان شاعري معبّر: الاسم العربيّ الجريح. 
ترجمة كاظم جهاد الموفّقة لكتاب le lutteur de classe à la manière taouiste ولن ننغلق هنا في مسألة متجاوزة من قبيل الاستقطاب الفرانكفوني لكاتب ومفكّر في حجم عبد الكبير الخطيبي (وهذه مسالة تهمّ كتّابا ومفكّرين مغاربيين كثيرين). فالمعنيّ بالأمر نفسه حسم هذه المسألة بمراهنته على التعدّد والاختلاف. فاللغة هي مسكن الكائن وليس العكس. هذه قولة هيدغرية بامتياز. وعبد الكبير الخطيبي ينهل من مارتن هيدغر وجورج باطاي وجاك ديريدا إلى حدّ التخمة. ففكر الخطيبي تأسّس واستوى في سياق تغلغل ما يسمّى بتيّار فكر الاختلاف وفلسفة ما بعد الحداثة لدى قسم رئيسيّ من النخبة المثقفة العربية. ومن هنا: 1-الطابع الشذري المهيمن على جزء أساسي من كتابات ونصوص الخطيبي. 2-النقد الجذري لمفاهيم بعينها مثل الوحدة والكلية والاحتفاء بما هو جزئيّ وهامشيّ. 3-نزوع كامن يمكن نعته بـ"الغنوصي" و"الصوفي" فيما يخصّ فعل الإبداع تحديدا. ولعلّ نصّ المصارع الطبقي على الطريقة الطاوية المجزّأ إلى أربعين مقطعا والمستهدف الجمع العجيب بين فلسفة الطاو (فلسفة الفراغ) وفلسفة البراكسيس الماركسية هو النصّ النموذجي هنا بامتياز. إنّ عبد الكبير الخطيبي يرحل ويترك وراءه: 1-متنا تأليفيا غنيّا ومتنوّعا يتجاوز الثلاثين عنوانا ما بين شعر ورواية وبحوث مختلفة (أعادت نشرها مؤخّرا دار نشر باريسية مرموقة في ثلاثة أجزاء). 2-تجربة مثقّف عربيّ خاض معركة التحديث والحداثة، من موقع ما يدعوه هو نفسه بـ"النقد المزدوج": نقد الذات المسيطر عليها لاهوتيا ونقد الآخر غير المتحرّر تماما من ميتافزيقا حداثته التقنية. 3-القناعة لدى قارئه اليقظ (واليقظة خاصية أساسية لدى ديريدا الذي يدين له الخطيبي بالكثير) بأنّ خلخلة "الواحد" و"الثابت" يمكن أن تجئ من الهامشي. لكن ما قيمة هذه الخلخلة إذا كانت لا تصيب المركز المسيطر والمهيمن في صميم ما يؤسّس سيطرته وهيمنه ذاتهما: احتكاره كونية القيم والمعارف الحديثة. والمسألة لا تتعلق هنا بالدعوة إلى أصالة زائفة أو خصوصيانية مزعومة يفضحهما الخطيبي باقتدار. ولكنّ المسألة تتعلق برؤية الكونيّ والمشترك من داخل الخصوصيّ والمختلف. ولا نزعم بأنّ الخطيبي افتقد هذه الرؤية تماما…ولكنّ صراعه الطبقي على الطريقة الطاوية يشوّش عليها.

المراجع

alawan.org

التصانيف

فنون  أدب  أعمال أدبية  مجتمع