الشاعر محمد مصطفى الغماري من مواليد 1948، واعتبر من الشيعة الجزائريين الذين مجدوا ثورتها الخمينية، التي كان لها الأثر البارز في رحلته الشيعية والشعرية، وزار إيران مرات متعددة، وتربطه علاقات وثيقة مع رجال دين ومثقفين وسياسيين إيرانيين، وهو دكتور ويمارس التدريس في معهد اللغة والآداب بالجامعة الجزائرية، له نشاط كثيف بين الطلاب لنشر الفكر الإثني عشري، مجد في كثير من أشعاره عبر دواوينه المختلفة ثورة إيران وزعيمها الخميني، وقد فاقت العشرين ديوانا نذكر منها "أسرار الغربة" عام 1978، "عرس في مأتم الحجاج" عام 1981، "مولد نور" عام 1997... وقد تحدى التقية وجهر بتشيعه في الكثير من قصائده، حيث يقول الشاعر في أحد تراتيله الشيعية الممجدة للخميني وثورته:

ورأيت في عينيك رمزا ثائــرا
  • ينهل من شفة الضيـــاء ويزهر

  • يمتد قرآن الخلود جبينـــــــــه
  • وجراحه بدمــــــى التآمر تسخر

  • يمتد في نار الحضور حضوره
  • أن ضج كسرى أو تململ قيصر

  • أبدا يريد القرب، شـــل عبيره
  • "تحجيم" ثورته التـــــي لا تقهر.

  • ومما نقلته عنه جريدة "كيهان" الإيرانية في عددها 4049 الصادر بتاريخ: 5 جويلية 1999 – وتبدو مصادفة غريبة في إختيار هذا اليوم بالذات الذي يعني ذكرى ثمينة وغالية بالنسبة للجزائريين والمتمثلة في يوم الإستقلال- من خلال ندوة لها في العاصمة الإيرانية طهران، حيث صرح الدكتور الغماري قائلا: (لقد جاء الإمام الخميني فأعاد إلى الأمة ثقتها الضائعة بنفسها، وصدع قلوب المستبدين وانفتحت له قلوب المؤمنين والمستضعفين، وأعاد للكلمة الإسلامية حيويتها وحياتها، وللحكم الإسلامي مصطلحه ومضمونه، فأصبح على كل لسان مذكورا، بعد أن ظل قرونا في بطون الكتب مطمورا، مهجورا، وأخذت السياسة الإسلامية مكانها الريادي في الحضور السياسي المعاصر، صداما أو حوارا(

    وفي قصيدته "الحب أقوى" والتي رفعها مقرضا إهداءه: (إلى الإمام العلامة آية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر ونجليه المغدورين... إليه في الشهداء الخالدين نفثة ولاء... وعلى قاتليه لعنة تلاحق القتلة المغرورين... )، كتبها في 21 فيفري 1999، ومما جاء فيها:

    على أنّي لآلِ البيتِ أرضى
  • وأغضَبُ أو أُعادي أو ألومُ

  • وهمْ رَشَدي اذا نشدَتْ هداها
  • خلائقُ في ضلالَتِها تُقيمُ

  • وهمْ زادي اذا ما الزادُ أقْوى
  • وهمْ ظِلّي اذا حُمَّ الحَميمُ

  • أعِزُّ بهمْ اذا ذُكِروا.. وإنّي
  • لأذكرهُم فتنفرجُ الغُمومُ

  • ولستُ أضِلُّ في الحُسبانِ..
  • إنّي اذا ارتابَ الظَّنينُ بهِم عليمُ

  • أُساوِرُ لوعَتي فيهِم خَفاءً
  • واُبديها.. وإنْ ضجرَ المُلِيمُ

  • وأحمِلُ فيهم جَمرَ اصطبار
  • ولا كالصبَّرِ في الجُلّى نَديمُ

  • أُديمُ مطالَهُ ألَماً عَريضاً
  • وأُوسعُه.. وما لي لا أُدِيمُ؟

  • وأَحتَسبُ اللياليَ في هواهُمْ
  • بقافِية تَدينُ لها الخُصومُ

  • أُقاتلُ دونَهُم مَنْ راحَ يَبغي
  • ولا كالبغْيِ مرتعُهُ وَخِيمُ

  • على دين البُغاةِ أصبُّ ناري
  • ودينُ البغيِ جَنّتهُ الجَحيمُ

  • رأيتُ الناصبينَ بَنوا قُصوراً
  • قُصوراً... لا كساكِنها رَميمُ

والقصيدة لا تحتاج إلى تعليق فهي تؤكد عقيدة الشاعر التي حاول إنكارها يوما وبحضوري الشخصي في مركب "الصخر الأسود" بالعوانة (ولاية جيجل) أثناء الأيام الأدبية بالشقفة في جويلية 2000، دفعه النقاش الذي دار بيننا إلى المغادرة نحو العاصمة ومن دون أن يشارك في الأمسيات الشعرية، ومما سجلناه خلال تلك الفترة أن الشاعر الدكتور عيسى لحيلح الذي كان مفتي ما يسمى بالجيش الإسلامي للإنقاذ والذراع الأيمن لأميره الوطني مدني مزراق قد دافع عن معتقدات التشيع، وتعجبت بنفسي لما زرناه في بيته مع مدير يومية البلاد التابعة لحمس عبدالقادر جمعة من ثراء مكتبته بالكتب الشيعية والإيرانية المختلفة... وأيضا مما يمكن تسجيله عن الشاعر الجزائري الغماري والمحسوب على الشعراء الإسلاميين رسالة أرسلها إلى أسرة مجلة "رسالة القرآن" الشيعية التي تصدر من مكتب أحد المرجعيات الدينية، وهذا نصها:

السيد الفاضل رئيس تحرير مجلّة ـ رسالة القرآن ـ تحيّة مباركة طيّبة.

وصلني العدد الأوّل من مجلّتِكُم الممتازة ـ رسالة القرآن ـ فغمرتني فرحةٌ طاغية وإنْ كان الشيء من مأتاه، لا يُسْتَغْرَب فما زالت الجمهوريّة الإسلاميّة السبّاقة إلى ما فيه شرف الإسلام، وعزّ المسلمين، وما زال رجالهم وعُلماؤهم العظام يُبدعون في مجالات الفكر والعلم والعمل، دام ظلّهم العالي في سبيل الإسلام العزيز، (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ) لْماً أنّ صدور العدد الأوّل من مجلّة رسالة القرآن بهذه الصورة من الإخراج الرفيع، وبهذا المستوى الفكري المُمتاز من حيثُ المضمون، لجدير أنْ تكون مجلّة كلّ مسلم رسالي يُريد أنْ يثقّف نفسه، ويزيل عنها غبار التقليد في المنهج، والسطحيّة في التناول، اللذين سادا في العصور الأخيرة.

وإنّ صدور المجلّة لا يُحمَد لدار القرآن الكريم، إنّها يدٌ بيضاء للإمام آية الله العظمى الگلپايگاني دام ظلّه، ولمدرسته أدامها الله قبساً من نور القرآن الباقي، وبما أنّني مشرف على تدريس مادّة علوم القرآن، وعلوم الحديث بكلّية اللغة العربيّة وآدابها (جامعة الجزائر) فاطلُب منكم، أنْ تبعثوا لي نسخة من مطبوعة المُؤتَمر الأوّل لدار القرآن الكريم التي أشرتم إليها بالمجلّة ص187 وأُحاول ـ إنْ شاء الله ـ أنْ أزوّدكُم بما يَقع بين يَدّي مّما يهُم المجلّة والدار من وثائق أو محاضرات أو ندوات تُعقد أو عُقدت حول الموضوع، دمتم لخدمة الإسلام... أخوكم مصطفى محمّد الغماري.

مما يؤكد بأن الرجل يدرس مادة مهمة بالجامعة الجزائرية، ويكشف أيضا مدى خطورة تشيع هؤلاء المدرسين على أجيالنا اللاحقة، وهذا الذي سوف نتحدث عنه في هذا الملف... يوجد أيضا آخرين من أمثال الخبير التربوي رشيد بن عيسى المقيم بفرنسا والمتخرج من جامعة السربون عام 1974، الذي يعده نشطاء التشيع نموذجا به يصلون لعقول الشباب، ويبثون أشرطته السمعية التي تحدث فيها عن رحلته نحو ما سماها "عقيدة آل البيت"، وأعتبر الأب الروحي للشيعة الجزائريين، وآخرون يعتبرونه "عبقري" و"مفكر عقلاني" اسلم على يديه المئات من الفرنسيين وتشيع أكثر من ذلك، وهو تربطه علاقات وثيقة بـ "حزب الله" ومكاتب المراجع الدينية في النجف وقم، وأشهر أشرطته تلك التي تحدث فيه عن أسباب تشيعه وسماه "ثم إهتديت"... ونجد أيضا الدكتور أحمد بن محمد الذي كان يمارس الدعوة والنشاطات السياسية المختلفة، أسس حزبه المعروف بـ "حزب الجزائر المسلمة المعاصرة"، يتحدر من ولاية باتنة أحد معاقل التشيع في الجزائر، مما يجب التنويه إلى أسباب التركيز على "الشاوية" في ذلك، مما يؤكد الأسس الطائفية والعرقية... أحمد بن محمد هو خريج السربون أيضا وأستاذ بجامعة باتنة، وسوف نتعرض لاحقا للتوزيع الجغرافي لنشطاء التشيع في الجزائر وننفرد بمعلومات مهمة وخطيرة، وهذا الأخير أيضا بدوره من الموالين لإيران وإن كانت لم تصلنا نصوص على لسانه نجزم بها تشيعه، وقد حل الحزب عام 1996 في إطار منع القانون للأحزاب التي تبنى على أساس ديني أو طائفي، ورفض رئيسه أحمد بن محمد أن يغير من إسم حزبه، وهذا الذي استجابت له حركة محفوظ نحناح وصارت "حركة مجتمع السلم" بعدما كانت تعرف بـ "حركة المجتمع الإسلامي" والأمر نفسه بالنسبة لحركة "النهضة الإسلامية" التي يترأسها عبد الله جاب الله حينها قبل أن ينشق عنها، وصارت "حركة النهضة" فقط، وقد تلقى الدعم المتميز حسب بعض المصادر الرفيعة المستوى من إيران، وكانت السبب البارز في حله، وخاصة أن جهات دينية نشيطة تريد إستغلال الطاقات العلمية والجامعية وحتى الحزبية في مدها المتواصل، لأن أغلب الطاقات العلمية لا تملك رصيد ديني يحميها من التبشير الشيعي، وقد عرف بحضوره المتكرر على برامج قناة الجزيرة القطرية ودافع كثيرا عن إيران...



المراجع

موسوعة الفلسفة والفلاسفة

التصانيف

فلسفة