ياقوت الحموي ومنهجه في معجم البلدان
(( خطط الكوفة إنموذجاً ))
م.د. باقر محمد جعفر الكرباسي
الكلية التربوية المفتوحة
المقدمة:
من المسلم به أن العرب كان لهم القدح المعلى والفضل الأكبر في اكتشاف ووضع كثير من النظريات والقوانين والإضافات المتنوعة في علم الجغرافية ، ولم يكن الجغرافيون العرب كما هو شائع مجرد رحالة ركبوا البحار أو الفيافي وانتقلوا بين المدن والأمصار بل أن الأسفار عندهم كما يقول ابن خلدون (ت808هـ):
(( كانت مدعاة في كمال العالم...)) ( ), إذ أنهم تركوا من خلال هذه الأسفار كتباً ومصورات وخرائط في العلوم الجغرافية والاجتماعية ، مما يعد ثروة وتراثاً علمياً تفوقوا به على علماء الجغرافية في مختلف أنحاء العالم ؛ لأن رحلاتهم لم تكن تقف عند حد معرفة السبل المؤدية الى الأمصار التي يقصدونها بقصد الاتجار وتبادل السلع والبضائع ، بل انهم قصدوا من ذلك أيضاً معرفة طبيعة الأقاليم وعوامل الخصب والجدب فيها ونوع الزرع والثمر ، كما دفعهم شغفهم الى تحري الحقائق في مختلف البلدان وسماع لغاتهم المتنوعة وطرق عيشهم وسبل ارتزاقهم وتقدم علومهم وطرق مداولتهم للأوبئة والأمراض وغير ذلك من الظواهر الطبيعية وعلاقة الإنسان بها, فأصبحت الجغرافية أو (علم تقويم البلدان) علماً له أهميته بعد أن طوره العرب وأضافوا إليه كثيراً.
اعتمد الجغرافيون العرب المسلمون على رحلاتهم الشخصية وكان ابو عبد الله ياقوت الحموي الرومي البغدادي (ت626هـ) ، من هؤلاء البلدانيين الذين حصلوا على معلومات قيمة وضعها في مصنفات أهمها:
(معجم الأدباء) و (معجم البلدان) ، ويعد الأخير هذا من اهم المصادر وأكثرها شهرة،وذلك لما ضمه من مادة جغرافية وتاريخية وأدبية ضخمة متنوعة, وعن معجم ياقوت البلداني هذا قال كراتشوفسكي:
(( وهو أوسع واهم, بل أكاد أقول أفضل مصنف من نوعهِ لمؤلف عربي للعصور الوسطى))..( )
المبحث الأول
حياته, عصره, مؤلفاته
ياقوت الحموي هو شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي, ويشير اسم ياقوت إلى انه كان في الأصل عبداً رقيقاً, وقد جرت العادة بتسمية الأرقاء باسم الحجارة الكريمة والطيب (زمرد, وعنبر, وكافور وجوهر), وقد حاول ياقوت فيما بعد استبدال اسمه باسم مقارب له في اللفظ, لكن اسمه ثبت عليه سواء بين معاصريه أو لدى الأجيال التالية أو في الدوائر العلمية( ).
أما نسبته وهي الرومي فدليل على أن أصله من بلاد الدولة البزنطينية (الأناضول أو آسيا الصغرى)ولا يعرف شيء عن أسرته الرومية .وقد أسر ياقوت من بلاد الروم صغيراً ، لكننا نجهل أين ومتى أُسِر, وقد تداولته الأيدي ولقطته الأسواق حتى حُمِل إلى بغداد مع غيره من الأسرى فبيع فيها,( ) فاشتراه تاجر من أهل حماه يسكن بغداد يعرف بـ : عسكر الحموي ومن هنا جاءت شهرة ياقوت بـ : الحموي, أي باسم مولاه( ) ، وكني بعد ذلك بأبي عبد الله ولقب بـ : شهاب الدين( ).
ولد ياقوت سنة 575هـ /1179م( ), ولم يكن يفهم لغته الأصلية وهو لم يجدها فأصبحت العربية لغته القومية, ويرى المستشرق كراتشوفسكي أن ياقوت لم يبلغ درجة عالية من الفصاحة,
كما أن نثره الفني لم يبلغ درجة عالية من البلاغة بسبب أصله الأجنبي( ).
أما تعليمه فقد نال ياقوت قسطا في تعلم صناعة الكتابة , يقول الوزير القفطي : (( بان ياقوت كان ينزع في صباه إلى دراسة الأدب ))( ).
وما لبث ياقوت أن صار مساعدا لمولاه في تجارته, يعلمه سيده شؤونها ويعرف خباياها, وكثيراً ما اصطحبه سيده في أسفاره التجارية, وبعث به أحيانا بمفرده, فكان يتردد إلى جزيرة قيس وعُمان والقسطنطينية ثم يعود إلى بلاد الشام( ).
ومن أكثر الرحلات التي تركت أثراً في نفسه في ذلك العهد رحلاته العديدة الى جزيرة كيش التي ساعدت في توسيع افقه الجغرافي, وقد وصفها ياقوت بقوله : ((وهي جزيرة ذات بساتين وعمارات جيدة رأيتها مراراً وفيها أسواق وخيرات ولملكها هيبة وقدر عند ملوك الهند لكثرة مراكبه وفيها مغاص على اللؤلؤ, وفيها جزائر كثيرة حولها وكلها مُلك صاحب كيش ورأيتُ فيها جماعة من أهل الأدب والفقه والفضل))( ).
وفي حدود عام 580 هـ كان ياقوت منصرفا إلى الدراسة ، لكنه كان يكرس بعض أوقاته أيضاً للعمل عند سيده وحتى عام 588 هـ( ).
وفي مناسبة أخرى, في عام 593 هـ حينما زار ياقوت مدينة (آمد) ، التقى بعلي بن الحسن بن عنتر بن ثابت المعروف بـ : شميم الحلي (ت 601هـ) ، وفيها سجل ياقوت الحديث الذي دار بينه وبين هذا الشاعر النحوي( ).
وفي عام 596هـ كان ياقوت في الحادية والعشرين من عمره وقد حدثت بينه وبين سيده جفوة أوجبت عتقه فأبعده عنه ( ), وكان ياقوت خلال هذه المرحلة من حياته لا يعرف من الصنائع غير التجارة , والتجارة لا يفلح فيها إلا من ملك رأس المال الذي يتجر فيه ، إلا أنه قد تعلم الخط وله بعض المعرفة بالنحو واللغة فاستغل الفرصة بنسخ الكتب للناس بالأجرة, وبدت له هذه الحرفة على قلة ما تجلب من رزق لطيفة محببة, فقد وصلته بالمعرفة, وجعلته يقرأ كثيراً ويحصل من المعارف الشيء الوفير( ).
وفي إحدى سفراته دخل مدينة حلب وكان ذلك في عام 609 هـ ، وكان وزيرها يومئذ جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي (ت646هـ) وزير السلطان الظاهر بن صلاح الدين الأيوبي صاحب حلب, وكان القفطي جَمّاعاً للكتب حريصاً عليها, وكان له وسيط في شراء الكتب اسمه أبو علي القيلوي فأدخل هذا ياقوتا على القفطي يحمل إليه ما معه من الكتب( ).
وفي سنة 616 هـ أقام ياقوت في مدينة مَــرْوَ وكانت إقامته هذه خصبة ذات فائدة, ويحدثنا عن مَــرْوَ فيقول : (( وتركتها أنا في سنة (616 هـ)على أحسن ما يكون ,وبمَــرْوَ جامعات للحنفية والشافعية يجمعها السور, وأقمت بها ثلاث أعوام فلم أجد فيها عيباً, ولولا ماعرا من ورود التتر إلى تلك البلاد وخرابها لما فارقتها إلى الممات لما في أهلها من الرِّفْد ولين الجانب وحسن العشرة وكثرة كتب الأصول المتقنة بها, فاني فارقتها وفيها عشر خزائن للوقف لم أرَ في الدنيا مثلها كثرة وجودة وكان فيها اثنا عشر ألف مجلد أو ما يقاربها, وكانت (الكتب)سهلة التناول لا يفارق منزلي منها مائتا مجلد وأكثر,فكنت ارتع فيها واقتبس من فوائدها, وأكثر فوائد هذا الكتاب ( أي معجم البلدان)وغيره مما جمعته فهو من تلك الخزائن ))( ).
وعاد ياقوت إلى حلب مرة أخرى والتقى الوزير القفطي ، إذ وجد في ظله الراحة والعلم والكتب فأخذ يجتمع بالعلماء والفضلاء ويقرأ الكتب وينسخ حتى تجمع له مال, فسافر ببضاعة إلى مصر وعاد من مصر ببضاعة ربح فيها( ).
وفي حلب أيضاً فرغ من وضع مسودة كتابه معجم البلدان في 20صفر 621هـ /13 آذار 1224م فأهداه إلى خزانة الوزير القفطي, وفي هذا يقول (( ثم أهديت هذه النسخة بخطي إلى خزانة مولانا الصاحب الكبير ...القاضي جمال الدين ...))( ).
وفي عام 624هـ سافر ياقوت الى فلسطين ومصر ثم عاد إلى حلب واخذ على عاتقه مهمة تنقيح المعجم, وكان الشروع في هذا التبييض في عام خمس وعشرين وستمئة, ولكن الوفاة عاجلته فقد انتقل إلى جوار ربه في العام التالي , في العشرين من رمضان عام 626هـ /آب 1229م في خان عند احد أبواب حلب ولما يتجاوز الخمسين من عمره ( ).
مؤلفاته :
أما أشهر مؤلفاته( ) فهي:
1. أخبار أهل الملل وقصص أهل النحل : ويحتمل السيد أن يكون هذا الكتاب جزءاً من مؤلف ياقوت الكبير في التاريخ ، المعنون بـ (المبدأ والمآل).
2. أخبار المتنبي :يقول السيد :
((ليس هناك أي دليل يشير إلى أن ياقوت قد وضع كتابا مستقلاً تناول فيه حياة أبي الطيب احمد بن الحسين المعروف بـ (المتنبي) ، ولكن من الممكن القول بأن هذا الكتاب كان جزءاً مشوشا مما تضمنته أجزاء الكتاب (إرشاد الأريب) أو (معجم الشعراء) فحدث أن فصل هذا الجزء عن الكتاب الرئيس أثناء نقل مجموعة كتب ياقوت من حلب إلى بغداد)).
3. أخبار الشعراء : يختلف هذا الكتاب اختلافاً بينا عن (إرشاد الأريب) أي : معجم الأدباء .
4. أخبار الأدباء :إن كتاب أخبار الأدباء أو كما يدعوه ياقوت أحياناً (كتاب الأدباء) هو في اغلب الظن (كتاب إرشاد الأريب الى معرفة الاديب).
5. أخبار الوزراء : ليس هناك من أوائل كُتّاب السير من يشير إلى وجود كتاب كهذا ضمن مؤلفات ياقوت ، لكنه أشار إليه في معجم البلدان.
6. كتاب الدول : يظهر أن ياقوت لم يلمّح إلى كتاب الدول في أي من مؤلفاته المتوفرة لدينا ، ويبدو أن كتاب الدول هو خلاصة وضعها ياقوت للكتاب الكبير المعنون:(كتاب الدول في التاريخ) لمؤلفه أبو الحسن علي بن الفضال المجاشعي (ت479هـ).
7. حاشية الصحاح :يبدو أن هذه الحاشية نُسِبَت خطأ إلى ياقوت الحموي ، إذ ليس هناك إشارة مباشرة يُستدل منها على أن ياقوت قد وضع مثل هذه الحاشية (أو الشرح).
8. إرشاد الالباء إلى معرفة الأدباء : لعل هذا الكتاب هو أصلح وأحدث عنوان لكتاب : (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) ويعرف الآن بـ (معجم الأدباء).
9. المبدأ والمآل :هذا الكتاب الكبير في التاريخ غالبا ما يشير إليه ياقوت في كتبه.
10. مجموع كلام أبي علي الفارسي: لم يشر ياقوت إلى كتاب كهذا ضمن مؤلفاته, وعلى أية حال, فان مجموع كلام ابي علي الفارسي يتألف من مجموعة من الملاحظات التي جمعها ياقوت لنفسه عن ابي الحسن بن احمد الفارسي (ت377هـ).
11. معجم البلدان: وهو الكتاب الذي حقق لياقوت شهرة واسعة بين المستشرقين, وقد قام بالإشراف على تحقيقه وطبعه (ف. وستنفيلد) ونشره في ستة مجلدات في لايبسك بين (1866-1873م) ، وكانت الطبعة الأخرى قد أعدت من محمد أمين الخانجي وأنجز طبعها في عام 1906م ، كما طبع الكتاب في ايران وفي بيروت عدة طبعات .
12. معجم الشعراء : وهو العنوان البديل لكتاب (أخبار الشعراء).
13. معجم الأدباء : وهو كتاب (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) ، وقد طبع عدة طبعات ويسمى ايضا معجم الادباء ، كما سمي : طبقات الادباء .
14. المقتضب من كتاب جمهرة النسب : ماتزال نسخة هذا الكتاب الخطية محفوظة في القاهرة ، وقد حققه الدكتور ناجي حسن هادي ونشر في بيروت .
المبحث الثاني
منهجه في معجم البلدان
تمثل المعاجم أو القواميس الجغرافية نمطا أو شكلا من أشكال الفهرسة والتبويب وانتخاب المعلومات الجغرافية وتصنيفها حسب الترتيب الأبجدي, ويتطلب التأليف في هذا المجال توفر القدرة على حصر المادة الجغرافية والقدرة على التمييز بين الغث والثمين( ).
إن إنجاز المعجم الجغرافي يعد ابتكاراً عربياً إسلامياً ، فقد انفرد العرب بأول قاموس ألفوه في علم الجغرافية ، وهو : معجم ما استعجم للبكري في القرن الخامس الهجري, وهو من أبناء المدرسة الجغرافية الاندلسية, ومعجم البلدان لياقوت الحموي الذي ألفه في القرن السابع الهجري والذي يعد معجزة من معاجز العالم اجمع( ).
أما فكرة تأليف الكتاب فقد ظهرت عندما كان ياقوت حاضراً في مَرْو مجلس للإمام السمعاني ابن صاحب كتاب الأنساب المشهور سنة 615هـ وسئل عن حُباشة وهي سوق من أسواق العرب في الجاهلية ، ورد ذكرها في الحديث الشريف ، فقال انه حُباشه (بضم الحاء) قياساً على أصل هذه اللفظة في اللغة, غير أن احد الحاضرين أصَرّ على نطقه : حَباشة (بفتح الحاء) دون حجة, وقد تعذر على ياقوت أن يدعم رأيه بالنقل عن العلماء على الرغم من اكتظاظ مكتبات مرو بالمراجع, فكانت هذه الحادثة دافعاً قوياً له لوضع معجم عام يجمع شتات المادة الجغرافية المعروفة ؛ لهذا انصرف الى تأليف معجمه وقد اكسبته الرحلة من أجل التجارة وما شاهده في أسفاره وطوافه ، الخبرة والتجربة التي جعلته يستهوي الجغرافية ويحبها ومن ثم طلب العلم, ولكي يجهز نفسه لإنجاز المعجم رجع إلى كثير من الكتب ونقل منها بأمانة ، فأورد وصفاً جيداً لكل ما استطاع أن يصل إلى علمه عن المدن ومواضعها ( ).
وبعد أن أنجزه قال ياقوت عنه في مقدمته واصفاً له :
(( كتاب في أسماء البلدان والجبال والأودية والقيعان والقرى والمحال والأوطان والبحار والأنهار والغدران والأصنام والأبداد والاوثان))( ).
أما منهجه فقد اختتم ياقوت مقدمة كتابه بتحليل له ولمنهجه في التأليف, فقد رتب الأماكن ترتيباً أبجدياً, أي على حروف المعجم, على أن الترتيب قد يختلف داخل الحرف الواحد أحياناً, وبعد أن يضبط تسمية البلدة ويثبت شكل كتابتها ، يورد توضيحاً مفصلاً بالألفاظ لنطقها مع ذكر اختلاف القراءات ، محاولاً تفسير التسمية من صميم اللغة العربية, ويحدد هذا الضبط عن الثقات وقد يذهب في تعليل الاسم الى مذاهب شتى.
وإذا ما حدد البلدة وضبطها يبين طولها وعرضها وموقعها من الأقاليم وبرجها ، أي تحديد موقعها فلكياً وجغرافياً مع ذكر المؤثرات التنجيمية, ويعقب ذلك القسم الذي يبحث في اصل الموقع الجغرافي المذكور والظروف التي أحاطت بنشأته وخواصه الطبيعية وموارده وما يحيطه من بلدان مشهورة والمسافة بينه وبين ما يقاربه,ومَن سكنه وبناه والدور التاريخي الذي لعبه, وإذا جاء ذكر الموضع في القران الكريم أو الحديث الشريف سيقت في ذلك الشواهد, وفضلاً عن ذلك ذكر أهم الحوادث التاريخية التي جرت فيه وفي أي زمن فتحه المسلمون وكيفية فتحه, كما انه يعرض ياقوت وصفاً شاملاً للقلاع والمدن والمرافئ التي زارها ويورد تفاصيل دقيقة عن عمرانها, وكثيراً ما يقف ليصف سكانها وعاداتها واختلاف القبائل والشعوب, وذكر عجائبها وتطلع اثناء ذلك على سيلٍ من المعارف المتنوعة وقدراً كبيراً من الحكايات الطريفة والنكات والقصص مع مختارات واسعة من الشعر ومأثور القول( ).وإذا أردنا معرفة مضامين أبواب المعجم الخمسة فقد ذكرها ياقوت في مقدمة كتابه ، وهي:
الباب الأول: في صفة الأرض وما فيها من الجبال والبحار وغير ذلك.
الباب الثاني: في ذكر الأقاليم السبعة واشتقاقها والاختلاف في كيفيتها.
الباب الثالث: في تفسير الألفاظ التي يتكرر ذكرها في هذا الكتاب.
الباب الرابع: في أقوال الفقهاء في أحكام أراضي الفيء والغنيمة وكيفية قسمة ذلك .
الباب الخامس: في جمل من أخبار البلدان.( )
المبحث الثالث
خطط الكوفة في معجم البلدان
في هذا المبحث سنذكر المواضع التي أوردها ياقوت في معجمه عن الكوفة ،بعد أطلاعنا على جميع المواضع التي ورد ذكرها في معجم البلدان ، وعددها : 15038 موضعاً.
والكوفة ذكرها ياقوت في القسم الأول وبالتحديد في المقدمة عند ما قسم المعمورة إلى أقاليم عدة فوضع مدينة الكوفة في الإقليم الثالث فيقول :((ووقع في هذا الإقليم من المدن المعروفة غزنة وكابل ومن العراق البصرة و واسط والكوفة وبغداد والأنبار وهيت والجزيرة ومن الشام حمص في بعض الروايات))( ).
ووصف ياقوت هذه الأقاليم فقال :((أوله حيث يكون الظل نصف النهار إذا استوى الليل والنهار ثلاثة أقدام ونصفاً وعشراً وسدس عشر قدم وآخره حين يكون ظل الاستواء فيه نصف النهار أربعة أقدام ونصفا وثلث عشر قدم فيبلغ النهار في وسطه أربعة عشرة ساعة))( ).
والكوفة مدينة مهمة إذ تتفق المصادر والمراجع العربية كافة على أنها ثاني المدن التي أقامها العرب المسلمون خارج الجزيرة العربية إذ كانت قبلها البصرة, وارض الكوفة مرتفعة سهلة لا تطالها مياه الفيضان, ترتفع عن سطح البحر بنحو 22متراً بعيدة عن مناطق الأهوار والمستنقعات( ).
والى الغرب من موضع الكوفة يقع منخفض يؤلف بحيرة مالحة هي بحيرة النجف( ) وكان العرب يسمون ظهر الكوفة : (اللسان) ، أما ما يلي الفرات فهو الملطاط( ) وما كان يلي الظهر فهو النجف( ).
وقد حدد الطبري منطقة ظهر الكوفة بأنها تقع من وراء خندقها( ), واشار البلاذري (ت279هـ) إن ابن بقيلة ارشد سعداً على موضع الكوفة الحالي إذ قال له : ((أدلك على أرض ارتفعت عن البق وانحدرت عن العلاة))( ), وروى الطبري في حوادث سنة 17 هـ : (أن الخليفة عمر بن الخطاب (رض) وجه كتابا إلى القائد سعد بن أبي وقاص يحدد له تنظيم المناهج والطرق والأزقة ذرعها ، فقال:
أرسل سعد إلى أبي الهياج فأخبره بكتاب عمر في الطرق انه أمر بالمناهج أربعين ذراعاً وما يليها ثلاثين ذراعاً وما بين ذلك عشرين, وبالأزقة سبع اذرع, ليس دون ذلك شيء وفي القطائع ستين ذراعاً, إلا الذي لبني ضبّة)( ).
انزل سعد كل قبيلة في المكان الذي خُصص لها, وأسهم لنزار وأهل اليمن بسهمين على انه من خرج بسهمه أولاً فله الجانب الأيسر وهو خيرهما, فخرج سهم أهل اليمن فصارت خططهم في الجانب الشرقي, وصارت خطط نزار في الجانب الغربي من وراء تلك العلامات،وترك مادونها فناء للمسجد وداراً للإمارة( ). ونظراً لأهمية المسجد في حياة العرب المسلمين فإن سعد بن أبي وقاص توجه إلى تخطيط المسجد وتنفيذ بنائه قبل الشروع في إقامة مرافق المدينة الأخرى ، كما اهتم بتشييد دار الإمارة وبيت المال.
إن جملة ما أفرده ياقوت لبلدانية الكوفة ونواحيها يربو على ستين مادة بلدانية متنوعة بين مدينه وبلدة, ومن تقصينا ومراجعتنا للمعجم تمكنا من دراسة هذه المواد البلدانية التي وردت فيه، وتم توزيعها على النحو الأتي:
(أ) المدن والبلدان :
1ـ حرام : محلة وخطة كبيرة بالكوفة يقال لها بنو حرام( ).
2ـ خد العذراء : كانوا يسمون الكوفة بـ : خد العذراء لنزاهتها وطيبها وكثرة أشجارها وأنهارها( ).
3 ـ رحا عمارة : محلة بـ: الكوفة تنسب إلى عمارة بن عقبة بن أبي معيط( ).
4 ـ رحبة خنس : محلة بـ:الكوفة تنسب إلى خُنَيْس بن سعد, قال ابن الإعرابي: الرحبة مااتسع من الأرض ، وجمعها رحب( ).
5 ـ زرارة : محلة بـ:الكوفة سميت بـ: زرارة نسبة الى زرارة بن يزيد بن عمر بن عدس من بني بكار، وكانت منزله( ).
6 ـ دوما: بالكوفة والنجف محلة منها ، ويقال اسمها : دومة ، لأن عمر لما أجلى أُكيدر صاحب دومة الجندل قدم الحيرة فبنى بها حصنا وسماه دومه أيضاً( ).
7 ـ الحيرة :مدينة تقع على ثلاثة أميال من الكوفة على موضع يقال له : النجف ، وكانت مسكن ملوك العرب في الجاهلية( ).
(ب) القرى :
1 ـ استينيا : قرية في الكوفة ، قال المدائني (ت225هـ):((كان الناس يقدمون على عثمان بن عفان فيسألونه ان يعوضهم مكان ما خلفوا من أرضهم بالحجاز وتهامة ويقطعهم عوضه بالكوفة والبصرة فاقطع خباب بن الارت استينيا قرية بالكوفة))( ).
2 ـ اقساس : قرية في الكوفة أو كورة يقال لها : أقساس مالك ، منسوبة إلى مالك بن عبد هند بن نجم ، جمعه أقساس( ).
3 ـ جفاف الطير : صقع من بلاد بني أسد منه الثعلبية من منازل طريق الحج التي قرب الكوفة( ).
4 ـ حبانية : من قرى الكوفة كانت بها وقعة بين زياد بن خراس العجلي من الخوارج وطائفة معه وبين أهل الكوفة هزم فيها الكوفيون وقتل منهم جماعة( ).
5 ـ ابروقا : قرية كبيرة جليلة من ناحية الرومقان من أعمال الكوفة( ).
6 ـ رصافة الكوفة : أحدثها المنصور وقد ذكرها الحسين بن السري الكوفي فقال:
ولقد نظرت إلى الرصا
فة فالثنية فالخورنق
جَرَّ البلى أذياله في رمـ
ـسها فادرسها واخلق( )
7 ـ سنينيا : قرية من نواحي الكوفة اقطعها عثمان إلى عمار بن ياسر( ).
(ج)النواحي والقلاع:
1 ـ أطد : ارض قرب الكوفة من جهة البر نزلها جيش المسلمين في أول أيام الفتوح قال الزبرقان ابن بدر:
سيروا رويدا, فإنّا لن نفوتكم
وان ما بيننا سهل لكم جدد
إن الغزال الذي ترجون غرته
جمع يضيق به العتكان أو أطد( )
2 ـ بارق : ماء بالعراق وهو الحد بين القادسية والبصرة ، وهو من أعمال الكوفة وقد ذكره الشعراء فقال الأسود بن يعفر:
أهل الخور نق والسد ير وبارق
والقصرِ ذي الشرفات من سنداد( )
3 ـ بانقيا : ناحية من نواحي الكوفة( ).
4 ـ الخرارة : موضع قرب السليحون من نواحي الكوفة له ذكر في الفتوح( ).
5 ـ ضباب : قلعة في الكوفة ينسب إليها الشريف ابو البركات الضبابي الزيدي النحوي( ).
6 ـ شيلي : ناحية من نواحي الكوفة ولها نهر يعرف بـ : نهر شيلي( ).
7 ـ قبة: قبة الكوفة وهي الرحبة بها( ).
8 ـ النجف: قال السهيلي (ت581هـ): بـ:الفرع عينان يقال لاحداهما البض وللأخرى النجف تسقيان عشرين الف نخلة وهو ظهر الكوفة كا لمسناة تمنع مسيل الماء أن يعلو الكوفة ومقابرها( ).
(د) الأديرة:
1 ـ ديارات الاساقف: الديارات جمع دير والاساقف جمع اسقف وهم رؤساء النصارى ، وهذه الديارات بالنجف ظاهر الكوفة وهو أول الحيرة وهي قباب وقصور بحضرتها نهر يعرف بـ : الغدير( ).
2 ـ دير الأعور : وهو دير خارج الكوفة بناه رجل من اياد يقال له الأعور من بني خذافة بن زهر بن أياد( ).
3 ـ دير الجماجم: خارج الكوفة على سبعة فراسخ منها على طرف البر السالك إلى البصرة( ).
4 ـ دير الشاه: بأرض الكوفة على رأس فرسخ وميل من النخيلة( ).
5 ـ دير هند الصغرى: بـ:الحيرة يقارب خطة بني عبد الله بن دارم بالكوفة( ).
(هـ) المواضع والجبال والأودية والأنهار والعيون والأسواق :
1. الافاقة : موضع من ارض الحزن قرب الكوفة, وقال المفضل: هو ماء لبني يربوع ،وكان النعمان بن المنذر يبدو اليه ايام الربيع ويوم الافاقة من ايامهم، وكانت الافاقة من منازل ال المنذر, قال لبيد:
شهدت انجبة الافاقة عالياً
كعبي وأرداف الملوك شهود( )
2. أعكش : موضع قرب الكوفة ورد ذكره في قول المتنبي (ت354هـ) :
فيالك ليلاً, على اعكش
أحم البلاد خفي الصوى
وردن الرهيمة في جوزة
وباقية أكثر مما مضى( )
3. بحت: وادي البحت قريب من العُذيب يطؤه الطريق بين الكوفة والبصرة ( ).
4. يسوسا : موضع قرب الكوفة نزله مهران ايام الفتوح فسأل المثنى بن حارثة رجلاً من اهل السواد, ما يقال للبقعة التي فيها مهران وعسكره فقال : يسوسا , فقال المثنى : اكدى مهران وهلك نزل منزلا هو البسوس( ).
5. البسيطة: قالوا البسيطة موضع بين الكوفة وحزن بني يربوع وقيل :ارض بين العذيب والقاع , قال عدي بن عمر الطائي:
لولا توقد ما ينفيه خطوهما
على البسيطة لم تدركهما الحدق ( )
6. صراخة: سوق بالكوفة يباع فيها الحَرَض ، وهو الأشنان( ).
7. الحفائر: جمع حفيرة: ماء لبني قريط على يسار الحاج من الكوفة, قال الأصمعي (ت216هـ) ولبني قريط ماء يقال له الحفائر ببطن وادٍ يقال له المهزول( ).
8. حفر السبيع: السبيع قبيلة وهو السبيع بن صعب بن معاوية بن كثير بن مالك بن همدان، ولهم بالكوفة خطة معروفة, قال محمد بن سعد: حفر السبيع موضع
بالكوفة ينسب إليه أبو داود الحفري( ).
9. حَمّام أعين: بالكوفة ذكره في الأخبار مشهور, منسوب إلى أعين مولى سعد بن أبي وقاص( ).
10. الخب: الرجل الخداع وقال نصر: الخب ماء لبني غني قرب الكوفة( ).
11. خفان: موضع قرب الكوفة يسلكه الحاج أحياناً وهو مأسدة قيل هو فوق القادسية( ).
12. دار الحكيم: محلة بـ:الكوفة مشهورة منسوبة إلى الحكيم بن سعد بن ثور البكائي من بني البكاء( ).
13. دار المقطع: بالكوفة تنسب إلى المقطع الكلبي( ).
14. دوران: موضع خلف جسر الكوفة كان به قصر لإسماعيل القسري( )
15. سكن: موضع بأرض الكوفة( ).
16. سوق أسد: بالكوفة منسوبة إلى أسد بن عبد الله القسري( ).
17. سوق حكمة: موضع بنواحي الكوفة قال احمد بن يحيى بن جابر نُسب إلى حكمة بن حذيفة بن بدر وكان قد نزل عنده( ).
18. سوق يوسف: بالكوفة منسوبة إلى يوسف بن عمر بن محمد بن الحكم بن ابي عقيل الثقفي( ).
19. السيب: أصله مجرى الماء كالنهر ، وهو كورة من سواد الكوفة( ).
20. شوميا: موضع في بقعة الكوفة نزله جيش مهران لمحاربة المثنى والمسلمين, قالوا شوميا هي موضع دار الرزق بالكوفة( ).
21. قب: موضع في الكوفة( ).
22. نشُاسبنح: ضيعة أو نهر بالكوفة كانت لطلحة التميمي إشتراها من أهل الكوفة المقيمين بالحجاز( ).
23. نهر القَوْرا: طسوج من ناحية الكوفة( ).
(و) مواضع بلدانية أخرى:
1. الاكيراح: رستاق نزه بأرض الكوفة, والاكيراح أيضاً: بيوت صغار تسكنها الرهبان الذين لاقلالي لهم يقال لواحدها كرح بالقرب منها ديران ، قال الشاعر:
يادير حنة من ذات الاكيراح
من يصح عنك في لست بالصباحي( )
2. أثير: صحراء أثير بالكوفة تنسب الى أثير بن عمرو السكوني الطبيب الكوفي( ).
3. الثوية: موضع قريب من الكوفة وقيل بالكوفة وقيل خريبة إلى جانب الحيرة على ساعة منها, ذكر العلماء انها كانت سجناً للنعمان بن المنذر كان يحبس بها من أراد قتله فكان يقال لمن حُبس بها ثوى أي أقام ، فسميت الثوية بذلك( ).
أما تحديد منطقة الثوية فقال الاستاذ الدكتور حسن الحكيم ((أمكننا التوصل إلى تحديد موضع الثوية بعد خندق الكوفة باتجاه مدينة النجف الاشرف التي تعد ظهر الكوفة أو ظاهرها, ثم يأخذ خطاً نحو الجنوب باتجاه مدينة الحيرة وذلك بمحاذاة الخندق الذي هو بداية حدود الثوية)) . والثوية حسب رأي الدكتور الحكيم تمتد امتداداً طولياً ابتداءً من شرق مدينة النجف وتنتهي بالحيرة الواقعة في الجنوب الشرقي من النجف من جهة والى منطقة الخندق بالنسبة لمدينة الكوفة, فهي جبانة أو مقبرة لمنطقتي الحيرة والكوفة, وهي فوق هذا التحديد تكون منطقة واحدة تقع في طرف الصحراء ، فالموضع القريب لكل من الكوفة والحيرة عرف باسمها( ).
4. اللسان: ظهر الكوفة يقال له اللسان وهو فيما بين النهرين إلى العين ، عين بني الجراء( ).
5. بيعة خالد: منسوبة إلى خالد بن عبد الله القسري أمير الكوفة بناها لأمّهِ ، وكانت نصرانية وبنى حولها حوانيت بالآجر والجص ثم صارت سكة البربر( ).
6. خفية: أجمة في سواد الكوفة بينها وبين الرحبة بضعة عشر ميلاً ينسب إليها الأسود فيقال اسود خفية وهي غربي الرحبة ومنها عين الرهيمة( ).
7. شانيا: رستاق من نواحي الكوفة( ).
8. صحراء البردخت: وهي محلة بالكوفة نسبت إلى البردخت الشاعر الضبي العكلي( ).
9. غطط: رستاق بالكوفة متصل بشانيا من السيب الأعلى قرب سورا( ).
10. قورا: طسوج من ناحية الكوفة ونهر عليه عدة قرى ( ).
11. مسجد سماك: بالكوفة منسوب الى سماك بن مخرمة الأسدي ، من بني الهالك بن عمرو بن أسد( ).
الخلاصة :
قدم ياقوت الحموي في معجمه البلداني جهداً كبيرا استطاع من خلاله أن ينال شهرة واسعة في الآفاق كافة , لكن هذا الجهد الكبير قد اتسم في بعض مواده البلدانية بالاقتضاب وكان ينقصه الوضوح ، ويبدو ان النساخ والمحققين كان لهم دور في هفوات تخللت بعض بلدانيات المعجم, وبما أنها محدودة جداً لذا يمكن القول ان فن المعاجم قد وصل إلى درجة كبيرة من النضج والارتقاء على يد ياقوت ، فكان يجمع في منهجه البلداني في غالب الأحيان بين حداثة وحيوية المعلومات وبين نصوص تاريخية وأدبية وجغرافية سابقة ، يرجع بعضها إلى عصور متقدمة في سبقها التاريخي لعصور ما قبل الإسلام والعصور الإسلامية الأولى , ومن الخصائص التي رافقت بلدانية ياقوت في مواضع كثيرة من معجمه استخدامه للشواهد الشعرية وتوظيفها خدمة لأغراضه البلدانية، وسيبقى معجم البلدان لياقوت مصدراً مهماً لمن أراد البحث في البلدانيات أو علم الجغرافيا.
المراجع
www.google.jo/url?sa=t&rct=j&q=%D9%85%D8%B9%D8%AC%D9%85+%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%AF%D8%A7%D9%86+doc&source=web&cd=5&ved=0CF8QFjAE&url=http%3A%2F%2Fwww.baedu.kufauniv.com%2Fstaff%2Fdr_baqer%2Fresearchs%2F4.doc&ei=VwiuT5rOMdGIhQf7zJ3LCA&usg=AFQjCNHhfdgZDrz0ZjZEAW4RrvEQ8sqmlQموسوعة الأبحاث العلمية
التصانيف
الأبحاث