نهــاية العصـر الـورقي صدرت هذه المجلة مطلع العام 1990 لتكمل بهذا العدد عامها الحادي والعشرين متخلية عن طموحات ثبت لاجدواها بعد هذه التجربة التي عايشت كل مظاهر الاهمال وكل تناقضات الواقعين اللبناني والعربي وازماتهما التي تفجرت عبر ينابيع الغضب الشعبي بغض النظر عن تقنينها في المسارات الصحية ام لا. يوم اطلاقنا للمجلة فصلنا تماماً بينها وبين ربطها باشخاص فسعينا لضم قائمة من الاختصاصيين اللبنانيين والعرب والاجانب الى هيئتها الاستشارية فاتحين الباب امام مساهمات مختلف الفروع النفسية كما امام مختلف المواقف حيث تلامس العلوم النفسية كافة الانسانيات. فالحديث عن الارهاب والآثار النفسية للحروب تحتمل خلافات المواقف السياسية. أبسط من ذلك طرحت المجلة شعار "نحو علم نفس عربي" واقامت تحت هذا الشعار مؤتمرها الاول عام 1992 فكان الشعار كافياً لاطلاق حملة شعواء ضد الشعار وعبره ضد المجلة وضدنا شخصياً. وفيما قصدنا جمع وتنظيم الجهود والمساهمات النفسية العربية في مختلف الفروع والتعريف بروادها طرحت اسئلة من نوع "علم نفس عربي أم اسلامي؟". حاولنا انصاف المؤسس الرائد واستاذ اساتذة العلوم النفسية العرب البروفسور مصطفى زيور بتخصيصه بجائزة سنوية رمزية تحمل اسمه. حاولنا اقامة الاتصال المباشر بين الباحثين العرب عبر مؤتمرات المجلة الاعوام 1992 و1994 و1996 وسط ضغوط لبنانية داخلية لمنع عقد هذه المؤتمرات لاسباب تتعلق بالاحقاد الداخلية اللبنانية. ما أدى الى إبقاف هذه المؤتمرات. حاولنا التعريف بمساهمة الزملاء العرب في اثراء المكتبة النفسية بكتب جديدة تدعم ركن المراجع العربية فيها وتتيح للدارسين فرص اطلاع جديدة. حاولنا التعريف برواد الاختصاص العرب عبر مقابلات نشرتها المجلة كما عبر عرض السير العلمية لهم. حاولنا تسهيل التواصل بين الاختصاصيين العرب باصدار الدليل النفسي العربي ومن بعده دليل الاختبارات النفسية العربية ومن ثم دليل المكتبة النفسية العربية وغيرها من جهود الفهرسة. حاولنا متابعة المؤتمرات النفسية العالمية حيث يكاد يغيب الحضور العربي في هذه المؤتمرات. حاولنا ترجمة جديد البحوث النفسية العالمية ووضعها بين يدي القاريء. حاولنا تحويل المجلة الى مؤسسة لا ترتبط بشخص لضمان استمراريتها وبانتظار ذلك تحملنا أعباء اصدارها على مدى واحد وعشرين عاماً دون جدوى. الملابسات والتفاصيل وانعكاسات هذا العمل علينا كانت معيبة ومدعاة للتجاهل من منطلق الحديث الشريف "الكريم من كتم إهانته". اما عن الظروف المادية فهي مرتبطة بالاهتمام الرسمي اللبناني والعربي بالبحث العلمي ووصول الفساد الى تقاسم المخصصات الضئيلة للبحث العلمي. المجلة العلمية ليست مشروعاً تجارياً ناجحاً ولا يمكنه ان يكون كذلك وهو دون جدال مشروع لا يتوخى الربح بل يحتاج الى تمويل يغطي خسائره. ولعل من المفيد عرض تجربتنا في مجالات الحصول على التمويل علها تفيد مشاريع عربية شبيهة قد ترى النور مستقبلاً. حيث تفيد تجربتنا بانسداد قنوات التمويل التي تحفظ للعمل كرامته. وتقليدياً فان هذه القنوات تصنف كالتالي: 1 – مساهمة الباحثين في التمويل: درجت المجلات العلمية العالمية على طلب بدل نشر من مؤلفي البحوث المقبولة للنشر لقاء حصول المؤلف على عدد من مستنسخات بحثه. في المقابل فان مؤلفينا وبخاصة الذين يسعون لنشر بحوثهم من اجل الترقية لم يكلفوا انفسهم مجرد عناء الاشتراك في المجلة ولو لسنة واحدة. بل ان البعض يستلم نسخه ليعود فيطلب نسخا اضافية بحجة عدم استلام النسخ المرسلة سابقاً. وبمراجعة التكلفة العالية للبريد اللبناني تتحول هذه الحالات الى اعباء تفوق احياناً تكلفة نشر المجلة. حتى ان احدهم ارسل رسائل الكترونية يشهر بالمجلة مدعياً عدم استلامه لنسخ يفترض انها من حقه دون اشتراك ودون تمويل النشر. رغم ارسال النسخ له ثلاث مرات بناء على طلباته الملحة. وبالمتابعة ادركنا ان بعض الدول العربية لاتسمح بتحويل العملات لشراء الكتب والمجلات العلمية. لذلك يلح باحثوها للحصول على اكبر عدد ممكن من النسخ. كما ان بريد الكتب لا يصل دائماً لاصحابه نظرا لسهولة بيع الكتب بانواعها في اسواق متعطشة للكتاب. ولم بكن امامنا سوى الامتناع عن نشر البحوث الواردة من تلك البلدان. 2 – اعـلانات الادوية: كانت المجلة تتابع البحوث المنشورة حول سلبيات بعض الادوية النفسية بما فيها تلك التي تسحب من التداول في الدول المنتجة مع استمرار تصديرها لدول العالم الثالث. وهذه المتابعة هدفت لوقاية المريض العربي من هذه الادوية وتعريف الاطباء بجديد هذه البحوث الدوائية. حيث بامكان المريض الاميركي المتضرر ان يحصل على تعويضات كبيرة عبر القضاء الاميركي فيما يمكن للمريض العربي ان يموت نتيجة هذه الادوية دون ان يجد من يتحدث عن الموضوع. وهذه المتابعات المتصلة وضعت المجلة في حالة عداء مع شركات الادوية التي عزفت تماماً عن الاعلان في المجلة. وكان الاعلان الوحيد الذي استضافته المجلة تحت ضغط الزملاء العراقيين الراغبين بالحصول على المجلة خلال حصار العراق وفترة النفط مقابل الغذاء. وفي هذا الاطار نشرت شركة دواء مهتمة بالسوق العراقية اعلاناً لاحد ادويتها لمدة سنة واحدة من مبدأ "مجبراً أخاك لا بطل". ولسنا متأكدين من ان الغاءنا لباب متابعات اضرار الادوية كان ليجلب لنا الاعلانات. اذ تفضل شركات الادوية ان تتصل مباشرة بالطبيب وتقدم له الهدايا مباشرة على ان تصرف مخصصات دعايتها على منشورات علمية. 3 – إشتراك المؤسسات والجامعات: وهنا تبرز مآسي البحث العلمي في الدول العربية حيث تعجز معظم الجامعات العربية عن الاشتراك في المنشورات العلمية بسبب شح الموارد. والطريقة الوحيدة لايصال المجلة الى هذه الجامعات هي ارسالها مجاناً الى هذه الجامعات. اما الجامعات القادرة مالياً فهي تمارس رقابة صارمة على المحتويات وتضع المنشورة على اللائحة السوداء اذا ما حتوت اسماء علماء معينين او تطرق احد مقالاتها لموضوع غير مرغوب. وهكذا خرجنا من تجربة اكثر من عقدين بسبعة اشتراكات لجامعات عربية لاغير. بالاضافة الى ثلاث مؤسسات عربية ومكتبة عامة واحدة. اما في لبنان فقد واجهتنا معضلة ان الاساتذة اللبنانيين لا يقرأون باللغة العربية... وهي معاداة للغة العربية صعدتها ثورة الارز التي احبت الحياة بغير اللغة العربية. 4 – وسـائل أخرى: كنا ضمن هيئة الايسيسكو لوضع استراتيجية لعلاج اطفال الانتفاضة باستضافة احدى الدول العربية العام 2001 والتقينا وزير التعليم في تلك الدولة الذي نصحنا بالبحث عن تمويل هذا المشروع العلاجي من خارج الدول العربية. وبين الوزير ان الدول العربية غير مهتمة بدعم مشاريع علمية بل هي تبحث عن مشاريع مجدية اعلامياً وهو يعني ضمناً بلده والا لكان عرض تمويلها للمشروع. وكانت رائحة الفساد تفوح من داخل الهيئة وكان طبيعياً ان ينتهي المشروع ويستبدل بنوع من العيادة داخل فلسطين ممولة من مؤسسة اميركية. وفي لبنان تمارس الوكالة الاميركية للتنمية نشاطات واسعة وتوظف اموالاً باسلوب مخابراتي حديث يستهدف البنى الاجتماعية والثقافية اللبنانية. ولكن المجلة اطلقت لاهداف اسمى وابعد عن الشبهات المحيقة بنشاطات التمويل الاميركي. 5 – لبنـان منارة الثقافة: تبلغ تكلفة البريد اللبناني لارسال نسخة واحدة من المجلة او من كتاب علمي بحجمها عشرة دولارات اميركية. علماً بان النسخة تباع بعشرة دولارات. وهذه التكلفة تعكس طلائع الخصخصة الفاسدة في لبنان ومعها تضخم الضرائب غير المباشرة لدفع فوائد المديونية اللبنانية الضخمة. حيث ابتلعت هذه المديونية ليس فقط مخصصات البحث العلمي بل هي اغتالته بوسائط متعددة منها تكلفة البريد. كما تكرست لايقينية الوطن اللبناني عبر رفض البحوث العلمية العربية والاصرار على المراجع الاجنبية على سبيل الشوفينية والخوف من اللغة العربية. وهي فوبيا منتشرة ومهددة وهي التي نعنيها بلايقينية الوطن اللبناني. هذا في مقابل الاعجاب والاقبال العربيين على انتاج المطابع اللبنانية باللغة العربية. هذه تجربتنا نضعها بين ايدي القاريء كما نضعها بتصرف المشرفين على تجارب مشابهة والطامحين لمثلها. لنستودع قراءنا الله شاكرين لهم مشاركتهم واهتماهم بمواكبة مسيرة هذه المجلة....... آملين ان نتمكن من المضب قدماً في نشاطات مركز الدراسات النفسية والنفسية الجسدية رغم معاناته من ذات ظروف مجلة الثقافة النفسية المتخصصة التي كان يصدرها (1990 – 2011). رئيس التحرير

المراجع

www.psyinterdisc.com/end.htmموسوعة الأبحاث العلمية

التصانيف

الأبحاث