(1 )
يااااا أشهب
بعد صلاة الصبح كان الجد يفتح أبواب الريح للأشهب وينادي :
يا أشهب
فيثب الأشهب وينطلق كالريح حقا ليقف غير بعيد عن الجد – وبعد صلاة الصبح كان الجد يطوق عنق الأشهب ويبتهل:
" أيها المتفرد بالجمال والعنفوان ، أسأل الله العلي القدير أن يبقيك أبدا ، وأن يكثر نسلك ويرفع قدرك وأن يطيب غدوك ورواحك ، وأن يخصب مرعاك ويحفظك من الحسد وكيد الحاقدين"
آمين – آمين – آمين
وينفتح المدى للأشهب فينطلق بعيدا بعيدا حتى يغيب عن البصر ، وبابتسامة رضى – كان الجد يردد وقد شاهد العيون وهي تراقب المشهد اليومي:
كيف تطلبون مني تقييد الأشهب ، أيها المجانين هل سمعتم بأحد يقيد الريح ، انه الأشهب – ريح مرسلة ، لاقيد في قوائمه ما دمت حيا .
(2 )
كانت عينا الوالد تقدحان شررا وكانت خطواته ثقيلة تكاد رجلاه تنقصفان وهو يحمل جثمان أخي الأصغر متجها به إلى مثواه الأخير
وفي صخب النواح والعويل ومن نشيج والدتي كنت أسمع حشرجة صوتها:
( الله لايخليني إذا بخليه بها الدار بعدك ياغالي)
وعلى حافة القبر وبعد أن نثر والدي حفنة التراب الأخيرة على قبر أخي قفل عائدا وهو يعدو وقد انفجر بركانا من الغضب .
كان أخي الأصغر مولعا بتعذيب الأشهب ، حيث كان يغافل الجد ويدخل إلى الأشهب ويتفنن في تعذيبه وكان الجد قد عاقبه مرارا وهو يقول له:
احذر أيها الطائش من أنفة الأشهب فهو لا يسكت على ضيم
في ذلك اليوم وبعد عودة الأشهب من رحلته الصباحية غافل أخي كعادته الجميع وذهب إلى الأشهب وبعد فنون التعذيب يبدو أنه تعلق في عنق الأشهب محاولا امتطاؤه وقد أبى الأشهب كما قال الجد السكوت على الضيم ففتح مصا ريع الريح في قوائمه فانطلق والصغير متعلق برقبته ولم يطل الأمر كثيرا إذ بعد فترة قصيرة عاد بعض الرجال يحملون جثة أخي وقد دقت عنقه وفارق الحياة.
(3 )
ولجدي لحية بيضاء كأنها صفحة لم يخط فيها قلم وعصا غليظة يتكئ عليها ويبدو أن له فيها مآرب أخرى ، وفي طوفان الحزن والغضب كان الجد متكئا على عصاه وقد لفه الذهول والصمت، وعندما شاهد والدي وهو يتناول البندقية ويتجه راكضا خارج المنزل ، انطلق خلف والدي غير أن عصاه خانته فلم تسعفه للحاق بالوالد ولكنه تحامل مستخدما ما تبقى له من قوة وإذ وصل متأخرا ، كانت العيون متسمرة وصمت جنائزي يلف المكان والأشهب يحمحم والبندقية مصوبة إلى رأسه:
وعندما دوى صوت الرصاصة خارت قوائم الأشهب ونزل بقائمتيه على الأرض وقبل أن يهوي وصل الجد وأسند الأشهب إلى العصا وطوقه بذراعيه .
(4 )
كان الأفق يردد صدى ابتهال الجد :
" أيها المتفرد بالجمال والعنفوان ، أسأل الله العلي القدير أن يبقيك أبدا وأن يكثر نسلك ويرفع قدرك وأن يطيب غدوك ورواحك وأن يخصب مرعاك ويح......
وقبل أن يكمل الجد خانته العصا ثانية إذ انقصفت فخر الأشهب كقبة من تراب
وعندما أطلق الجد صرخته : يااااا أشهـــــــــــــــــــــــــــــب دوى صهيل سد مدى الأفق
وفي امتزاج الصهيل بصرخة الجد بالصدى تقدمت لأطبع قبلة على وجنة الجد الذي هوى إلى جانب الأشهب وفي لحظات النزع الأخير أبى الجد إلا أن يتم ابتهاله إذ سمعته يردد (يحفظك من الحسد وكيد الحاقدين )
وعلى لحيته البيضاء الناصعة طبعت قبلتي متما ابتهاله:
آمين – آمين –آمين
زكريا إبراهيم المحمود
المراجع
pulpit.alwatanvoice.com
التصانيف
أدب مجتمع