التَّنفُّس يتم تعريفها على أنها من خلالها تتم عملية تبادل الغازات من والى الجسم والكائنات الحية الأخرى الحصول على الأكسجين واستخدامه. وتحتاج كل الكائنات الحية ـ ما عدا بعض من الكائنات الدقيقة ـ إلى الأكسجين لتعيش. ويشمل التنفس كذلك إخراج غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يُنتج عن استعمال الخلية للأكسجين.
يمكن تجزئة عملية التنفس إلى ثلاث اجزاء رئيسة وهي 1- التنفس الخارجي 2- التنفس الداخلي 3- التنفس الخلوي. وفي عملية التنفس الخارجي يحصل النبات أو الحيوان على غاز الأكسجين من بيئته، ويخرج ثاني أكسيد الكربون. وفي التنفس الداخلي يُحْمَل الأكسجين إلى خلايا الكائن الحي ويُحْمَل منها للخارج ثاني أكسيد الكربون. وفي عملية التنفس الخلويّ، يتم استعمال الأكسجين في التفاعلات الكيميائية بداخل الخلايا وتنتج هذه التفاعلات الطاقة وكذلك ثاني أكسيد الكربون والماء كنواتج احتراق.
تقوم الكائنات الحيّة بعملية التنفس الخارجي بطرق مختلفة تعتمد على أحجامها وبيئتها. ففي الكائنات وحيدة الخلية مثل الدياتومات والأميبا على سبيل المثال، يتم تبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون مباشرةً مع البيئة من خلال أغشية الخلية. وتفتقر خلايا الحيوانات والنباتات الراقية إلى الصلة المباشرة مع البيئة، ولذا يحتاج التنفس الخارجي في هذه الكائنات إلى جهاز له تركيب وأعضاء خاصة.
يختص هذا المقال أساسًا بالتنفس في الإنسان والثدييات الأخرى. ويتم التنفس بطريقة مماثلة في الحيوانات الأخرى المزوَّدة برئتين: الطيور والزواحف ومعظم البرمائيات البالغة.
التنفس الخارجي
أعضاء التنفس:
تعتبر الرئتان العضوين الرئيسيين للتنفس، وهما تركيبان مرنان داخل تجويف الصدر. تحتوي كلُّ رئة على ملايين الأكياس أو الغرف الهوائية تسمَّى الأسناخ (الحويصلات)، وتوجد شبكة من الأوعية الدقيقة تسمى الشعيرات الدموية بين جدران كل حويصلة.
وهناك تركيبات أخرى مهمة جدا للجهاز التنفسي، وهي جدار الصدر والحجاب الحاجز. يشتمل جدار الصدر على الضلوع التي تشكِّل قفصًا يحمي تجويف الصدر والعضلات التي بين الضلوع. ويتكون الحجاب الحاجز من ملاءة من العضلات على شكل قُبَّة تفصل بين تجويفي الصدر والبطن.
يدخل الهواء إلى الجسم ويخرج منه من خلال الأنف والفم. ويمثل البلعوم والحنجرة (صندوق الصوت)، والرغامى (القصبة الهوائية) مجاري الهواء التي تصل الفم والأنف بالرئتين.
|
الشهيق عملية سحب الهواء للرئتين، ويتم عندما تنقبض العضلات التنفسية. ويؤدي انقباض الحجاب الحاجز، وهو العضلة التنفسية الرئيسية، إلى اتساع حجم الصدر وتمدد الرئتين. |
|
الزفير عملية طرد الهواء من الرئتين. يحدث الزفير عندما تنبسط العضلات التنفسية لتسمح للرئتين بالانكماش بعد أن زالت القوة التي أدت إلى تمددهما. |
عملية التنفس:
يتكون التنفس من عمليتي الشهيق (النفس للداخل) والزفير (النفس للخارج). أثناء الشهيق أو الاستنشاق يُسحَب الهواء من الجو إلى الرئتين، وفي الزفير يُطرد الهواء من الرئتين.
يتم الشهيق عندما ينقبض الحجاب الحاجز وعضلات جدار الصدر. وهو يؤدي إلى زيادة طول وعرض القفص الصدري، الأمر الذي يؤدي إلى تمدُّد الرئتين. ويؤدي تمدد الرئتين إلى خفض قوة الشفط في الحويصلات فيُسحب الهواء النقي للرئتين. ويكوِّن الأكسجين نحو 20% من حجم الهواء، أما المتبقي منه فهو نيتروجين ونحو 0,3% ثاني أكسيد الكربون.
يحدث الزفير حينما تنبسط عضلة الحجاب الحاجز والعضلات الأخرى لتسمح للرئتين بالانكماش. ويؤدي هذا الانكماش إلى زيادة ضغط الهواء في الحويصلات عن الضغط الجوىّ، ونتيجة لهذا يمر الهواء من الرئتين إلى الخارج. ويُكوِّن ثاني أكسيد الكربون نحو خمسة بالمائة والأكسجين نحو 17 بالمائة من هذا الهواء.
وفي الحويصلات، يتم تبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون بين الرئتين والدم عن طريق الجدران الرقيقة للشعيرات الدموية. والدم الذي يدخل هذه الشعيرات به قليل من الأكسجين وكثيرٌ من ثاني أكسيد الكربون. ويمر الأكسجين الذي تم استنشاقه إلى الدم بينما يتحرك ثاني أكسيد الكربون من الدم إلى الحويصلات. وبين دورات التنفس، عندما يكون الجهاز التنفسي في حالة راحة، تظل الرئتان تحتويان على نصف هذا الهواء احتياطًا لاستمرار تبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون بين دورات التنفس.
التحكم في التنفس:
يتم تنظيم عملية التنفس من خلال مركز التنفس وهو مجموعة من الخلايا العصبية في الدماغ. ترسل هذه الخلايا كل عدَّة ثوان دفعاتٍ من المنبِّهات إلى العضلات الضالعة في عملية الشهيق. وتحدد هذه المنبهات معدل عملية التنفس وعمقها. وهناك مجموعة أخرى من الخلايا الخاصة تسمى المستقبلات الكيميائية تتحسس مستوى الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الدم والسائل الدماغي الشوكي المحيط بالدماغ. وتؤدي الزيادة أو النقصان الطفيف في ثاني أكسيد الكربون إلى تغير في حموضة سوائل الجسم، ويؤثر هذا التغير على وظائف الجسم المختلفة. وتُرسِل المستقبلات الكيميائية نبضاتٍ لمركز التنفس لإسراع أو إبطاء معدل التنفس. وبهذه الطريقة، تساعد هذه المستقبِلات على حفظ المستوى الطبيعي للأكسجين والحموضة في الجسم.
التنفس الداخلي
يشير التنفس الداخلي إلى العملية التي يتم بوساطتها نقل الأكسجين لأنسجة الجسم وحمل ثاني أكسيد الكربون بعيدًا عنها. وتؤدي كريات الدم الحمراء الدور الأساسيّ في هذه العملية، حيث تحتوي على الهيموجلوبين (خضاب الدم)، وهو جزيء يستطيع أن يحمل كميةً كبيرةً من الأكسجين.كما أن كريات الدم الحمراء تحتوي على أنزيم الأنيدراز الكربوني الذي يساهم في تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى أيونات البيكربونات وهو شكل يسهل حمله بواسطة الدم.
تجمع كريات الدم الحمراء الأكسجين أثناء مرورها من خلال الرئتين. ويضخ القلب هذا الدم الغني بالأكسجين من خلال الشرايين إلى الشعيرات الموجودة بأنسجة الجسم. وهناك يخرج الأكسجين من خضاب الدم ويمر من خلال جدار الشعيرات إلى خلايا الأنسجة. وفي نفس الوقت، يدخل ثاني أكسيد الكربون الذي نتج من خلايا الأنسجة. ويساعد أنزيم الأنيدراز الكربوني على تحويل معظم ثاني أكسيد الكربون إلى أيونات البيكربونات. لكن أغلب أيونات البيكربونات تترك كريات الدم الحمراء وتُحمل بواسطة بلازما الدم. وما يتبقى من ثاني أكسيد الكربون الداخل للدم يرتبط مع جزيئات الخضاب أو يبقى ذائبًا في البلازما. وحين يصل الدم إلى شعيرات الحويصلات، تنعكس هذه التفاعلات ويخرج ثاني أكسيد الكربون إلى الهواء الموجود بالحويصلات.
التنفس الخلوي
يشمل التنفس في الخلايا مجموعةً من التفاعلات الكيميائية التي تحدث في وجود الأكسجين. وتُطلِق هذه التفاعلات الطاقة من المواد الغذائية وتجعلها متاحة، وبالتالي تستطيع هذه الخلايا أن تقوم بوظيفتها. وتستطيع الخلايا أن تحصل على بعض الطاقة بدون الأكسجين وذلك بطريقة كيميائية تسمى تحلل السُّكّر. يحوِّل تحلل السُّكّر جزيئات الجلوكوز (سكر العنب) ـ وهو من السكريات البسيطة ـ إلى جزيئات أصغر تُسمَّى حمض البيروفيك. وفي هذه العملية تنطلق الطاقة التي تختزن في مركب يُسمَّى ثالث فسفات الأدينوزين (ATP). وهو مهمٌّ جدًا لأنه يمدّ الخلايا بالطاقة وإن كانت عملية تحلل السُّكّر تنتج كمية محدودة من مركب ATP.
تحتاج الخلايا إلى الأكسجين للحصول على كمياتٍ كبيرةً من مركب ATP. وعند وجود الأكسجين في الخلية، يُدخل حمض البيروفيك مجموعة من التفاعلات الكيميائية تُسمَّى. وأثناء المراحل المختلفة لدورة كريبس يحدث احتجاز للطاقة لتمر إلى مجموعة أخرى من التفاعلات تُسمَّى سلسلة نقل الإكترون. ونتيجةً لهذه التفاعلات يتكون قدر كبير من الطاقة يختزن في شكل مركب ATP.
التنفس الخارجي في الحيوانات غير الرئوية
لكثير من الحيوانات التي تقطن في الماء ـ وتحوي السمك والمحار ـ خياشيم لتبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون مع بيئتها. وعندما يأتي الماء ويلامس الخياشيم، يتحرك الأكسجين بسهولة من الماء ويمر من خلال غشاء رقيق يفصل دم الحيوان عن الماء. وفي نفس الوقت، يمر ثاني أكسيد الكربون من الدم إلى الماء. وتأخذ الأسماك الماء للداخل من فمها وتدفعه للخارج عن طريق الخياشيم.
والحيوانات الأخرى التي ليس لها رئتان لديها كذلك طرق خاصة للتنفس، فدودة الأرض مثلاً تتنفس من خلال جلدها، حيث تمتلك جهازًا من الشعيرات الدموية تحت جلدها مباشرة. ويتم تبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون بين الهواء الموجود بالتربة ودم الحيوان. وتمتلك الحشرات جهازًا من الأنابيب الهوائية الدقيقة ـ تُسمَّى الرغاميات (القصبات هوائية) ـ للتنفس. وتحمل هذه الأنابيب الهواء من البيئة مباشرةً إلى أجزاء الجسم المختلفة.
وهناك حيوانات ـ مثل البرمائيات ـ تستخدم أكثر من عضوٍ للتنفس أثناء حياتها. فالضفدعة، مثلاً، تتنفس من خلال الخياشيم عندما تكون في طور أبي ذنيبة، أما الضفادع البالغة فتتنفس أساسًا بالرئتين،كما أنها تتبادل الغازات مع البيئة من خلال الجلد.
التنفس في النباتات
يتحرك الأكسجين وثاني أكسيد الكربون للداخل والخارج في جذور وسيقان النباتات الراقية من خلال طبقات الخلايا الخارجية،. وعلى أيّ حال، يتم تبادل الغازات في النباتات من خلال فتحات صغيرة في الأوراق تُسمَّى الثغور.
تحصل خلايا النبات، مثل خلايا الحيوان، على الطاقة عن طريق التفاعلات الكيميائية التي تؤدي إلى تكسير سكر العنب.كما تنتج النباتات الخضراء طاقة من خلال تنفسٍ عكسي عن طريق عملية تُسمَّى التركيب الضوئي. وفي التركيب الضوئي، يستخدم النبات طاقة الضوء لصنع سكر العنب، كما يسحب النبات ثاني أكسيد الكربون من البيئة وينتج الأكسجين كناتجٍ ثانوي. وتقوم بعض البكتيريا كذلك بعملية التركيب الضوئي.