الطريق من كُليتي إلى المنزل يتجاوز التسعين كيلو ذهاباً فقط..
نصحتني إحداهن أن أجمع أو أقصر صلاة الظهر مع العصر حتى لا يفوتني موعد الحافلة التي تنقلنا
إحساس قوي..صرخ في وجهي..لا
|
لستُ أدري من هذا الذي دفعني أن أتأخر من أجل أن أؤدي فرضي..
جموعٌ لا حصر لها تتزاحم من أجل الخروج..حافلات وسيارات..هذا ينتظر وهذا
بدأ المسير
زرافاتٍ ووحداناً..يغادرون..إلى المصير المجهول |
مرهِقٌ ذلك اليوم الذي قضيته إلى حد لا يُتصور..ومع هذا لم تغفُ لي عين
حين ركبنا الحافلة..
كالعـــــــــادة دائماً..
لم يبقَ موضوع إلا تكلمن فيه..لم تفت شاردة ولا واردة إلا أدلين برأيهن فيها..
بالنسبة للأغلبية منا..كان الوضع مملاً..والطريق هذا الذي يطول..لم يعد
يُحتمل
سألتني إحداهن: هل ستنامين اليوم؟؟ هززت برأسي نافية لأني لم أعد
قادرة على الكلام..
إحداهن قالت: (سوف) أسهر الليلة من أجله..لن يفوتني البرنامج كالبارحة..
همست أخرى: لا..أنا (سوف) أزور صديقتي بعد صلاة المغرب
ثالثة: بؤساً لهذا الطريق الممل ..متى (سوف ) نصل..؟؟
حقيقةً..كنت مابين مستيقظة ونائمة..
ولم يكن مسرعاً هو إلى ذاك الحد..ربما تمنينا أن يسرع من أجل أن (نصل)
إلى الآن وأنا أسألُ نفسي :
من أين ظهرت تلك السيارة فجأة..؟؟
من الذي جعلها تحيد عن خطها من أجل أن تسبقنا؟؟
والليلة عرفت..هو القدر المحتوم..القضاء الذي ينتظر الكل..
تأملتُ سيارته بلا مبالاة وهو يتجاوزنا كي (يصل ) قبلنا..
ووصل فعلاً..
ليس إلى بيته..
بل إلى القبر..أشلاء..أشلاء..لا تُميز لها معالم | |
وحدي رأيته من الجهة التي كنت أجلس فيها..
الكل..غط في سباتٍ عميق..إمعاناً في قهر الملل
لم نكن نعلم أننا كنا في موعد مع (الموت)
لكنه سبقنا..تجاوزنا..وفي لمحة بصر..في أقل من ثانية..
طارت السيارة بعييييييداً..
بعيداً عنا.. | | وبعيداً عن الطريق.. | |
وانقلبت بجانب الجسر | |
سيارة تطير.. | | هكذا كنت أصرخ وأنا أحاول إغماض عينيَ دون جدوى | |
في أقل من ثانيتين...تحولت السيارة إلى حطام..
حطام..ودخان..وثوب أبيض تناثرت أشلائه على التراب..
التراب..هذا الذي سنرجع إليه يوماً ما..
لم أعد أتبين معالم الأشياء من حولي..
فتاة أغمي عليها..سيارة إسعاف..مرور..وتعطل المسير | |
الكل يقف.. |
عند الموت..الكل يقف رغماً عنه..أحياناً ليس من أجل الرثاء..
بعضهم يقف لأنه لا يمكنه إكمال السير على أشلاء آدمي | |
قبل قليل كان يمرُ من هنا..
قبل قليل كان حي..
الآن هو ميت..ميت ..في أقل من غمضة عين..
ترى فيم كان يفكر؟؟
لمن كان يحث الخطى؟؟
لأمه..؟؟لأهله؟؟ ربما لولده وأسرته..؟؟أو من اجل صديق..؟؟
مواعيد دنيا هذه التي نبذل الغالي قبل الرخيص من أجلها | |
بل تروح الروح من أجلها..وقبل أن نصلها | |
يا اللــــــــــــــــه..لطفك يا اللـــــــه | |
ترى مالذي جعله يتجاوزنا..؟؟
كنا سنموت نحن..لولا...سبحان الله..
ترى هل كان مستعداَ؟؟
كيف سيصبر أهله؟؟
كيف..؟ماذا لو.. | وكل علامات الاستفهام ارتسمت على وجهي
لكن لحظة..لحظة..
هل كنت أنا مستعدة لأكون مكانه إن قدر الله؟؟
كنتُ متأكدة..كنا جميعاً متأكدين أننا (سوف) نصل..ربما كان يفكر (الميت )مثلنا
حين نطقت هذه الكلمة ارتجف كل جزء من جسدي..قبل قليل كان (حي)
والآن..رحمه الله..
متأكدون دائما نحن من كل شيء.. | |
نتكلم كما لو أننا فعلاً نعلم مالذي سيحصل لنا.. | |
نخطط لكل شيء..وننسى أن نخطط لأنفسنا
هذا الطريق الذي رأيته قبل قليل طويلاً..اليوم أتأمله ألف مرة في اللحظة..
هو ممل لأناس..مخيف لآخرين..وقبر لملاييييين الآخرين..
ليس اليوم فقط..بل من قبل..ومن قبل..ومن قبل..
كل شيء قد ينتهي فجأة..
الأحلام..الطموحات..الآمال..المواعيد الكثيرة التي تنتظرنا..
كلها قد تختفي في لحظة..
وفي نفس هذه اللحظة..
لن نبكي نحن عليها..لن ننعي فقدها..
هذه اللحظة هي نفسها التي سنتنهي نحن فيها..
حسبتَ لها أو لم تحسب..لم تعد تفرق في هذه اللحظة؟؟
تجهزت أم لم تجهز ..لن تفرق مع ملك الموت في هذه اللحظة | |
هي لحظة..
لكنه (هو) يعيشها الآن كيوم؟؟
كشهر؟؟ كسنة؟؟
لا أحد يعلم
أخبرت أهلك..أو ألغيت مواعيدك..أو حملت زادك..
لم تعد تفرق..
نفس الطريق..نفس الحافلات..نفس الأشخاص..نفس الملامح..
الكل يسير نحو قدر يجهله | |
البعض يسير طريق العمل..البعض يعبر الطريق للدراسة..البعض يسير بلا
هدف
وآخرون يسلكون الطريق نحو الموت | |
هكذا حدثتُ نفسي في اليوم الثاني...
نفس المكان..لكنه اليوم نظيف..لا أثر لشيء..لا أثر..
لا ركام..لا حطام..لا إسعاف ولا دماء ولا زجاج..
كل شيء عاد كما كان..ونفوسنا عادت للغفلة تماماً كما كانت.. | |
الكل (يسير)..ونفس الأسئلة تدور: بؤساً لهذا ( الطريق) ( الممل) ..متى
(سوف ) نصل.؟؟
متى (سوف ) نصل..
ردت إحداهن...ما تفرق | | لأننا أصلاً طلعنا اليوم متأخرين..
متأخرين؟؟
فعلاً نحن نفهم متأخرين ..متأخرين جداً
بعد فوات الأوان
وفعلاً...كل شيء انتهى في اليوم الثاني..وصار..ما يفرق..
ما عاد يفرق | |
حتى حوادث الموت لم تعد تفرق
لا أدري متى سنشعر أنها تفرق؟ |
المراجع
lakii.com
التصانيف
تصنيف :قصص اجتماعية الآداب
|