بينما قد خرجتُ من عند سُعدَى |
حيثُ منها بالوصل قد نلتُ قَصْدا
|
وقطفتُ زهراً وقبّلتُ خَدا |
إذ بنظم القريضِ قد زدتُ وجدَا
|
وجعلتُ كالدرِّ أنظمُ عِقْدا
|
زاد بي الحالُ إذ صفا لي حَانِي |
في غنائي بالعودِ والألحانِ
|
باسم ربيِّ والسادةِ الأعيانِ |
وترنمتُ شجوةً بالحسانِ
|
وبسُعدَى ذاتِ الجبين المفَدَّى
|
فصغَى سمعُهما إلى إنشادِي |
ورمى اللنارَ لحظُها في فؤادِي
|
فلهذا شعري بدا ذا اتّقادٍ |
وغدا من حماسهِ في انفراد
|
لذوي الفهم والمعارفُ يهدَى
|
أحرقَ العشقُ قلبها كاحتراقِ |
فأتتْ تُطفى اللظى بعِناقي
|
فتضاممّنا ضمةَ المشتاقِ |
وتلاثمنا عادةَ العشاق
|
وتثنتْ لتخجلَ الغصنَ قَدَّا
|
شنّفْ السمعَ من رفيقِ التغاني |
واستمعْ يا أُخَّي صوتَ المثانيِ
|
يا خليليَّ بالله هلا تراني |
أنني قد أحييْتُ شعرَ ابن هانيِ
|
بعد أن كان قد توسَّ لحدا
|
حيثُ شِعري نَجلُ الشجاعة يُملَى |
لستُ أحجوه في البراعةِ إلا
|
أنه قدر رقىَ العُلا وتملاّ |
وغدا لائقاً بحضرة المولى
|
فقدَ الشِّبهَ في الوَرى والضِّدا
|
واحيائي واخجلتي صار فنِّي |
أنني في هوى المِلاحِ أُغنّى
|
برخيمِ الغنا كظبيٍ أغنِّ |
وبأوتاري أبتدي وأُثنِّى
|
ما أرى هذا للفضائل أجْدي
|
أفأيَّامي كلُّها لي عَقيمهْ |
أو مَالي عواقبٌ مستقيمهُ
|
بل على طاعةُ الهوى مُستديمه |
أفما هذه مَراقِي ذميمه
|
أقتفى هزلها وأرفضُ جِدا
|
أعلى اجتراع كأسِ نصيبِ |
خاملٍ ليس كافياً لأريبِ
|
مع أني والله غيرُ مُريبٍ |
همّتِي همةُ الذكي النجيبِ
|
تَقنصُ المجدَ والسِّوى تَتعدى
|
غيره كان قد تسلطنَ عِشقي |
وسبا قانوني له في الرقِّ
|
فليقم في المغنى بأوفر حقِ |
بُليتْ الألفاظُ من نارِ شوقي
|
مع خفوقٍ يثيرُ برقاً ورعدا
|
مثلُ أرياحِ مصرَ ذاتُ اضطرابِ |
آه من مصر إذ غَدتْ في حِسابي
|
أدهشتني بسحرها المستهاب |
وأثارتْ عليَّ ذكري صَابي
|
ولأوطاني أذكرتني عهدا
|
ما أحيي سعيدَ بِركَ ألزمْ |
فرطٌ بالعودِ أنْ قد تَرنم
|
وبأنغامِه القوية سلم |
وتمنى لو كان قال وعلم
|
فيك فخراً كما عهدتَ ومجدا
|
أنا أدركتُ نحوك الحنيّه |
واعْتَرى قلبي رأفةٌ بنويّهْ
|
ولقد قِستُ فكرتي والرويّه |
بعلاك فجاءتا بالسويّه
|
فصرفتُ إليك شكراً وحمدا
|
أنا في إنشادي القريضَ أُصدرْ |
نحوَ عمرانك المديحَ وأُظهرْ
|
لك تاريخٌ بالعجائبِ مُبْهرْ |
وبتجديدي هيكلاً لا أقصر
|
وأعيد الذي تَلاشى مجدا
|
وبتأسيسٍ فيكِ كل الفنونِ |
بهدايا تغتني عن يقينِ
|
وبإنشائي المبينِ المتينِ |
أنقلُ أوربا فيك يا نورَ عيني
|
وأوفِّيك بالمعارف سَعْدا
|
واحدٌ من بنيك يَصنع عُرفَا |
حيث الفضلُ فيك ينشرُ عَرفا
|
هل ترين السوى يفيدك لطفا |
فاقَ هذا الشذى وأرغَم أنفا
|
كلَّ لاحٍ وللحواسد أردى
|
أنا إنْ شاء الله حققَ عوْدِي |
فيك أعجوبةً رقتْ في الصعودِ
|
وتولى على ثراكِ السعيد |
وأزال الذي عفَى بالجديد
|
وإليك كلّ المفاخرِ أُسْدى
|
لكن المفخرَ الذي قد تخبَّا |
تحتَ أطلالِك القديمةِ حِقبا
|
قد أُزيلَ القناعُ عنه فهبّا |
ضوؤه في الأنام شرقا وغربا
|
وعجيبٌ أنْ سرعةً قد تبدَّا
|
خبريني من الذي قد تولَّى |
شأنك البالغَ الجدودَ وعلاَّ
|
سمكُ إيوانِك الذي فيه حَلاَّ |
يا لَه من عظيم رأيٍ تجلاَّ
|
من بني التركِ للفَلاحِ استعدا
|
مذْ دنا مُشِهراً للسلاحِ |
صَغُر الكلُ في جميع النواحي
|
أورنا ناطقاً بعين الفلاحِ |
قام من قبره فخارُك صَاحِي
|
ورقى ذروةَ العُلا وامتدَّا
|
بسياساتٍ فيك أضحى كفيلاَ |
بيدٍ دانتْ من مُضي التقبيلا
|
حددتْ في جبينِك الإكليلا |
نضرتْ غُصناً فيكِ حاز ذبولا
|
وأعادتْ فيه الشبيبةَ وُدَّا
|
يا وزيراً بأرضِ مصرَ عطوفْ |
حوله كلُّ المكرماتِ تَطوفْ
|
أعَدن روْنقاً بمصر ينوف |
حُزْتِ تختاً عن الملوكِ طريفْ
|
فلتحزْ فضلاً وتحرزْ رُشْدا
|
فعلُكَ الخيرَ بعده حسنُ ذكرِ |
مستمرٌ على مدى كل دهرِ
|
فاغتنم حفظ مشتَهى نيلِ مصرِ |
فلقد شابه دماً سيفُ نصرِ
|
وغدا في حماكِ ينفقُ رِفْدا
|
فأدِم في سبيل المحاسِن سَعيَا |
وارْعَ في روضةِ الأحاسِن رعيا
|
وأبِنْ عن بهاءِ مصر المحيَّا |
ما تخبّا من حسنها قد تهيا
|
وغدا غورُها بفعلك نجْدا
|
أنا عن وجهِ مصرَ صرتُ بعيدا |
فوق برَ بالفضل أضحى سَعيدا
|
ولوادٍ شرفتَه لن أريدا |
حيث عنِي اغتني وصار وَحيدا
|
فحقيقٌ بالعقم موتِي فَرْدا
|
مع أني بالقرب من مَيْدانِ |
عامرٍ من تناضُل الفِرسان
|
كلُّ أقراني بالسباق مُعاني |
وجميعُ الأنام طُراً يراني
|
في مرورِي أرى التفرنُجَ نِدَّا
|
أيهذا الوادي رفيعُ الفخارِ |
صار في شطك المنيع قَراري
|
في الحشا قد غرسْتَ حبَّ اشتهاري |
حيث كل الكمالِ نحوك سَارِي
|
فعجيبٌ أنْ لا أُنافسُ ضِدَّا
|
مع ما قد حملتُ حيث فريقي |
محرقاتٌ من الدم الأفريقِي
|
وصَبُوحي بلوعَتي وغَبوقي |
كل هذا غدا هباءً بشوقِي
|
وأنيني من المحبة عَمْدا
|
أنا أسلمتُ للمقادير نفسي |
ونَصيبي عاملْتُه بالتأسّي
|
وإذا العودُ في يدي أنا أُمِسي |
نحوَ باريز ثمَّ مجلسُ أُنسي
|
لأرى شعري كيف يَبلغُ حَدّا
|
وإفادِي أسيرَ عقلٍ ذكيٍّ |
يزدرِي فيها شعرَ كل كمىً
|
يرتقي أوجَ كلَّ معنى بهىِّ |
ينتقي لفظَ ماهرٍ ألمعيِّ
|
وشذاه يضوعُ مسكاً ونَدا
|
يا إله السماءِ يا ذا البقاء |
قد تيقنتُ فيك نيلَ رجائي
|
لم أحدْ عن موائدِ الأحياء |
قبل أن أستريحَ تحت لواء
|
مع أهل الفخار أبلغُ قَصْدا
|
أنتِ يا سُعدي قد مَلكتِ حشائي |
وسبيتِ حريتي بالتهائي
|
ولقد أذهبتِ شديدَ بهائِي |
عن محيّا وقتي الذي باعتنائي
|
لا يُوفى إلا لعُودي وعدا
|
وسلبتِ بغير حقٍ شبابي |
وحسبتُ لَدَيْكِ كلَّ اكْتآبي
|
وعلى حُكمك المعيبِ انتسابي |
ولك أن تصرفي في انتهابي
|
في حياتي وما أرى عنك بُدا
|
ادهبي الآن قد رفضتُ الغراما |
لست من أسراه نقضتُ الذِّماما
|
عن عبوديتي نحوتُ مُراما |
لستُ أرضى لشرعتي استسلاما
|
أنا لا أبغي ولو تلطفتِ بَعْدا
|
أحرقْتني بلثمها وَاعنائي |
مزجتْ خمرَ ثغرها بدمائي
|
في عُروقي جرت وفي أعضائي |
اذهبي يا سُعدي أديمي التنائي
|
فظلومُ الهرى عليَّ تعدَّى
|
اقبلي منيِّ طيباتِ الوداعِ |
واجعليها نهايةَ الاجتماعِ
|
قد تسليتُ رغبةً في ارتفاعي |
ولأحيي ذِكري بغير انقطاع
|
وأجاري تأييدَه لا مَردّا
|
أمنياتي من غِفلتي أيقظتني |
وبإلهامها الهُدى وعظتني
|
ودواعي الغرام قد لَفِظتني |
فتناولْتُ آلةً حفظتني
|
فتجارتْ لفصْمها اليومَ سُعدي
|
حسْبُكُ الله أن عُودِي حياتي |
أتريدي أن تظفري بوفاتِي
|
يا فجارِ الفرارَ عن مُزهقاتي |
أنا مسكينٌ في الورى أنا ذاتي
|
كيفَ بالفحشِ قد تمنَّيتُ صَدّا
|
أيُّ شيءٍ قد قلتُه من جُنوني |
وتفننتُ في القَلا بفُنونِ
|
يا مرامي المباينَ التبين |
قد تلعبتَ في الهوى بالمجون
|
تردفُ الضد من غرامك ضدا
|
يا فؤادي قد أسلمتُك الأمورا |
وأباحتْ تجارةً لن تبُورا
|
كيف ترضى على الظبا أن تجورا |
لستَ ألفوك آسفاً مقهورا
|
حيث فديتُ قلبها الآن فِدا
|
أفنهنيك شِدةُ الإيلامِ |
لفتاةٍ صعيفة في الأنَامِ
|
يا شريفاً لدى الملوكِ الكرامِ |
بامتداحٍ لهم مدى الأيَّام
|
إن هذا للمجد يهدم عهدا
|
فتأملْ منها انهمالَ الدموعِ |
من عيونٍ مريضةٍ بالولوع
|
الفرارَ الفرارَ فهو شفيعي |
غير أن الفرار ألقى بروعي
|
أنها من بعيْني تجاورُ لحْدا
|
هذه فكرةٌ أراعتْ فؤادي |
وأضاعتْ عَزمي وكلَّ اعتمادي
|
وأثارتْ دمي ووارتْ رشادي |
لست أنجو جبانَ نصرِ اجتهادي
|
أو أفادي من همتي الآن قيدا
|
ويحَ عزٍ وسؤددٍ نشتريه |
بنواحِ المِلاح إذ نشتهيهِ
|
يا فؤادي سلْ عند أي فقيه |
يغفرُ الذنبَ من قتالِ بنيه
|
لاشتهاءِ الظهور علّك تُهدى
|
فخرُ ذا الجُرْم ليس يكسو إلا |
فوق كتفيه من خَطاياه ثِقلا
|
أنا صدقتُ مأرباً معتلا |
ورجاءً عن الطريقةِ ضَلاّ
|
في صنيعي لغادتي ما اشتدا
|
أذهبُ اليوم خائناً للودادِ |
لسؤال العُلا أمدُّ الأيادي
|
وجبيني قدمتُه بتمادي |
نحوَ تاج على اتهامِي يُنادي
|
وافتضاحي يكون في الناس وِرْدا
|
لا رَعى اللهُ فكرةَ التأسيفِ |
مَزّقتني بسهم قوسٍ عَنيفِ
|
وصياحي الخفيُّ مزَّقَ خُوفي |
وغضوبُ الإكليل في تعنيفي
|
لجبيني أضحى يُحاول طردا
|
تخذ الصمتَ عادةً منك عُودِي |
حيث بانتْ تلهفاتُ الصدودِ
|
وغدا في أناملي كالعميدِ |
ميتاً لا يظن فيه بعوْدِ
|
لم يُطقْ للغناء أن يتصدَّى
|
وأنا الذي قد رميتُ السلاحا |
ولشرع الهوى خفضتُ الجناحا
|
لا تزالي إنْ تفعلي إصلاحا |
ترفعِي في الغرام عني جناحا
|
وانظري لي بينُ لطفك أفَدى
|
ليتني أشتري رضاءك عني |
الذي الآن فيه حسَّنتُ ظنِّي
|
بنصيفِ الحياة لو كان يُغنى |
وبما قد بقى أعيشُ بأمنِ
|
أرتقي في نعيمِ حُسنك خُلْدا
|
فحقيقٌ أن المفاخرَ كانتْ |
قد أرادتْ ضِيافتي ما توانتْ
|
بسعاداتٍ لم تكن لي بانتْ |
لكن النصرةَ التي قد تدانتْ
|
بابها الظنُّ والشقاءُ تحدُّي
|
فإذن قد وكلتِ شمسَ رجاءِ |
بك أضحى شروقُها في ازدهاءِ
|
وتهنىَّ غروبها بهناءِ |
وإذن أنا حاضرٌ يا منائي
|
فهلمِّي كيما أُقبِّلُ خَدَّا
|
إن رشفي مدامعَ الأحزانِ |
من عيونٍ مَريضةِ الأجْفانِ
|
قد رَددتِ إليكِ خِلاً مُعاني |
أو صددتِ الذميمَ من طيشاني
|
فانظري قد قصمتُ عُودِي زهدا
|
هو عودٌ كما علمتِ أثيمُ |
حظه في القصاصِ حظ جسيمُ
|
فهو ملقيٌ على التراب ثَليمُ |
حيثما كان للمعالي يَرومُ
|
مذ خلصتُ صار دمعك حَدّا
|
فدعي ذكراكِ قصيرَ خَيالِ |
غَرّني فيه لهجتي في كَمالي
|
وأنا الآن فديةٌ للجمالِ |
قد ذبحتُ الفخارَ مما جَرى لي
|
ونحرتُ استقبالَ عِزي بَعدا
|
إن روحي قد أغربتْ في المودهْ |
بابتهاجٍ قد صيَّر العزَّ جُنده
|
وجناني بجنةٍ مستعده |
في حياتي كيما أسامرُ مجده
|
فانظري كيف حبُّك اليوم أدَّى
|
فمن الآن للمماتِ خُذيني |
عبدَّ رقٍ بين الورى شَرِّفيني
|
أي شيء من الأماني يَليني |
فلتكوني مولاةَ عِزّي وديني
|
لو اجعلي لي بساطَ حجرك مَهْدا
|
فهلميِّ لتشمليني لُطفَا |
وأسكريني بخمرِ عزِّك صِرْفا
|
فلنا عهدٌ بالمحبةِ وَفَى |
ليس يفنى ذكراه لو نُتَوفَّى
|
من ذيولِ الأخبارِ ينشرُ بُردا
|
وإذا ما لديك حانَتْ وفاتي |
لك كفُّ بغمضِ جفني تاتي
|
وكذا في قبرٍ يُؤْهل ذاتي |
أتهنّى بآخرِ اللثماتِ
|
فختامي في حُسنه كالمبدا
|