جورجي زيدان

جورجي زيدان (14 ديسمبر 1861 - 21 يوليو 1914) صحفي مصري لبناني، ومؤسس مجلة الهلال.

تعد حياة جورجي زيدان نموذجًا للعصامي الذي يشق حياته وسط طريق ملبد بالغيوم مليء بالثغرات، فيجتاز ذلك بالهمة العالية والإرادة الصلبة، والتطلع إلى المعالي، لا يصرفه عن ذلك فقر حل به، أو ظروف معاكسة، أو بيئة غير مواتية، يأتي إلى القاهرة فقيرا لا يملك من الدنيا شيئا، فيصنع لنفسه حياة عريضة وشهرة واسعة في ميدان الصحافة والأدب والتاريخ.

المولد والنشأة ولد جورجي زيدان في بيروت في (10 من جمادى الآخرة 1278هـ = 14 من ديسمبر 1861م) لأسرة مسيحية فقيرة، كان عائلها رجلاً أميا يملك مطعمًا صغيرًا كان يتردد عليه طائفة من رجال الأدب واللغة، وطلاب الكلية الأمريكية. ولما بلغ الخامسة أرسله أبوه إلى مدرسة متواضعة ليتعلم القراءة والكتابة والحساب؛ حتى يستطيع مساعدته في إدارة المطعم وضبط حساباته، ثم التحق بمدرسة الشوام فتعلم بها الفرنسية، ثم تركها بعد فترة والتحق بمدرسة مسائية تعلم فيها الإنجليزية.

ولم ينتظم جورجي في المدارس، فتركها وعمل في مطعم والده، غير أن والدته كرهت له العمل بالمطعم، فاتجه إلى تعلم صناعة الأحذية وهو في الثانية عشرة ومارسها عامين حتى أوشك على إتقانها لكنه تركها، لعدم ملاءمتها لصحته.

ولم تشغله هذه الأعمال عن القراءة والاطلاع؛ فقد كان يبدي منذ صغره ميلا قويا إلى المعرفة، وشغفا بالأدب على وجه الخصوص، وتوثقت صلته بعدد كبير من المتخرجين في الكلية الأمريكية، ورجال الصحافة وأهل اللغة والأدب من أمثال يعقوب صروف ، و فارس نمر، و سليم البستاني وغيرهم، وكان هؤلاء يدعونه إلى المشاركة في احتفالات الكلية، فهفت نفسه إلى الالتحاق بها مهما كلفه الأمر، أو بذل من جهد ومشقة، فترك العمل نهائيا سنة (1299هـ = 1881م) وانكب على التحصيل والمطالعة، راغبا في الالتحاق بمدرسة الطب، فتحقق له ذلك بعد اجتيازه اختبارا في بعض المواد العلمية عكف على تعلمها ثلاثة أشهر، وبعد أن أمضى في مدرسة الطب عاما كاملا تركها إلى مدرسة الصيدلة.

وقد صدر العدد الأول من المجلة في (ربيع أول 1310هـ = 1892م) يحمل افتتاحية بقلم جورجي زيدان أوضح فيها خطته، وغايته من إصدارها، وقد عكف على تحريرها بنشاط لفت إليه الأنظار، وكان ينشر فيها كتبه على هيئة فصول متفرقة، وقد لقيت المجلة قبولا من الناس حتى لم يكد يمضي على صدورها خمس سنوات حتى أصبحت من أوسع المجلات انتشارا، وقد مد الله في عمرها حتى تجاوزت قرنا من الزمان، وكان يكتب فيها عمالقة الفكر والأدب في مصر والعالم العربي، ورأس تحريرها على مدى حياتها المديدة كبار الكتاب والأدباء، من أمثال: الدكتور أحمد زكي، والدكتور حسين مؤنس، والدكتور علي الراعي، والشاعر صالح جودت وغيرهم.

الروايات التاريخية

اشتهر جورجي زيدان برواياته التاريخية الشهيرة التي بدأها برواية "المملوك الشارد" التي صدرت في سنة (1309 = 1891م)، ثم تتابعت رواياته حتى بلغت اثنتين وعشرين رواية تاريخية، منها سبع عشرة رواية تعالج فترات من التاريخ الإسلامي، تمتد من الفتح الإسلامي إلى دولة المماليك، مثل: أرمانوسة المصرية، غادة كربلاء، فتح الأندلس، العباسة أخت الرشيد، الأمين والمأمون، شجرة الدر، استبداد المماليك.

وقد لقيت هذه الروايات رواجا واسعًا وإقبالاً هائلاً، وتُرجمت إلى الفارسية والتركية، والأذربيجانية، وغيرها من اللغات، وتنحصر أهمية هذه الروايات في أنها قدمت التاريخ في صورة سهلة ومشوقة، وبلغة جذابة تحمل القراء على متابعة تاريخهم دون مشقة أو ملل.

ومع ذلك فإن تلك الروايات لم تسلم من النقد فيما يتصل بالشكل والمضمون: أما من ناحية الشكل والمعالجة فإن الأحداث تقوم على علاقة غرامية بين بطلي القصة، وتحول الدسائس دون التقائهما واجتماعهما، وشخصيات رواياته متشابهة ونمطية فهو لا يهتم برسم شخصياته.

أما من حيث المضمون فلم يلجأ جورجي زيدان إلى الفترات المشرقة من التاريخ الإسلامي، بل اتجه إلى الفترات التي تمثل صراعًا بين مذهبين سياسييَن أو كتلتين متصارعتين على السلطة والنفوذ، ولم يتجه إلى التاريخ الإسلامي لإبراز أمجاده، وكان متأثرًا في ذلك بنظرة المؤرخين الغربيين إلى العالم الإسلامي، ويأتي في روايته ذكر "الدير" بصورة مفتعلة. وعلى الرغم من ذلك فإنه يعد المؤسس لهذا اللون من الروايات التي تجمع بين التعليم والتسلية والتاريخ.

أهم كتبه

يعد كتاب "تاريخ التمدن الإسلامي" الذي صدر في خمسة أجزاء في الفترة من (1320 – 1324هـ = 1902 – 1906م) أهم مصنفاته، وقد أفاد الرجل من قراءاته ودراساته في المؤلفات الغربية، ومناهج التأليف في التاريخ والحضارة، فضلاً عن مطالعاته الواسعة في المصادر العربية، وكان من يكتبون في تاريخ الإسلام يجرون على منهج رواة المسلمين القدامى مع شيء من التحسين، مثلما هو الحال في كتابات الشيخ "محمد الخضري"، ولم يكن لهم صلة بعالم الاستشراق أو وقوف على المناهج الحديثة.

وقد أثار الكتاب عند ظهور أجزائه الأولى نشاطًا واسع المدى في أبحاث التاريخ الإسلامي، وأقبل عليه الناس، وكانت الجامعة المصرية قد قامت وامتلأت قاعاتها بالطلاب، فانتبهت إلى مكانة جورجي زيدان وسعة علمه، فدعته إلى إلقاء سلسلة من المحاضرات في التاريخ الإسلامي، لكن حالت الظروف دون القيام بهذا العمل في الجامعة. وقد ترجم هذا الكتاب إلى عدة لغات شرقية، كما ترجم المستشرق الإنجليزي "مارجليوث" الجزء الرابع منه إلى الإنجليزية، وعده عملاً أصيلاً غير مسبوق.

ويعد كتابه "تاريخ آداب اللغة العربية" الذي صدر في أربعة أجزاء في الفترة (1329هـ – 1332 هـ = 1911 = 1914م) من أهم المراجع للمشتغلين بتاريخ الأدب العربي في عصوره المختلفة، وكانت فكرة تأليف هذا الكتاب قد شغلته منذ وقت مبكر، فنشر فصولاً في مجلة الهلال سنة (1312هـ = 1894م) تحت هذا العنوان، ثم وسّع هذه الفصول حتى جعل منها كتابًا مستقلاً، ويعد جورجي زيدان رائد هذا الميدان، وإن سبقته محاولات محددة لم يكن لها مثل تأثير كتابه.

وتأثر جورجي زيدان بمنهج المستشرقين في دراسة تاريخ الآداب العربية، وبخاصة كتاب بروكلمان المستشرق الألماني في كتاب "الأدب العربي" وغيره من مؤلفات المستشرقين، وقد وضع في الصفحات الأولى من كتابه أسماء المراجع الفرنسية والإنجليزية والألمانية التي رجع إليها ونهل منها.

ويعد كتابه "تراجم مشاهير الشرق" من أهم المراجع التي يستأنس بها كل باحث وكاتب يبحث عن الترجمة لعلم من أعلام الشرق في القرن التاسع عشر، والكتاب لا يختص بطائفة معينة من الناس، وإنما يجمع بين أعلام السياسة والأدب والإدارة والحكم وغيرهم.

وفاته

كان جورجي زيدان يعمل بانتظام شديد، وبعزيمة قوية، ينكب على القراءة والتدوين ست عشرة ساعة متوالية في اليوم، مكتفيًا من النوم بأربع ساعات في أخريات حياته، يسابق الزمن في إنجاز أعماله الضخمة، ووافته المنية وهو بين كتبه وأوراقه في مساء يوم الثلاثاء الموافق (27 من شعبان 1332هـ = 21 من يوليو 1914م)، وقد رثاه كبار الشعراء من أمثال أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران بقصائد مبكية.

مؤلفاته

في التاريخ

1- العرب قبل الإسلام –الجزء الأول، طُبع في مصر سنة 1908.

2- تاريخ التمدّن الإسلامي- خمسة أجزاء –طبع في مصر 1902-1906.

3- تاريخ مصر الحديث –جزآن- طُبع في مصر 1889.

في اللغة وآدابها:

1- الألفاظ العربية والفلسفة اللغوية –بيروت 1889.

2- تاريخ آداب اللغة العربية –أربعة أجزاء- مصر 1911.

القصص التاريخي

عشرون رواية تستعرض التاريخ الإسلامي في مختلف أطواره، هي: فتاة غسان – أرمانوسة المصرية- عذراء قريش- 17رمضان- غادة كربلاء- الحجاج بن يوسف- فتح الأندلس- شارل وعبدالرحمن- أبو مسلم الخراساني- العباسة أخت الرشيد –عروس فرغانة- أحمد بن طولون- عبد الرحمن الناصر- الانقلاب العثماني- صلاح الدين – شجرة الدر- أسير المتمهدي- المملوك الشارد- استبداد المماليك- جهاد المحبين.

نقد

2- يصدق فيه ما قاله الدكتور محمد السيد الوكيل في تقديمه لرسالة (نبش الهذيان من تاريخ جرجي زيدان) بأنه : "من أشهر من افترى وزيَّف التاريخ الإسلامي في العصر الحديث… الذي استتر برداء العروبة وتوارى خلف شعارات القومية، ومهّد له الإعلام الغربي ليلعب دوره الطبيعي في كتابه التاريخ الإسلامي مشوَّهاً ومبتوراً يزينه بأسلوب رقيق ممتع، ويغلفه بعناوين زاهية براقة، ويقدمه في صورة قصة غرامية أخاذة" (ص6).

3- لقد توجهت كلمات العلماء والناصحين إلى كتب وروايات هذا القبطى محذرةً منها، ومبينة انحرافاتها، ومن ذلك:

I- تحذير الشيخ الهندي شبلي النعماني من كتاب (تاريخ التمدن الإسلامي) لزيدان، حيث فند أخطاءه، وكشف انحرافاته، وأبان عن تزويره وتلبيساته، وذلك في كتابه (انتقاد كتاب تاريخ التمدن الإسلامي) الذي لخص في مقدمته أبرز انحرافات زيدان قائلاً:

"إني أيها الفاضل المؤلف غير جاحد لمنبتك فإنك قد نوهت باسمي في تأليفك هذا وجعلتني موضع الثقة منك، واستشهدت بأقوالي ونصوصي، ووصفتني بكوني من أشهر علماء الهند، مع أني أقلهم بضاعة، وأقصرهم باعاً، وأخملهم ذكراً، ولكن مع كل ذلك هل كنت أرضى أن تمدحني وتهجو العرب، فتجعلهم غرضاً لسهامك، ودربة لرمحك، ترميهم بكل معيبة وشين، وتعزو إليهم كل دنية وشر، حتى تقطعهم إرباً إرباً، وتمزقهم كل ممزق؟ وهل كنت أرضى بأن تجعل بني أمية لكونهم عرباً بحتاً من أشر خلق الله وأسوئهم، يفتكون بالناس، ويسومونهم سوء العذاب، ويهلكون الحرث والنسل، ويقتلون الذرية وينهبون الأموال، وينتهكون الحرمات، ويهدمون الكعبة ويستخفون بالقرآن؟

أو هل كنت أرضى بأن تنسب حريق الخزانة الإسكندرية إلى عمر بن الخطاب، الذي قامت بعدله الأرض والسماء، وهل كنت أرضى بأن تمدح بني العباس فتعد من مفاخرهم أنهم نـزلوا العرب منـزلة الكلب، حتى ضرب بذلك المثل، وأن المنصور بني القبة الخضراء إرغاماً للكعبة، وقطع الميرة عن الحرمين استهانة بهما، وأن المأمون كان ينكر نزول القرآن، وأن المعتصم بالله أنشأ كعبة في (سامرا) وجعل حولها مطافاً واتخذ منى وعرفات؟

وهب أني عدمت الغيرة على الملة والدين، وافتخرت كصنيع بعض الأجانب بأني فلسفي بحت عادم لكل عاطفة ووجدان، فلا أرضى ولا أغضب ولا أسر ولا اغتاظ ولا أفرح ولا أتألم، وهب أني حملت نفسي على احتمال الضيم، وقبول المكروه، والصمم عن البذاء، ومجازاة السيئة بالحسنة، ومكافأة الخبيث بالطيب، فهل كنت أرضى بأن تشوه وجه التاريخ، وتدمغ الحق، وتروج الكذب، وتفسد الرواية، وتقلب الحقيقة، وتنفق الهم، وتعود الناس الخرافة؟ بئس ما زعمت أيها الفاضل، فإن في الناس بقايا وأن الحق لا يعدم أنصاراً.

إن الغاية التي توخاها المؤلف ليست إلا تحقير الأمة العربية وإبداء مساويها، ولكن لما كان يخاف ثورة الفتنة غير مجرى القول، ولبس الباطل بالحق. بيان ذلك أنه جعل لعصر الإسلام ثلاثة أدوار: دور الخلفاء الراشدين، ودور بني أمية، ودور بني العباس، مدح الدور الأول وكذلك الثالث (ظاهراً لا باطناً كما سيجيء) ولما غر الناس بمدحه الخلفاء الراشدين، وهم سادتنا وقدوتنا في الدين، وبمدحه لبني العباس وهم أبناء عم النبي صلى الله عليه وسلم، وبهم فخارنا في بث التمدن وأبهة الملك، ورأى أن بني أمية ليست لهم وجهة دينية فلا ناصر لهم، ولا مدافع عنهم، تفرغ لهم، وحمل عليهم حملة شنعاء، فما ترك سيئة إلا وعزاها إليهم، وما خلى حسنة إلا وابتزها منهم…الخ" (ص2 ،3)

التاريخ

أما انحرافاته في كتابه (تاريخ آداب اللغة العربية) فقد أبان عنها الشيخ أحمد عمر الإسكندري –رحمه الله-. في مقالة له نشرت في ذيل رسالة النعماني السابقة. جاء فيها : "الأمور التي تؤخذ على الكتاب: "يكفي القارئ أن أذكر بغاية الاختصار بعض هذه الأمور فإذا شاء أو شاء المؤلف فضل إيضاح لبعض المباحث فصلته تفصيلاً ويمكن توزيع هذه الأمور إلى الأنواع الآتية:

1- الخطأ في الحكم الفني: أي تقرير غير الحقيقة العلمية سواء كان ذلك بقصد من المؤلف أم بغير قصد.

2- الخطأ في الاستنتاج: وهو ما يعذر فيه المؤلف لأنه اجتهاد من عند نفسه فإن أصاب فله الشكر وإن أخطأ فمن ذا الذي ما ساء قط.

3- الدعوى بلا دليل: وهو ما يقرره المؤلف من غير تدليل عليه وقد يكون في ذاته صحيحاً ولكن في سوقه ساذجاً مجالاً للشك.

4- الخطأ في النقل: وهو آت من تصرف المؤلف في عبارات المؤلفين بقصد اختصارها أو من تسرعه في الجمع وقلة مراجعة الأصول .

5- قلة تحري الحقيقة: بمراجعة الكتب المعتبرة والتواريخ الصادقة ووزن كل عبارة بميزان العقل والأنصاف وقياس الأمور بأشباهها بل كثيراً ما تروج عند المؤلف أقوال الخصوم في خصومهم وأقوال الكتب الموضوعة لأخبار المجان أو لذكر عجائب الأمور وغرائبها.

6- تناقض بعض أقوال الكتاب.

7- الاختصار في كثير من التراجم والمباحث وإهمال ما ليس من شأنه أن يهمل .

8- إدخال ما ليس من موضوع الفن فيه لغير مناسبة أو لمناسبة ضعيفة جداً.

9- الاستدلال بجزئية واحدة على الأمر الكلي وهو كثير الحصول في جميع كتب المؤلف وفي أكثر استنتاجاته ودعاواه .

10- تقليد المستشرقين في مزاعمهم أو نقلها عنهم من غير تمحيص .

11- اضطراب المباحث وصعوبة استخراج فائدة منها لاختلال عبارتها أو لعدم صفاء الموضوع للمؤلف.

12- اضطراب التقسيم والتبويب إما بذكر المباحث في غير موضعها وإما بعدّ رجال عصر في عداد رجال عصر آخر، وربما زاد المؤلف عن ذلك بعد رجال فن في رجال فن آخر.

13- التحريف واللحن وهما كثيرا الشيوع في جميع كتب المؤلف مع سهولة الاحتراز عنهما بمراجعة الأصول عند التأليف والطبع واستئجار أحد المصححين العالمين بقواعد العربية.

14- تهافت المؤلف على تطبيق قانون النشوء والارتقاء حتى في الأمور التي فيها تدن وانحطاط لا نشوء ولا ارتقاء" (ص 8-81).

V- أما كتابه (تاريخ مصر الحديث) فقد تولى كشف زيفه الشيخ أمين بن حسن الحلواني المدني في كتابه (نبش الهذيان من تاريخ جرجي زيدان) خطّأ فيه زيدان في (101) موضع.

الروايات

أما رواياته التاريخية فقد خصص الأستاذ شوقي أبو خليل كتابه (جرجي زيدان في الميزان) لبيان ما فيها من إفساد. ولخّص في خاتمته أبرز انحرافات زيدان في رواياته قائلاً:

(وهكذا.. قدمنا ملاحظاتنا حول روايات جرجي زيدان، التي تعمد فيها التخريب والكذب لأجل تحقير العرب، عن سوء قصد، لا عن جهل، فلا ينقص جرجي العلم بعد أن أوهم قرّاءه أنه عاد إلى مصادر ومراجع عربية.. لكنه تعمّد التحريف، وتعمد الدس والتشويه، وتعمد فساد الاستنباط مع الطعن المدروس.. لعمالته الأجنبية، ولتعصبه الديني، الذي جعله ينظر إلى تاريخنا العربي الإسلامي، وآداب اللغة العربية، بعين السخط والحقد.

ونحن في نقدنا الذي دوّناه فيما سبق.. لم نكن في موقف من يتصيد الأخطاء ويغمض عينه عن الصواب.. ولكننا كنا نبحث عن الصواب فلم نجده، فاخترنا من الأخطاء بعضها وأهمها.. ونحن لا نقول إن ما سجلناه هو كل ما يقال عن روايات جرجي، لا.. فمن يفتش يجد طعنات وأخطاء بقدر ما كتبناه وأكثر.. ولكننا أردناها لقيمات تتذوقها من "طبخة" كبيرة طبخها جرجي من تاريخنا، وقدمها للأجيال..

وخاتمة لدراستنا هذه .. يمكننا أن نستخلص من مجموع الروايات، ما أراده جرجي، وما هي الملاحظات الرئيسة التي توجه إلى هذه الروايات:

1-شوه جرجي سيرة أبطال الإسلام

ففي "فتاة غسان".. سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ورجالات الصدر الأول.. ووصفهم بالبطش، والفتك والنهب..

وفي "أرمانوسة المصرية" شوه حياة عمرو بن العاص.. وأظهر المسلمين سذجاً بسطاء أغبياء..

وفي "عذراء قريش" .. شوه سيرة عثمان وعلي وعائشة.. رضي الله عنهم.

وفي "17 رمضان" .. شوه سيرة خلفاء بني أمية.

وفي "فتح الأندلس" .. شوه سيرة طارق بن زياد وموسى بن نصير.

وفي "شارل وعبد الرحمن".. شوه سيرة عبد الرحمن الغافقي.

وفي "أبي مسلم الخراساني".. شوه سيرة المنصور.

وفي "العباسة أخت الرشيد".. شوه سيرة الرشيد.

وهكذا شوه جرجي أيضاً سيرة المعتصم، و أحمد بن طولون ، و عبدالرحمن الناصر ، و الظاهر بيبرس وقطز ، ومحمد أحمد المهدي.

2-طمس جرجي بطولات وفتوحات المسلمين، وأثار الشكوك حولها.. تارة بالنهب والسلب، وتارة بالبطش والفتك.. وتارة بالظلم "جزية خراج، أتاوة..".

3-جعل جرجي الجزئية كلية، واستدل بجزئية واحدة على الأمر الكلي.. وهذا حاصل في كل استنتاجاته ودعاواه، يجعل الواقعة الجزئية قضية كلية وقاعدة عامة.. يضاف إلى هذا.. إغفال الأحداث الرئيسة في تاريخ الإسلام..

مثال ذلك.. أشار جرجي إلى نكتة ذكرها صاحب الأغاني لحسين بن الضحاك، فأنزلها منـزلة الأمور العمومية في ذلك العصر، فهذا ليس بتاريخ، بل مسخ التاريخ، وقال جرجي "ومن ثمار الحضارة في ذلك العصر تكاثر الغلمان، وصاروا يحجبونهم كما يحجبون النساء" .. هذا ما رآه جرجي من ثمار الحضارة، ومن مميزات عصر النهضة الذهبي في تاريخنا .

4-جعل مسرح أحداث رواياته في الأديرة والكنائس، وجعل للرهبان والقسس دور التوجيه حيث الأمن والأمان والاحترام والطمأنينة، والرأي القويم السليم .. عندهم.

كما أضفى هالات مثالية على كل ما هو (مسيحي).. وسلط الأضواء على صور الصلبان والقديسين ومياه المعمودية المقدس.. وزيت مصباح الدير.. "الشفاء التام ببركة الماء المقدس وزيت المصباح وبركة صاحب الدير".

5-تلاعب بالمصادر والمراجع .. وإن أشار إلى مرجع ونقل فقرة، نقلها مشوهة ودون ذكر الجزء أو الصفحة أو الطبعة.. وما ذلك إلا لإيهام القارئ بموضوعيته..

كما وأنه يضع كلاماً بين قوسين، وكأنه ينقل حرفياً بأمانة.. مع أنه كلام من أفكار جرجي.. يدسه ويرويه على ألسنة أعلام مشهورين. وبخاصة حوار كبار الصحابة مع بطلاته الوهميات

6-ركز جرجي على فترات القلق السياسي، فكانت له أحداث الفتنة الكبرى، وأبو مسلم الخراساني، الأمين والمأمون، وشجرة الدر.. مرتعاً خصباً للخوض في غمار هذه الأحداث مجسماً الخلاف، مظهراً العيوب..

7-كما أكثر جرجي من "الدعوى بلا دليل"..

كاستهانة عبد الملك بن مروان بالقرآن الكريم : "هذا فراق بيني وبينك" وكقوله إن معاوية أرسل بسر بن أرطأة، وأرسل معه جيشاً، أوصاهم أن يسيروا في الأرض ويقتلوا كل من وجدوه من شيعة علي، ولا يكفوا أيديهم عن النساء والصبيان

وكقول جرجي أن المنصور والمعتصم، بنيا كعبتين في بغداد وسامراء

وكقوله بكره المنصور للعرب.. وهو العربي وابن عم النبي العربي صلى الله عليه وسلم .

وقوله إن "دائرة للمنجمين" في قصر الخلافة العباسية في بغداد.

وقوله: ذبح الخليفة أهل الكرخ بسبب جارية.

وقوله: إن للبطل الفاتح عبد الرحمن الغافقي "خباء من النساء"

8-أظهر شعوبية وحقداً على العرب..

لقد حقر جرجي –في ذهنه فقط- أمتنا، وأظهر مساوئها.. بل ما ترك سيئة إلا وعزاها لأمتنا، وابتز منها كل مكرمة.. واستغل الطورانيون، أعداء العرب، مؤلفات جرجي، فترجمت إلى اللغة التركية، للاستعانة بما كتبه في تحقير العرب، وانتقاص مدنيتهم، وغمط حضارتهم، وتفضيل الأعاجم، عليهم، فكادوا يولدون بذم العرب عصبية جديدة..

لقد جعل جرجي العرب غرضاً لسهامه، ودربة لنباله.. يرميهم بكل نقيصة، ومعيبة وشر..

9-أثار الأحقاد التي يرجو كل عاقل إطفاء نيرانها بين السنة والشيعة.. وبخاصة في رواياته: عذراء قريش. 17 رمضان. غادة كربلاء. أبو مسلم الخراساني. العباسة أخت الرشيد. الأمين والمأمون. عروس فرغانة . فتاة القيروان..

جاء في "فتاة القيروان" : "إن شيعتنا في ضنك شديد، إن هؤلاء الظالمين يسومونهم سوء العذاب من الإهانة والضرب والحبس بسبب وبلا سبب".

"إن شيعتنا مغلوبون على أمرهم يذوقون العذاب ألواناً من الحبس والقتل.." .

"إنهم يسومون شيعتنا ذلك لأنها تجل أبناء الرسول، لو قصصت عليك بعض الخبر لبكيت على حالنا"..

10-أثار غريزة الشباب، وحرك شهوات المراهقين، مستغلاً ضعف ثقافة الكثيرين منهم، وحاول إيصالهم إلى الغاية التي يرمي إليها في كل رواية، مع لواعج الغرام، اصطكاك الركب، خفقان القلوب، رعشات الحب، سريان الكهرباء عند تلامس الأيدي..

11-كما جعل جرجي تاريخنا العربي (مع الغرام والحب).. دسائس، جواسيس، لصوص، ظالمين، قطاع طرق، ثارات، طاغين، وشايات.. ولقد ذكرنا في كل رواية ما ورد من مثل هذه العبارات..

12-وجعل جرجي وراء سير الأحداث غانيات فاتنات، ملكات جمال ممشوقات القوام، ممتلئات الجسم، مستديرات الوجه كالبدر.. جمعن بين لطف النساء وحزم الرجال وشجاعتهم، يتنقلن بخفة متناهية بين بلد وبلد، وبين فئة وأخرى ليسيرن الأحداث في تاريخنا العربي الإسلامي.

فقطام في "17 رمضان" فتاة الكوفة الفتانة، التي ذاع صيتها في الآفاق، وسمع بجمالها القاصي والداني، حتى أصبحت فتنة الكوفيين ومضرب أمثالهم، وشخصت إليها الأبصار، وحامت حولها القلوب، فباتت معجبة بجمالها.

وسلمى في "غادة كربلاء" عند النظر إليها أعجب الحبيب بها فلم ير جمالاً مثل جمالها في فتاة قبلها، طول عمره الذي قضاه في دمشق وضواحيها، مع كثرة ما شهد من بنات الروم والعرب والنبط والسريان واليهود، فلم تقع عيناه قبل تلك الساعة على فتاة في وجهها من الجمال والهيبة مثل ما في هذا الوجه، وقد أدهشه منها بنوع خاص جمال عينيها..

وجلنار في "أبي مسلم الخراساني" مضرب الأمثال بالجمال والتعقُّل والأنفة.. وهي على جانب عظيم من الجمال، مستديرة الوجه، ممتلئة الجسم، طويلة القامة معتدلتها، بيضاء البشرة مع حمرة تتلألأ تحت البياض، سوداء الشعر مسترسلته، نجلاء العينين كحلاءهما، تفيض جاذبية وحلاوة، وكان لها في مقدم الذقن فحص، وإذا ابتسمت ظهر على جانبي فمها فحصتان هما "الغمازتان" .

وهكذا .. في كل رواية .. كلما أزيح لثام، ظهر وجه كالبدر، ليكون وراء الأحداث بتعقل وحنكة.. وهذا تفسير فرويدي جنسي لتاريخنا العربي الإسلامي

13-عود الناس تصديق الخرافة والخيال.. فقصة الحب التي ينسجها بين حبيبين يباعد الفتح أو تباعد الأحداث بينهما، يعودان إلى اللقاء في نهاية القصة.. مع تنجيم، وسحر، وكهان، ورمل، ومندل وودع..

كل هذا في "روايات تاريخ الإسلام"

14-عدم استخراج فائدة، أو روح معنوية سامية من هذه الروايات.. مع أن الكاتب الكبير هو الذي يوجه قراءه إلى هدف كبير، وأول خطوة تجاه الهدف الكبير البعد عن الكذب والدس والتشويه والحذلقة والطعن والشعوبية.

الكاتب العظيم.. من يجعل فيما يكتبه مغزى عظيماً رفيعاً، ولن تكون العظمة فيما يُكتب إلا إذا التزم الكاتب الصدق، والأمانة، والموضوعية.. ولن يصل إلى المستوى الرفيع إلا إذا جعل ما يكتب للسمو بالجيل فكراً ونفساً وروحاً ومنهجاً.

15-كما قلد جرجي المستشرقين في شبهاتهم.. الرهبان علموا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، سطو العرب وحبهم للغنيمة، لا يشجع الإسلام حرية الفكر والفلسفة، إدانة الرشيد في نكبة البرامكة..

16-وكان جرجي يختصر في ما ينبغي الإطناب فيه، والإطناب فيما ينبغي الاختصار.. كوصف دير، أو بستان، أو غرفة، أو جارية.. صفحات ذكرناها فيما سبق.. بينما يذكر عين جالوت في سطرين دون ذكر اسمها، ولا يذكر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً، حتى أنه في كتابه "تاريخ آداب اللغة

العربية" خصص اثنتي عشر صفحة لموضع أجنبي بعيد عن آداب اللغة العربية وهو آداب اللغة اليونانية وأطوارها، وتراجم مستقلة بصور كبيرة لفلاسفة اليونان، وآداب اللغة الفارسية وأطوارها، وآداب اللغة السريانية وأطوارها، وآداب اللغة الهندي.. نقل هذه المباحث من دوائر المعارف، نقلها هنا بلا مناسبة وكان الأولى به أن يحل محلها كتاب الدولة العباسية، وهم فحول البلاغة، وقادة الكلام.

ومما يذكر هنا.. التطويل والتكرار في موضوعين أو ثلاثة لغير موجب، مثل: وصف جمال الغانيات والجواري، والتهتك والخلاعة، وإثارة الأحقاد بين المسلمين، ثم إعادة ذلك بعينه في كل رواية

17-يتضح من مراجع (جرجي) أنه لم يطلع مطلقاً على "منهج البحث التاريخي".. ويتجلى ذلك في اعتماده على كتب شك المؤرخون بصحتها، بل وعرفوا كذبها ومجونها.. مثل الأغاني الذي جعله مرجعاً رئيساً في معظم رواياته..

18-كما دون جرجي في رواياته: تصورات أبطال هذه الروايات، وما قالوه في أنفسهم، وما سمعوه من هواتف، وما مر على خواطرهم من ذكريات.. حتى أحلامهم سجلها جرجي..

وليس بمثل هذه الخيالات يكتب تاريخ على وجه البسيطة) انتهى كلام الدكتور شوقي أبو خليل –وفقه الله-. (ص307-315).

أما الأستاذ أنور الجندي فقد قال عن روايات زيدان: (أما المجال الذي استطاع جرجي زيدان أن ينفث سمومه فيه بحرية؛ فهو مجال القصص، فقد ألف عدداً من القصص تحت اسم "روايات الإسلام"، دس فيها كثيراً من الدسائس والمؤامرات والأهواء، وحاول إفساد مفهوم الشخصية الإسلامية والبطولة الإسلامية، حيث أساء إساءة بالغة إلى أعلام من أمثال صلاح الدين الأيوبي، هارون الرشيد، السلطان عبد الحميد، عبد الرحمن الناصر، أحمد بن طولون، الأمين والمأمون، عبد الرحمن الداخل، شجرة الدر، وقد أقام تصوره على أساس خطير:

أولاً: تصوره للخلفاء والصحابة والتابعين بصورة الوصوليين الذي يريدون الوصول إلى الحكم بأي وسيلة، ولو كان على حساب الدين والخلق القويم مع تجريحهم واتهام بعضهم بالحقد وتدبير المؤامرات.

ثانياً: تزييف النصوص التي نقلها عن المؤرخين القدامى وحولها عن هدفها تحويلاً أراد به السخرية والاستخفاف بالمسلمين وبنى عليها قصصا غرامية باطلة.

ثالثاً: استهدف من حشد القصص الغرامية ذات المواقف المسفة داخل روايات "تاريخ الإسلام" إثارة غريزة الشباب وتحريك شهوة المراهقين، مستغلاً ضعف ثقافة الكثيرين منهم وجهلهم بالغاية التي يرمي إليها في الروايات، مع الاستشهاد بالأبيات الشعرية المكشوفة الساقطة التي تحرك الغرائز الدنيا.

رابعاً: تبين من البحث الذي قدمه عالم أزهري درس باستفاضة روايات جرجي زيدان أن معظم الأحداث التاريخية في رواياته قد حرفت وبنيت على أساس فاسد.

فقد ظل جرجي على حد تعبير الباحث الدكتور… ينقب وينقر ويجهد نفسه في مزج الحق بالباطل، وتقديمه في أسلوب براق جذاب معتمداً على فن أدبي ذي أثر بالغ، وذلك هو فن القصة والرواية، حيث لم يكن حريصاً على تحري الحقائق التاريخية قدر حرصه على الحبكة القصصية وخلق الحوادث المثيرة خلقاً، وقد عمل جاهداً على طمس التاريخ الإسلامي وتشويه معالمه بغية تنفير أبناء العرب والمسلمين من ماضي آبائهم المجيد.

خامساً: من أخطر شبهاته أنه قال ببشرية القرآن وشك في مصادر العربية الأولى، ومدح بني العباس لأنهم أنـزلوا العرب منـزلة الكلب (على حد قوله)، ونسب إحراق مكتبة الإسكندرية إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وقد طبع اللبنانيون روايات جرجي زيدان مزدانة بالصور الملونة والألوان الصارخة بقصد استهواء الشباب وحملهم على قراءة هذه الكتب التي لا تعطيهم إلا صوراً مشوهة لتاريخ أمتهم وأخباراً ملفقة بغية التشكيك في ذلك التاريخ.

سادساً: أعطى نفسه الحرية المطلقة في تفسير أحداث التاريخ في معظم رواياته استناداً إلى موقف الأديب من التاريخ، وكانت تفسيراته متعسفة متكلفة في محاولة لإثارة مشاعر السخط في نفوس المسلمين.

سابعاً: تفسيره لتصرفات هارون الرشيد مع أخته العباسة وجعفر البرمكي بما لا يتفق مع ما عرف عن الرشيد من أنه كان يحج عاماً ويغزو عاماً، وبما لا يتفق مع أيسر قواعد التفكير والمنطق السليم، وفي رواية أرمانوسة المصرية حاول أن يقول: إن الحب بين أرمانوسة وأركاديوس قائد حصن الروم هو السبب في هزيمة الروم وانتصار المسلمين، واتهم المسلمين بأنهم دخلوا البيوت ينهبون ويسلبون عندما فتحوا بلبيس، وهو مناقض تماماً لما أورده المؤرخون المنصفون.

ثامناً: في رواية "فتاة غسان"؛ أورد شبهة بأن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم أخذ تعاليمه عن الرهبان، وتأثر بتوجيهات الراهب بحيرا، واتسمت كتابته بالسخرية والاستخفاف بوثائق العهد النبوي، ووصف حادثة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم بالغرابة، وادعى أن هناك خصومة بين خالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح، وأخذ مصادره في هذا من كتب المستشرقين.

تاسعاً: في رواية "عذراء قريش"؛ أقام منطقه على تجريح الصحابة واتهام بعضهم بالحقد وتدبير المؤامرات، واتهم السيدة عائشة بالميل إلى سفك الدماء والنـزوع إلى الشر، ووصف الخليفة عثمان بأنه رجل إمعة وذليل ومستسلم لابن عمه، وافترى على علي بن أبي طالب وفسر الفتنة تفسيراً مغرضاً، واتهم علياً بالتهاون في المطالبة بدم عثمان.

العاشر: وفي رواية "العباسة"؛ اتهم الرشيد بالاستهتار والمجون والاستبداد والظلم، وقدم تفسيراً خاطئاً ومغرضاً لقتل بني برمك، وشوه شخصية العباسة أخت الرشيد.

الحادي عشر: في روايات "شارل" و"عبدالرحمن"؛ زعم بأن القواد وأمراء الجند من المسلمين كانوا مشغولين بحب فتيات النصارى وقد فتنوا بجمالهن، وأن هذا الحب قد صرفهم عن أمر الفتح؛ فتركوا جنودهم في ساحة القتال وادعى أنهم كانوا يهتمون بالغنائم أكثر من اهتمامهم بما عداها، وجرى على تصوير حروب الإسلام على أنها حروب غنائم.

الثاني عشر: أجرى على لسان أبي مسلم الخراساني من الافتراء ما قال من أن العرب كانوا يحتقرون غير العرب ويسومونهم سوء العذاب، ثم يفتخرون عليهم بالنبوة، وطمس معالم التاريخ الإسلامي في هذه الرواية بالدس والافتراء، وقدم صوراً باهرة للكنيسة ورهبانها، وأشاد بالأديرة والرهبان حيث جعلها ملجأ الضعفاء وملاذ التائهين والخائفين.

وفي رواية "الأمين والمأمون"؛ كان واضح التحامل على العرب، واصفاً إياهم بالاستبداد وسوء التصرف مع الأجناس الأخرى التي تربطهم بهم رابطة الإسلام قبل كل شيء.

الثالث عشر: في رواية "فتاة القيروان"؛ حاول التشكيك في أنساب الكثيرين من حكام المسلمين، …، واعتمد في قصصه الغرامية على الخيال؛ إذ لا يوجد ذكر لكل هذه المواقف في جميع كتب التاريخ، وخاصة حاكم سلجماسة الأمير حمدون، بل أن صاحب سلجماسة في كتب التاريخ يختلف تماماً عما جاء في رواية زيدان مما يؤكد ميل زيدان إلى التزوير والتحريف.

بل إن صاحب سلجماسة هو محمد بن داسول وليس الأمير حمدان، ولم يقل ابن الأثير أن له بنتاً شغلت القائد جوهر؛ فخطبها لابنه، وقد أعطى زيدان اليهود في روايته دوراً إيجابياً وجعلهم أصحاب الفضل الأول في إزالة الدولة الإخشيدية وإقامة دولة الفاطميين() مقامها.

الرابع عشر: في رواية "صلاح الدين" تلفيق وتزوير وإفساد للمجتمع؛ فقد ذهب إلى أن الخليفة العاضد لما ضعف أمره استدعى صلاح الدين وأوصاه بأهله خيراً، وأن صلاح الدين نقض هذا العهد بعد سويعات وحاصر قصر الخليفة وأخذ كل ما فيه ومن فيه، ولا ذكر في كتب التاريخ لتلك الوصية، ولا إشارة في كتب التاريخ إلى سيرة الملك هذه، وهذه الوصية التي ذكرها زيدان لم ترد في "الكامل" لابن الأثير ولا غيره؛ فهي ملفقة مزورة، كذلك؛ فقد زيف زيدان النصوص التي نقلها من ابن الأثير وحولها تحويلاً أراد به السخرية والاستخفاف بالمسلمين، وبنى عليها قصصاً غرامية باطلة.

ولم يعن المؤلف بالتصوير الحي لشخصية صلاح الدين ولم يسجل مواقفه الحاسمة، وصرف الشباب عن الحديث عن الدور المهم الذي قام به صلاح الدين بالحديث عن مكائد الحشاشين، وتهديدهم لصلاح الدين، واعتمد على روايات طائفة الحشاشين تلك الجماعة الضالة المنحرفة، وحاول أن ينسب إلى صلاح الدين قصصاً غرامية كاذبة.

الخامس عشر: وفي رواية "شجرة الدر"؛ حاول أن يصور نساء السلطان الصالح نجم الدين أيوب بصورة النساء اللاتي يتاجرن بأعراضهن في سبيل الحصول على ما يتطلعن إليه، وليس معه أي دليل من التاريخ، وهذه الدعاوى التي أوردها حول شجرة الدر تختلف عن الحقائق الواردة في الكتب التي أرخت لهذه الفترة.

السادس عشر: وخلاصة ما يصل إليه البحث حول روايات جرجي زيدان:

1- تحويل مواقف الشخصيات التاريخية .

2- إثارة الشكوك حول البطولات الإسلامية.

3- تعمد إغفال الحوادث التاريخية المهمة.

4- إضفاء هالات مثالية على الأديرة والرهبان.

5- التلاعب بالمصادر والمراجع). انتهى كلام الأستاذ أنور الجندي –رحمه الله- من كتابه (إعادة النظر في كتابات العصريين في ضوء الإسلام، ص 174-178).


المراجع

الموسوعه العلمية

التصانيف

تصنيف :ابحاث