رغم كثرة الضجيج حول قضية تحرير المرأة وخصوصاً منذ منتصف القرن التاسع عشر فان اكثر هذه الملفات بروزاً وجرحا للكرامة الانسانية هي ان العنف ضد المرأة لا يزال مفتوحا فقط بل وتزداد تنويعاته وتشكيلاته يوما بعد يوم.. وقد شكل انفلات العنف بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار القطبية الثنائية زخما نوعيا للعنف ضد المرأة سواء كان مصدره الموجات الكبرى الهجومية للادارة الاميركية بعد تبني مبدأ الهجمات الاستباقية فيما تسميه بالحرب ضد الارهاب وهي موجة هجمات ـ
وان كان يدفع ثمنها مجتمع بأسره الا ان القطاعات الاضعف مثل الاطفال والنساء يدفعون ثمناً استثنائيا، أو كان مصدرها تفجر الاوضاع الاثنية والعرقية على نحو ما حدث في البلقان وفي بعض مناطق الاتحاد السوفييتي السابق بما حمل ذلك من اضطهاد وتشريد وممارسة عنف نوعي ضد النساء أو حتى كنتيجة لممارسات ارهابية أو متطرفه فعلاً تحمل هوسا ومفاهيم مغلوطة فعلاً ضد النساء وقد كشف مؤتمر مهم عقد مؤخرا في بيروت بلبنان في 6 ـ 7 يونيو 2003 تحت مسمى «اللقاء الاقليمي حول العنف ضد المرأة» ان المنطقة العربية شهدت تصعيدا خاصا في الفترة الاخيرة فيما يخص العنف ضد المرأة في الاسرة على المستويات الثقافية والقانونية والدينية، ودعا الى ضرورة تعزيز وتطوير جهود وآليات مناهضة هذا العنف خاصة من جهة الحكومات العربية المطالبة باتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة هذه الظاهرة وسن تشريعات حمائية للمرأة وخاصة بالعنف الاسرى وتنقية القوانين القائمة من كافة اشكال التميز ضد المرأة وفق التزاماتها الدولية خاصة على صعيد قوانين الاحوال الشخصية العربية. والواقع ان قضية العنف ضد المرأة ـ على اهمية نشاط الجمعيات الحقوقية والمنظمات النسوية تتعدى لابعاده وامكانات التصدي له) هذه الجمعيات وهذه المنظمات وتتخطاها الى المجتمع بأسره ـ وفي المقدمة فيه خبراء علم النفس والتربية والاجتماع والجريمة، والعنف ضد المرأة يقصد به أي فعل عنيف ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية أو جنسية أو نفسية للمرأة بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل أو الاكراه أو الحرمان من الحرية سواء وقع ذلك في الحياة العامة او الخاصة ـ ويأخذ هذا العنف اشكالاً كثيرة ابرزها العنف الاسري والعنف الاجتماعي والعنف المؤسسي. ومما يستحق الرصد في هذه القضية ما تجمع عليه الدراسات من ان تقدم الدول العلمي والتقني والاقتصادي والسياسي لا يرتبط من قريب او بعيد من احتمالات انخفاض العنف ضد المرأة بأي شكل من الاشكال، فقد ذكرت دراسة غربية نشرت مؤخرا ان المرأة اكثر تعرضا للاغتصاب والانتهاك البدني في اميركا والهند وكينيا، على ما يفرق بين هذه البلدان الثلاثة من مستويات تطور اقتصادي واجتماعي وما يسودها من اختلاف ثقافي، كما ذكرت ايضا ان مشكلة شديدة البدائية مثل ضرب الزوجات بمثل ما هي موجودة في بعض بلدان الشرق الاسيوي والعربي هي موجودة ايضا في بلدان غربية وصناعية مثل كندا وبريطانيا، وفي هذا الاتجاه يرصد بحث احصائي اجرته منظمة الصحة العالمية التابعة لهيئة الامم المتحدة ان 6. 66% من نساء العالم يتعرضن للاذى في بيوتهن منهم 61% في المدن الكبرى، وتثير مثل هذه الدراسات ارتباكا غير محدود في مفاهيم الحركات الحقوقية حيث لا تتطابق السلوكيات الايجابية مع مؤشرات النمو البشري الاخرى الايجابية بشأن ما يحدث في المجالات الاخرى، ومن ضمن ابرز الجهات التي واجهت مثل هذا الارتباك نظام روما الاساسي التابع للمحكمة الجنائية الدولية وهي اخر وارقى الجهود الانسانية الجماعية الرفيعة لمواجهة الجريمة في عالم ما بعد الحرب الباردة الذي توقفت فيه مثل هذا النوع من الجهود والتي واجهت هجوما خاصا ومكثفا من الولايات المتحدة، لقد رصد نظام دوما الاساسي التنويعات المختلفة التي شهدتها جرائم العنف ضد المرأة، ولم يشتت جهده عكس محاولات اخرى كثيرة لربط أو فهم هذه الجرائم في اطار دالات التنمية البشرية لما تنتهي اليه مثل هذه المحاولات من جنوح نظري وركز على ان ينتهي إلى مواجهة تنويعات هذه الجرائم بالتشريعات القانونية المختلفة. رصد نظام روما الاساسي فيما رصد ان الحرب شهدت انماطا من الاستعباد باسم النوع «الجندر» مثل نساء الراحة اللواتي تعرضن للخطف صغيرات من عائلاتهن على نحو ما حدث في مناطق جنوب شرق آسيا لاستخدامهن في الترفيه الجنسي عن الجنود والعسكريين، كما تعرضت النساء إلى اغتصاب وإلى انماط متنوعة من العنف والجريمة المتعلقة بجنسهن وفي مناطق من العالم تعرضن للاساءة الجنسية والاغتصاب والتهديد به كوسائل لتحقيق غايات سياسية وعسكرية، نموذج ذلك ما حدث في فلسطين المحتلة عشية تأسيس الكيان الصهيوني من قبل الارجون وشترن والمجموعات الاجرامية الصهيونية وهو الامر الذي يعيد تكرار نفسه بصورة مفرطة ومؤذية وعبر مؤسسة ارهاب اوسع هي ارهاب الدولة من قبل الكيان الاحتلالي في مواجهة الاسيرات الفلسطينيات في الانتفاضة الاولى والثانية اليوم بما انتهى باحجام ملموس عن المشاركة في العمل العام والتأثر العام من قبل النساء واللجوء إلى الهجرات الجماعية، ويلاحظ ان مرتكبي هذا النوع من الجرائم استند مقترفوها إلى مخاطبة ذات الانموذج القائم المكون من قيم ومباديء وتقاليد معينة فيما يتعلق بجسد المرأة باعتباره عرض وشرف العائلة، وذلك لتوصيل رسالة معينة، ولفت نظام روما انه على الرغم من انتباه المجتمع الدولي مبكرا إلى اهمية المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق وايضا امام القانون دون تمييز فانه لم يدرك إلا متأخرا ان التدابير والاحكام العامة لا يمكنها ان تردم الفجوة الواسعة بين حالة الرجال والنساء الناشئة عن التمييز التاريخي طويل الامد وعن سيادة الفكر الابوي والتسلطي الذي ادى إلى ضعف مكانة النساء وضعف تمكينهن مما يجعلهن عرضة بصورة مضاعفة للتآمر ولدفع اكلاف باهظة ومركبة على طول الخط للاختلالات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على تلك البنية البطريركية، وقد دخل نظام دوما الاساسي التابع للمحكمة الجنائية على مجموعة من المباديء والنصوص لمواجهة جرائم العنف ضد المرأة تمثل استئنافا وتتمة وتطوير للجهد القانوني البشري الجماعي، ومن ابرز هذه النقاط: ـ المادة 7/ذ/ح من المادة 42 بانشاء وحدة خاصة بالمجني عليهم الشهود تضم خبراء في الصدمات النفسية بما فيها الصدمات ذات الصلة بجرائم العنف الجنسي. ـ المادة 68/أ الخاصة بمبادلة العدالة بالسلام وخطوات العلاج الجنسي ومراعاة سلامة الشهود. ـ المادة 75 الخاصة بالتعويض ورد الاعتبار -bbbb- جرائم ضد الانسانية كذلك عرف نظام روما الاساسي الجرائم ضد الانسانية بأنها الجريمة التي ترتكب في اطار هجوم واسع النطاق ومنهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان مثل القتل العمد والابادة والاسترقاق وابعاد السكان أو التنقل القسري للسكان أو السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو اخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الاساسية للقانون الدولي أو التعذيب أو الاضطهاد أو الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الاكراه على البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري أو أي شكل آخر من اشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة، كذلك ورد في الفقرة (ح) من المادة 7. ان الاستحقاق يعني ممارسة أي من السلطات المترتبة على حق الملكية أو هذه السلطات جميعها على شخص ما بما في ذلك ممارسة هذه السلطات في سبيل الاتجار بالشخص ولاسيما النساء والاطفال، كما نصت المادة (5) من نفس المادة على ان الحمل القسري يعني اكراه المرأة على الحمل قسرا وعلى الولادة غير المشروعة بقصد التأثير على التلوين العرقي لاية مجموعة من السكان أو ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي. لقد اشار العديد من الحقوقين والناشطات النسائيات إلى النقلة النوعية لنظام روما الاساسي سواء فيما يخص تعريف أو التصدي لجرائم العنف ضد المرأة في السنوات الاخيرة، وكما تشير الباحثة والمحامية اسمى خضر فان نظام روما الاساسي الذي اعتبر المحكمة الجنائية الدولية مكملا للقضاء الوطني اسهم في توفير ارضية مناسبة لاعادة النظر في العديد من الاحكام الجنائية التي مازالت تنطلق من رؤية تقليدية لمكانة المرأة وحقوقها، هذا التطور كان له آثار وابعاد واهمية كبيرة جدا بالنسبة للمرأة حيث وفر اطارا قانونيا معقولا لحماية المرأة الانسان ليس من الجرائم فحسب وانما من مفاهيم تقليدية قائمة على التمييز وانكار المباديء الاساسية لحقوق الانسان وعلى رأسها المساواة وصون الكرامة. ويعيب كثيرون على نظام روما الاساسي نقطتين جوهريتين الاولى انه في تصديه لقضية العنف ضد المرأة كان اكثر اهتماما بمعالجة الاطر الجماعية لهذه الجريمة دون ان يولي اهتماما اكثر لانواع اخرى خارج هذه الاطر لا تقل اهمية، والثانية انه ركز اكثر على سياق الحروب وموجات العنف الجماعية ربما تأثراً بمجموعة الحروب الاخيرة. وهنا ينبغي التنبه ان المحكمة الجنائية الدولية تعتبر نفسها مكملة وليست بديلاً للانظمة القانونية المحلية وهي بالرغم من انها قد راعت هذه الحساسية لم تسلم من الانتقاد. على الرغم من هذا ـ فإن النقطة المشار اليها لا تخلو من وجاهة فلا يزال ممارسة العنف ضد المرأة في السياقات السلمية ونتيجة واحتماء بالبنية البطريريكية للمجتمعات يمثل واقعاً مؤلماً لا يقل عن العنف الجماعي ضدها اثناء الحروب. وعلى سبيل المثال تمثل جرائم القتل من اجل الشرف تحدياً صارخاً في مجتمعاتنا العربية فيما يخص قضية العنف ضد المرأة. فحتى اللحظة لم تتبلور قناعة راسخة لدى عموم المجتمع العربي باعتبار البنية التشريعية والقانونية الحديثة غطاء كافياً لاعمال القانون في هذا النوع من الجرائم. وترصد المنظمات الحقوقية والنسائية تصاعد هذا النوع بشكل مكثف في الفترة الاخيرة. وعلى سبيل المثال ترصد منظمة مراقبة حقوق الانسان (محقاً) حدوث ما بين 25 ـ 30 جريمة تتعلق بالعرض في الاردن وتقول ديغان دالف المديرة التنفيذية لقسم حقوق المرأة بالمنظمة انه في هذه الجرائم تزهق ارواح النساء على ايدي افراد عائلاتهن الذين يرون عيبا في سلوكهن. كذلك تحاول السلطات حماية النساء اللاتي تهددهن عائلاتهن بالقتل حفاظاً على الشرف وذلك باحتجازهن في مؤسسات اصلاحية، او بصيغة ادق عبر وضعهن رهن الاعتقال لفترة تتراوح بين بضعة شهور وثلاث سنوات وتصل ارقام المحتجزات سنوياً من 50 ـ 60 امرأة. وتوجه منظمات حقوق الانسان انتقادات واسعة فيما يخص هذا النوع من العنف وتتهم السلطات بالتواطؤ. لكن لابد من التركيز بجلاء هنا على ان خلفية هذه الجرائم بنية اجتماعية وثقافية تاريخية وقصورات تشريعية مركبة وان تحميل منظمات حقوق الانسان للسلطات القائمة المسئولية المباشرة عن مثل هذه الجرائم يفتقر إلى الدقة ويتعالى عن ادراك مراكمات العرف في المجتمعات القبائلية الشرقية والعربية ـ كما ان هذه الاتهامات تتماشى احياناً مع رغبات البعض في تسييس هذه القضية.تلك الخلفيات التي تركز عليها كتابات التيار النسوي مثل د. نوال السعداوي . بطبيعة الحال لا يمكن اخذ الامر كله من هذا المدخل فهناك حاجة حقيقية ملحة لطرح مدخل آخر لهذه القضية مدخل يقوم على ايجاد مناخ يحجم من جهة جريمة الزنا ويعلي من جهة اخرى من اهمية تطوير البنية التشريعية والقانونية الحديثة للتعامل مع القضية بدلاً من تركها مبرراً لجرائم القتل وقساوة العرف. هناك ايضاً في باكستان قضية شبيهة هي الاغتصاب الانتقامي الذي تمارسه المجالس القبلية. فعلى شاكلة ما يحدث في الاردن تتهم المنظمات الحقوقية الغربية السلطات الباكستانية بغض الطرف عن الاغتصاب الانتقامي الجماعي الذي تعلنه المجالس القبلية بشكل عرفي، مثال الحكم الذي اصدره مجلس قبيلة ماستوي في 22/7/2003 في قرية ميروالا في جنوب البنجاب باغتصاب فتاة من قبيلة «كوجار» بشكل انتقامي. الاغتصاب الذي قام به اربعة افراد من بينهم عضو في المجلس القبلي الذي اعلن الحكم كان رداً على ما فعله شقيقها الذي شوهد بصحبة فتاة من القييلة الاولى، وقد اجبرت الفتاة بعد اغتصابها على العودة عارية امام العشرات من ابناء القرية. على صعيد آخر كشفت دراسة للدكتورة عايدة سيف الدولة بمركز دراسات الطفل جامعة عين شمس ان ظاهرة العنف ضد المرأة تصاعدت في 6 بلدان عربية هي مصر واليمن والاردن وسوريا وفلسطين ولبنان، وان هذه الظاهرة تتكثف بشكل خاص في مصر في الفترة الاخيرة. وحتى معاكسات الرجال للنساء في الشارع التي كان يطغى عليها روح الدعابة اصبحت عدوانية وتوجه اليهن ملاحظات قاسية تتعلق بملابسهن والنعت باقذع الصفات وتتراوح اشكال العنف طبقاً لهذا المسح من الاعتداءات البدنية وحتى القتل باسم الشرف. لاشك ان جريمة العنف ضد المرأة ليست جريمة مفردة بذاتها ـ فهي جزء من مركب بالمعنى الامني يشتبك فيه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي كما انها ظاهرة تاريخية لها سياقها التراكمي له امتداد منذ مئات ان لم يكن آلاف السنين، لكن تكرار هذا القول ومعرفته دون البحث عن نقطة بداية لكسر الحلقة لا يعني شيئاً ـ فأين يا ترى هذه النقطة؟ -bbbb- هوامش ـ جريمة أم عادات؟ تقرير عن العنف ضد المرأة في باكستان - موقع الكتروني http://www.hrw.org/reports/1999/pakistan ـ اللقاء الاقليمي حول العنف ضد المرأة - موقع الكتروني http://www.amanjordan.org/arabic_news/wmwiew.php?ArtID=7543 ـ مطبوعات المركز المصري لحقوق المرأة ـ المبرر الضعيف لسلوكيات العنف ـ شبكة النبأ المعلوماتية الاغتصاب اشد انواع العنف. ـ مطبوعات منظمة مراقبة حقوق الانسان ـ محقاً. ـ مركز معلومات المحكمة الجنائية الدولية. - موقع الكتروني http://www.iccarabic.org/docs/wmview.php?ArtID=234
المراجع
www.swmsa.net/articles.php?action=show&id=295موسوعة الأبحاث العلمية
التصانيف
الأبحاث