قال الله : { وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير }(سورة الأنعام الآية 18)
- هو الله (الحكيم ) الموصوف بكمال الحكمة وبكمال الحكم بين المخلوقات، فالحكيم هو واسع العلم والإطلاع على مبادئ الأمور وعواقبها ، واسع الحمد، تام القدرة ، غزير الرحمة فهو الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وأمره، فلا يتوجه إليه سؤال، ولا يقدح في حكمته مقال .
وحكمته نوعان : أحدهما : الحكمة في خلقه، فإنه خلق الخلق بالحق ومشتملاً على الحق، وكان غايته والمقصود به الحق، خلق المخلوقات كلها بأحسن نظام ، ورتبها أكمل ترتيب ، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به بل أعطى كل جزء من أجزاء المخلوقات وكل عضو من أعضاء الحيوانات خلقته وهيئته ، فلا يرى أحد في خلقه خللاً، ولا نقصاً ، ولا فطوراً ، فلو اجتمعت عقول الخلق من أولهم إلى آخرهم ليقترحوا مثل خلق الرحمن أو ما يقارب ما أودعه في الكائنات من الحسن والانتظام والإتقان لم يقدروا ، وأنى لهم القدرة على شيء من ذلك وحسب العقلاء الحكماء منهم أن يعرفوا كثيراً من حكمه ، ويطَّلعوا على بعض ما فيها من الحسن والإتقان . وهذا أمر معلوم قطعاً بما يعلم من عظمته وكمال صفاته وتتبع حكمه في الخلق والأمر ، وقد تحدى عباده وأمرهم أن ينظروا ويكرروا النظر والتأمل هل يجدون في خلقه خللا أو نقصاً ، وأنه لا بد أن ترجع الأبصار كليلة عاجزة عن الانتقاد على شيء من مخلوقاته . النوع الثاني: الحكمة في شرعه وأمره ، فإنه الله شرع الشرائع ، وأنزل الكتب ، وأرسل الرسل ليعرفه العباد ويعبدوه ، فأي حكمه أجلّ من هذا ، وأي فضل وكرم أعظم من هذا، فأن معرفته الله وعبادته وحده لا شريك له ، وإخلاص العمل له وحمده، وشكره والثناء عليه أفضل العطايا منه لعباده على الإطلاق ، وأجلُّ الفضائل لمن يمنَّ الله عليه بها. وأكمل سعادة وسرور للقلوب والأرواح ، كما أنها هي السبب الوحيد للوصول إلى السعادة الأبدية والنعيم الدائم ، فلو لم يكن في أمره وشرعه، إلا هذه الحكمة العظيمة التي هي أصل الخيرات، وأكمل اللذات ، ولأجلها خلقت الخليقة وحق الجزاء وخلقت الجنة والنار ، لكانت كافية شافية . هذا وقد اشتمل شرعه ودينه على كل خير ، فأخباره تملأ القلوب علماً ، ويقيناً ، وإيماناً، وعقائد صحيحة، وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها، وتثمر كل خلُق جميل ، وعمل صالح وهدى ورشد . وأوامره ونواهيه محتوية على غاية الحكمة والصلاح والإصلاح للدين والدنيا ، فإنه لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة ، ولا ينهى إلا عما مضرته خالصة أو راجحة. ومن حكمة الشرع الإسلامي أنه كما أنه هو الغاية لصلاح القلوب ، والأخلاق ، والأعمال، والاستقامة على الصراط المستقيم، فهو الغاية لصلاح الدنيا، فلا تصلح أمور الدنيا صلاحاً حقيقياً إلا بالدين الحق الذي جاء به محمد ، وهذا مشاهد محسوس لكل عاقل ، فإنَّ أمة محمد لما كانوا قائمين بهذا الدين أصوله وفروعه وجميع ما يهدي ويرشد إليه ، كانت أحوالهم في غاية الاستقامة والصلاح ، ولما انحرفوا عنه وتركوا كثيراً من هداه ولم يسترشدوا باللهمه العالية، انحرفت دنياهم كما انحرف دينهم. وكذلك انظر إلى الأمم الأخرى التي بلغت في القوة، والحضارة والمدنية مبلغاً هائلاً، ولكن لما كانت خالية من روح الدين ورحمته وعدله، كان ضررها أعظم من نفعها، وشرها أكبر من خيرها وعجز علماؤها وحكماؤها وساستها عن تلافي الشرور الناشئة عنها، ولن يقدروا على ذلك ما داموا على حالهم . ولهذا كان من حكمته الله أن ما جاء به محمد من الدين والقرآن أكبر البراهين على صدقه وصدق ما جاء به ، لكونه محكماً كاملاً لا يحصل إلا به. وبالجملة فالحكيم متعلقاته المخلوقات والشرائع، وكلها في غاية الإحكام، فهو الحكيم في أحكامه القدرية، وأحكامه الشرعية، وأحكامه الجزائية، والفرق بين أحكام القدر وأحكام الشرع أن القدر متعلق بما أوجده وكوَّنه وقدَّره ، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وأحكام الشرع متعلِّقة بما شرعه. والعبد المربوب لا يخلو منهما أو من أحدهما، فمن فعل منهم ما يحبه الله ويرضاه فقد اجتمع فيه الحكمان، ومن فعل ما يضاد ذلك فقد وجد فيه الحكم القدري ، فإن ما فعله واقع بقضاء الله وقدره ولم يوجد في الحكم الشرعي لكونه ترك ما يحبه الله ويرضاه . فالخير والشر والطاعات، والمعاصي كلها متعلقة وتابعة للحكم القدري ، وما يحبه الله منها هو تابع الحكم الشرعي ومتعلَّقه . والله أعلم.
المراجع
ويكيبيديا الموسوعة الحرة
التصانيف
أسماء الله الحسنى