الكتابة العربية يرى فريق من المؤلفين أن الكتابة العربية قد انبثقت عن الخط المسند الحميري الذي يعرف أيضًا بالخط الجنوبي، وأن هذا الخط قد وصل إلى موطن المناذرة وبلاد الشام عن طريق القوافل التجارية التي كانت تنتقل بين جنوبي الجزيرة العربية وشماليها ثم انتقل عن طريق الحجاز إلى بقية الجزيرة.
ويرى فريق آخر أن الكتابة العربية هي استمرار متطور للكتابة النبطية التي انحدرت من الكتابة الأرامية المتطورة عن الكتابة الفينيقية. وقد اعتمد هذا الفريق في رأيه هذا على النقوش والمكتشفات الأثرية التي حملت مجموعة العناصر التي تألفت منها الكتابة العربية في الرسم والإملاء واتصال الحروف وانفصالها.
الكتابة العربية في صدر الإسلام
تروي لنا كتب السيرة النبوية أن تعليم المسلمين الكتابة في عهد الرسول ³ قد بدأ على أيدي الأسرى من القارئين والكاتبين بعد غزوة بدر. وبعض هؤلاء المسلمين كانوا من كتاب الوحي.
من العصر الأموي إلى القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي). في عهد بني أمية اتسعت الدواوين، وتكاثرت، وصار من أهمها: ديوان الإنشاء أو المكاتبات أو الرسائل الخاصة بالخلفاء والولاة والأمراء. ينشئ الكتاب هذه الرسائل بوصفهم كتبة ديوانيين موظفين في الدولة إنشاء بأسلوبهم وخيالهم وفق الأفكار المقدمة لهم من المسؤولين والأغراض المحددة لهم سلفا. فصار الكاتب المسلم وغير المسلم في هذا الديوان ـ عربيا أو غير عربي ـ كاتبا يحترف الكتابة مهنة لأول مرة، في ديوان هو في حقيقته وزارة أو مصلحة في الجهاز الحكومي المركزي للدولة المسلمة. وأحيانا سمي هذا الديوان ديوان التوقيعات، أو الديوان العزيز.
واشتهر في أواخر العصر الأموي من كتاب الدواوين الكاتب العربي المشهور عبدالحميد الكاتب وكان كاتبـًا موظفـًا إلى عهد آخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد. وكان رأسا لكتاب ديوان الإنشاء، لكنه كان أيضًا كاتبًا حرًا؛ فله رسائله الأدبية القصيرة والمتوسطة، كتبها فيما عَنَّ له من أفكار ومشاعر عن الأخلاق والسلوك والعمل، بل وعن فن الكتابة، وطرق بري القلم للكتابة. وكان عبدالحميد في الوقت نفسه أستاذًا وصديقـًا للكاتب ابن المقفع الذي لمع اسمه من بعده في العصر العباسي. وديوان الإنشاء من الدواوين التي لم تستكمل مظهرها إلا في العصر العباسي.
جارى العباسيين في العناية الفائقة بهذا الديوان ـ بوصفه جهازًا للتراسل من جهة وللإعلام من جهة أخرى ـ الخلفاء الفاطميون والأيوبيون والأندلسيون، وسلاطين وأمراء الدولة الإسلامية المستقلة، والمنقسمة، فأنشأوا دواوين للإنشاء مشابهة لديوان الإنشاء أو التوقيعات العباسي.
كانت مهمة ديوان الإنشاء منذ العصر العباسي الاتصال البريدي بين الخليفة وولاة الأقاليم، وبينه ورؤساء الدول الأجنبية، وإعلام الشعوب الإسلامية بغايات الدولة وأغراضها، فشمل هذا الديوان عددًا من المهام البريدية والخارجية والإعلامية. وكان الإشراف على هذا الديوان موكولاً إلى وزير كاتب أو غير كاتب، كان يكتفي بالتوقيع على رسائل الخلفاء أو الولاة التي صاغها كتاب موظفون محترفون ومهرة.
مشاهير الكتاب
كان في عهد النبي عدد من الصحابة رضوان الله عليهم يكتبون القرآن عند نزوله عليه . وقد عرف هؤلاء بكتّاب الوحي انظر: القرآن الكريم.
أما بعد العصر النبوي فقد كان هناك رجل من خاصة الخليفة يعرف بكاتب السر، أو كاتب الخليفة يقوم بمهمة هذا الديوان. فكان عمر بن الخطاب كاتب سر لأبي بكر الصديق. وفي العصر الأموي تعدّد الكتاب المتخصصون في ديوان الإنشاء، فكان منهم كاتب الرسائل لمخاطبة الملوك والأمراء أو الولاة، وكاتب الخراج، وكاتب الجند، وكاتب الإعلام الشعبي. وكان التوقيع آنذاك، في العصر الأموي، للخليفة نفسه، ثم أصبحت الكتابة والتوقيع من مهمة الوزير. وأصبح لديوان الإنشاء رئيس يعرف بصاحب ديوان الإنشاء يرجع في أمور هذا الديوان إلى الوزير المختص بالتوقيعات.
اشتهر كثير من الوزراء ممن كانوا على ديوان الإنشاء بالبلاغة في التوقيع بعبارات مشهورة ومأثورة، بل وبالبراعة في إنشاء الرسائل، مثل: يحيى بن جعفر في الدولة العباسية، والقاضي الفاضل في الدولة الأيوبية بمصر.
ومن أشهر الكتاب غير الوزراء، بعد عبدالحميد الكاتب، ابن المقفع الذي كان كاتبـًا لأعمام الخليفة أبي جعفر المنصور الذين كانوا يقيمون بالبصرة. وكان مثل أستاذه كاتبـًا يحترف الكتابة مهنة لأعمام الخليفة ويحترف الكتابة كاتبًا حرًا (غير ديواني) ينشئ أدبًا عربيًّا منثورًا، ويترجم كتبـًا يختارها من الفارسية. وقد جمعت أعماله هذه في القرن العشرين، وتضم كتب:كليلة ودمنة، والأدب الصغير، والأدب الكبير.
ومن أشهر الكتاب غير الديوانيين: أبو عثمان الجاحظ الذي رفض الاستمرار في عمله كاتبـًا موظفـًا بديوان الإنشاء للخليفة المأمون، بل هجا رفاقه في هذا الديوان لتحذلقهم في الملبس وفي الكلام، وغادر بغداد عائدًا إلى البصرة ليتفرغ للتأليف في علم الكلام، وفن الأدب، بل وفي أحوال اجتماعية، وأنماط من البشر وأنواع من الحيوان.
من كتّاب العرب الذين كانت لهم صلة وثيقة بالكتابة الديوانية، وبالكتابة الحرة أيضـًا: الحسن بن سهل، وأبو أيوب، وأبو حيان التوحيدي، وابن العميد، وبديع الزمان الهمذاني، وعدد من علماء العلوم الطبيعية والرياضية والفلكية والإنسانية من فلسفة ومنطق واجتماع وتربية وتعليم، مثل: البيروني، والخازن، وابن الهيثم، والفارابي، وابن سينا، وابن خلدون، وابن رشد، والكندي. كما نبغ آخرون في علوم اللغة والدين والأدب، وكتب التراجم في التراث العربي الإسلامي حافلة بأسمائهم. وبينهم كثيرون كانوا على صلة وثيقة ـ حتى وهم علماء وكتاب أحرار منشئون ـ بالخلفاء والأمراء، ينالون منهم المنح والعطايا الشهرية والسنوية، بوصفهم متفرغين للعمل الثـقافي العلمي والأدبي، وبهم كانت تتشرف مجالس المسؤولين العلمية والاستشارية في شرقي العالم الإسلامي وغربه.
يعد الأدب العربي المنثور، منذ العصر العباسي المقياس الأول للكتابة بوصفها مهنة وظيفية أو حرة. وترجع بذور المقالات الأدبية العربية النثرية إلى رسائل وتوقيعات الكتاب والوزراء. ولقد استمر الحال على هذا المنوال في عصري المماليك البرجية والبحرية، وفي العصر العثماني، وإن كان النثر الفني العربي قد انحط مثل انحطاط الشعر العربي في تلك العصور، فصار بلاغة متكلفة، وصنعة ركيكة، وخيالا ضيق الأفق.
أول من طوع أسلوب الخطابة القديم من الكتاب الناثرين عبدالحميد الكاتب، ولم يكمل هذا التطويع إلا بجهد ابن المقفع الذي ترجم عددا من كُتب الأدب البهلوي الذي كان مزدهرًا في بلاط الساسانيـين، وبجهد من جاء بعده من المترجمين. وتطور النثر العربي لتلبية حاجات العصر ومقتضياته.
وكان هذا الأدب المترجم تعليميا ووعظيا، يبين للطوائف الحاكمة المختلفة دورها في المجتمع، بل وآداب مهنها المتنوعة، في صورة حكم وأمثال، وقصص قصار. وسمي هذا كله أدبًا؛ فنجد أدب الكتاب، وأدب الملوك، وأدب القضاة، وأدب الولاة، وأدب الأطباء .. إلخ.
أما القصص الفني لدى الكتاب الموظفين وغيرهم من الوعاظ والدعاة فقد بدأ عند جامعي الأخبار وسير الغزوات، على نحو ما فعله ابن إسحاق في سيرة ابن هشام، وكليلة ودمنة لابن المقفع، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والأمالي لأبي علي القالي، وسواها.
العصر الحديث
اختفى ديوان الإنشاء تقريبـًا في العصر الحديث نتيجة لظهور المطبعة، والصحافة، ونشوء حركتي إحياء التراث القديمة والترجمة عن الآداب الغربية منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي، وظهور الدولة الحديثة. واقتصر دور الكتاب في صلتهم بالدولة على تولي الوظائف العامة من جهة، وممارسة الكتابة الحرة من جهة أخرى كهواية خاصة، باستثناء عدد قليل من كتاب منشورات الدولة الرسمية الذين يكتبون بأسلوب قد يكون قانونيا لكنه ليس أدبيا، وهم غالبـًا متعلمون وليسوا كتابا رأوا قصر هذا الدور على العمل بالصحافة، في حدود قيود الدولة ورقاباتها على المكتوب، سواء كان كتاب الصحافة موظفين بالصحف الحرة، أو الرسمية، أو متعاملين معها بالقطعة من منازلهم، كمواطنين من الأدباء، الناثرين أو الشعراء. وبعض هؤلاء الكتاب الأدباء كانوا من الحرفيين والمدرسين.
ظهرت مع دخول المطبعة إلى الوطن العربي، ومع ظهور الصحافة، ثم الإذاعة والتلفاز، أدوار جديدة للكتابة بوصفها مهنة: إعلاميـًا وصحفيـًا من جهة، وتأليفـًا للقصص والمسرحيات وترجمة لهما كشكلين أدبيين جديدين وعصريين، من جهة أخرى. وطوعت أساليب الكتابة تدريجيا، من الكتابة البديعية المسجوعة إلى الكتابة الصحفية والأدبية المرسَلة الأسلوب، تلك التي غرس بذورها الأولى الجاحظ، ودشنها ابن خلدون.
نشأت بوجود المطبعة دور للنشر تنشر الكتب والمجلات الأدبية والعلمية والثقافية العامة للأدباء من شعراء ومثقفين وعلماء، في شتى التخصصات اللغوية والدينية والدنيوية، فتزايدت مع انتشار التعليم ووسائل النشر أعداد الكتاب من الأدباء والعلماء. وتنشر الصحف الأسبوعية واليومية لهم إنتاجهم، فنشأت فئة الكتاب الصحفيين المختلفي التخصصات، كموظفين في الصحافة أو كأحرار من خارجها من كُتّاب الأخبار، والتحقيقات، والأعمدة، والأحاديث، والحوارات والمقالات، بل زاحموا الكتاب والأدباء في كتابة القصة والشعر والمسرح بمستويات صحفية غالبـًا.
تحظى كتابات المؤلفين العلمية للجامعات والمدارس في بعض الدول العربية بفرص كبيرة للنشر الآن في دور النشر. فهي كتابات سريعة تقرر سنويا على طلاب المدارس والجامعات، ومضمونة العائد سلفا للناشرين. وهي كتابات محدَّدة النسبة تقريبا في التعاقد بين الكاتب والناشر، أو ذات أجر مقطوع، دفعة واحدة، أو على دفعات، حسب الاتفاق بين الناشر والكاتب، وعلى مراحل زمنية. وبالدرجة الثانية تحظى كتب الساعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والدينية، وفق القضايا الآنية المثارة، بالفرصة الكبيرة التالية للنشر.
فتوزيع هذه الكتب الحر في السوق سريع نسبيا وعائدها سريع ومغر للناشرين. وأجر الكاتب فيها يتم وفق اتفاق الناشر معه، نسبة حسب التوزيع، أو مقطوعـًا حسب الاتفاق، على دفعة أو دفعات.
تحظى كتب الأطفال بالفرصة الثالثة في النشر بدور النشر، لحرص الأسر العربية القادرة على تعليم بنيها وتثقيفهم تربويـًا، لكن أجور هذه الكتب من الناشرين زهيدة لقلة حجم هذه الكتب، وارتفاع تكلفتها بسبب ما تحويه من رسوم ملونة.
النصيب الأقل في فرصة النشر بدور النشر هو للأدب عامة، شعره ونثره. ونشر القصص فرصته أكبر بالقياس إلى المسرح والشعر والنقد، إلا إذا كان الكتاب النقدي مقررًا ضمن المنهج بالجامعة. والأجر في نشر الأدب حسب الاتفاق، وغالبا مايكون حسب النسبة في التوزيع.
كانت فرصة نشر الأدب، والمؤلف العلمي العام أوفر وتلقى ترحيبًا من الناشرين، في عواصم الثقافة العربية الكبرى، إلى سنوات الستينيات من القرن العشرين. ويظهر ذلك في مصر خاصة؛ فالدولة، من خلال وزارة التعليم، ودار الكتب المصرية وفروع مكتباتها، ومكتبات المحليات بالمحافظات، كانت تشتري من الناشرين كمية من كتبهم الجيدة، مدفوعة الثمن، لتوزعها بمكتبات المدارس، ودور الكتب، والمحليات، مما كان يشجع الناشرين على الإقبال على نشر الكتاب العلمي والأدبي بخاصة، وزيادة الكميات المطبوعة منها، وتطرح ماتبقى في السوق للبيع لجمهور القراء.
وقد تقلص هذا الدور فأحجم الناشر، إلى حد كبير، عن نشر الكتب الأدبية والعلمية الحرة، لبطء دور التوزيع، وبطء استرداد التكلفة فضلا عن الربح، برغم معارض الكتب السنوية بالعواصم الكبرى، والفصلية أو الشهرية بالجامعات ومحافظات الأقاليم.
المراجع
الموسوعة المعرفية الشاملة
التصانيف
تصنيف :اللغة العربية