حصار السبعين أو حصار صنعاء هو حصار ضربته القوات الملكية اليمنية على الجمهوريين المتحصنين في العاصمة صنعاء. وقد دام الحصار سبعين يوماً وشهد معارك داخل العاصمة وعلى المناطق القريبة منها. وقد تلقى الجمهوريون المحاصرون الدعم العسكري والاقتصادي من الصين ومصر وسوريا، كما تلقوا الدعم الدبلوماسي من الجزائر. ورغم تفوق الملكيين في الكم والكيف إلا أن نهاية الحصار شهدت انتصار الجمهوريين الذي كان من أبرز نتائجه اعتراف المملكة العربية السعودية الداعم الرئيسي للملكيين بالجمهورية في صنعاء عام 1970.

مقدمة

سبق حصار صنعاء العديد من المؤتمرات والمبادرات لمحاولة وقف الحرب بين الملكيين والجمهوريين ولكنها باءت جميعها بالفشل. وكان من أهم هذه المبادرات مبادرة القمة العربية في الخرطوم التي انعقدت بعد حرب 1967 وشكلت لجنة ثلاثية سُميت بلجنة السلام وكان من مهامها ضمان انسحاب القوات المصرية ووقف الدعم السعودي للملكيين وإجراء استفتاء شعبي يمني لتحديد مستقبل البلاد. وقد أدى فشل جميع المبادرات السلمية بالإضافة لانسحاب القوات المصرية إلى ضعف موقف الجمهوريين وهجوم الملكيين على صنعاء.

مؤتمر الخرطوم

عقد مؤتمر القمة العربية بالخرطوم إثر نكسة حرب حزيران، وكان ضمن جدول اعماله القضية اليمنية، وتوصل المؤتمر إلى قرار بتشكيل لجنة ثلاثية (سميت لجنة السلام) (مكونة من مندوبين عن السودان، العراق، المغرب، برئاسة محمد احمد محجوب )، وكانت مهمة هذه اللجنة:

  1. الاشراف على الانسحاب الكامل للقوات المصرية من اليمن، على ان يتم ذلك قبل منتصف ديسمبر 1967.
  2. الاشراف على وقف الامدادات المادية والعسكرية من المملكة العربية السعودية للملكيين.
  3. الاشراف على اجراء استفتاء شعبي عام يقرر اليمنيون فيه ويؤكدون النظام الذي يرتضونه.
  4. تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة من جميع الاطراف المعنية .

وقد وصلت اللجنة الثلاثية إلى صنعاء في 3 اكتوبر 1967 ، والتقت بالقيادة المصرية، ورفض رئيس الجمهورية المشير عبد الله السلال مقابلتها، وقد احدث وجود هذه اللجنة ردود فعل عنيفة في اوساط الجماهير التي سارت بمظاهرة إلى مبنى القيادة المصرية، مما أدى إلى اطلاق النار، وقتل وجرح اشخاص من جراء الاشتباك بين الجنود المصريين والمواطنين اليمنيين، وكان الرأي منقسماً في القيادة اليمنية حول استقبال اللجنة الثلاثية: فاتجاه يرى انه لابد من استقبال هذه اللجنة واتخاذ موقف مرن والحوار معها، اما الاتجاه الآخر، فيرى عدم قبول اللجنة او التحدث اليها لان ذلك يعني الحوار حول (الدولة الإسلامية).

وبرزت أصوات المقاتلين القائلة بأنه لا مساومة، واصبح السلاح هو الحكم فيما بين الملكيين والجمهوريين.

الأوضاع قبل الحصار

الوضع السياسي

بعد ان فشلت كل المؤتمرات والمحاولات لوضع حد للحرب بين الملكيين والجمهوريين، وخاصة بعد فشل اللجنة الثلاثية التي تشكلت ضمن قرارات مؤتمر الخرطوم ، وبعد هجوم الملكيين على العاصمة، سكت الجانب المنادي بالحوار والتفاوض في الصف الجمهوري، واصبح رأي الجميع واحداً ورفع شعار (الجمهورية او الموت).. ولم يبق امام المدافعين خيار غير اسناد ظهورهم إلى الحائط والصمود والوقوف وقفة رجل واحد، واظهر الجمهوريون تماسكاً شكل منعطفاً تاريخياً، بالاضافة إلى ان السياسة الخارجية للجمهوريين اتسمت بالمصداقية ومثلت انعكاساً لارادة المدافعين، وبهذا اتسمت السياستان الداخلية والخارجية بتناغم أدى إلى تغيير آراء الحكومات الخارجية ومواقفها من الجمهوريين، وبدأ التعاطف معهم.. جاء هذا التغيير بعد ان يئس البعض من استمرار النظام الجمهوري، ولكن الصمود كذب كل ظن.

الوضع الاقتصادي والتمويني

ورثت ثورة 26 سبتمبر 1962م نظاماً اقتصادياً متخلفاً بسبب العزلة الداخلية والخارجية، وكانت البنى التحتية للبلاد تعتمد على الاقتصاد العائلي، وعلى الزراعة البدائية، وزادت الحرب بين الجمهوريين والملكيين الاقتصاد ضعفاً.. لولا المساعدات التي كانت تقدمها الجمهورية العربية المتحدة «مصر» والمنظومة الاشتراكية، وكان لانسحاب القوات المصرية أثر كبير على الامداد والتموين، وخاصة للقوات المسلحة اليمنية، وكان من نتيجة قطع الطرق وحصار صنعاء بالطبع، قلة أو انعدام وصول الامداد والتموين (هذا هدف رئيسي للمهاجمين) بالاضافة إلى ان الملكيين ركزوا مدفعيتهم من الجبال التي سيطروا عليها على قصر السلاح، وبه المخزون الاستراتيجي لغذاء الجنود وسلاحهم، فاوقفت حركة الامداد والتموين تماماً، ولكن المدينة الصامدة لم تستسلم، فقد أخرج سكان صنعاء كل مالديهم من مخزون سلعي وساعدوا المدافعين بكل ما كانوا يطلبونه، وتحول الكثير من ابناء العاصمة إلى مقاومة شعبية، والتحق البعض بالقوات المسلحة او الامن، وفرضت الرقابة على النشاط التجاري وعلي الاسعار التي تم تحديدها والالتزام بها كما تم مصادرة السلع المخفية، ورغم انقطاع العاصمة عن العالم الخارجي الا ان المحافظات الاخرى دفعت المساعدات بالمواد الاساسية والذخيرة والرجال بطرق مختلفة، وكان للطيران المدني دوره الكبير، اذ قام بنقل الذخيرة والمواد الاساسية من الحديدة إلى صنعاء بصورة مستمرة رغم المخاطر التي كان يتعرض لها من نيران الملكيين، وكانت تهبط الطائرات في بعض الحالات في شوارع صنعاء مغامرة من الطيارين الذين يصرون على ايصال المدد للمدافعين، وخاصة الذخيرة التي كانت بالنسبة للمدافعين قضية حياة او موت.

الوضع العسكري

منذ قيام الثورة في 1962م، والملكيون يقومون بين فترة واخرى بالهجوم على بعض المعسكرات وقطع طرق الامداد، بل واحتلال بعض المدن، وبعد انسحاب القوات المصرية في 1967م انتهزت القوى المعادية للجمهورية هذه الظروف التي كانت تعتقد انها الفرصة الممتازة لاسقاط العاصمة صنعاء واحتلالها مستندة إلى عدة اعتبارات وحسابات منها: التفوق العسكري على الفرق الجمهورية من حيث عدد الافراد والاسلحة الحديثة والقيادة والخبرة الاجنبية.. ومنها ان احتلال بعض المدن البعيدة قد برهن على عدم جدواه، كما ان السائد لدى الملكيين ان الجيش المصري هو الذي كان يدافع عن صنعاء وغيرها، ومن ثم فان انسحاب المصريين قد شكل لهم وضعاً مناسباً لاسقاط العاصمة، هذا إلى جانب الخلاف بين الجمهوريين وخاصة عقب حركة 5نوفمبر 1967م، وبالاضافة إلى ان الملكيين لابد انهم كانوا على اطلاع بان الدبابات وناقلات الجنود المدرعة لدى الجمهوريين اصبحت غير صالحة للعمل.. كل هذه العوامل شكلت بالنسبة للملكيين الدوافع الرئيسية لحصار صنعاء واسقاطها بالتعاون مع المرتزقة، وبالدعم المادي والمعنوي الذي كان يتلقاه الملكيون من المملكة العريبة السعودية وغيرها. (وكان الجيش الجمهوري في هذه الظروف ضعيفاً في تكويناته وتدريبه وامكاناته، وخاصة خطوط امداداته واتصالاته) ورغم ذلك وقف بامكاناته المحدودة الوقفة المشرفة بالتعاون مع كل فئات الشعب.. فقد تعاونت المقاومة الشعبية مع القوات المسلحة والامن، وشاركت في اعمال الحراسة، وتوزيع السلع التموينية، وفي القتال عند الحاجة، وشارك في الدفاع عن صنعاء الجيش الشعبي المكون من كل ابناء اليمن.. اما الطيران العسكري فقد شارك بفعالية اذ قام بضرب تجمعات المهاجمين، وهكذا تكاتفت الجهود للدفاع عن العاصمة من داخلها كما تكاتفت الجهود بتجميع ابناء المحافظات الاخرى لاختراق الحصار وفتح الطرقات، كما ان المحافظات الجنوبية (سابقاً) ساهمت في هذه الملحمة فبعد الاستقلال أيدت الجبهة القومية الجمهوريين في الشمال ففي 8 فبراير 1968م اتحدت وحدتان من قوات جيش اليمن الجنوبي مع فصائل من الجيش الجمهوري للهجوم على رجال القبائل الملكيين على حدود بيحان على طول نقاط الحدود المشتركة في ذلك التاريخ، هذا بالاضافة إلى الافراد المتطوعين للعمل في صفوف الجمهوريين، وخسر الملكيون بعد تحرير الجنوب مصدراً رئيسياً للامداد والتموين ومركزاً هاماً لتدريب وتجميع المرتزقة الاجانب.

موقف الجمهوريين

كان وضع الجمهوريين في العاصمة صنعاء صعباً، فقد ترك انسحاب القوات المصرية ومعها أسلحتها الثقيلة فراغاً كبيراً كما كان التفوق العسكري في صالح الملكيين. وكانت قد تعطلت معظم الدبابات والعربات المدرعة وناقلات الجند الجمهورية. وحدث خلاف بين الجمهوريين على خيار الحرب والسلم. وأدى هذا الخلاف إلى شعور بعض الدول الداعمة لهم بالشك في قدرتهم على الصمود فقلت إمدادات السلاح والمؤن وانسحبت معظم البعثات الدبلوماسية من صنعاء ما عدا بعثتي الصين والجزائر.

وكان عدد مقاتلي الجمهوريين 4,000 مقاتل، أما أنواع الأسلحة فكانت مدافع عيار 75 و120 و82 مم ودبابات تي-34 ومدافع ميدان عيار 85و75 مم ومدافع مضادة للطائرات وسرب ميج-17 وطائرات اليوشن قاذفة وطائرات نقل عسكرية.

موقف الملكيين

كان وضع الملكيين جيداً بالمقارنة مع نظرائهم الجمهوريين. فكان عدد مقاتليهم 50,000 مسلح بالإضافة إلى 8,000 جندي نظامي مدرب ومعهم المئات من المرتزقة الأجانب.

وبعد انسحاب القوات المصرية من اليمن قام الملكيون بالهجوم على العديد من المدن ونجحوا في احتلال صعدة وحاصروا حجة واستفادوا من الجبال التي سيطروا عليها مثل جبلي عيبان والطويل المشرفين على صنعاء ونصبوا عليها مدافع الهوزر. كما سيطروا على قصر السلاح وقطعوا خطوط الإمداد على الجمهوريين.


المراجع

ويكيبيديا الموسوعة الحرة

التصانيف

تاريخ اليمن  حروب أهلية