الشيخ محمد بخيت بن حسين المطيعي الحنفي الصعيدي ثم القاهري علامة الديار المصرية بلا منازع، وشيخ شيوخها بلا مدافع، الفقيه المفسر المعقولي الأصولي المنطقي الفيلسوف المحقق المدقق، ولد بالقطيعة " بالقاف" من أعمال أسيوط بصعيد مصر، وهو الذي غير اسمها إلى المطيعة "بالميم" تفاؤلاً فاشتهرت بذلك، وعائلته مالكية وهو أول من تحنف منهم.

قدم صغيراً إلى الأزهر لطلب العلم، وأدرك البرهان السقا ولم يأخذ عنه لكونه وجده انقطع في بيته، وعانى الفقر أيام طلبه، وجد واجتهد وكان ذا فكرة وقادة، وذهن ثاقب وحفظ جيد، فبرع في العلوم معقولها ومنقولها، وتقدم على الأقران، وفاز واشتهر ذكره وطار صيته ووقع عليه الإقبال، ووافاه السعد وناله الحظ فتقلب في وظائف عالية من قضاء ببعض مدن مصر ثم بالإسكندرية، ثم العضوية في المحكمة الشرعية ثم محكمة الاستئناف بالإسكندرية، ثم الإفتاء الأكبر بالديار المصرية، كل ذلك وهو مواظب على التدريس لا تقطعه عنه الوظائف، حتى إنه لما كان موظفا بالإسكندرية وبينها وبين القاهرة أربع ساعات في بابور السكة الحديد كان يحضر كل يوم منها إلى القاهرة لإلقاء الدرس، ثم يعود إليها.

واغتنى وأثري وكثر ماله وعظم جاهه، وقصده الأمراء والكبراء والوزراء، وصار شيخ العلوم بالديار المصرية بل بالشرق أجمعه،إذا تكلم تدفق كالسيل الجرار سواء في درسه أو في مجلسه، وإذا تكلم على آية من كتاب الله يظن الظان أنه كان مشتغلا بها في تلك الساعة، وإذا تكلم في الكلام فكأنه إمام الحرمين أو الغزالي، وكذلك الأصول والمنطق، أما الفقه الحنفي فكأنه يحفظه عن ظهر قلب، غريبه ومشهوره ومقبوله ومردوده، وإذا تكلم في الهيئة والعلوم الإفرنجية العصرية يظن السامع أنه ما يحسن غيرها.

وبالجملة فهو أعجوبة زمانه، بل من الطراز الأول والأئمة القدماء أهل القرن الرابع والخامس.وكان حسن الأخلاق، لين العريكة، واسع الصدر جدا، يتحمل من الطلبة كثرة السؤال مع خروج بعضهم عن الموضوع، وربما بقي الواحد يجادله الساعة حتى يذهب الدرس كله في الجدال والأخذ والرد، وهو لا يتكدر ولا يتألم.

وكان متواضعاً مع الطلبة يباسطهم ويمازحهم في الدرس، وكان حلو النادرة مقبول الفكاهة، لا تمر به نكتة فيسكت عنها أًصلا، حتى اشتهرت نكته بين الخاص والعام بالقطر المصري بأجمعه فتجدهم يحكونها عنه.وكان رحمه الله محبا للطلبة الغرباء ميالا إليهم، بحيث لم يكونوا يقبلون على غيره، إذا لم يروا صدرا رحبا معهم سواه، حتى كان آخر أيامه لا يعمر درسه إلا الأغراب من أتراك وشوام وهنود وعراقيين وأكراد وغيرهم.وكان سمح الكف جوادا يواسي الفقراء والطلبة الأغراب ويمدهم بالمال ويساعدهم بجاهه، ويترددون إلى بيته فيجالسهم ويباسطهم ويبر بهم.

وكان السبب الذي لأجله صدر قانون تقاعد مفتي الديار المصرية عند سن الستين هو أن بعض الأغنياء قد بنى مسجدا وأوقفه، فاحتاجت الحكومة لموضع هذا المسجد، فاستفتت مفتي الديار المصرية العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي، فقال لهم: إذا وافقكم ربه فلا مانع، فكلموا ذلك الغني فوافق، فرجعوا إليه ليصدر فتواه، وقالوا له إن ربه قد وافق، فقال ومن ربه؟ قالوا: فلان الباشا، قال: ليس هو صاحبه الآن، فإنه أوقفه وصار لله تعالى ، فهو ربه الذي قلت لكم إن وافقكم فاهدموه.

وهذه الحادثة هي التي كانت سببا في عزله من الإفتاء ، فإن رئيس الوزراء وقتئذ وهو نسيم باشا قال فيه كلاما فبلغه، فقال الشيخ نحن لا نعبأ بكلام العيال أو نحو هذا، فبلغت إلى الوزير ، فقال: سوف يعلم من العيال، فاجتمع بمجلس الوزراء وأصدر قانونا يقضي بإحالة المفتي على المعاش إذا بلغ السن القانوني، وكان المفتي غير داخل في هذا القانون قبل ذلك، فلما صادقت الحكومة على هذا القرار وكان هو قد جاوز السن المقرر عزل وأحيل إلى المعاش، وبقي متطلعا لمنصب شيخ الأزهر، ولم يكن والله في عصره من يصلح له سواه، ولكن الزمن عاكسه في ذلك، ومن عجائب الدنيا أن يتولى مشيخة الأزهر تلامذته كالظواهري ثم المراغي، وهو موجود حي".

وكان يكثر من مطالعة كتب الإفرنج المترجمة وكتب العصريين ويقرأ كثيرا من الجرائد.;كما كان يقتني الكتب بكثرة، ويدفع فيها الأموال الطائلة، حتى جمع مكتبة ضخمة.

وكان عضوا بلجنة دستور سنة 1923 ووكان هو أول من اقترح إضافة المادة الخاصة بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

وكان محبا للصوفية، معظما لجنابهم، شديد الاعتقاد في الأولياء والمجاذيب، قال يوما للطلبة في الدرس: عليكم بثلاثة أمور وأنا أضمن لكم النجاح في العلم وأضمن لكم الغنى، قالوا: وما هي ؟ قال : اطلبوا العلم لله، ولا تتركوا الصلاة، واعتقدوا الأولياء والصوفية.

ولما كان يقرأ التفسير ووصل إلى سورة الأنعام مكث يقرأ سبعة عشر ليلة، في قوله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} {الأنعام: 1} فجعل يتكلم على هيئة الأفلاك والأرض، وينقل مذاهب الفلاسفة المتقدمين ومذاهب الإفرنج ويجمع بين ذلك ، فطلب منه الطلبة أن يكتب لهم ما سمعوه منه، فلم تمض أيام حتى أظهر لهم كتابه (توفيق الرحمن للتوفيق بين ما قاله علماء الهيئة وما جاء في الأحاديث الصحيحة وآيات القرآن).

من مؤلفــاته

  • شرح جمع الجوامع في أصول الفقه.
  • القول الجامع في الطلاق البدعي والمتتابع.
  • إرشاد الأمة إلى إحكام الحكم بين أهل الذمة.
  • حاشية على شرح الدردير على الخريدة في علم الكلام.
  • الكلمات الحسان في الأحرف السبعة وجمع القرآن.
  • أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام.
  • الفتاوى الفقهية في أربع مجلدات.
  • الأجوبة المصرية عن الأسئلة التونسية.
  • شرح منظومة العبيد في التوحيد.
  • رسالة في حكم السكورتاه.
  • الجواب الشافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي.
  • حسن البيان في دفع ما ورد من الشبه على القرآن.
  • تطهير الفؤاد عن دنس الاعتقاد.
  • حسن القرى في صلاة الجمعة في القرى.
  • إرشاد أهل الملة إلى إثبات الأدلة.
  • إرشاد العباد إلى الوقف على الأولاد.
  • حل الرمز على معنى اللغز.
  • الدرر البهية في الصلاة الكمالية.
  • رسالة في الآيات الكونية والعمرانية.


المراجع

ويكيبيديا الموسوعة الحرة

التصانيف

خريجو جامعة الأزهر  أعلام أسيوط  وفيات 1354 هـ  وفيات 1935  صفحات تحتاج تصنيف سنة الولادة