محمود غنيم (25 ديسمبر 1901 - 1972) شاعر مصري ولد في قرية مليج التابعة لمحافظة المنوفية بمصر.

مولده ونشأته

ولد "محمود غنيم" عام 1901م في قرية "مليج" وهي إحدى قرى محافظة المنوفية، وتفتَّحت عيناه على خضرة الريف وهدوئه ونقائه وقيمه فتأثر بهذه الطبيعة البكر، فكانت بمثابة رافد من روافد الأصالة والانحياز إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وقد نشأ في أسرة يحترف أفرادُها مهنتَي الزراعة والتجارة، وهي من أكثر المِهَن شيوعًا في الريف المصري.

تعليمه ودراسته

بدأ محمود غنيم حياته التعليمية- شأنه شأن الكثيرين من عمالقة الأدب والفكر المسلمين في القرن العشرين- في الكُتاب، وحفِظ القرآن الكريم، ثم نهل من علوم العربية والعلوم الشرعية، وبعد مرحلة الكتَّاب التحق وهو ابن الثالثة عشرة بالمعهد الأحمدي الأزهري بطنطا، وظل به أربع سنوات، ثم التحق بمدرسة القضاء الشرعي، وقد ظل فيها أعوامًا ثلاثة، وقبل أن يحصل على شهادتها تم إلغاء دراسته بها، لكنَّه لم يقف عند هذا الحد، فالتحق بأحد المعاهد الدينية ونال منه الشهادة الثانوية، وبعد ذلك التحق بمدرسة دار العلوم، وكان ذلك عام 1925م، وتخرَّج فيها عام 1929م.

رحلته مع الشعر

بدأ "محمود غنيم" رحلته مع الشعر منذ صباه المبكر، واشتدَّ عوده في فن الشعر حتى استوى على سوقه وتبارت المجلات المختلفة في نشر أشعاره ومن هذه المجلات والجرائد ما هو داخل القطر المصري ومنها ما هو خارجه، فمن المجلات والجرائد داخل مصر: السياسة الأسبوعية، والبلاغ الأسبوعي، والرسالة، والثقافة، والأهرام، والمصري، وأبولو، ودار العلوم...، ومن المجلات خارج القطر المصري: مجلة الحج السعودية، والعُصبة الأندلسية، وكانت تصدُر في البرازيل.

دواوينه

جمع "محمود غنيم" أشعاره ونَشَرها في دواوين، وكان قد جمع ديوانه الأول وهو "صرخة في واد" عام 1947م، وتقدم به لأول مسابقة شعرية يُعدها مجمع اللغة العربية بالقاهرة ففاز بالجائزة الأولى.

أما ديوانه الثاني فكان بعنوان: "في ظلال الثورة"، وقد جمعه مماكان ينشره في الصحف والمجلات في المناسبات المتعددة، ونال عنه جائزة الدولة التشجيعية عام 1963م.

ومن دواوينه كذلك ديوان "رجع الصدى"، وقد اجتهد الشاعر في طباعته لكن القدَر لم يمهله، فانتقل إلى جوار ربه، وتمت طباعة الديوان بعد وفاته (طبع هذا الديوان عام 1399هـ = 1979م، وقد طبعته دار الشعب)، ومن سمات هذا الديوان البارزة تمجيد الكثير من قصائده للمبادئ والقيم الإسلامية التي تأثَّر فيها الشاعر بتاريخ الإسلام العظيم على مر عصوره.

رحلة مع شعره

كان "محمود غنيم" من الشعراء مرهفي الحس الذين يتأثرون بكل ما حولهم من أشياء وكائنات، وأحداث صغيرة أو كبيرة، أو مؤثرات نفسية يرى الشاعر أنها تجربة حركت نفسه وهزت مشاعره، وفي دواوينه المختلفة نجد صدى يبرز الحروب وأهوالها، كما نجده يكتب الكثير من القصائد التي تتميز بالخفة والدعابة والفكاهة، ونجد فيها العَبَرات والرثاء، كما نجد فيها المديح والوصف، ونجد فيها كذلك القصائد الوطنية والإسلامية، والكثير من القضايا الاجتماعية، والأدبية والنقدية، وقد قال الشاعر الكبير "عزيز أباظة" عن ديوان "محمود غنيم" الثاني "في ظلال الثورة" وهو يقدم له: "إنك تحس وأنت تطالع هذا الديوان أنك في متحف رائع للطبيعة تعرض فيه كل ما يخلب اللب ويأسر المشاعر من صور، فكل قصيدة من قصائده أشبه بلوحة رائعة أبدعتها يد صناع، وهيهات أن تجد في بيانه المحكم السبك ما يتجافى عنه الذوق السليم، وتنبو عنه النفس الشاعرة، ومرد ذلك إلى مكونات الشاعر، من ثقافة واسعة متنوعة، وموهبة فطرية تفاعلت معها أسرار الحياة، فلا عجب وقد تكاملت له عناصر الشاعرية المبدعة أن يهيم في كل واد من أودية الشعر، وأن يصبح بحق دعامة راسخة من الدعائم التي ارتفع عليها صرح النهضة الأدبية المعاصرة."

مسرحياته الشعرية

يذكر الأستاذ الدكتور "محمد أحمد سلامة" في تقدمته لديوان "رجع الصدى" أن لـ"محمود غنيم" العديد من المسرحيات الشعرية فيقول: "ومما هو جدير بالذكر أن الشاعر الراحل "محمود غنيم" ربما غاب عن كثير من النقاد والأدباء خمس مسرحيات تسلكه في عداد الشعراء المسرحيين، تسلكه مع "شوقي" و"عزيز أباظة"، وقد سألته في لقائي معه: لماذا لم تمثل مسرحياتك كمسرحيات "شوقي" و"عزيز أباظة"؟ وكان رده: أما "شوقي" فقد مثل له بحكم نفوذه، وأما "عزيز أباظة" فقد مثل له بحكم نفوذ أسرته، أما أنا فلا قريب ولا رحم"، وأكثر هذه المسرحيات مستمد من التاريخ العربي الإسلامي.

نهجه الشعري وآراؤه النقدية

"محمود غنيم" في شعره يتبع الخليل في أوزانه والشعر العربي على مر عصوره في قوافيه وأغراضه مع تناوله لما جد من موضوعات عصرية، وهو بذلك ينتمي إلى المدرسة التي أطلق عليها بعض النقاد مدرسة المحافظين والتي من زعمائها "البارودي" و"شوقي" و"حافظ إبراهيم" وغيرهم من الأعلام، ويرفض الشعر الحر، ويتضح ذلك من قصيدة له بعنوان: "حديث خرافة" يقول فيها:

حملنا رايـة الشـعر

مدى حين من الدهر

فرفرف ظلـها فوق

مـدار الأنجم الزهر

إلى أن جاء نشء

بيــن مأفـون ومغتر

وقالـوا شعركم عبد

دعونا نـأت بالحر

فخـلينا المجال لهم

فدسوا الشعر في القبر

وله آراء نقدية تبرز هذا النهج الشعري ذكرها مقدم ديوانه "رجع الصدى" مستخلصًا إياها من مقال كتبه "غنيم" في مجلة الهلال بعنوان "الشعر المنحل لا الشعر الحر" وأبرز هذه الآراء يتمثل في:

- أن النقد لابد وأن ينأى عن الميول والأهواء.

- يمجد الشعر الذي يلتزم بالعمود الشعري الذي عرف عن العرب أصالة وصياغة.

- ينكر رأي الذين يعيبون شعر المناسبات؛ لأن كلام الله تعالى- وهو القرآن الكريم- نزل في مناسبات متعددة.

- يرى أن الوضوح لازم في الشعر شأن العرب المطبوعين، وينسج على منوال "البحتري"، والشعر المعقد ليس إلا صدى لنفوس أصحابه المعقدة.

- يستنكر ما يقال إن هذا الغرض قديم، ولا بأس عنده بشعر المدح والرثاء.

هذه وجهة الشاعر النقدية والتي نراها واضحة في إبداعاته المختلفة من سهولة ممتنعة، ووضوح مقبول، ورقة رائقة، وإنشاده العديد من قصائد المناسبات وكتابته في الأغراض المختلفة من مدح ورثاء وغير ذلك، أما رأي الشاعر في الشعر الحر، فإننا نختلف معه في هذا الرأي.

وعلى كلٍّ فقد كان "محمود غنيم" صوتًا شعريًا متميزًا في عصرنا الحديث، لم ينل حظه من الشهرة مثلما نالها الآخرون، ونختم الحديث عنه بشكواه من الضيم والإهمال، وانقلاب الموازين لدى الناس في أذواقهم، يقول: إلى من أشتكي يا رب ضيمي أرى نفسي غريبًا بين قومي لـقد هتـفوا لـ"محمود شكوكو" وما شـعروا بـ"محمود غـنيمِ"

نماذج من شعره

ما لي وللنَّجم

مالي وللنجم يرعاني وأرعـــاه

أمسى كلانا يعافُ الغمـضَ جفـناه

لي فيك يا ليل آهـــاتٌ أرددها

أُواه لو أجدت المحـــزون أُواه

لا تحسبني محـبًا أشتكــي وصبًـا

أهون بما في سبيل الحب ألقـاه

إني تذكرت والذكـرى مــؤرقــةٌ

مجدًا تليدًا بأيدينــا أضعنـاه

ويْح العروبة كان الكون مسرحها

فأصبحت تتـوارى فــي زوايــاه

أنَّى اتجهت إلى الإسلام في بلدٍ

تجده كالطير مقصوصًا جناحاه

كم صرّفتنا يدٌ كنا نُصرّفها

وبات يحكمنا شعب ملكناه

هـل تطلبون من المختار معجزةً

يكفيه شعبٌ من الأجداث أحياه

من وحَّد العرب حتى صار واترهم

إذا رأى ولدَ الموتور آخاه

وكيف ساس رعاة الشاة مملكةً

ما ساسها قيصرٌ من قبل أو شاهُ

ورحَّب الناس بالإسلام حين رأوا

أن الإخاء وأن العدل مغزاه

يا من رأى عمرَ تكسوه بردته

والزيتُ أدمٌ له والكوخُ مأواه

يهتز كسرى على كرسيه فرقًا

من بأسه وملوكُ الروم تخشاه

هي الشريعة عين الله تكلؤها

فكلما حاولوا تشويهها شاهوا

سل المعالي عنا إننا عربٌ

شعارنا المجد يهوانا ونهواه

هي العروبة لفظٌ إن نطقت به

فالشرق والضاد والإسلام معناه

استرشد الغربُ بالماضي فأرشده

ونحن كان لنا ماضٍ نسيناه

إنّا مشينا وراء الغرب نقبس من

ضيائه فأصابتنا شظاياه

بالله سل خلف بحرالروم عن عرب

بالأمس كانوا هنا ما بالهم تاهوا

فإن تراءت لك الحمراء عن كثبٍ

فسائل الصرح أين المجد والجاه

وانزل دمشق وخاطب صخر مسجدها

عمّن بناه لعل الصخر ينعاه

وطف ببغداد وابحث في مقابرها

علّ امرأً من بني العباس تلقاه

أين الرشيد وقد طاف الغمام به

فحين جاوزَ بغداد تحداه

هذي معالم خرس كل واحدة

منهن قامت خطيبًا فاغرًا فاه

الله يشهد ما قلَّبت سيرتهم

يومًا وأخطأ دمع العين مجراه

ماضٍ نعيشُ على أنقاضه أممًا

ونستمد القوى من وحيِ ذكراه

إنِّي لأعتبرُ الإسلام جامعة

للشرق لا محض ديـنٌ سـنَّهُ الله

أرواحنا تتلاقى فيه خافقة

كالنحل إذ يتلاقى في خلاياه

دستوره الوحي والمختار عاهله

والمسلمون وإن شتّوا رعاياه

لاهُمَّ قد أصبحت أهواؤنا شيعًا

فامنن علينا براعٍ أنت ترضاه

راعٍ يعيد إلى الإسلام سيرتُه

يرعى بنيه وعين الله ترعاه


المراجع

ويكيبيديا, الموسوعة الحرة

التصانيف

شعراء مصريون  أعلام المنوفية  مواليد 1902  وفيات 1972  مصريون حاصلون على جائزة الدولة التشجيعية