معركة ذات السلاسل
الحروب في خلافة أبي بكر
لقد استلم أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- خلافة المسلمين عقب وفاة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فبدأتِ بعض القبائل ترتدُّ عن الإسلام وبعض القبائل امتنعت عن دفع الزكاة وهي ركن رئيسي من أركان الإسلام، فخاض أبو بكر ضدَّ هذه القبائل حروب الردة الطويلة، ثمَّ أدرك أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بعد حروب الردة خطر وجود الامبراطوريتيْن الفارسية والرومانية ووقوع الدولة الإسلامي بينهما، فكان لا بدّ من المبادرة في إرسال الجيوش الإسلامية لفتح البلاد التي تقع تحت سيطرة فارس والرومان، فخاض المسلمون في زمن أبي بكر معارك شرسة ضد هاتين الامبراطوريتَين، وفيما يأتي تفصيل في أحداث معركة ذات السلاسل التي خاضها المسلمون ضد الفرس.
أسباب معركة ذات السلاسل
بعد أن انتهى المسلمون في زمن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- من حروب الردة ودانت الجزيرة العربية لحكم المسلمين، اتى خبر إلى بكر الصديق -رضي الله عنه- مفاده أن رجلًا من المسلمين اسمه المثنى بن حارث الشيباني أغار مع جماعة من قومه على أطراف العراق وكانت العراق حينها تتبع لحكم الدولة الساسانية في فارس، فسأل أبو بكر الصحابة الكرام عن المثنى بن حارثة الشيباني، فمدح وأثنى عليه الصحابي قيس بن عاصم المنقري، فقرر أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أن يدعم المثنى بالجند لتكون الإغارة معركة حقيقية، فأمر خالد بن الوليد -رضي الله عنه- أن يجمع الجيش الإسلامي الذي انتصر في معركة اليمامة ويتوجه به إلى العراق، ثمَّ كتب أبو بكر للمثنى الشيباني يأمره أن يدخل مع رجاله في جيش خالد بن الوليد -رضي الله عنه- وتكون القيادة العامة لخالد، فسار خالد بن الوليد بعشرة آلاف مقاتل من جيش اليمامة وانضم المثنى بن حارثة الشيباني إلى جيش خالد بثمانية آلاف مقاتل، وكان هذا في السنة الثانية عشر للهجرة، وكانت ملامح معركة مع الفرس تلوح في الأفق وهي معركة ذات السلاسل.
أحداث معركة ذات السلاسل
عقب أن وصل جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد -رضي الله عنه- إلى العراق، وضع أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- خطة عسكرية وهي أن ينقسم جيش المسلمين قسمين أحدهما قيادة خالد بن الوليد والثاني بقيادة عياض بن غنم الفهري -رضي الله عنهما-، فيدخل خالد العراق من الجنوب ويدخلها عياض من الشمال ويلتقي الجيشان مع بعضهما أخيرًا، تحرَّك جيش خالد من الجنوب وكان في نيته السيطرة على مدينة الأبلة، وهي مدينة استراتيجية تكون الميناء الوحيد لفارس على الخليج العربي في العراق، وعبر هذه المدينة تاتي الامدادات العسكرية التي يرسلها كسرى للعراق.
وكان الجيش الفارسي في مدينة الأبلة بقيادة قائد فارسي رفيع يدعى هرمز، وكان هرمز رجلًا شديدًا متكبرًا متعجرفًا لا يحب الإسلام والمسلمين العرب ويكرهه كرهًا شديدًا، كما كان العرب يكرهونه في العراق، وبعد أن حدد خالد بن الوليد -رضي الله عنه- هدفَ الجيش وهو مدينة الأبلة، بعث رسالة إلى هرمز يعرفه بالإسلام ويخيره بدفع الجزية وعقد الذمة أو الإسلام، وإنَّ رفض فالحرب هي الفاصل الوحيد، حيث يقول خالد -رضي الله عنه- في الرسالة: "أما بعد فأسلمْ تسلم، أو اعتقد لنفسك ولقومِك الذِّمة، وأقرر بالجزية، وإلا فلا تلومنَّ إلا نفسكَ، فلقد جئتكَ بقومٍ يحبون الموت كما تحبُّون الحياة".
لم يقبل هرمز طلب خالد بن الوليد -رضي الله عنه- ورسالته، وأرسل إلى كسرى يطلب مددًا عسكريًا لخوض الحرب ضد المسلمين، وكان قوام جيش خالد بن الوليد -رضي الله عنه- في معركة ذات السلاسل ثمانية 18 ألف مقاتل، وعنما وصلت امدادات كسرى لهرمز تحرَّك هرمز بجيشه باتجاه منطقة كاظمة ليلاقي جيش خالد بن الوليد هناك، ولكن خالد -رضي الله عنه- قام بمناورة بسيطة أراد من خلالها استنزاف قوة جيش الفرس، جيش سار بجيشه إلى منطقة اسمها الحفير، حتَّى إذا وصل هرمز إلى كاظمة لم يجد المسلمين فتبعهم إلى الحفير وقبل أن يصل هرمز إلى الحفير التفَّ خالد بجيشه وعاد إلى كاظمة، فاستشاط هرمز غضبًا وعاد إلى كاظمة من جديد.
وقبل القتال أمدَّ أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- جيش المسلمين بالقعقاع بن عمرو التميمي الذي كان في المعركة بألف رجل، وعندما أن التقى الجيشان طلب خالد بن الوليد -رضي الله عنه- هرمز للمبارزة، فاتفق هرمز مع عدد من رجاله للغدر بخالد وقتله في سبيل زعزعة جيش المسلمين بمقتل قائدهم في بداية المعركة، لكن خالد تمكن من قتل هرمز قبل أن يحاول الفرس الغدر وبدأ المعركة بين الطرفين بمقتل قائد الفرس هرمز في اللحظات الأولى، فدخل الخوف قلوب الفرس وتفرق الجيش وولُّوا مدبرين، وغرق عدد كبير من الفرس في الفرات وقتل المسلمين من الفرس ثلاثين ألف رجل، وكان نصرًا مؤزرًا للمسلمين بإذن الله تعالى.
فتح مدينة الأبلة
عقب انتصار وفوز المسلمين في معركة ذات السلاسل تراجع الفرس إلى مدينة الأبلة الميناء الوحيد لفارس في منطقة العراق على الخليج العربي، وعقب مقتل هرمز استلم قيادة الفرس المرابطين في مدينة الأبلة قائد فارسي يدعى قارن بن قرباس والذي انضمت إليه فلول الفرس التي هربت من معركة ذات السلاسل بقلوب راجفة ونفوس يأكلها الخوف والرهب، وعندما علم بأمر المسلمين خرج بجيشه من مدينة الأبلة ليلاقي خالد بن الوليد -رضي الله عنه- في منطقة اسمها المذار، وهي منطقة تحت على ضفاف الفرات، اختارها القائد الفارسي لأنه جهَّز أسطولًا بحريًا للهرب في حال الهزيمة أمام المسلمين، وبعد أن علم المسلمون بوصول الفرس إلى منطقة المذار، سارع جيش المسلمين إلى هناك ووصل بسرعة قياسية، وعندما وصل بدأ خالد يستطلع أخبار الفرس، فعلم أن عددهم ثمانين ألف مقاتل وقد جهزوا السفن للهرب في حال الخسارة، فأدرك أن الفزع والخوف قد توغَّل في قلوبهم فأيقن بحتمية النصر رغم تفوق الفرس العسكري والعددي، وفي بداية القتال خرج قارن قائد الفرس وطلب مبارزًا فتقدم إليه خالد بن الوليد -رضي الله عنه- ومعه أعرابي من البادية اسمه معقل بن الأعشى، وسرعان ما انقض الأعرابي على قارن وقتله، وبعدها حدثت عدة مبارزات بين القادة أدت إلى مقتل كل قادات الجيش الفارسي فانهارت نفوس الجيش وانفرط عقده، ولكن حقدهم على المسلمين دفعهم إلى الاستماتة في القتال وبعد معركة شرسة انتصر المسلمون وفتحوا مدينة الأبلة بإذن الله تعالى، وكان هذا النصر بداية النهاية بالنسبة لتواجد الفرس في العراق، والله تعالى أعلم.
سبب تسمية المعركة بذات السلاسل
إنَّ من الجدير بالذكر في ختام الكلام عن معركة ذات السلاسل التي تعد من ابرز المعارك التي خاضها المسلمون في فارس أن يتم الحديث عن نتيجة تسميتها بهذا الاسم، والغالب أن سبب تسميتها باسمها هو أن هرمز القائد الفارسي الذي قاد جيش فارس ضد المسلمين أمر جنده بأن يربطوا ذواتهم بالسلاسل حتَّى لا يهربوا إذا اشتدَّ القتال، ولكنَّ هذا الأمر رجع بالسوء على الفرس حيث تمكن المسلمون من قتل المكبلين بالسلاسل بسهولة بعد المعركة مما زاد من خسائر الجيش الفارسي، والله أعلم.
المراجع
sotor.com
التصانيف
معارك العرب معارك التاريخ الجيوش الاسلامية