ربما يستحق كثر جائزة نوبل ولا ينالونها. حلم نوبل يداعب معظم الكتّاب المشهورين، وهو حلم موجع لمن يرشّح ولا يفوز.

أترى الكاتب يحلم بتلك الجائزة كي يثبت للعالم أنه كان على حق؟ أم لكي يثبت لنفسه التي زعزعها التردد والتساؤل بأن العمر لم يهدر وهاهو يكافأ بانتصار كلمته؟ أم أن الكاتب يحلم بكل بساطة بالفوز لكي يقول لأمه التي أنّبته طويلا على طريق اختارها ولم ترضها، بأنها لم تكن محقة في تفضيل أخيه عليه، كما قال أورهان باموق في إحدى مقابلاته؟ أم لكي يبرهن لمن اختلف معه في الرأي أو في الاعتقاد بأنه الأجدر بالبقاء، وعلى الآخر أن يقبل بهزيمته الساحقة لأنه لم ينل مثله وسام العالم/ جائزة نوبل.

كثيرون أخذوا على أورهان باموق في كلمته العام الماضي على مسرح نوبل، تجنّبه ذكر مواقف واضحة من السياسة العالمية، واعتبروا كلمته التي ألقاها على مسرح الجائزة أفكارا ذاتية لا تخدم ولا تساعد. ذلك لأن الكاتب الإنسان يومها تحدث كما يفعل دائما عمّا خطر بباله، عن غرفة أبيه وفلسفة أبيه في أن الحياة بسيطة وتستحق أن تعاش بكل ما فيها من عذابات.

في كل عام، عند الواحدة والنصف من ظهر الخميس، الثاني من تشرين الأول "أكتوبر"، يرن جرس نوبل. يفتح باب خشبي ثقيل ينتظر أمامه عشرات الصحفيين، ويخرج ممثل اللجنة ليعلن بخمس لغات خبر الجائزة الذي يضم اسم الفائز وجملة أو جملتين تختصران باعث منح الكاتب الجائزة.

"نوبل هي الجائزة الأكثر سحرا من بين كل الجوائز في العالم".

قالت دوريس ليسينج مبتهجة بخبر فوزها لهذا العام.

عمرها 88 عاما. ولدت في إيران وترعرعت في زيمبابوي. كانت أول رواية صدرت لها في عام 1950 عن علاقة بين شابة بيضاء مزارعة وبين خادم أسود.

اختارت لجنة نوبل لهذا العام دوريس وكان الباعث نضالها من أجل قضايا النساء..

خلال دقائق معدودة، فرغت رفوف المكتبات من مؤلفاتها وانتشرت التعليقات الكثيرة، إيجابا وسلباً، على هذه النتيجة.

ضم برنامج مسائي عددا من الكتاب والنقاد على التلفزيون السويدي، حول مجريات نوبل. كانت دوريس بصورتها المكبّرة تحتل الاستوديو، واضعة كفها على أذنها كمن يطرب لسماع موال كان ينتظر سماعه منذ زمن.

راحوا يعلقون على أدب الكاتبة وتاريخها وحيثيات الجائزة، ثم ينتقلون إلى لقطات مصورة لها يوم تلقيها الجائزة.

آثرت الفائزة أن تقابل الصحفيين في حديقة بيتها. بدت بتنورتها العريضة وهي جالسة على درجات بيتها عند العتبة، ووجهها المليء بتجاعيد السنين كأي أمّ من ريف شرق سوريا، أنهت العجن والخبز وجلست تنتظر أن يغلي الماء كي تغسل الثياب.

بدت أماً لشباب رحلوا من وقت طويل. امرأة وحيدة، أو محاربة قديمة. ومع ذلك، كان لديها حكمتها عن العالم وما يحدث فيه. وبّخت تارة وأنّبت تارة أخرى، ونصحت كما يحدث عادة حين يضيّق الصحافيون على نجم الخبر.

لم يبد على صاحبة الفوز أنها مكترثة كثيراً لهذا الضجيج الذي أحدثته. طرحت أفكارها في السياسة والفكر والايدولوجيا والتاريخ، وتحدثت عن أفريقيا وتناقضاتها.

أخرجت صورها وراحت تتحدث عن سن المراهقة وكيف كبرت وكفرت بتلك الأيديولوجيات بعد أن تبنّتها كمعظم الشباب.

قالت إن حلم نوبل كان بعيداً، وكان ذلك منذ ثلاثين عاماً.

كانت قطتها السوداء اللامعة المدللة تتبختر بذيلها أمام الكاميرا. قطتها التي اختارت صورتها غلافاً لآخر رواياتها.

صورة دوريس على درجات بيتها وابتسامتها الطيبة وجبينها المسن، استحضرت في أذهاننا صور أمهات من الشرق المتعب، أمهات مستلبات لم يكتبن سيرهن ولم يطرحن أفكارهن، لم يعشن الحياة بل صنعنها بلغتهن الخاصة، لكنهن لم يكافأن عليها. ذلك لأنه لم يخطر ببال ألفريد نوبل حين اخترع الديناميت، أن يخصص جوائز لهن.ذلك لأن القدر وغيره خصص لهن الوجه الآخر للاختراع.

اختراعات نوبل أفادت في شق نفق سان غوتار في جبال الألب، وفي تنظيف مجرى نهر الدانوب، وفي شق قناة في اليونان، وفي أعمال التنقيب عن النفط في منطقة بحر قزوين.

ولكن حين انتبه العسكريون إليها، لوى التاريخ إرادة الفريد نوبل،وصارت "متفجرة نوبل" هي السلاح الأكثر انتشارا في الحرب العالمية الفرنسية- البروسية،. هي ذاتها جعلت الرجل من أغنى رجال العالم، وإن ظل أكثرهم حزناً.

صار يرسم كل يوم اللوحة ذاتها: أنقاض الانفجار وملامح إخطبوط وفي الخلفية هدوء وسلام.

فكّر بطريقة يكفّر فيها عن اختراعه، فعثر على الحل بأن كتب وصيته جوائز لمن يناضل ضد اختراعه.. من أجل السلام والأدب وغيره.

كان نصيب دوريس أموال نوبل. نامت على موّال أعجبها وعلى حلم رسا أخيرا وتحقق، واستيقظت على ضجيج التصفيق والتحيات والتباريك..

أما الأطفال وأمهاتهم فقد ناموا حالمين بثياب العيد وحلوى العيد. ولكن حين استيقظوا كان نصيبهم إخطبوط اللوحة. ذهبوا آخذين الآس إلى قبور الآباء، مرتدين ثياب العيد ولم يرجعوا. ذلك لأن جائزة العيد كانت من الديناميت.


المراجع

موسوعة الاوان

التصانيف

اصطلاحات