حيث انه من القرارات الأولى التي اتخذها الرئيس الفرنسي نيكولا سركوزي، في إطار استكشاف المجال الدولي، وادراك أسلوب التعامل مع المستجدات الكونية، تكليفه للسيد هوبير فدرين، الدبلوماسي الفرنسي المحنك، والإشتراكي الأصيل، من مريدي الزعيم الراحل فرانسوا متيران؛ نقول تكليفه بإعداد تقرير شامل عن موضوع "العولمة". يمكن سوق أسباب عدة لانتباه رئيس دولة أوروبية كبرى بحجم فرنسا، أن يضع في مقدم اهتمامه بالشأن الدولي، رغبة تعميق النظر في هذه التيمة وإشكالياتها، وإشعار الطرف الأميركي، المعني الأول بمجالها وتبعاتها أنه ليس تابعا فكريا وسياسيا لهذا الطرف كما يجري ذلك على كل لسان، أي ليس أطلنطيا منبطحا من فصيلة توني بلير، بل يملك حصافة التفكير، ويتمتع بحرية وتباعد في أمور عالمية جوهرية، والدليل تكليفه البحث فيها مبدع مفهوم خرج من الكي دورسي بعنوان: "السياسة أحادية البعد"كصفة قدحية، اتهامية في وجه السياسة الخارجية الأميركية، صاحبة القرارات الانفرادية والهيمنية.
الا انه ما يجدر بنا التركيز عليه هو رهين في العمق، ومن جهة قوى مركزية، أولا، بالتشكيك في البدهيات، ورفض الإذعان لفكر المسلمات أو تحصيل الحاصل، أو كما يتحدث بعض الناس في أوساطنا الذين خانتهم النجابة، عن العولمة كما لو أنها قدر مقدور، وهم خرجوا من بين صلبها والترائب. نعلم، ثانيا، أن التشكيك يقع في قلب العقلانية الغربية حين يتغيا ضبط العلائق والمسببات، وتحكيك المفاهيم للوصول إلى المنطق، والعولمة ليست بأي حال منطقا، ولا منظومة فكرية إلا عند من يرغبون في فرض واقعها وتسييد مكاسب مرضية لهم. وعليه، يكون التشكيك، بناء على الدعوة إلى التأمل، طريقة، مسطرة لخلخلة المفهوم، الوضع الذي يفترض العولميون أنه محسوم. ونحب أن نخلص، ثالثا، إلى أهم ما نستقرئه في القرار الرئاسي الفرنسي، اعتبارُه العولمة مسألة، ومسلسلا متطورا ومفتوحا، من شأن أي إرادة سياسية، وقوة اقتصادية، وهوية جماعية، ونخبة فكرية أن تخضعه لقراءتها الخاصة، وتنظر إليه، من جهة الانخراط أو التحفظ، في ضوء مصالح واعتبارات تخص مصالحها وثقافتها، على الرغم من التعميمات الشائعة عن ما يشبه "قدرية" المفهوم.
حيث إن مطلب مساءلة ظاهرة العولمة، وتجديد تعريفاتها، وتوليد مقاربات فهمها، واعتبارها مسلسلا من التحولات، لمما ينفي عنها أي صفة يقينية، أو ينزع أحيانا لتحويلها إلى نوع من "الدوغما" (المعتقد القطعي، العسفي، كما كان الأمر سابقا في مذهبية الأنظمة التوتاليتارية)، وإذا أخذناها، من وجهة نظر جاك أتالي، بوصفها ظاهرة تخص نهايات القرن الماضي وعصرنا الراهن، ولّدتها أسباب محددة، كما أنجبت أسباب أخرى ظواهر إيديولوجية وثقافية في مراحل سابقة من تاريخ الإنسانيةـ هذه، كما نلاحظ، رؤية تنسيبية وتنظر إلى التاريخ نظرة جدلية وديناميةـ فإننا قادرون، عندئذ، على قراءتها في سياق الصيرورة، ومحاورتها بندّية ما وسعنا الأمر.
فهل هذا ممكن؟ لا إمكانية لأي جواب قبل معرفة سؤاله، مصدر سؤاله، أي العولمة نفسها، والحال أن الخوض في هذا المضمار يتطلب استحضارا تاريخيا، وجردا مسهبا لجملة معلومات وتعريفات من كل صنف، وأحيانا، إغراقا في تفاصيل ببليوغرافية بلا أول ولا آخر. سنصبح وقتئذ في قلب شبكة من التقاطعات المعرفية والاقتصادية والإيديولوجية، ولن نزيد الأمر إلا تعقيدا. بالإمكان أن نستعيض عن هذا المنحى بحصر المبادئ التي تقوم عليها وتجلو ملامحها: يمكن إيجازها في حضور الليبرالية نسقا إيديولوجيا فيها، وبالتالي اعتماد الرأسمالية نمطا اقتصاديا، على أساس توسع شامل وتداخل للمصالح والمؤسسات الصناعية والمالية المُِدرّة للربح عالميا، وقد خلقت بينها روابط فوق دولتية تتيح تدفق الرساميل وتسريع المبادلات والاستثمارات في التجارة الدولية، بما يظهر العالم في صورة سوق واحدة تسمح بها الثورة التكنولوجية، بما خلقته من وسائط اتصالات مثيرة تعتبر من التجليات البارزة للظاهرة، وبما ُيدِرّ ربحا غير مسبوق على المؤسسات والأفراد، وبما شكّل في نظر البعض انتصارا ساحقا للرأسمالية هو ما دفع فوكوياما، مثلا، إلى إشهار أطروحته الرائجة عن ما أسماه "نهاية التاريخ"عقب سقوط جدار برلين. يعنينا من وراء هذه المبادئ ما يُفترض أن ظاهرة العولمة أنتجته وتنتجه كثقافة، نقصد الثقافة بمعناها العام، لا المعرفي العالم بالضرورة، في بلورة لقيم ومفاهيم ذات مصدر واحد، ومكرسة لقطبية واحدة، مستحوذة على الثروات ومدمّرة للهويات، ومعمّقة أكثر فأكثر للفوراق الشاسعة القائمة سلفا بين الأمم الأغنى والأخرى الأشد فقرا وتخلفا.
حيث اننا نحن لا نعرف على وجه التحديد ما هو مضمون ثقافة العولمة، بقدر ما تعرفنا على خطاب دعاتها الذين يتحدثون، في نظرنا، لغة استعمارية جديدة، أي لا تكاد تختلف في الجوهر عن محتوى الخطاب الكولونيالي، مع فارق أن المخاطَبين، يعيشون في ظل سيادة مزعومة، هي بالذات ما تنهشها القوى العولمية، وتزيد في تهميش شعوبها واستلحاق نخبها بمدار قرارها. وكذا بقدر معرفتنا بأن المفاتيح المؤهلة لإنتاج هذه الثقافة حكر على بلدان محدودة، وهو ما ينجم عنه حتما تركيز وتكثيف للقدرات، لجهة، وزيادة انعدام التكافؤ وتفقير حظوظ النمو والتقدم، لجهة ثانية، أي للأغلبية الساحقة لسكان المعمورة، وذلك انطلاقا من إحصائية أن خمس البشرية ينتج ويستهلك أربعة أخماس الثروة العالمية. وإذا ما استثنينا التمظهرات الاستعراضية لوسائط الاتصال والتدفق العالي للمعلومات وسرعة وسهولة تداولها، وما شاكل، وهو إيجابي من غير شك، يصبح من الأنسب ربما فحص مفهوم هذه الثقافة من وجوهها غير المرغوب فيها، أو الشوائب التي تؤخذ عليها، بالأحرى على القوى الهائلة، المنتجة لها. وليكن معلوما أننا لا نرغب لا في إعداد صك اتهام، ولا لرصد السلبيات والإيجابيات، وإنما هي طريقة من بين طرق شتى لمعالجة الموضوع.
لا شك أن أول شائبة تتمثل في الاستخدام اللامشروط لليبرالية لا تتورع عن ابتلاع كل ما يقف عائقا في وجه تحقيق مصالحها. طبعا، ليس هذا جديدا فالغرب خاض حروبه وحملاته الاستعمارية باسم المبدأ نفسه، وواجه النازية والفاشية لإقرار الحرية وبغية استتباب الديمقراطية، في الوقت ذاته الذي كانت شعوب الجنوب ترزح تحت نير احتلاله، وُتسخّر موادُها الأولية وكل طاقاتها لتحريك آلته الصناعية وترسيخ مداميك اقتصاده الرأسمالي، الذي يقال اليوم إن العولمة هي أعلى تتويج له. هي، إذن، مفارقات، وثقافة العولمة، بمعناها العام، تبني عموما منظومة من المفارقات تخص مبادئ الحرية، والمساواة، والحق في الخصوصية، وحق التعدد، وأهمية التنوع الثقافي، تقابل نقائض لها تنفيها من حيث تعلن إيديولوجيتها الليبرالية الأم شعارا وخصائص، الشيء الذي ينتج حالات عدم فهم وتشوشا في تلقي المفاهيم، واختلالا في العلاقة مع منظومة أفكار وأشكال تعبير وسلوك مطروحة على مستوى التحدي، بل القطيعة مع ما سبقها. فبم يتعلق الأمر، إذن، وكيف يمكن، والحالة هذه، لثقافة أخرى، لمثقفين من طينة أخرى، أن يتحاوروا مع هذه المنظومة، أن ينفتحوا عليها، فيما تنزع العولمة، بأي فهم شئنا لها، إلى تجاوز ثقافتهم، لا مبالغة إن قلنا إلى إلغائها، والسعي في الآن عينه لكسبهم إلى مدارها على أساس مبدأ التبعية، لا الحرية والتحرر اللتين يفترض أنهما محركها؟
لكن، ألم نقفز على السؤال الأهم الذي كان سيجنبنا الوقوع في ما نعتبره التباسا، ويؤدي إلى تشخيص حالة المفارقة ووضع التناقض، نعني طرح سؤال الثقافة ذاتها، بما يؤهل وجودها، ويُشترط لمحتواها؟ أجل، إن الثقافة بصرف النظر عن محتواها هي، من بين عديد تعريفاتها، معرفة نظرية وخبرة حياتية وتجريبية مكتسبة ومطوّعة بالممارسة، ما يتطلب سلفا ضرورة تراكم موادها، وتواتر ورسوخ معانيها وهياكلها، وتنضيد أشكالها التعبيرية. ولكي تتبلور وفق هذه الأنساق تحتاج إلى الزمن الكافي، وإلى تفاعل الخبرات والتجارب البشرية داخلها وحولها، تمتحنها بالحوار، تارة، بالتحدي أخرى، وعموما يعتبر الحاضر، كسياق لفعل يومي، والمستقبل كديمومة لهذا الفعل مع ضمان تأثيراته، محكا لتقدير وجود حقيقي لهذه الثقافة، أيا كانت قدرات الهيمنة التي تتبجح بها، على غرار ما عليه العولمة بالضبط. ربما التحقنا، نحن العرب، بحكم ظروفنا الثقافية ومحدودية ظروفنا الموضوعية المعلومة، بركب هذه الأخيرة متأخرين. بل العالم الغربي، ممثلا في القارة العجوز، لم يفطن هو ذاته إلى انبثاق هذا العملاق المثير إلا في العقد الأخير من القرن الماضي، رغم تجذره في العالم الرأسمالي وانخراطه الدائم في صنع إوالياته، ما يعني في المثالين أننا إزاء ظاهرة جديدة، مستجدة، لم يستقر الجدل حولها، ولا ُتعرف لها مفاهيم ومشخصات ثابتة، عدا العرضي والاستهلاكي والمثير، نكاد نقول المبتذل، وتطرح أحيانا بطريقة سجالية، وأقرب إلى تقليعة للزهو، لا مادة للمعرفة ومحتوى للتأمل. ولا نستطيع أن نتهم هذا العالم الأخير، لا بالمحافظة، ولا بالتخلف في ملاحقة التطور بأشكاله ولغاياته المختلفة، إذا كان يبدي أكثر من تحفظ وممانعة تجاه الظاهرة، ونراه يستمر في طرح السؤال تلو السؤال عن فحواها، وأساليب تطبيقها وتبعاتها.
من الطبيعي أن الثقافتين الغربية والعربية، على تفاوت مستوياتهما وإيقاع تطورهما، أبديتا ردود فعل تجاه الظاهرة العولمية، وهذا يحسب لصالح الأخيرة بالدرجة الأولى، باعتبار أنها تتجه لهز قلاع، وخلخلة ثوابت، والسيطرة على سلطة/سلطات في عديد مجالات حاسمة، أخطرها المجال المالي ـ الاقتصادي. وإذا كان هذا في حال الأولى يدخل في نطاق التفاعل الخلاق أو المتوتر، كما يتمثل في توليد ردود فعل إعادة طرح الأسئلة من كل نوع، والمتجهة جلها نحو استشراف المستقبل، عبر صيرورة القطيعة المعرفية، فإننا لا نستطيع في حال الثقافة العربية، المسماة معاصرة، أخذها بأي مقياس، لا بسبب اتساع الهوة بين الثقافتين، وتباين سياقيهما التاريخي والحضاري، لعمري إنه من نافل القول، ولكن، أساسا، لأن الأخيرة تفتقد تماما في هذا الراهن الحرج كل تماسك وانسجام يحددان لها هوية ومنطقا معينين، بما يجعلها قابلة للحوار والتفاعل مع الآفاق الأجنبية.
لقد كان التحدي الأجنبي في مراحل تاريخية سابقة حافزا ومحرضا للعرب على تدارك تأخرهم، والسعي للالتحاق بركب المدنية الحديثة في وجوه التقدم العلمي والعمراني والاقتصادي، وكذا لإرساء أسس الدولة العصرية. يقينا أن زبدة الثقافة العربية الموسومة بالتحديث، والإنتاج الفكري والإبداعي لمثقفيها وأدبائها، مرجعهما التأثر بالغرب والاستمداد من مقومات وأصول مدنيته، وهي ما تزال كذلك في أفضل نماذجها المعلية لشعار الحداثة والتجديد. والتيارات السلفية الإصلاحية التي انبثقت في العالم العربي والإسلامي مع نهايات القرن 19، ومطالع القرن العشرين، حتى وقد دعت إلى استعادة مجد غابر، والتشبث بسلف صالح، ومراعاة أصول، فإنها غرفت في دعوتها إلى نهضة جديدة من المنبع الغربي، ونزعت إلى انتقائية مريبة للفصل بين المنافع المادية والخبائث المضرة بمعتقدات المسلمين، ولكم هو طريف وذو دلالة ما يمكن سرده من أمثلة نحب أن نحيل إليها، لا في مصنفات الإصلاحيين المشاهير، فهي كثيرة التداول ومسفة أحيانا، بل في نصوص الرحالة الذين قاموا إما بسفارات رسمية إلى بلاد الإفرنج لغرض التماس أسباب التقدم لدى حكامها، أو رافقوا وفود طلاب العلم إلى عواصمها البهية، باريس ولندن في المقام الأول، رفاعة الطهطاوي وفارس الشدياق في المشرق، لَمعانيها خير لسان.
لو كان بمقدورنا القول إن الثقافة العربية المعاصرة، هي فعلا ابنة عصرها وحالّةٌ في زمنها ليصح انتسابها له، لو كان بمقدورنا القول، أيضا، بأن هذه الثقافة بمن وما يمثلها تتجاور فيها تيارات ومذاهب، وتتعايش وتتنافس ضروب من الفكر والإبداع ومشارب، لعُدّ ذلك دليل حيوية وغنى، ولاستطعنا نحن العرب أن نعلن انتسابنا إلى التراث الإنساني بمجموع مكوناته، فما الحداثة إلا تعبير راهن ُمعيّن فيه، بقدر ما العولمة راهن فضاء محدد لا كل الفضاءات.
لكن الأمر مختلف إلى حد بعيد، وصورة هذه الثقافة ووضعها على درجة من التفكك والتداخل، بل التشوه، يعسر معه تنظيم بنياتها، واستخلاص مناهجها، وترتيب مقولاتها على سلم منهجيات وتاريخ الأفكار، وهو ما كان متيسرا في الزمن النهضوي الأول، وما تلاه من عقود، إلى أن انفصمت العرى مع موجة الردة اللاحقة، المشهودة، ضد الفكر العقلاني ومطامح التحرر والتقدم. يزيد هذه الثقافة ضمورا، والعاملين في حقلها تعثرا، ما تشكوه من ضعف، وتلاقيه من عناء في إنتاج معرفة، لا تكتفي باقتفاء أثر من تقدم إلى الأمام، وعُدّ سلفا نموذجا يُحتذى؛ معرفة بقدر ما تتغذى من الكوني، تستقي من حاجات البيئة ومتطلبات الواقع، بذا تعيش زمنها ولا تغترب عن واقعها. إنها تتخذ من الكوني أداة إضافية لفهم أوصاب الواقع المحلي بدلا من الارتماء في أحضانه بكيفية عمياء، منفصلة عن الشروط الموضوعية المولدة لكل فكر، والمساعدة على نضجه. في هذا الصدد يعتبر مفهوم الحداثة بمجالاته أكثر المقولات أشكَلةً وتفخيخاً، تتضارب حوله الآراء، وتتبعثر المرجعيات والولاءات، ولا نقول تتعدد، بما يدل على فقدان البوصلة في مضانّ ثقافة أصبحت تابعة كليا تقريبا إلى مصادر خارجة عنها، تجد فيها رضاع حداثتها المزعومة، أو إلى سلفية مدعاة، عمياء وظلامية، تطوّح بكل جهود النهضة والتنويرالحديثين، وتقودنا، كما نشهد، إلى عصر انحطاط لا سابق له في تاريخنا.
وفيما تعيش الثقافة الغربية زمن ما بعد الحداثة، وهو الشرفة التي تطل منها على زمن العولمة، وأسسسها هي نقد فكر الحداثة، ومساءلته في أزماته ومقولاته الكبرى، أفقها ممتد دائما نحو المستقبل، لم تنجح الثقافة العربية في الإقلاع باتجاه حداثة تتعمق في أسئلة الحاضر والغد، أكثر من انشدادها إلى مراجعة الهياكل الفكرية التراثية، الغالبة عليها فهما وأفقا. بين هذين المنحيين تصطخب أفكار، وتموج تيارات، وتتحرق أجيال طموحٌ إلى التجديد والتغيير واكتساب الحق في الانتماء إلى عصر العقل والتقدم والنمو والتحديث العميق والسيادة والعدالة والعيش الكريم. فرغم أيّ لوحة كالحة السواد، ولطخات يمكن أن ُترمى بها ما يطلق عليه تعميما الثقافة العربية، هنالك أخرى بديل تتنفس بصعوبة تحت حطام وحرائق الزمن العربي الراهن، الذي لا تكفي مثالب الردة والاستبداد وانتهاك السيادة وفقدان الأمل لوصف أهواله. هنالك، رغم كل شيء، نزعة نقدية قوية تعمل على إعادة النظر في المسلمات، أفادت من التطور النوعي الذي قفزت إليه العلوم الإنسانية محتوى ومناهج، على الخصوص، وعلى هذه النزعة المعول في تطوير فكر عربي حداثي، عقلاني. ما لا يمنع من أننا الآن نقف في لحظة تعارض شديدة، تتواجه فيها الأضداد، ويتعذر إزاءها بناء صرح للمقابلات، أردناها مقولات فكر، أو نماذج وجود.
أويُعقل، وكيف يتأتى، والحالة هذه، إقامة مقابلة، للبحث عن خيوط الربط والانفكاك، بين ما هو ذو قوة جبارة، هيمنية، تمثل ذروة تقدم البشرية، ومنتهى ما وصلت إليه عبر قوة أحادية كاسحة في ميادين التقدم العلمي والتحكم في مقدرات الحياة والنمو للعالم أجمع، وبين شعوب في أسفل سلم النمو، تصارع الأمراض الفتاكة لتفشي الأمية، والمرض، والبطالة، وضعف التنمية، وهشاشة البنيات الإنتاجية، وشبه انعدام لدولة المؤسسات والقانون، ومثله كثير، يستحيل معه، في نهاية المطاف، لأي ثقافة تنبثق من هذه المجتمعات، وكيفما كان أتون الصراع الإيجابي الدائر فيها، وممارسات التجديد المنتعشة في رحابها، أن تتميز بموقف خصوصي أو تعلن هوية مستقلة، مالكة لإرادة، لحق وحرية الاختيار، فهنا مدار الرهان كله.
أغلب المثقفين العرب الذين قاربوا العلاقة بمجال العولمة، وفيهم كثير من الجامعيين، نراهم مذعنين إن لم نقل مستسلمين، لا حول لهم ولا قوة، شأن بلدانهم وحكوماتها، تعلن أن أقصى ما تستطيعه أمام مد جارف هو التكيف والملاءمة، وإعادة ترتيب البيت بما ينسجم مع الإملاءات الخارجية، لا وفق متطلباته الخاصة، وهو موقف سهل، يمثل استقالة من التفكير في الذات، لاسيما حين يُنظر إلى الموضوع من زاوية تقنية ومركنتيلية بحت. أود الإحالة إلى نموذج مغربي وقفت عنده أخيرا، أعتبره ذا دلالة في هذا الصدد، يقول صاحبه (نزهة لحريشي، جامعية ومسؤولة مؤسسة تجارية بالمغرب): "إن العولمة واقع وليس اختيارا، ونظرا لارتباطها بالانفتاح وتحرير السوق وثورة تكنولوجيا الإعلام والاتصال، فقد قلبت رأسا على عقب المنظومة الاقتصادية: تفكيك سلسلة القيم في اتجاه إعادة النظر في الاندماجات العمودية داخل السلاسل الإنتاجية، وبذلك أضحت كل سلسلة سوقا من تلك السلسلة لا تحميها أية حواجز، مما سمح بذلك الارتباط بالإنترنت الذي يمنح الامتياز لمقاولين جدد وبتوفير الخدمات عن بعد (أوفشورينغ، على سبيل المثال)" (صحيفة الإتحادالإشتراكي، 05/07/07). هذه فقرة ممهدة لموضوع يحمل عنوان "مغرب الإصلاحات وتحدي الانفتاح" مليء بالرطانات التقنوية، والخطاطات الاقتصادية المستعارة، نموذج لفهم محدود تتقلص فيه عملية التفاعل مع الأفق العولمي، لدى بعض النخب، إلى تحويل الأوطان ـ تسمية هناك من يرى أنها آيلة إلى الزوال ـ إلى شبه وكالات فرعية لتسيير المبادلات وتدبير الرساميل، رغم ما يسمى بخلق "استراتيجية تموقع" جديد في السوق العالمية هدفها خدمة التنمية الداخلية (كذا). أما التفكير في العلاقة بالعولمة من ناحية انعكاساتها على المستوى الاجتماعي، والفكري، والعقيدي، والتربوي، وبما يتصل بهوية المجتمعات التي باتت عرضة لهذا المد الجارف، أي قراءتها من منظور استراتيجي، فقلّ أن يحظى بالمعالجة، تتم مقاربته عشوائيا وبأسلوب يغلب عليه التعميم، يمكن التعرف عليه في أدبيات أحزاب وتيارات معينة، حين تريد إثبات انتمائها إلى الأفق الحداثي، من غير أن يكلف قادتها، وهم منظروها، أنفسهم عناء توفير الصيغ الفكرية القادرة على توضيح معنى العلاقة وتنظيمها، وضبطها حول قضايا وإشكاليات محددة.
من أبرزها وأعقدها، قضية الهوية التي تعد إحدى أكبر ما ولدته ظاهرة العولمة من مناعات وردود فعل، حضارية واجتماعية. ذلك أنها تمس، في الجوهر، مدار الاتصال والانفصال بين الأجيال، ونخبها، حول مفهوم الذات بمرتكزاتها العقيدية والتاريخية والوطنية، ما يعتبر في إجماع معين بمثابة ثوابت، من ناحية، ثم المكونات الباقية، المكتسبة في حاضر متطور، منفتح على منجزات العالم الخارجي بثقافاته وأنماط عيشه المتعددة، من ناحية ثانية. وتتخذ هذه القضية في السجال الدائر حول العولمة أشكالا وتعرف نقاشات أبعد بكثير من مجرد الحديث عن مدى حدود وإمكانات الانفتاح على الآخر"الغربي"، بطبيعة الحال، فهو تحصيل حاصل. كأن ثمة حقا وسيلة للاعتراض على هذا الانفتاح أو نقض مبدئه، ونحن نعلم أن الآخر المعنِيّ غزا وتوسّع واقتحم كل الآفاق خارج حدوده الجغرافية واللغوية، منتقلا من حملات التبشير إلى الحملات الاستعمارية والاستيطانية إلى المسلسل الأمبريالي، فوصولا إلى هذه العولمة.
فضلا عن أن فعل الانفتاح لا يتم من طرف واحد، وهو أساسا ثنائية تنبني على التفاعل، بقدر ما تتطلب مسبقا لوجودها درجة معقولة من التكافؤ والنّدية. فهل كان للشعوب المغلوبة على أمرها أي قوة لرد منفتحين جاؤوا إليها بصيغة نهب ثرواتها، واغتصاب سيادتها، وتدمير ما تعتبره عالمها المطلق، هويتها؟
أمّا مع عهد العولمة فإن الخوف على الهوية بات أقوى وأهلع من ذي قبل، وهي نفسها ولّدت من هذه الناحية ردود فعل عنيفة، وفي مناطق من العالم تبدو للوهلة الأولى محصنة، ومنخرطة إلى أبعد الحدود في هذا المسلسل، إن لم تعدّ طرفا فيه، وحيث القلق يتعدى الاجتياح الاقتصادي والصناعي والمالي ليطول معتقدات خلقية ومصالح ثقافية. ما من شك أننا إزاء أزمة لم تنتظر اشتعال فتيل هذا العهد، ولا المخاوف الحقيقية والأخرى المحتملة من وراء سريان ناره. الحق أن سؤال من نحن ما زال دوِيّ انفجاره مسموعا منذ الحملات الاستعمارية الأولى، اصطدمت فيها ثقافة وقيم ورؤى للعالم بأخرى، وعندما انتهت حقبة السيطرة الاستعمارية، شكليا على الأقل، وتحققت تلك الاستقلالات التي خيبت آمال أغلب الشعوب، لم يزد السؤال إلا استغلاقا ومشكله تفاقما، سواء من حيث الأنظمة السياسية أو الأطر الذهنية الموروثة، أو رؤى العالم الماضوي المكرسة لخدمة فئات وثقافة رجعية، وفي صفها سلطات استبدادية تناهض، رغم كل عمليات التجميل التحديثية والولادات القيصرية التي خضعت لها، التبلور الفعلي لهويات متأصلة ومتحررة، أي لا يمنعها الانتماء إلى ثقافة وأرومة وتراب من تجديد سؤال الهوية وطرحه بعيدا عن كل "تابو" من أي نوع كان، لاسيما، بعد انكسار أحلام، وانهيار إيديولوجيات، والإحساس، بالنسبة للعرب يظهرون، مثلا، أنهم كأنما يعودون إلى نقطة الصفر، هناك من حيث انطلقوا، منذ قرن ونيف، يبحثون عن النهضة، وأحيانا، ما قبل النهضة، على المستويات كافة… عجبا، كأن التاريخ يراوح مكانه |
إن الفزع الذي ولدته العولمة تجاه مسألة الهوية وردود الفعل ناجم، هذه المرة، عن الإحساس بكون الظاهرة كاسحة، لا ُتبقي ولا تذر، باعتبار ما يحكمها من آليات مادية قادرة على إحداث انقلاب في الشروط الموضوعية للمجتمعات التي تنتشر فيها، بما ينجم عنها كانعكاسات حتمية على صعيد خلخلة الثوابت والتقاليد، وخلق قيم وأنماط سلوك دخيلة على الطبيعة الأصلية للسكان ومعتقداتهم. وإذا كان هؤلاء يلاحظون باستمرار الانقلابات المتلاحقة لشروط حياتهم المادية، تطولها تغييرات حاسمة أو متفاوتة، حسب الطبقات الاجتماعية، ودرجة الارتباط بمسلسل إنتاجي بعينه، أي عموما ما يتصل بالبنية التحتية، فإن التغييرات التي تمس البنية الفوقية، سواء تسربت بخفوت، أو اقتحمت بعنف، تكون محط تساؤل وقلق، وتتعرض لأقوى الممانعات. فإزاء العولمة تحس الجماعة المستقرة في فضائها وثقافتها الأصلية بخطر يهدد هذين المجالين، بالمنافسة أو مجرد الظهور في أشكال بعينها. وأمام وتيرة تسارع التغييرات، وعدم معرفة مضامينها ولا مراميها بشكل جيد، فإن الشكوك تتزايد تجاهها، خاصة في مجتمعات تهيمن عليها أفكار وطرائق حياة محافظة وتقليدية، وتتنامى داخلها تنظيمات وتيارات، تتعدد شعاراتها وألويتها بين دينية عقيدية، وخلقية تربوية، وإيديولوجية سياسية، وفي الأحوال كلها نراها تتخندق وراء الحفاظ على الهوية والثوابت (كذا).
هنا يختلط الحابل بالنابل، ولا نكاد نعرف بأي هوية يتعلق الأمر، ولا علامَ يحدث الاعتراض، ذلك أننا بتنا نشهد نزوعا نحو التهويل والتغويل لكل ما هو يتخذ لبوسا أو منحى عولميا لمجرد علوق سمة خارجية، أجنبية به، تتحول عند القوى المحافظة إلى مسّ بأصالة مزعومة.
هكذا، إما لسبب مغرض، مبني على تشويه الحقائق وتحريف المقاصد، أو لأن تيار العولمة، بتجلياته وأدواته المتباينة، الظاهر فيها والخفي، الجاهز والكامن، إما لا يعرّف بنفسه بما يلزم، أو لأن آلياته المتجبرة، لا تحفل، أصلا، بالممانعة والاحتجاج، طالما أنها تعول على الاكتساح المادي ولا تولي إلا أقل الأهمية للمعضلات والانفجارات ذات الطبيعة الهوّياتية والثقافية؛ نقول، هكذا ينجم عن هذه الحالة عرقلة لجهود ومظاهر التحديث، وتصبح العولمة، بما أنها حداثية وأكثر بكل تأكيد، مرادفة لكل الشرور، وبالتالي عدوا للعبد والخالق ينبغي التصدي له. من هذه الناحية يصبح كل ما يُنظر إليه تحرشا بالهوية التي تريد العولمة، أو نتائجها المرتقبة، المغوّلة، الإجهاز عليها، مسّاً بالملة ووبالاً أيَّ وبال، يتداعى له المؤمنون بالاستصراخ والدعوة للاصطفاف في دعاوى جهادية واضحة ومعلنة، وأخرى منافقة ومتسترة، تلعب في مساحة الماـ بين، وإن اتحد الهدف. ولا حاجة إلى القول أننا أمام تماهٍ مغلوط، ومن الناحيتين يصنع معرفة مزورة بالموضوع، ويباعد شقة أي تواصل ضروري أو ممكن.
أما الفكر العربي الحديث والمعاصر فإنه، وعلى غرار الجماعة التي يحيا فيها، يتحرك تجاه هذه الإشكالية في ساحة رد الفعل أكثر من التأمل المجتهد، والرأي المبادر، وبإجمال يمكن اختصاره في أربعة مواقف: أصولية متشددة، وسطية انتقائية ومصالحة، انحياز مطلق إلى إعادة تشكيل الهوية بعيون غربية، رؤية مؤصلة، نقدية، تقوم على نوع من التركيب العقلاني والجدل الحي بين الخصوصيات النيرة للذات بميراثها الوطني القومي، وبين المكونات والعطاء الخلاق لما يقع خارجها، وبالتفاعل سيصبح منها. هذا الموقف الأخير نعتبره التفكير الحصيف، الأقرب إلى تحقيق ضبط إيقاع الصراع، وجعل الهويات متملكة لروحها الضاربة في عمق التاريخ، إن كانت كذلك فعلا، ومندرجة بتزامن في النسق الحضاري المستقبلي، منتجة داخله. لكنه، في الآن عينه، الأضعف قياسا بالمواقف الثلاثة الأولى، تجد وسائل تمكينها، وأكبر الفئات الاجتماعية لخدمة وترويج دعاواها. ومن أسف فإن نزعة التغريب، الحداثوية، والتنصل من الموروث التاريخي والقومي، لغة وثقافة وقيما، رغم ما في هذا الموروث من خسارات، إضافة إلى تصدع الآمال الوطنية، واندحار إيديولوجيات، وأفول قيادات وريادات، تسهم، يا للمفارقة، في تجذير التشبث بالهوية المنغلقة والارتدادية، والرافضة لكل آخر، حدا يستخدم العنف والإرهاب خطة فكر وعمل للوصول إلى الهدف المنشود.
ليست هذه الخطاطة الواصفة نظرية، ولا مجردة، بل هي خلاصة مختزلة جدا لفحص وقراءة الخريطة الفكرية والسياسية والاجتماعية الراسمة لحدود الجغرافيا العربية، رغم أنها تتشخص اليوم في تضاريس بالغة التعقيد والتداخل، على صورة المجتمعات والقوى والتيارات القائمة فيها، وحيث نعاين حاليا أشكالا وألوانا من الصراعات والصدامات، بين الكتل الاجتماعية في ما بينها، ثم بين الحكام والمحكومين، وأخيرا وليس آخرا، بين إرادات التحرر والسيادة الوطنية والقومية وقوى الهيمنة والتدخل الأجنبي، التي تقوم باسم نشر مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بعمليات تدمير لحضارات، ونهب لثروات، وتشريد شعوب، تذهب إلى تحقيق أهداف عولمتها مباشرة، وفي وضح النهار بالصواريخ العابرة للقارات.
إزاء تضارب شبه تام للفكر والجماعات حول ظاهرة العولمة، وقضية الهوية المركزية في قلبها، تتقدم أطراف فكرية بمعالجة تراعي المصالح كافة، وتدرأ الشبهات، تتلخص في أطروحة: التنوع الثقافي. وتكتسب هذه الأطروحة أهميتها ومصداقيتها من كونها منبثقة عن المجتمع الدولي، في صورة منظمة الثقافة والتربية والعلوم (اليونسكو) التي ناقشت وتبنت وثيقة احتاجت إلى وقت طويل من الحوار، وحتى السجال، بين الأطراف المدافعة عنها، جلها من الدول السائرة في طرق النمو، وهي المعرضة لاكتساح العولمة، والأخرى الصناعية صاحبة المصلحة في فرض نموذجها، وفيه صورتها الثقافية، لا عجب أن تكون الولايات المتحدة الأميركية، ومن يدور في فلكها، من أعتى المعارضين لها، الرافضين التوقيع عليها، وخرجت بوثيقة رسمية تبنتها المنظمة المذكورة سنة 2005، والعمل متواصل لتنفيذ بنودها.
بداية يُقصد بعبارة "التنوع الثقافي" تعدد تعبيرات الجماعة والمجتمعات عن ثقافاتها، وأشكال انتقال هذه الثقافات، بالمضامين الحاملة لها، ويعني المضمون الثقافي المعاني الرمزية والأبعاد الفنية والقيم الثقافية المستمدة من الهويات الثقافية أو المعبرة عنها. تسجل الأطروحة أن العولمة، أولا، بنشرها لمبادئ السوق قد خلقت أشكالا من انعدام المساواة، باختلال التوازن بين البلدان الغنية والفقيرة، وأن كثيرا من الدول لم تعد قادرة على التحكم في التدفق المتنقل للأفكار ومصادر المعلومات والصور، وإلى اتساع الهوة التعليمية بين النخب والباقين. لتنتقل إلى تساؤل كيف يمكن تكوين مجتمعات متعددة، وتتقاسم في آن واحد شعورا بالانتماء المشترك.
وتُبذل أطروحة التنوع الثقافي حاضرا بناء على إرث في مجتمعات سابقة تشكلت من مجموعات ثقافية متعددة، فيما أن خاصيتها الجديدة، المائزة، في كونها تظهر في سياق عولمة متنامية للاقتصاد والثقافة تقود، من جهة، إلى تجانس في عديد ميادين، وإلى شعور متنام بالهجنة، في ميادين غيرها، من جهة أخرى. وتنتبه إلى حالة المخاوف من فقدان الهوية، التي تؤدي بدورها إلى نهج إعادة اكتشاف الذات، وابتداع تقاليد أصلية، محلية، لتخلص في الأخير إلى :أن غالبية المجتمعات مدعوة للتوفيق بين المطلب المزدوج للوحدة والتنوع، فبدون الوحدة لا يمكن الحفاظ على التماسك، وتوفر التفكير الجمعي، أما التنوع فهو حقيقة حتمية، وعامل إثراء للحياة؛ هذا التنوع يتطلب إدماج الثقافة كعنصر أساس في السياسات الوطنية والدولية؛ ثم إنه يزدهر في رحاب الديمقراطية والتسامح والعدالة الاجتماعية والاحترام المتبادل بين الشعوب، ويحتاج إلى إقرار السلام. هذا وتعتمد أطروحة التنوع الثقافي جملة مبادئ أهمها: تساوي جميع الثقافات في الكرامة وفي جدارة الاحترام؛ مبدأ الانتفاع المنصف، مبدأ الانفتاح والتوازن.
من الطريف، لا بل من المفهوم جدا، أن الولايات المتحدة الأميركية اعترضت بضراوة على الوثيقة، تعتبر جادة أن إقرار التنوع الثقافي يعرقل سوق الصناعات الثقافية، ويضر بمصالحها، ترى أن التنوع يفرض حالات "الاستثناء الثقافي" وهو، مثلا، موقف تتشبث به فرنسا، دعما لمنجاتها الفنية، أي يؤدي حسب المنطق الأميركي إلى تحديد دخول المنتجات ويضر بانفتاح الأسواق، أي بتدفق البضائع والرساميل مطلقا، وهذا باسم الدفاع عن ليبرالية عمياء، لنشر عولمة كاسحة، ديانتها السوق، ولا تبالي بالحطام خلفها، كما لا تبالي ديموقراطية مغشوشة بإبادة أمة بأكملها.
المراجع
minculture.gov.ma
التصانيف
اقتصاد اقتصاد دولي عولمة العلوم الاجتماعية
|