صروفُ الليالي لا يدومُ لها عهدُ،
وأيدي المنايا لا يطاقُ لها ردُّ
تُسالمُنا سَهواً، وتَسطو تَعَمّداً،
فإسعافُها عَسفٌ، وإقصادُها قَصدُ
عَجِبتُ لمن يَغَترّ فيها لِجَنّة ٍ
من العيشِ ما فيها سلامٌ ولا بردُ
أفي كلّ يومٍ للنوائبِ غارة ٌ
يشقّ عليها الجيبُ أو يلطمُ الخدّ
أرى كلّ مألوفٍ يُعَجَّلُ فَقدُهُ،
فما بالُ فقدِ الإلفِ ليسَ له فقدُ
فقدتُ رِجالاً كانَ في البؤسِ بأسُهم،
هوَ الظّهرُ لي والباعُ واليَدُ والزّندُ
يزيدهم ليلُ الخطوبِ، إذا دجا،
ضِياءً وحُسنُ الضّدّ يُظهُرُه الضّدّ
أرى كلّ من يستخلِصُ الشكرَ بعدَهم
من الناسِ نحراً لا يليقُ به عقدُ
لذاكَ هجرتُ الإلفَ أعلمُ أنّني
لكَ السّيفُ لا يُبليهِ، إن بَليَ، الغِمدُ
وزرتُ بِلاداً يُنبِتُ العزَّ أرضُها،
ويَنجَحُ في أبناءِ أبياتِها العَقدُ
مخافة َ أن أضحي من الخلّ خالياً،
وَحيداً، وأُمسي عندَ مَن ما لَهُ عِندُ
ولمّا عطفتُ العيسَ، آخرَ رحلة ٍ،
إلى مَعهَدٍ لي، والحَبيبُ بهِ عَهدُ
وشارَفتُ أعلامَ الطّويلَة ِ ذاكِراً
عهودَ الصّبا، والشيبُ لمّا يلحْ بعدُ
سألتُ حِمَى الفيحاءِ: ما بالُ ربعِها
جديباً، وقد كانتْ نَضارَتُهُ تبدو
وما بالُها لَمْ يُروَ من مائِها الصّدى
لظامٍ، ولا يُوري لقاصدِها زَندُ
فقالتْ: قضَى من كان بالسعد لي قضَى ،
وصوحَ نبتُ العزّ وانهدم المجدُ
فأصبحَ مجدُ الدينِ في التربِ ثاوياً،
وزالَ السماحُ السبطُ والرجلُ الجعدُ
فتًى علمتهُ غاية َ الزهدِ نفسهُ،
فأصبَحَ حتى في الحَياة ِ لهُ زُهدُ
ولم أرَ بدراً قَبلَهُ حازَهُ الثّرى،
ولم أرَ بحراً قَبلَهُ ضَمّهُ اللّحدُ
سَليلُ صفيّ المُصطَفى، وابنُ سبطه،
لقد طابَ منهُ الأُمّ والأبُ والجَدّ
فَصيحٌ، إذا الخَصمُ الألَدّ تَعالمتْ
دلائلهُ، كانتْ لهُ الحججُ اللدُّ
إذا قالَ قَولاً يَسبُقُ القولَ فِعلُهُ،
فلَيسَ لَهُ يوماً وَعِيدٌ، ولا وَعدُ
لئن أخطأتْ أيدي الرّدى بمُصابِهِ،
لعَمرُ أبي، هذا هوَ الخَطأُ العَمدُ
مضَى طاهرَ الأثوابِ والجسمِ والحشَى،
له الشّكرُ دِرْعٌ، والعَفافُ لهُ بُردُ
همُ القومُ فاهُوا بالفَصاحة ِ رُفّعاً،
وشابتْ نواحي مجدهم، وهم مردُ
إذا حَلّ منهم واحدٌ في قَبيلَة ٍ
يُشارُ إلَيهِ إنّهُ العَلَمُ الفَرْدُ
كفاهم فخاراً أنهُ لهمُ أبٌ،
ويكفيهِ أن أمسَى ومنهم لهُ ولدُ
فيا نازحاً يدنيهِ حسنُ ادكارهِ،
ففي بُعدِهِ قُربٌ، وفي قُربه بُعدُ
لك اللهُ كم أدركتَ في المجدِ غاية ً
تقاعسَ عن إدراكها الأسدُ الوردُ
إذا افتخرَ الأقوامُ بمجدهمْ،
فإنكَ من قومٍ بهمْ يفخرُ المجدُ
تعودَ متنَ الصافناتِ صغيرُهم،
إلى أن تَساوَى عندَهُ السّرجُ والمَهدُ
حَمَوا لجنودِ الجأشِ حَولَ بيوتهم،
من المَجدِ، ما لم يَحمِه الجيشُ والجُندُ
بيوتُ كُماة ٍ دونَها تُحطَمُ القَنا،
وغاباتُ أسدٍ دونها تفرسُ الأسدُ
أقاموا وبردُ العيشِ عندهمُ لظًى،
وصالوا وحَرُّ الكَرّ عندَهمُ بَردُ
وعَزّوا إلى أن سالمتهم نجومُها،
فلا نجمَ إلاّ وهوَ في رَبعِهمْ سَعدُ
ورثتَ علاهم واقتديتَ بفضلِهم، فأنتَ
إذاً ندّ الكرام لهم ندُّ
فإن شاقَ صدرُ الخَودِ والنّهدُ مَعشراً
يشوقك صدرُ الدستِ والفرسُ النهدُ
فبالرّغمِ منّي أن يُغَيّبَكَ الثّرَى،
ويَرجعَ مَردوداً بخَيبَتِهِ الوَفدُ
ويُعرِضَ عن رَدّ الجَوابِ لسائِلٍ،
وقد كنتَ لم يعرفْ لسائلكَ الردُّ
سأبكيكَ جهدَ المستطيعِ منظماً
رِثاكَ، وهذا جُهدُ مَن مَاله جُهدُ
فإنْ رمدتْ أجفانُ عينيَ بالبُكا،
فكَم جَلَيتْ منَا بك الأعينُ الرُّمدُ
لئن كنتَ قد أصبَحتَ عنّا مُغَيَّباً،
فقد نابَ عنك الذّكرُ والشّكرُ والحمدُ
وما غابَ مَن يَقصو ومَعناهُ حاضرٌ،
ولا زالَ من يخفَى وآثارهُ تبدو

 

اسم القصيدة: صروفُ الليالي لا يدومُ لها عهدُ،

اسم الشاعر: صفي الدين الحلي.


المراجع

adab.com

التصانيف

شعراء   الآداب