منذ بداية الستينات، وعندما كانت البنيوية في بداية ازدهارها، نبه رولان بارت إلى أن قضية البنيوية، على رغم المظاهر، ليست هي البنية وما تثيره من إشكالات، وأنه "لا يكفينا الحديث عن بنيات النصوص لكي نكون بنيويين"…" وإلا فستكون البنيوية عريقة في القدم: فكون العالم بنية، و كون الأشياء والحضارات بنيات، هذا أمر عرفناه منذ زمن بعيد، أما الجديد فهو التمكن من الخلخلة".
قد يبدو غريبا للوهلة الأولى أن يصرف أحد أعمدة "الحركة" البنيوية ذهننا عن مفهوم البنية في تحديده للبنيوية. إلا أن هدفه، كما يبدو، هو أن يضع أصبعنا على أهم ما طبع تلك الحركة التي لم تقتصر على مجال الأدب والفلسفة، وإنما امتدت لتطال ميادين الدراسات الإبيستمولوجية والأنثروبولوجية والتاريخية.
يشير بارت هنا إلى الجرأة النقدية التي تمخضت عن ظهور هاته الحركة، التي لم تعمل فحسب على زرع نفس جديد في ما كان يسمى تاريخا للأدب، وما كان يسمى "نقدا" أدبيا، وإنما مكنت أكثر الفلسفات إيمانا بالسلب والجدل والتناقض، من أن تعيد النظر في "ثوابتها". ولعل أهم تلك الثوابت هو مفهوم الجدل نفسه، وما يحيط به من مفهومات كالسلب، والتناقض والاختلاف.
ولا ينبغي أن ننسى أن هذا "المفهوم" الأخير، الذي برز مواكبا لمفهوم البنية منذ سوسور، هو المفهوم الذي "استفاد" كثيرا من هذه الحركة، إلى حد أننا نستطيع أن نقول إنه هو الذي حل مكان مفهوم البنية ذاتها.
وعلى أية حال فكلنا يذكر أن المجد الذي عرفه مفهوم البنية ظل مقترنا بمفهوم الاختلاف. و كلنا يذكر تلك العبارة التي كنا نلفيها عند أصحاب اللسانيات أو السيميولوجيا أو الأنثربولوجيا أو الابيستمولوجيا على السواء، والتي تؤكد أن "البنيوية تبدأ عندما نؤكد أن مجموعات متباينة يمكن أن تتقارب فيما بينها، لا بالرغم من اختلافاتها، بل بفضل تلك الاختلافات".
لعل هذا هو ما جعلنا نجد أنفسنا، بعد "ضجة" البنية، أمام المفكرين أنفسهم تحت اسم آخر هذه المرة هو " مفكرو الاختلاف"، وقد حاول هؤلاء، كل في مجاله: سواء مع بارت في ميدان السيميولوجيا الأدبية، أو مع ليفي ستروس في مجال الانثربولوجيا، أو مع ألتوسير في ميدان الأبحاث الماركسية، أو مع دريدا في ميدان تاريخ الفلسفة….حاولوا جميعهم أن يزودوا الفكر بمزيد من "قوة الخلخلة"
المراجع
alawan.org
التصانيف
فكر اصطلاحات مصطلحات فلسفية الفلسفة