يبدو أن غياب الدولة –الأمة لصالح السلطة هو السمة المشتركة الأبرز عربيا، فالسلطة هي احتكار، وقمع يستند في استمراره على علاقات عشائرية، طائفية وحتى حزبية، تلغي الانتماء الوطني و الشعب- السيد، لصالح انتماءات أهلية.
إن النخبة المحتكرة للسلطة تماهي ذاتها بالدولة، والأخيرة تنحل إلى مجرد جهاز للقمع واحتكار العنف و ممارسته، بحيث تصبح مصلحة هذه النخب هي المصلحة الوطنية ذاتها، ومعارضتها جريمة توازي الخيانة.
هذا الغياب للدولة يظهر جليا مع انهيار يصيب السلطة والمؤسسات التي تستتر خلفها كما في الحالة العراقية أو عندما يصيبها خلل يجعلها عاجزة عن أداء مهماتها كما في لبنان، ولكن هذا الغياب موجود بالقوة أيضا في بقية الدول العربية التي تمتاز باستمرار أبنية السلطة فيها.
في هذا الوضع تصبح الدولة غاية أولى يسعى إليها الجميع من أجل وقف التذابح الأهلي وحفظ إمكانية العيش المشترك بين الجميع بالحد الأدنى، وتحريرهم من الميليشيات المسلحة، والتجزئة التي تهدد كيان الدولة، كما في الحالات الثلاث (العراق، لبنان وفلسطين)
لهذا تصبح المطالبة بالدولة قضية ملحة ومكررة، بل شعارا سياسيا مباشرا.
إلا أن الطرح الحالي لقضية الدولة يتم انطلاقا من خلال تحديد العدو، وهو الميليشيا التي استقلت عن الدولة وادعت شكلا للسيادة خاصا بها، فالدولة مبدئيا هي من تحتكر حق العنف وممارسته، وعليه فإن الميليشيا هي أول أعداء الدولة، ومن السهل –كما يبدو- تحديد الميليشيا في الحالات الثلاث، جيش المهدي في العراق، وحزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين.
بهذا المعنى تنحل قضية الدولة إلى مجرد مسالة إنهاء الميليشيات.
إلا أن هذا الشكل من الطرح في الواقع العربي يجافي الواقع تماما، بل وأكثر من هذا أنه غير أمين للهدف الذي يصبو إليه، أي بناء الدولة. فإحدى أولى مشكلاته انه يتنهي (في حال نجاحه) إلى النقطة المرفوضة سلفا، أي إنتاج التماهي بين الدولة والنخبة المحتكرة للسلطة.
إن الدولة الحالية، أو الطرف الذي يدعي تمثيلها أو صاحب الشرعية في بنائها، لا يمكن النظر إليه –وعلى ضوء ممارسته السابقة والحالية مع بقية الأفرقاء- إلا باعتباره هو الآخر ميليشيا (وهذا ما يظهر بوضوح تام في ممارسة الدول المستقرة كسوريا أو مصر، التي تتعامل مع مجتمعاتها كخصم محتمل، وتسلك بالتالي تجاه معارضيها سلوكا ميليشيويا)، وربما الميزة الوحيدة التي يستند إليها مقارنة مع بقية الميليشيات هي شرعية الاعتراف الدولي به، وليس شرعية اعتراف الداخل، الشرعية الشعبية.
الدولة العراقية، أو الحكومة العراقية وأجهزة أمنها، كما الدولة الفلسطينية وأجهزة أمنها، هي أيضا ميليشيا، فهي مكونة انطلاقا من اعتبارات وانتماءات محكومة بالمنطق الميليشيوي، فلا يمكن التغاضي عن دور "فيلق بدر" والعناصر العسكرية الموالية لـ"حزب الدعوة" وحتى الصدريين في تكوين الجيش والشرطة العراقيين، كذلك الحال مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية الفتحاوية، أو حتى مع الزيادات الأخيرة في أعداد المتطوعين للأجهزة الأمنية اللبنانية –وهذا في ظل حكومة السنيورة والذي امتاز باعتراضاته المتواصلة كوزير للمالية على النفقات الهائلة المخصصة للأجهزة الأمنية وللجيش- من العناصر السنية. بل أن المنطق الميليشيوي لا يتوقف عند حدود التكوين بل يتجلى في ممارسة ميليشيوية مشبعة بالثأر مع الآخرين، القتل والاختطاف الجماعيين في العراق، دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية خلال فترة السلطة السابقة على الانتفاضة الثانية في مكافحة حماس والحركات الإسلامية انطلاقا من اعتبارات الأمن الإسرائيلي، أو في عمليات الثأر الاجتماعي التي قامت بها لحساب متنفذي المدن والسلطة ضد "الشباب"، من كوادر الانتفاضة الأولى.
إن طرح قضية الدولة انطلاقا من مسألة احتكار العنف، وهو استغلال مفهوم علمي للدولة لا يلقي بالا لمسائل من نوع الشرعية والتمييز بين الدولة والسلطة وهي قضايا مركزية في الواقع العربي، ينتهي به المآل - بوعي أو بدونه- إلى المطالبة بتنصيب إحدى الميليشيات المتنازعة على أنها الدولة، وهي على الأرجح الميليشيا التي تحظى بالاعتراف الدولي، متناسيا في النهاية التجارب التاريخية العربية مع احتكار العنف، والاعتراف الخارجي إلي أعطانا في النهاية نماذج كصدام حسين.
إن أي طرح جدي لمسألة الدولة لا يمكن له أن يتغاضى عن التعاطي مع أسئلة مهمة من نوع، هل القوى التي على عاتقها مهمة بناء الدولة هي قوى متوافقة في طبيعتها مع مشروع الدولة، أو ما هي القوى التي تمثل الدولة استجابة متوافقة مع مصالحها، وأيضا ما هي الشروط المادية والاجتماعية وحتى السياسية المطلوبة للدولة وخاصة في الوضع العالمي الحالي؟
إن بدأنا بالمنظومة الحقوقية والمفاهيمية التي قامت عليها الدولة سنجد أنها قامت على معطيين أساسيين وهما مفهوما السيادة، و الشعب-الأمة.
إن الدولة هي صاحبة السيادة التامة على أراضيها، هذا المفهوم للسيادة الإقليمية شكل الحاضنة للدولة منذ صلح ويستفاليا الذي ثبت من وقتها مبدأ السيادة الإقليمية للدولة. إلا أن مفهوم السيادة هذا تعرض للانتقاص من قيمته المرجعية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، فحلت السيادة النسبية، وأولوية الشروط والمعايير الدولية على معايير السيادة، وأصبح حق المجتمع الدولي بالتدخل لاعتبارات إنسانية مقدما، هذه الاعتبارات المتعلقة أساسا بحماية الأقليات الاثنية أو الطائفية. فسيادة الدولة وبالتالي قدرتها على التصرف تعرضت للانتقاص بشكل منتظم من طرف المجتمع الدولي –أي من طرف الدول الأقوى- وأيضا من جماعات داخلية تطالب بحقوقها الثقافية والقانونية، مما يعني امتلاكها رصيدا من السيادة النسبية الذي يحد سيادة الدولة، هذه السيادة النسبية التي لها حق الحماية من المجتمع الدولي، ولهذه المجتمعات بالتالي الحق بمخاطبة الهيئات الدولية مباشرة وتمثيل نفسها باستقلال نسبي عن الدولة، وهو ما لم يكن تخيله ممكنا فيما مضى.
إن ظهور هذه المجموعات الفرعية لم يعن إلا أن هناك إشكالا فعليا في المفهوم الآخر الذي استندت عليه الدولة، وهو مفهوم الأمة والوعي الوطني، فالدولة هي دولة الأمة، ولكن الأمة تحللت راهنا في مجموعات فرعية (مذهبية بشكل خاص في الحالة العربية، أما الأقليات القومية –وتحديدا الكردية- فإنها هي الأخرى تستند إلى مفهوم الدولة-الأمة في مطالبها، ولكن في السياق ذاته لا تصل مطالبها المعلنة إلى حد الدولة المستقلة، ولكنها تفهم تحت مسمى "الاستقلال الذاتي" ما يكافئ الدولة المستقلة، ويكون بهذا جزءا من المشكلة العلاقة مع الدولة المركزية، وإذا أخذ المرء بعين الاعتبار وجود أقليات قومية أيضا ضمن المناطق ذات الأكثرية الكردية فذلك يعني أن عملية التفتيت والانتقاص المنتظم لجميع أشكال السيادة لن تتوقف) متنوعة أصبح كل منها شعبا بذاته وباستقلال عن الآخرين الذين أصبحوا إلى هذا الحد أو ذاك بمثابة الخارج بالنسبة إليه، الخارج المكافئ للخارج الأجنبي.
أصبح الشعب العراقي يتألف من السني العراقي، أو الشيعي العراقي أو السني الكردي وكل من هؤلاء خارجي بالنسبة إلى لآخر بالقدر الذي عليه الأميركي. والدولة عليها بهذا الحال تمثيل مصالح هذه المجموعات وليس التعبير عن المواطنين الذين لم يعد لهم وجود، فلا وجود لعراقي خارج هذه التحديدات التي تمثل بذاتها المدخل الوحيد إلى الدولة العراقية.
الحالة اللبنانية –ربما- تدفع المسألة إلى أقصاها، الطائفة تحتكر بشكل شبه تام حق التعبير السياسي وبالتالي مواجهة الدولة، وهي بهذا تضمن إعادة إنتاج نفسها داخل بنى الدولة نفسها، التي لم تعد إلا حيز اجتماع للطوائف، وهذا ما يعني أن الدولة تحيا أزمة مستمرة مع إمكانية حصول تعارض غير قابل للحل بين هذه الطوائف، وبالتالي عليها إحالة أمرها إلى قوة حيادية للتحكيم، وهذه القوة لا يمكنها إلا أن تكون قوة خارجية، وربما مثل اختيار الرؤساء اللبنانيين دليلا على مدى الحضور الخارجي في الحالة اللبنانية.
ما هو أسوأ أن تجنح بعض الطوائف إلى إنتاج التماهي بينها وبين الدولة، وتجعل من نفسها معيارا للوطنية، وعليه فإن التناقض معها يصبح بمثابة الخيانة، مما يدفع الآخرين إلى الممارسة ذاتها، وبهذا يكون الجميع خونة، كما في لبنان، حيث 8 آذار هم عملاء السوريين والإيرانيين أو العكس ويكون تيار 14 آذار هو عميل الأميركيين والسعوديين، وفي كل من الحالتين تصبح الوطنية اللبنانية مختزلة في فريق من الاثنين. المثال الفلسطيني طريف في هذا الصدد، فعلى الرغم من غياب الشيعة في فلسطين وتمتعها بتجانس ديني ومذهبي عال، إلا أن هذا لم يمنع من دمج الوطنية الفلسطينية في فتح والسنة، ومن ثم تمثيل حماس على أنهم الشيعة -وبالطبع عملاء الصفويين- القادمون لقتل الفلسطيني، رغم أن "حماس" هي فرع الأخوان المسلمين في فلسطين
.
يضاف إلى هذا مسألة مهمة بشكل خاص للدولة العربية وهي موضوعة التقدم والتنمية التي شكلت نقطة استناد لشرعية الدولة، التي ادعت أنها الوحيدة القادرة على انجاز التنمية.
أما اليوم فالوضع الاقتصادي لم يعد يسمح للدولة بممارسة دور واسع على مستوى الاقتصاد الذي يصبح أكثر وأكثر معولما ويعود إلى أفراد ( هم أصلا نتاج للسلطة ذاتها في المثال العربي)، يديرونه انطلاقا من معايير الربحية والجدوى الخاصة بهم، دون أي اعتبار للتنمية التي أصبحت مجرد موضة قديمة. في هذه الحال، ما الذي يبقى من الدولة في ضوء ضعف قدرتها الاقتصادية والتدخلية على مستوى الاقتصاد المنتج ونوعية الخدمات التي تقدمها إلى مواطنيها، وليس على مستوى تحكمها بمصادر الثروة القومية (الريع) أو مصروفاتها الكبيرة خاصة على الأجهزة الأمنية والسلاح؟ يبدو هذا الضعف فاقعا في الدول الثلاث (وإن يكن موجودا في غيرها أيضا) التي ترفع فيها أولا شعارات بناء الدولة؟
فالدولة لن تلعب دور رافعة اجتماعية لأي من الفئات الاجتماعية، وهي لن تكون قادرة على التحكم باقتصادها الوطني نفسه، الذي سيخضع لمتطلبات السوق. الدولة تزول كفاعل اقتصادي، وتبقى السلطة كملاك كبير، والنتيجة هي زوال للطبقات الوسطى التي مثلت العمود الفقري لمشروع الدولة والحاضنة له.
أما فيما يخص مسألة احتكار العنف فنستطيع أن نرصد ملامح مهمة بدأت بدورها في الظهور تتعلق بدور متزايد بدأت تلعبه الشركات الأمنية (المرتزقة) والتي يملك بعضها قوة تفوق ما تملكه دول بذاتها، فالدولة أخذت تحيل جانبا من أهم صلاحياتها (الأمن) إلى مؤسسات خاصة وربما يبدو وضع المرتزقة واضحا في العراق ولكنه أيضا موجود في الحالة الفلسطينية، فمن يتولى أمن المعابر إلى إسرائيل هي شركة أمنية خاصة، ومثلت العلاقة معها ومن خلال المعابر مصدرا ربحيا لعدد من متنفذي السلطة وفي مقدمتهم محمد دحلان، وتحمل تكاليفها في النهاية المنتجون الفلسطينيين.
السيادة المنقوصة من قبل المجتمع الدولي والمجموعات الفرعية، غياب الشعب والمواطنين كقاعدة لشرعية الدولة وظهور أشكال بديلة للانتماء، الضعف الاقتصادي للدولة والنقص المتزايد في قدرتها على ممارسة دور فعال على الاقتصاد الوطني وما يترافق معها من اندثار للطبقات الوسطى، وأخيرا ظهور أشكال جديدة عابرة للدولة تتولى مسؤوليات الأمن هي النقاط التي تشكل الأرضية المادية لأي نقاش يبدأ بطرح مسألة الدولة.
إذا انتقلنا الآن إلى القوى التي يقع على عاتقها بناء الدولة كما هو مفترض فما الذي سنجده أمامنا؟
الحكومة العراقية ممثلة للتحالف الشيعي والتحالف الكردستاني، أو حتى مجموعة إياد علاوي التي سبقت الائتلاف الشيعي.
ربما كانت فضائح الفساد التي رافقت جميع الحكومات العراقية دليلا مبدئيا على مدى انسجام هذه القوى مع مشروع الدولة، هذا الفساد الذي هو سمة بنيوية للدول العربية كافة والتي تحتل عموما مكانا سيئا في الترتيب العالمي في قضايا الفساد. ويؤشر الفساد إلى العقلية التي تتعامل بها هذه القوى مع الدولة باعتبار أنها إما ملك خاصا بها، أو انطلاقا من أنها مال مشاع، لكل من يستلم السلطة الحق في نهبه بالسرعة التي يستطيع حتى تحين لحظة مغادرته.
إلا أن السلوك المميز والمهم هو طغيان عقلية الثأر، وهي العقلية الأشد تعارضا مع مشروع الدولة.
الشيعة (قوى الائتلاف الشيعي الممثلة أولا بالشرطة العراقية) تعاملوا مع السنة العراقيين باعتبار أنهم مهزومو حرب وليس باعتبارهم مواطنين لهم، وبالتالي مارسوا عليهم كل صنوف الإذلال والقهر وصولا إلى القتل والخطف الجماعيين والتهجير السكاني. بالتأكيد أن القوى السنية التي انبثقت إما في سياق المقاومة أو حتى المشاركة السياسية لم تقصر في ممارسة الثأر من جانبها، كما لم تقصر في ترسيخ الوعي الطائفي كشكل أولي للانتماء.
الحالة الفلسطينية مشابهة إلى حد بعيد، فالسلطة الوطنية استندت أولا على الشرعية الثورية السابقة (هذه الشرعية التي كانت في حالات أخرى مثار اعتراض محق من قبل كل المنادين بالدولة) لحركة فتح كحركة استقلال وطني.
مثل بناء السلطة الفلسطينية ثأرا اجتماعيا لبرجوازية المدن الفلسطينية (وهي ذاتها النخبة التقليدية التي حاول الإسرائيليون سابقا تدعيمها بغرض الانتقاص من الشرعية التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية) بالتحالف مع العائدين من كوادر "الشباب" الذين خاضوا الانتفاضة الفلسطينية، والذين انحدروا من الطبقات الدنيا لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين، والذين شكلت الانتفاضة بالنسبة إليهم هم أيضا صراعا اجتماعيا ضد هذه البرجوازية ، كما كانت أتاحت لهم الفرصة لتعزيز موقعهم الاجتماعي، الذي اضطروا لفقده مع بناء السلطة. وهم، "الشباب"، أصبحوا بعد تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية أمام احتمالين: إما الانضواء في أجهزة الأمن (التي تضخمت بشكل كبير كنوع من الرشوة الاجتماعية، ففي غزة كان هناك مع بداية أوسلو 8000 شرطي ليصبحوا 50000 فيما بعد) أو التعرض إلى العقاب وفقد المكانة.
عملية الثأر والقصاص هذه لم تقتصر على أبناء المخيمات الذين رفضوا الانضواء في الأجهزة الأمنية إنما امتدت إلى مواجهة الحركات الإسلامية، وخاصة أن الأجهزة الفلسطينية بنيت على اعتبارات الأمن الإسرائيلي أولا، يضاف إليها فضائح الفساد والتعاون الذي نشأ مع الاحتلال الإسرائيلي بحيث مثلت السلطة الفلسطينية ما يشبه إدارة استعمارية بواجهة محلية (قدمت ليتيسيا بوكاي في كتابها "جيل الانتفاضة" وصفا مميزا لبناء السلطة الفلسطينية وعلاقاتها مع سلطة الاحتلال).
التداعيات التالية كانت هي الأهم، ففتح التي هزمت في الانتخابات الفلسطينية سعت جهدها للتعطيل على حماس الفائزة، وإن الناحية الأمنية، خاصة أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية مكونة من كوادر فتح وتحركها عقلية الميلشيا والانتماء إليها.
ووصل الحال إلى توافق فتح مع الحصار الدولي الذي فرض على الفلسطينيين نتيجة خيارهم السياسي وتحميل حماس مسؤوليته، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على غياب حد أدنى من الوعي الوطني و معنى الدولة، بل يمكن أن يصل إلى حدود مثيرة للسخرية كما في رفض السيد عباس للحوار مع حماس انطلاقا من رفضه الحوار مع من سفك الدم الفلسطيني، بالوقت الذي لا يدخر جهدا للقاء أولمرت برغم الدم الذي سفكه وما يزال، وبالرغم أيضا من انعدام الجدوى السياسية لهذه اللقاءات. هذا السلوك يذكر بسلوك الأنظمة العربية الأخرى التي تسعى للحوار مع المنظمات الدولية وغيرها في الوقت الذي ترفض أي حوار مع قوى وطنية خارج لغة الإقصاء والمنع التي تجيدها، طبعا لا يعني هذا تبيضا لصفحة حماس، فحماس التي سرعان ما حسمت صراعها مع فتح في غزة بقوة السلاح ألحقته بممارسات ما تزال مستمرة لا يمكن وصفها إلا على أنها صورة أخرى لممارسات فتح الثأرية.
في الحال اللبنانية يبدو الوضع صعبا لكثافة الأمثلة والتاريخ، فممثلو مشروع الدولة –أي 14 آذار وبشكل خاص كل من جعجع وجنبلاط- يملكون تاريخا في الثأر والقتل على الهوية والمذابح والاغتيالات عمره من عمر الحرب الأهلية، وفيما يخص جنبلاط فإن تاريخه امتد مع عمر الوصاية السورية وممارساتها ضد فئات اللبنانيين المعارضة للوجود السوري وقتها، وحتى فيما يخص ممارسة الحكومة اللبنانية بعد العدوان الإسرائيلي فيما يتعلق بالمساعدة المالية للمتضررين من الحرب والتي استخدمت من قبل الحكومة كعقاب لهم على مواقفهم السياسية.
طبعا تاريخ ممثلي 14 آذار لا ينفصل عن معارضيهم من الميلشيات التي تقف الآن في الصف المضاد.
ما الذي لدينا الآن؟
إذا أخذنا بالاعتبار النقاط السابقة ستكون النتيجة، أن اختصار مسألة الدولة بموضوع سلاح الميليشيا لا يمكن عده إهمالا بل تزييفا للواقع. فالدولة التي يجري النقاش عليها هي دولة ذات سيادة منقوصة ولا تعبر عن شعب/أمة، ولا تملك القدرة على التحكم بالحياة الاقتصادية لشعبها، وأخيرا تعتبر مهمة قوى هي في المحصلة الختامية أبعد ما تكون عن مشروع الدولة، يعني أننا في النهاية لا نملك قضية دولة أصلا، ربما قضية شركة أمنية.
طرح قضية الدولة لا يمكن إلا عبر معالجة مسألتي السيادة وحدود قدرة الدولة على الفعل، وكذلك قضية الانتماء الوطني وليس الانتماءات الفرعية والنزعة الثأرية التي على أساسها تتحرك القوى الحالية، التي تدعي إنها مشروع الدولة.
المراجع
alawan.org
التصانيف
تصنيف :تاريخ أحداث مجتمع
|